/ صفحه 34/
ومهما يكن فقد استو قفتنى جملة فى مقال الأخ المدنى، وهى ((أن الفقه المقارن هو الفقه على الحقيقة، وهو صناعة الفقيه على الحقيقة، أماالحافظ للفروع الذى لايعرف إلا سرد الأحكام، فماذاك بالفقيه)).
كلا، إنه ((شريط)) مسجل نطق بماسجل به من ألفاظ، فإذاسألته لماذا؟ أو ماذا تعنى؟ فكأنك تخاطب جمادا. أماالذى لا يكون لنفسه رأيا بمجرد السماع، بل يتتبع جميع الآراء والأقوال، وينظر إلى أدلتها من غير تحيز، ثم يؤمن بما تستدعيه المقاييس الصحيحة، فذاك هو الحاكم العادل، و الفقيه المجتهد الذى يؤجر إن أصاب، ويعذر إن أخطأ.
هذا إلى أن دراسة الفقه المقارن تخلق فى الطالب ملكة الاجتهاد والابداع، وتوسع من مداركه، و تعطيه قوة يدعم بهاآراءه، و يدافع عنها بالحجة الدامغة والبرهان القاطع. أجل، إن الكسالى الذين يؤثرون النوم والقيل والقال على سهر الليالى والاشتغال يتذرعون بحجج أو هى من عقو لهم، ويقولون: مالنا وللأقوال وأدلتها؟! إنها مضيعة للعمر... وينسون أو يتناسون أن ما من دليل، وإن ضعف إلا و يفتح لك بابا من أبواب المعرفة،أو يذكرك بحقيقة حرٌفك عنها مرور الزمن، أو يمرنك على التفكير، ويرشدك إلى منهج التديل. واستمع معى الآن إلى الفقه المقارن وأقوال الفقهإ فى استخراج الأحكام من هذه الآية:
(وإن كمتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيباٌ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ـ ه المائدة).
ولست أعرف آية من آيات الأحكام كثرت فيها أقوال المذاهب، بل أقوال المذهب الواحد كهذه الآية الكريمة. فقد اختلفوا فيمن يجب عليه التيمم مع فقد الماء: هل هو المريض و المسافر فقط، أو كل من فقد الماء، حتى الحاضر الصحيح؟ وهل المراد بالملامسة الجماع أو ما يعم اللمس باليد؟ وهل المراد بالماء خصوص المطلق أو كل ماء حتى المضاف؟ وهل المراد بالصعيد التراب فقط أو وجه الأرض ترابا كان أو رملا أو صخراً؟ وهل المراد بالوجه كله أو بعضه؟ وهل المراد باليد الكف فقط، أو هى مع الذراع؟.