/ صفحه 57/
ولعمري هل بقى من الفضائل ما لم تُحزه هذه الوصاة الحكيمة، فما ذا يبتغي الحاث على المآثر وراء هذه الدرة الثمينة. وقد لفتت أبا تمام - وهو الألمعي - فاستعان بها في قصيدته التي استجدى بها فروا من بعض السراة إذ يقول:
فأنت العليم الطب أي وصية بها كان أوصي في الثياب المهلب(1)
ولما أحس المهلب دنو الأجل المحتوم استدعى أشباله حوله غير أن يزيد كان غائباً، فحثهم على الاتحاد ووثاقة الإرتباط بينهم، وضرب لهم مثلا محسا إذ أنه استحضر سهاماً فحزمت، ثم قال: أترونكم كاسريها مجمعة، قالوا: لا، قال: حلوها أفترونكم كاسريها مفرقة، قالوا: نعم، قال: هكذا الجماعة. إنها لقضية شاهدها معها، وقد ألهم بها الشاعر الحكيم:
كونوا جميعاً يا بنى إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا أفرادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا و إذا افترقن تكسرت آحادا

ثم عهد إلى يزيد الغائب أن يخلفه في ولاية خراسان، وقال لإخوته: لا تخالفوا يزيد، فقالوا جميعاً وفي مقدمتهم الفضل (أكبرهم): لو لم تقدمه لقدمناه، ثم فاضت روحه عليه رحمةالله في السنة الثالثة والثمانين بقرية من أعمال مرو الروذ من ولاية خراسان، فبكاه الناس أجمعون، وأكثر الشعراء في تأبينه والتفجع عليه، ومن ذلك قول نهار بن توسعة اليشكرى:
ألا ذهب الغزو المقرِّب للغني ومات الندى والحزم بعد المهلب
أقاما بمرو الروذ رهن ضريحه و قد غيُبا عن كل شرق ومغرب(2)
ولاية يزيد خراسان:
لا أريد الآن استعراض التاريخ التفصيلي لحياة يزيد ومواقفه التي يتسع فيها القول، إذ ليس مقصوداً لنا، وإنما نسرد إجمالا ما نال من الولايات الكبرى،

*(هوامش)*
(1) الطب: الحاذق، والبيت آخر القصيدة مشروحة في هبة الأيام للبديعي. ص 266 وما بعدها.
(2) البيتان في أمالي القالي ج 2 ص 199 والطبري ج 2 ص 89.