/ صفحه 402/
النفسي، والحسد والبغضاء في نفوس المحرومين ضد غيرهم من الموسرين، يقول الله تعالى: ((والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا مما رزقناهم، سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة، أولئك لهم عقبى الدار)). ويقول: ((أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا، ويدرءون بالحسنة السيئة، ومما رزقناهم ينفقون)).
والإنفاق هنا ليس الزكاة. وإنما هو إعطاء، وراء فريضة الزكاة، سرا أو علانية. وقد ربط الله سبحانه هنا بين الصفات التي تدعوا إلى التحمل من صاحبها، في سبيل استقامة الأمور، وعلاج المشكلات. فالصبر في المحنة والأزمات، وإقامة الصلاة التي من شأنها أن يمسك المصلى عن الفحشاء والمنكر، والإنفاق في سبيل الخير وسبيل الله، وإبعاد السيئة عن طريق الحسنة- كلها خصائص تبعد الأزمات وتسد طريق الشر، ولكنها تتطلب الاحتمال وضبط النفس.
أوصى القرآن بهذا كله، وبغيره مما يتصل بشأن الجماعة العامة، وهي الأمة، قاصدا أن يبقى على التكتل والتجمع، وأن يحول دون العوامل المخربة. والعوامل المخربة ترجع جميعها إلى اختلال العدل، أن اختلال التعادل والتوازن في الجماعة:
فالولاء للأجنبي، والتحيز في الفصل بين الناس، والمسارعة في قبول الوشايات، واستغلال القوى للضيعف، وعدم تقرب الغني من صاحب الحاجة: صاحب المال من الفقير، وصاحب المعرفة من الجاهل، والسليم من المريض … إلى غير ذلك - كل هذه أمور تؤدي إلى اختلال في توازن الجماعة، لا محالة. فرسالة القرآن للجماعة العامة هي رسالة توازن وتعادل، كرسالته للفرد نفسه، التي هي توازن وتعادل بين القوانين اللتين من شأنهما السيطرة عليه.