/ صفحه 203/
وضعت يدي عليها لريبة، فما برحنا حتى مات ـ وفي رواية أخرى أن مرضه بمصر ـ) (1).
وعلى الرواية الثانية عول السيوطي في شرح شواهد المغني (الصفحة السادسة والثلاثين) إذ يقول: " مات جميل بمصر سنة اثنتين وثمانين ". وهي الرواية الصحيحة، ويقضي بصحتها تصريح جميل بها عند احتضاره في أول المقطوعة التي حاول أني بلغ بها نعيه إلى بثينة:
بكر النعى وما كنى بجميل ونوى بمصر ثواء غير قفول
إن جميلا رحمة الله عليه غلبت عليه حكمة العقل على هوى العاطفة، فلم يصب بتدله يذهب برشده، فيهيم على وجهه، كما وقع لمجنون ليلي العامرية، مع تقاربهما فيما جلب عليهما الأسر في شرك الغرام.
قيس بن المُلوَّح:
إن قيسا وليلاه كانا يرعيان البهم لأهلهما وهما صغيران، فشبا على التحاب، ولما حيل بينهما بعد الكبر وحجبت عنه تبله الحب، فاختل عقله، وهام مع الوحش. فكان ما كان مما جرى مجري الأمثال. وفي ذلك:
تعلقت ليلي وهي ذات تمائم ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صبيان نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهم (2)
لقد تبين لكم قبل هذا الاستطراد أن حال جميل وحالنا مختلفان، فأنه في وادي القرى نشبت المقاولة مع الحبيبة أخذاً ورداً، شهية في النفس متعة للروح. ونحن في غرفة المحاضرات إنما نبدئ ونعيد ما زورناه من قبل في الفكرة،

ــــــــــ
(1) الوفيات ترجمة جميل.
(2) ذات تمام جمع تميمة رواية تزيين الأسواق، وذات ذؤابة رواية الأغاني 2: 11، والذوابة شعر الساعية، ورواية الشعر والشعراء (غر صغيرة) ـ البهم: جمع بهمة وهي الصغير من أولاد الغنم والبقر وغيرهما، الذكر والانثى في ذلك سواء.