/ صفحه 378/
خلاف ذلك، لا لأن القرآن حاول التعقيد، ولكن السبب فيه هو كون الآية مبنية على لغة علمية، ويحتاج العامة إلى أخذها من طريق العلم، وهذه هي المتشابهات.
ليس في القرآن ألغاز أو معميات، وليس بناؤه على ذلك من الأغراض المقصودة بالذات ابتداء، وإنما هو حال عرضية دعت إليها ضرورة ملحة، هنالك آيات يحتاج في بسطها لأذهان العامة إلى عشرة أضعافها، والقرآن يتوخى الإيجاز والإعجاز، فمثلا الإشارة إلى أن الممكن حادث، وأن القديم واجب، ونحوهما لو حاول القرآن بيانهما بلغة رجل الشارع لاقتضى ذلك زمنا طويلا وحديثاً مفصلاً وإنما المهم في كل ذلك أن يدون القانون الديني لكافة الناس، ليسري مفعوله في كافة الأزمنة، ويكون الحديث النبوي الشريف هو المفسر لذلك المتن إيضاحاً لمعانيه، وبيان ما استقرت عليه الأحكام بعد النسخ.
إن القرآن نزل بلغة قوم ليفهموه، ثم تحداهم بالإتيان بمثله حين أنكروه، وقد نظم تنظيماً سهلاً قريباً إلى الأذهان خفيفا على اللسان، فكان في مفرداته ومتفرقاته سهلاً، ولكنه كان في مجموعه ممتنعاً أشد الامتناع، وفي هذه الزاوية تكمن حكمة القرآن، ويختبىء سره العجيب.
إن القرآن قد أسهم في كافة ألوان الأدب العربي، ودخل سائر الميادين في اللغة، فكان في كل ذلك ينتزع الإعجاب من نفوس حساده انتزاعاً منقطع النظير، وهم يسمح لهم بالمعارضة، ولا يجدون لأنفسهم عذراً في الكنول عن هذا التحدي، وبالتالي فإنهم أعلنوا الهزيمة بصورة مباشرة وغير مباشرة.
إن القرآن الكريم قد استفاد من استعمال الألفاظ والمعاني أكثر من أي عربي عرفه التاريخ، وبسط نفوذه الأدبي والعلمي على أكبر رقعة في الخارطة، ولولا الحرب الشاملة التي شنها عليه حساده لكان حتى اليوم قد قاد العالم كله إلى ما فيه خيرهم وفلاحهم.