/صفحة 303 /
العيش من بعده. ومنها أن يقصد بذلك الاحتجاج الشديد على خطأ ارتكبه أحد هؤلاء أو ارتكب ضد واحد منهم. ومنها أن يكون الانتحار وسيلة لاتقاء ما يلحق المنتحر نفسه ويلحق أهله من خزى إذا وقع أسيراً في يد الأعداء عقب هزيمة حلت بجيش بلاده. ومنها أن يكون معبراً عن إبراء ذمة المنتحر وغسل شرفه مما علق به من أذى حينما يعجز عن الأخذ بثأره من أحد خصومه.
وقد يحدث للدلالة على ارتياح المنتحر وأنه قد حقق أكبر أمانيه في هذه الدنيا وأصبح في غير حاجة إلى المزيد من الحياة، وذلك حينما يتاح له أن يقتل من أهانه أو أساء إليه.
وفي جميع هذه الأحوال يعد الانتحار، في نظر اليابانيين، مطهراً للفرد، ومحققاً لما يبغيه منه، ومعبراً أصدق تعبير عما يريد التعبير عنه، كما يستأهل صاحبه أن يقام له مأتم فجم، وتحفظ له أمجد الذكرايات. ولسموّ هذا النوع من الانتحار في نظر اليابانيين كانت عملياته تجري قديماً في المعابد المقدسة نفسها.
وفي هذا يقول جريفس Griffis في كتابه عن ديانات اليابان Religions of Japan: " إن لوحة الشرف للعظماء والخالدين والقديسين من اليابانيين ليست مملوءة بأسماء المصلحين ولا المحسنين ولا منشئ الملاجئ والمصحات، بل بأسماء طوائف المنتحرين على طريقة الهاراكيري" (1).
* * *
وكان هذا النظام نفسه متبعاً في الصين، بل لا تزال له رواسب عميقة في هذه البلاد إلى الوقت الحاضر، ولكنه يطبق على وجوه تختلف قليلا في التفاصيل عن الطريق التي كان يسير عليها اليابانيون. فالانتحار تحث عليه التقاليد والعادات الصينية وتعده شرفاً كبيراً للمنتحرين ولذكرياتهم في حالات كثيرة ولعدة مقاصد فينتحر الجندي أو الضابط أو الموظف عقب هزيمة حلت ببلاده أو إهانة لحقت الإمبراطور؛ وينتحر الشاب حينما يلحق أحد شيوخ أسرته إهانة أو مكروه من أحد الناس ويعجز هو عن أن يثأر له؛ ويقصد هؤلاء وأولئك بانتحارهم التعبير

ــــــــــ
(1) انظر ص 112 وتوابعها من كتابه هذا.