ـ(188)ـ
قال فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري(رحمه الله):
(إن قضية السنة والشيعة هي في نظري: فضية إيمان وعلم معاً، فإذا رأينا أن نحل مشكلاتها على ضوء من صدق الإيمان وسعة العلم فلن تستعصي علينا عقدة، ولن يقف أمامنا عائق.
أما إذا تركنا للمعرفة القاصرة واليقين الواهي أمر النظر في هذه القضية والبت في مصيرها فلن يقع إلاّ الشر، وهذا الشر الواقع إذا جاز له أن ينتمي إلى نسب أو يعتمد على سبب فليبحث عن كل نسب في الدنيا، وعن كل سبب في الحياة، إلاّ نسباً إلى الإيمان الصحيح، أو سبباً إلى المعرفة المنزهة.
نعم، قضية علم وإيمان.
فأما أنها قضية علم فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله، ويتفقان اتفاقا مطلقاً على الأصول الجامعة في هذا الدين فيما نعلم، فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية فإن مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره، أخطأ أم أصاب..
وعندما ندخل مجال الفقه المقارن ونقيس الشقة التي يحدثها الخلاف العلمي بين رأي ورأي أو بين تصحيح حديث وتضعيفة نجد أن المدى بين الشيعة والسنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي.
وأما أنها قضية إيمان: فإني لا أحسب ضمير مسلم يرضى بافتعال الخلاف وتسعير البغضاء بين أبناء أمة واحدة ولو كان ذلك لعلة قائمة. فكيف لو لم تكن علة قط ؟!
كيف يرضى المؤمن ـ صادق الصلة بالله ـ أن تختلق الأسباب اختلاقاً لإفساد ما بين الأخوة، وإقامة علائقهم على اصطياد الشبه، وتجسيم التوافه، وإطلاق الدعايات الماكرة، والتغرير بالسذج والهمل )(1).
________________________________
1 ـ عن مجلة رسالة الإسلام: المجلد التاسع سنة 1376هـ.