/ صفحه 404/
حتى إذا غلب على الأندلس دولتا البربر: الملثمون والموحدون ودولة بني الأحمر، اضطرب حبل الأمن في ربوعها من سنة 484 هـ، إلى انقراض الدولة الإسلامية منها سنة 897 هـ، وانعكس الحال فارتحل كثير من علمائها إلى المشرق، وبخاصة في القطرين: مصر والشام، لاجتوائهم بلاد الأندلس في تلك الأيام من الذعر السائد فيها، وترحيب الشرق بهم، وفي هاتين المدتين قلما يعود المهاجر إلى مسقط رأسه لأنه لا يشعر باغتراب بين النازل عندهم، بل يرى حوله الحياة الجديدة رغدة ينعم فيها باله وينوه فيها عن فضله، فعالم المغرب يلتف حوله أهل المشرق، وأديب المشرق يطريه أهل المغرب، لقد تبع هذا التقارب وذلك التزاور الدائب أنه إذا تردد اسم في المغرب أو المشرق وطوفت شهرته في الجانب الآخر فإنه ربما طغى أحد الاسمين على الآخر، ولا سيما إذا اتحد زمناهما كابني خروف.
على أن ابني خروف لم يك مبعث التلبيس بينهما راجعا إلى المقارنة الزمانية فحسب، بل انضم إليه أسبقية المغربي في الشيعان لدى العلماء مشارا إليه بما يحمله هذا المركب الإضافي من التندر الذي شق له طريق الذيوع في أقاصي الآفاق، فوقر في أذهان أصحاب المعاجم، وضاع على الثاني التفاتهم إليه كأن لم يكن مذكورا.
ولم أعثر فيما قرأت على ما دعا الناس إلى نبزهما بهذا المركب الذي وسما به، وليس في آبائهما ما يسبب إلصاقه بهما، على أن العرف الجارى بين الناس النبذ لأدنى مناسبة، وسرعان ما يستهوى العامة، فلا ينفك لا حقا أصحابه ضربة لازب، ولا مخلص منه إلا مجاراته والرضوخ لتقبله على مضاضة، فهو قدر محتوم.
كما انضم إليه بطريق الاتفاق والمصادفة أن اتحد علما المغربي والمشرقي وعلما أبويهما وكنيتاهما، وكأن الأقدار مهدت لهذا التخليط بهذه الأسباب مجتمعة - إن هذا لعجب، وأي عجب؟ فالتفرقة ببنهما لا يلاحظها إلا المعنيون بالدقة في التراجم، وقليل ما هم.
على أن إهمال أحد الاسمين مع نسبة أعمالهم وآثاره إلى المترجم له ليس من الميسور قبوله لدى العلماء، بل إنه جدّ خطير إذ يترتب عليه أمران هامان: إنكار