/صفحة 339/
كلمة التحرير
إن الزمن عنصر هام من عناصر الإصلاح فلا نكاد نعلم في التاريخ حركة إصلاحية أمر أمرها، وقرّ قرارها; إلا وقد لاقت من الاستكبار والإعراض والمعارضة في زمنها الأول ما كان يخيل معه للناس أنها مقضى عليها بالموت.
والحكمة الإلهية في ذلك هي تمحيص أهلها، وتخليصهم مما عسى أن يأخذهم من الزهو والعلوّ إذا هم نالو أمنيتهم سهلة ميسرة على سبيل المفاجأةوالمنح، وفي ذلك أيضاً تثبيت لدعوة الإصلاح، وترسيخ لجذورها، فإن الزمن إذا مرّ بالشىء كان له قدم وقدم، وكان له دخول في القلوب، ونفاذ في العقول.
وكثيراً ما نرى الأمر المفاجىء يرفض وهو الحق، ويستثقل وهو المصلحة والرشد، ويزورّ عنه المدعوون إليه وفيه صلاحهم، بل حياتهم، حتى إذا مرّ زمان تهدأ في مثله عواطف الإلف القديم، والقدم المألوف; تهيأت الفرصة لتعقل مالم يكن معقولا: وتقبل ما لم يكن مقبولا؟
وكما أن الزمن عنصر من عناصر التقبل للحق والإصلاح; هو أيضاً عنصر من عناصر التبين للباطل والفساد، فترى الناس ربما أقبلو على باطل زين لهم، أو فساد حبّب إليهم، فلا يطن أنهم تاركوه أو منفضّون عنه، حتى إذا مر بهم زمان، انكشف لهم ما كان من أمره مستورا، وأزيلت عنه حجب الشهوة والهوى والتزوير، فعرفوه على حقيقته وتهيئوا لإبطاله والازورار عنه.