/ صفحه 199/
ويسخر الكاتب العربي العظيم المرحوم مصطفى صادق الرافعي من الألفاظ التي تستعملها المحدثون، ومن التراكيب التي يؤدون بها معانيهم فيقول: ((وما التراكيب البيانية في مواضعها من الشعر الحي إلا كالملامح والتقاسيم في مواضعها من الجمال الحي، وكثيراً ما يخيل إلى حين أتأمل بلاغة اللفظ الرشيق إلى جانب لفظ جميل في شعر محكم السبك أن هذه الكلمة من هذه الكلمة كحب رجل متأنق نتقرب من حب امرأة جميلة، وعطف أمومة على طفولة، وحنين عاطفة لعاطفة، إلى أشباه ونظائر من هذا النسق الرقيق الحساس، فإذا قرأت في شعر أصحابنا أولئك رأيت من لفظ كالشرطي أخذ بتلابيب لفظ كالمجرم.. إلى كلمتين هما معاً كالضارب والمضروب.. إلى همج ورعاع وهرْج ومرْج وهيج وفتنة.. أما القافية فكثيراً ما تكون في شعرهم لفظاً ملا كما.. ليس أمامه إلا رأس القارىء)).
وطبيعي أن الرافعي لا يرى أن يملاء الكتاب والشعراء أدبهم وشعرهم بالكلمات القاموسية التي (تنفر المسامع منها) على حد تعبير صفي الدين الحلي، فلم يعد أحد حتى من أشد المحافظين يتمسك بأن تكون تعبيراته من هذا النمط وإنما غاية ما يجيزه آحاد منهم أن تستعمل كلمة أو كلمتان حين يكون المعنى محتاجاً إلى هذا الاستعمال، على نحو ما رأينا في كلمة (الصلنقح).
ولقد عاب بعض النقاد القدامى على صفي الدين الحلي إيثاره للسهل من الألفاظ وبعده عن الكلمات الصعبة، فقالوا في نقد ديوانه: (إنه لا عيب فيه إلا أنه خال من الألفاظ الغريبة) فدافع عن نفسه دفاعاً طريفا ظريفا، ورمى نقاده بهذه الحجارة الصم التي تكاد تفلق الرأس أشد مما تفلقها جنادل الصوان فقال:
أنما الحيزبون والدردبيس * * * والطخا والنقاخ والعطلبيس
والغطاريس والشقحطبُ والشقب والحربصيص والعيطموس
والجراجيح والعفنقس والعفلق والطرفسان والعسّطوس
لغة تنفر المسامع منها * * * حين تروي وتشمئز النفوس
وقبيح أن يُسلك النافر الوحشيّ منها ويترك المأنوس
إن خير الألفاظ ما طرب السامع منه وطاب فيه الجليس