/ صفحه 39/
في تشعب الأحكام وتشعب أساببها: ((تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور)).
فالأحكام الفقهية التي دونت في كتب الفقه الإسلامي، إن هي إلا صور للحياة الإسلامية فيما بين المحيط الهادي والمحيط الإطلنطي، مدى يوشك على نهاية القرن الرابع عشر … وهذا - وحده - كاف في تعرف قيمة هذه الأحكام، وأنها جديرة بأن تمد العقل البشري الذي أقفر - أوكاد - من الحلول السماوية للمشاكل الاجتماعية - تمده بحاجته من تلك الحلول لمختلف أنواع القضايا الدولية والشعوبية … ما كان منها وما هو كائن … ولكن الوصول إلى هذه الأحكام - على ضرورته - أمر عسير، ويزيده مشقة وعسراً، أن اللغة والأسلوب فيهما من العمق والدقة والغموض والإبهام - وخاصة كلما تقادم العهد - ما يجعلها مستعصية على الكافة من المثقفين، بل على أكثر الخاصة.
فإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن هذه الذخائر النفيسة من كتب الفقه الإسلامي، لا يسهل الوصول إلى الأحكام المدونة فيها، إلا لطائفة من الأزهريين المتمكنين الذين توفروا على دراستها وهضموا ما فيها، ووصلوا إلى أسرارها وأغوارها. وهذه الطائفة - تتمثل أكثر ما تتمثل - في بقية باقية من الشيوخ القدامى، وهي آخذة - مع الأسى والأسف - في الانقراض!!
فلقد كان الأزهر - وهو أكبر معهد علمي إسلامي - إلى عهد قريب عاكفا على تدريس المؤلفات الفقهية بدقة وإمعان، متابعا متوسعا فيما انتهى إليه السلف، بما يجد من صور قضايا الحياة، مضافا إليها الفروض والاحتمالات … فكان الكتاب الواحد من تلك الكتب مفسراً بشارح. والشارح مفسراً بحاشية، وكثيراً ما تفسر الحواشي بتقارير، والتقارير بتعليقات … ومن وراء كل هذه يقف الشيخ ليضيف إلى الدرس تجاربه ومفاهيمه العلمية، فيغوص ويغوص في مبهمات ومدلهمات، ثم يخرج أخيراً - بالعجب العجاب من صور الأفكار الحية أو الصالحة للحياة!!
حتى إذا ما أريد للأزهر أن يتوسع في العلوم الرياضية وغيرها مما اقتضته