/ صفحه 422/
الحقائق. ويقررها لهم، وولكنه إنما يهتم بنوع خاص من الحقائق هو الذي يترتب عليه تربية خلقية يصلح عليها الفرد والمجتمع.
فالأديان لا يهمها أن أعتقد مثلا أن هناك كوكبا معينا اسمه ((المريخ)) أو أن هذا الكوكب فيه حياة، أو ليست فيه حياة، ولا ترتّب علي هذا الاعتقاد - إيجابيا كان أو سلبيا - تكليفا ولا حسابا.
ولايهمها أن أعتقد أن الأرض كرويةالشكل، أو ليست كروية، ولا أن أعتقد أن لها دورتين، أو دورةواحدة … إلى غير ذلك من القضايا العلمية، والحقائق الكونية.
وليس معنى ذلك أن الدين لا يهتم بالعلم، ولا يلقي باله إلى ما في الكون من حقائق وسنن، ولكن الكلام إنما هو في اعتقاد شيء من ذلك اعتقادا دينيا أو عدم اعتقاده، فما دام لم يرد به نص قاطع ولم يصادم الاعتقاد به أصلا من أصول الدين، فالأمر فيه طلق، ولا ضير في الدين من إثباته أو إنكاره.
3 والحقائق التي عني الدين ببيانها، لما يترتب عليه من تربية خلقية، وتهذيب وتقويم في العمل والسلوك، ترجع إلى جوامع ثلاث، لكل منها ما يتصل به ويأتي مكملًا له، وهي: الألوهية، والوحى، والبعث.
فالألوهية حقيقة يتصل بها كثير من الحقائق، كصفات الإله الوجودية والسلبية، وهذه الدائرةأو هذه الجامعةمن شأنها أن توجه الإنسان إلىالصراط المستقيم، لأنه إذا علم أن للكون إلها واحدا، وأن كل ما ومن سوى هذا الإله الواحد خاضع له مدين لحكمه؛ عرف قيمةنفسه بالنسبة للآخرين، وسار في حياته في ظل الشعور بالمساواة، لا بالضعف، ولا بالذلة، ولا بالهوان، ثم عرف قيمةنفسه بالنسبة إلى ربه وخالقه الذي يحب أن يكون إلهه ومقصده في جميع أعماله وتوجيهاته.
فالألوهيةو صفاتها وما يتصل بموضوعها حقائق ثابتة، وهذه الحقائق لها قيمتها التوجيهية في حياة الإنسان، ولذلك بينها الدين، وكشفها للناس، ثم أوجب عليهم الإيمان بها، ولا يقبل فيها مهادنةو لا مجاملةو لا تبديلا ولا تحويلا، ولم يكلهم في شأنها إلى أنفسهم، كما وكلهم في الحقائق الدنيوية.