/ صفحه 392/
هذه المعاشرة أو بغيرها من الأسباب فارتضوه وقبلوه وأدخلوه في لغتهم وأجروه على لسانهم وأخذ مكانه من القرآن وغيره فليس مقبولا ولا معقولا بعد ذلك أن نرفض كلاما عربيا من إحدى القبائل بشبهة مهلهلة هي شبهة اتصالها بالأعاجم اتصالا قد يغريها بأخذ بعض ألفاظ أعجمية زوجّها في غمار العربية. على أنا نعلم أن بعض القبائل الست اتخذ له رحلات رتيبة إلى أطراف شبه الجزيرة شمالا حيث الرومان والسريان وبعض الناطقين بالعبرانية وجنوبا حيث النزلاء من الهنود والفرس واليونان. فقد كانت قريش (و هي أظهر تلك القبائل وأعظمها) ترحل كل عام رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام وتقيم فيهما وتخالط أهلهما ما شاءت لها دواعى التجارة وأسباب الحياة وكذلك كان بعض القبائل الأخرى يرحل إلى أطراف البلاد الشرقية حيث الفرس وحيث إخوانهم الذين أخضعهم الفرس لسلطانهم حينا من الزمان فليس من النصفة أن نفرق بين القبائل العربية في الحكم اللغوي ونجعلها درجات بعضها فوق بعض في الوقت الذي يسجل فيه أعلام الأئمة أن العرب الخلص سواسية من حيث صحة كلامهم والاستشهاد بلغتهم لا فضل لأحدهم على الآخر من هذه الناحية وليس بينهم فاضل ولا مفضول فكلهم في هذا سواء. وإذا انفردت قبيلة أو عربي أمين بكلمة أو أكثر لم يسعنا إلا قبول ما انفرد به، ولم يجز لنا الرفض أو التجريح؛ يقول بذلك ابن جنى وأبو حيان وأبو عمرو وابن فارس والشافعي وغيرهم ممن تصدوا لبحث هذه المسألة فقد انتهوا فيها للرأى السالف الذي سجلناه في بحث آخر. ((للبحث بقية))