/ صفحه 43/
وقد تصدى كثير من باحثي الفرنجة لهذا النظام، ووجهوا إليه عدة مآخذ. فذهبوا إلى أن إباحة الإسلام للسيد أن يستمتع بجواريه ويتسراهن بدون عقد زواج تنطوي على إهدار لكرامة الإنسان، إذ تعامل الجارية معاملة السلعة يتصرف فيها المالك كما يشاء وتشاء له أهواؤه، بدون رعاية لحرمة إنسانيتها، وبدون ارتباط معها بعهد ولا ميثاق. ويقولون إن في إباحته لهذا التسري بدون تقيد بعدد تيسيراً لانطلاق الغرائز الحيوانية من عقالها، وتحريراً لها من القيود التي قيدتها بها الحضارة.
وقد جهل هؤلاء الفرنجة الوضع الصحيح لهذا النظام في الإسلام، وعميت أبصارهم عن الأغراض السامية التي قصد إليها الشارع من إباحته.
وذلك أن الإسلام قد ظهر في عصر كان نظام الرق فيه دعامة ترتكز عليها جميع نواحي الحياة الاقتصادية، وتعتمد عليها جميع فروع الإنتاج في مختلف أمم العالم. فلم يكن من الإصلاح الإجتماعي في شيء أن يحاول مشرع تحريمه تحريماً باتاً مرة واحدة؛ لأن محاولة كهذه كان من شأنها أن تعرض أوامر المشرع للمخالفة والامتهان. وإذا أتيح لهذا المشرع من وسائل القوة والقهر ما يكفل به إرغام العالم على تنفيذ ما أمر به، فإن ذلك يعرض الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهزة عنيفة، ويؤدي تشريعه إلى أضرار بالغة لا تقل في سوء مغبتها عما تتعرض له حياتنا في العصر الحاضر إذا ألغى بشكل فجائي نظام البنوك أو الشركات المساهمة، أو حرم استخدام العمال وقضى على كل مالك أن يعمل بيده، أو بطل استخدام السكك الحديدية أو استخدام البخار: فالرقيق كان بخار الآلة الاقتصادية في تلك العصور.
لذلك أقر الإسلام الرق. ولكنه أقره في صورة تؤدي هي نفسها إلى القضاء عليه بالتدريج، بدون أن يحدث ذلك أي أثر سيء في نظام المجتمع الإنساني، بل بدون أن يشعر أحد بتغيير في مجرى الحياة. والوسيلة التي ارتضاها للوصول إلى هذه الغاية من أحكم الوسائل وأبلغها أثراً وأصدقها نتيجة. وهي تتلخص