/ صفحه 68/
ولهذا عُني العلماء قديماً وحديثاً بالتنبيه على وجوب ملاحظة هذه الجهات والتفرقة بين مقتضياتها. وصفوة القول في هذا الموضوع ترجع إلى ما يأتي:
السنة تشريع وغير تشريع:
1 لا يمكن أن يقال ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تمحض للرسالة وزالت عنه مقتضيات بشريته، وانه لا يتلكم ولا يتحرك، ولا يأمر ولا ينهى، إلا عن وحي يوحى، وذلك أن رسالته لم تخرجه عن بشريته وكونه إنسانا يحب ويبغض، ويسر ويحزن، ويدركه الجوع والعطش، والراحة والتعب. ويزور ويزار، ويساوم في البيع الشراء ويساوم، ويخبر عما رأى بعينه أو سمع بأذنه، كما يخبر سائر الناس عما رأوا وسمعوا، ويجلس مع أصحابه فيأخذ معهم أحياناً في الأحاديث المعتادة التي لا تمت إلى التشريع بصلة، ويطلب إلى من معه من خادم أو زوجة أو صاحب، أن يناوله شيئاً أو ينحي عنه شيئاً، أو يقرب إليه شيئاً وقد يمشي فيسرع أو يبطيء، وقد يحب لوناً من الألوان فيؤثره على غيره، أو صنفاً من الطعام أو اللباس تميل إليه نفسه، وقد يستريح إلى هيئة من هيئات الجلوس، ويضيق بهيئة أخرى، وقد يكون من عادته أن يزاول أمراً من أموره الخاصة على طريقة معينة، وقد يقول قولا في الطب أو الزراعة عن ظن يظنه، أو عن تجربة ينقلها عن غيره، وهكذا من كل ما يصدر عنه من شئون بشرية في أحواله العادية والجبلية.
وقد أنزل الله عليه في محكم تننزيله ما يدل على أن أمره دائر بين البشرية والوحي، حيث يقول: ((قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ))، وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فأنا بشر)) ورووا ((أن نفرا دخلوا على زيد بن ثابت فقالوا له: حدثنا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إلي فكتبته له، فكان إذا ذكرنا الدنيا، ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا