/ صفحه 391/
مجاورين لليونان، ولامن بكر لمجاورتهم للقبط والفرس، ولا من عبد القيس وأزد عمان لأنهم كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم. والذي نقل اللغة واللسان العربي عن هؤلاء وأثبتها في كتاب فصيرها علما وصناعة هم أهل البصرة والكوفة فقط من بين أمصار العرب))(1).
فهذا دفاع واهن غاب عن أصحابه ما غاب عن جامعي اللغة أن هذه قبائل عربية أصيلة، وأنها تملك من اللغة أضعاف ما تملكه القلة المحصورة في الستة، وأنه لا يعيبها أن تسكن الحضر وأطراف البلاد وتقارب الأعاجم والنصارى هناك، ذلك أنها بحكم أصالتها العربية، وأنها من أهل شبه الجزيرة الخلص تملك أن تنشيء الكلمات إنشاء وتخترعها ابتداء؛ بل لكل فرد منها ذلك ما دام بعيدا عن التجريح (أي ليس متهما بالغفلة أو الجنون أو الكذب أو المرض المذهل) ولها أن تأخذ من لغات العجم ما تشاء فتنقله إلى لغتها باسم المعرب أو غيره من الأسماء، وإلا فكيف خلقت الألفاظ العربية الصحيحة أول ما خلقت؟ وكيف دخلت الألفاظ المعربة في حوزة العربية واندمجت مع أخواتها العربيات، ونطق بها خلصاء العرب القدامي، ونزل بها القرآن في آيات كثيرة ومواضع متعددة لأمم أعجمية مختلفة بين فارسية وحبشية ويونانية؟ كيف نوفق بين استبعاد تلك القبائل العربية الكثيرة وإباحة خلقها الكلمات ابتداء، وابتكارها ما تشاء منها؟
كيف نوفق بين استبعادها عن ميدان الاستدلال بلغتها وكلامها من أجل تلك التعلة الواهية التافهة - ووجود المعرب الذي جرى على لسان العرب جميعا وبتخلل أبلغ كلام عربي مبين وهو القرآن الكريم؟ إن وجود المعرب أقطع دليل على أن العرب الناطقين به عاشروا العجم طويلا أو قصيرا وأخذوا عنهم بعض لغتهم بسبب

*(هوامش)*
(1) الألفاظ والحروف لأبي نصر الفارابي (عن ص 128 ج 1 من المزهر).