/ صفحه 86/
أما الشعر الباكي الحزين فتضيق به بطون الدواوين، وقليل منه ما ينم عن بؤس حقيقي، وحرمان قاس، وآلام مبرحة، كذلك الذي يقوله الشاعر عبدالحميد الديب:
وأجلس الليل في صحبي أسامرهم و كلهم بِمجالي رقتي حَفِل
حتى إذا سلَّموا للعو دوا انصرفوا سَريت جوعَان يفَري عزمي الطللُ
جوعان! يا محنة أربت على جلدي كأن ليلي بيوم البعث متصل
فان تطلَّبت عيشي مِتَّ من كمد و إن تطلَّبت حَيني يبعد الأجل
ومهما يكن من شيء فان الذين لا شك فيه أن التقليد ظاهرة عامة عند شعرائنا ولن يحتل الشعر مكانته المرجوة له في هذا العصر حتى ينبعث عن عواطف صادقة، ويصدر عن إحساس حقيقي.
وكنت أشرت في حديثي الأسبق إلى ضعف النقد الأدبي، وذكرت أنه سبب من أسباب ضعف الشعر، وهذا حقيقة واضحة، فان النقد الذي تطالعنا به الصحف والكتب صادر في الغالب إما عن ذوق مريض، وإما عن هوى ضالّ، وكيف نستطيع أن نحترم هذا النقد، وأحد النقاد الكبار يؤكد لنا أن أزجال (بيرم) التونسي، أروع من قصائد شوقي وأحد الذين يقحمون أنفسهم في هذا الميدان، يقسم الأيمان المغلظة على أن شوقيا ليس أشعر من علي محمود طه، وأن مطران ليس أشعر من أبي ماضي، وأن حافظا ليس أشعر من عمر أبي ريشة، والرصافي ليس أشعر من أبي شبكة، وإذا قلنا له: على رسلك، صاح فينا: الموازين يتحكم فيها الهوى والغفلة، وسلامة التقدير، وهكذا نجد أساليب النقاد، فإما أن نذعن لأحكامهم ونؤمنّ على مزاعمهم، وألا فنحن أعني الجماهير من القراء والنقاد الذين يفضلون شوقيا ومطران وحافظا والرصافي على هؤلاء الذين قرنهم بهم - نحن نتسم بالهوى والغفلة وسوء التقدير. على أن أول معركة شهدتهامصر في النقد الأدبي، والتي تمثلت في العقاد والمازني وشكري وفي ثورتهم بشوقي وحافظ والمنفلوطي، هذه المعركة - وإن أفادت الشعر المعاصر - ألا أن كثيرا من العنف والإسراف شاب صفوها، حتى لنجد المازني في أخريات حياته يندم على الحملة التي شنها على حافظ إبراهيم ويود لو طواها النسيان، ونرى