/ صفحه 260/
في البلاغة:
من غرائب التمثيل
لصاحب الفضيلة الشيخ محمد الطنطاوي
الأستاذ في كلية اللغة العربية
ــــ
التشبيه بالشيوخ:
يجمل الحديث عن التشبيه بهم لطرافته فيما جادت به قرائح شعراء مرهفي الشعور، عند عقد المناسبة بين ما وقع عليه نظرهم مما استرعي انتباههم، وحاز صورة خاصة في أخيلتهم، انعكست فيها مرآة ما تراءى لهم ـ وبين الشيوخ الذين هم منتهى الشبيبة أو المستشيخين ممن يكونون على أنماطهم، وإن لم يتح ذلك إلا للأفذاذ منهم ذوى التفكير الصائب والتعبير المفصح.
فإن المستفيض في الأساليب العربية عند التعبير الخيالي في التصوير بالتشبيه والمحاكاة حول الشيخة أن يشبهوا بغيرهم، مما يخال انطباقه عليهم، وتمثيله هيئاتهم التي تعرض لهم، وتعروهم في مناحيهم المتعددة: حركاتهم وسكناتهم، غدواتهم وروحاتهم، جلساتهم وأحاديثهم، يقظتهم وسباتهم. وذلك عند ما تعشى أبصارهم، أو تنثنى ركبهم، أو تتقوس ظهورهم، أو ترتعش أيديهم، أو تتفكك أوصالهم، أو تهون منتهم، أو تخور عزائمهم. فإنهم عند ذاك يبكون شبابهم الذاهب، وتذهب نفوسهم حسرات عليه، وما يجدى البكاء والحزن، وصدق المتنبى:
وما ماضي الشباب بمسترد وما يوم يمر بمستعاد
وما بكى العرب شيئا في الدنيا ما بكوا شبابهم، فافتنوا في تشبيهاتهم لما نزل بهم ولم يجدوا منه مخلصا، كل فيما يختص به وما رزئ به وحده، مما امتلأت به بطون الكتب الأدبية.