/ صفحه 377/
المحكمُ وَالمتشابه
لحضرة الأستاذ السيد أحمد الموسوي
إن الحديث عن المحكم والمتشابه حديث طوى الذيل، دقيق معقد، وإن كان ممتعاً، وقد ضرب فيه بعض المفسرين يمنة ويسرة إلى أبعد الحدود، فمنهم من غالى وتقعر وتصوف في النظر إلى القرآن، فعزل المادة عزلاً تاماً، وانصرف إلى مايسميه بـ ((الروحانية)) تألهاً بزعمه، وتفهماً لمعنى الوحدانية.
ومنهم من نظر إلى القرآن كما ينظر إلى كلام رجل الشارع وصرف القرآن عن حقائقه ليذهب مذهب الجاهلية التي استعملت كافة إمكانياتها للتقليل من أهميته.
وأما العلماء فكانوا هم النمط الأوسط، لأنهم يتلقون عقائدهم دراسة، ويؤسسون نقولهم على أصح ما يستطيعون من الأسانيد.
ينقسم المحكم إلى النص وهو الراجح المانع من النقيض، كقوله تعالى: ((وهو بكل شىء عليم)) والظاهر وهو الراجح غير المانع من النقيض، كقوله تعالى: ((اقتلوا المشركين)) ونحوه، وفي تفسير الشيخ أبي علي: ((آيات محكمات)) أي أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه ((هن أم الكتاب)) أي أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها(1).
((كتاباً متشابهاً)) أي يشبه بعضه بعضاويصدق بعضه بعضا(2). انتهى.
اعلم أن القرآن ليس من كتب الأحاجي والألغاز، ولا هو بصدد شىء منهما، وإنما هو متن قانوني نزل بلغة أمة لم تكن توحد الله ولا تؤمن به، ودعاهم وغيرهم إلى التوحيد والإيمان.
وكان الحديث الشريف هو المفسر الوحيد لبعض النصوص التي يخاف من الاختلاف في تفهمها، ولم تكن آياته على مستوى واحد من الوضوح أو التعقيد ص 378
شأن كل كلام مترامي الأطراف، فمنه ماتسرع أفهام العامة إلى دركه وتؤيدها الخاصة في تفهمها، فتلك هي الآيات المحكمات، أما المتشابهات فهي على

ــــــــــ
(1) مجمع البحرين.
(2) مجمع البحرين.