/ صفحه 62/
أمثال: إبن رشد، وابن سينا. ولذلك أنشيء في باريس منذ أواسط القرن الثالث عشر للميلاد درس عام لتدريس اللغة العربية.
على أن إقبال الغربيين على درس اللغات الشرقية وتفهمها لم يكن الغرض منه مقصوراً على الانتفاع بما خرج فيها من العلوم فحسب، بل لقد طلبوا ذلك أيضاً للأغراض التجارية، وطلبوه بحظ أعظم من هذا لتيسير التبشير بالمسيحية في البلاد الشرقية. فقد قضى مجمع فينا سنة (1311 م) وكان برياسة أكلمنت الخامس أن تؤسس في باريس واكسفورد وبولون دروس عربية وعبرانية وكلدانية لتخريج وعاظ وأهل جدل أشداء لتنصير المسلمين واليهود. وأنشأ الفرنشيسكان والدومينيكان من الرهبنات الكبرى أديارهم دروساً في هذه اللغات، فأصبحت إيطاليا مهد حركة نجحت في الاستشراق، وأخذوا بنوع خاص يدرسون العبرية للتعمق في فهم أسرار التوراة وتنصير اليهود، ويدرسون اللغة العربية لتنصير المسلمين. فكانت رومية أول مدينة في العالم طبع فيها كتاب عربي عقيب اختراع الطباعة، وهو: ((قانون ابن سينا)).
وفي أواسط القرن الثامن عشر لما أخذت أوربا تتحفز لاستعمار الشرق أخذ علماؤها يبحثون في تأليف جمعيات لهذه الغاية فأنشئت منذ ذلك العهد في أوربا وأمريكا عدة جمعيات للمستشرقين وأقدمها عهداً الجمعية الآسيوية في باريس التي اسست سنة (1822 م) بمعرفة شيخ المستشرقين من الفرنسيين سلفستر دي ساس ثم أنشئت معاهد للغات الشرقية في جميع الدول تابعة هذه المعاهد لوزارة المستعمرات أو لوزارة الخارجية المشرفة على الشئون السياسية فلا عجب إذن إذا رأينا المستشرقين يجهدون في تصوير الشرق بصورة بشعة قبيحة في أخلاقه وعاداته وآرائه ويتجنون على الإسلام في كتاباتهم ونشر ما يدعو إلى التشكك في الدين الإسلامي وإلى تزعزع اليقين في صحة كتابه الكريم وصدق الرسول الأمين. فهم لا يعفون عن الاتهام فيما يكتبونه ولا يترفعون عن الهوى فيما يبحثونه اللهم إلا نفر قليل منهم رزق الإنصاف أو أرغمه التاريخ على الاعتراف