/ صفحه 44/
في العمل على تضييق الروافد التي كانت تُمِد الرق وتغذيه وتكفل بقاءه، وفي توسيع المنافذ التي تؤدي إلى العتق والتحرير.
وبذلك أصبح الرق أشبه شيء بجدول كثرت مصباته وانقطعت عنه منابعه التي يستمد منها الماء. وخليق بجدول هذا شأنه أن يكون مصيره إلى الجفاف.
وبذلك كفل الإسلام القضاء على الرق في صورة سليمة هادئة، وأتاح للعالم فترة للانتقال يتخلص فيها شيئا فشيئا من هذا النظام.
هذا، وقد كان من روافد الرق انتقاله بطريق الوراثة إلى من تلده الأمة. فقد كان من المقرر عند جميع الأمم التي أخذت بهذا النظام أن الولد يتبع أمه رقاً وحريةً بقطع النظر عن حالة أبيه. فولد الأمة كان يولد رقيقاً مملوكا لسيدها ولو كان أبوه حراً. وولد الحرة كان يولد حرا ولو كان أبوه رقيقاً. وقد كان هذا الرافد من أهم روافد الرق، بل كان أهمها جميعاً وأشدها أثراً في صيانة هذا النظام، والإبقاء عليه، وتخليده على ممر العصور والأجيال حتى بعد انقطاع موارده الأخرى جميعاً.
فعمد الإسلام إلى هذا الرافد ووجهه توجيهاً يؤدي في النهاية إلى جفافه بعد أمد غير طويل، حتى ينتهي بانتهائه نظام الرق نفسه، أو تتقوض بتقوضه دعامة هامة من الدعائم التي كان يعتمد عليها الرق في بقائه.
فأباح للسيد أن يتسرى جواريه كما كان الشأن من قبل الإسلام في جميع الشرائع التي أقرت الرق. ولكن الإسلام خالف هذه الشرائع جميعا في النتائج الاجتماعية الخطيرة التي رتبها على هذا التسري. وذلك أنه قرر أن الجارية إذا تسراها سيدها فجاءت منه بولد فإن هذا الولد يولد حرا إذا اعترف به السيد، وأنه يجب على السيد ديانةً أن يعترف بمن تجيء به الجارية من ثمرات اتصاله بها، وأن جميع من تجيء به بعد ذلك يثبت نسبه من السيد ويولد حرا بدون حاجة إلى اعتراف آخر صريح، لأن اعترافه الأول دليل على أنه قد اتخذ هذه الجارية لفراشه، وأن الجارية نفسها التي تأتي بولد