/ صفحه 372/
تصيّد خزّان الشّربّة بالضحا و قد حجرت منها ثعالب أورال(1)
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها الغناب والحشف البالي(2)
فقد أراد امرؤ القيس أصلا أن يشبه فرسه بالعقاب، في سرعة الكر، وشدة الهويّ، لكنه لم يكتف في ذلك بمطلق التشبيه، فراح يصف هذه العقاب في خلقها، وصيدها، وسعةعيشها، لتضح صورة الفرس على ما يريد، فإذا هي عقاب لينةالجناحين، سريعة الخطف، كثيرةالاصطياد، خفيفةالحركة، تصيب رزقها رغدا من أرانب الشّربّة، ويتقى بأسها ثعالب أورال، وهي لذلك تلازم أجحارها لا تريم.
والاستطراد في الحالين من الطرد، بفتح فسكون، أو بفتحتين، والفعل كنصر، ومعناه أبعد ونفي، ومنه الحديث الشريف: ((التهجد مطردة للحسد)) أي مبعدةله، ينتزعه من صاحبه، وينفيه عنه، ويقال أيضا: اطّرد الشىء، أي تبع بعضه بعضا، وجرى. ومنه قول ابن عباس رضى الله عنه: لو اطّردت خطبتك من حيث أفضيت، أي لو مضى القول فيها على وجه، يتبع بعضه بعضا.
كلمة قالها ابن عباس رضي الله عنه للإمام على كرم الله وجهه في خطبته الشقشقية، حين نهض إليه رجل من أهل السواد، فناوله كتابا، فأقبل عليه كرم الله وجهه يقرؤه، وشغل به عن الخطبة، فلم يتمها.(3)

*(هوامش)*
(1) خزان: جمع حرز، كصرد، وهو ذكر الأرانب، حجرت: منعت، وتخلفت من الخوف، الشربة وأورال: موضعان.
(2) يقال: إن فرخ العقاب يأكل لحم الطائر، خلا قلبه، فلذلك كثرت القوب لذى وكر هذه العقاب (راجع شرح ديوان امريء المقيس للوزير أبي بكر بن عاصم، قصيدة: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي).
(3) يروى أن الإمام كرم الله وجهه، قال لابن عباس رضى الله عنه، ردا على كلمته المذكورة: هيهات يابن عبسا، تلك شقشقة هدرت، ثم قرت، والشقشقة: شيء كالرئة، يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وبها سميت الخطبة بالشقشقية (راجع شرح نهج البلاغة للأستاذ الإمام محمد عبده: 1: 42)