/ صفحه 48/
فالإنسان إذن سعي وكفاح في الحياة. لكن أذلك من أجل حفظ البقاء الشخصي أو النوعي فقط؟
وعند الإنسان أمل يدفعه على السعي والكفاح. لكن أو يوجه هذا الأمل سعى الإنسان وكفاحه نحو حفظ البقاء الشخصي أو النوعي وحده أم يشرك معه هدفاً آخر أبعد من حفظ البقاء في صوريته؟
والهدف الذي يمكن أن يتجه إليه سعي الإنسان بجانب تحقيق حفظ البقاء تحدده نشأة الإنسان وتحدده العوامل التي تشترك في تطويره التي من بينها وفي مقدمتها الوسط الإجتماعي للحياة وطابع الثقافة التي يتثقف بها في المدرسة أو الحي.
وهذه العوامل كما تحدد هدف الإنسان تؤثر أيضاً تأثيراً قريباً أو بعيداً في مدى توجية أمل الإنسان نحو تحقيق هذا الهدف.
وكلما بعد الهدف عن الدائرة الشخصية للفرد؛ دل هذا البعد على أن صاحب هذا الهدف استطاع في توجيه سعيه وكفاحه أن يجعل لهدفه البعيد الوضع الأول في حياته ولحفظ بقائه الوضع الثاني فيها. وهو عندئذ يعيش ليسعى نحو تحقيق هدف في الحياة ليس هو العيش. وبعبارة أخرى بقاؤه عندئذ مقدمة فقط لغاية بعده، وحياته الحيوانية - الفردية والنوعية - وسيلة يصل عن طريقها لتحقيق هدف يحتل المنزلة الأولى في سعيه وكفاحه.
والأهداف البعيدة كثيرة ومتنوعة في الدرجة: فخدمة الوطن لذات الوطن هدف يبعد قليلا أو كثيراً عن أنانية الإنسان وفرديته. وصنع الخير لإنه مطلوب لمصلحة الجماعة، والتمسك بالقضائل العامة كالأمانة والوفاء بالوعد لإنها فضائل يعود التمسك بها بالخير على الإنسان العام من أمثلة هذا الهدف البعيد.
والإيمان بالله. لا رغبة في ثوابه ولا هرباً من عقابه يعد الهدف الأخير الذي ينتهي عنده أمل الإنسان وينتهي عنده سعيه وكفاحه في حياته.
وكلما بعد الهدف عن دائرة الفردية للإنسان وبالتالي اقترب من الجماعة الإنسانية العامة كلما اشتد سعي الإنسان وامتد كفاحه لتحصيله.