ـ(139)ـ
الأنظار، وهذا النوع من المسائل الفرعية جعلتها الشريعة موضع اجتهاد المجتهدين، إذ لا يمكن استخراج الأحكام من مصادرها بدون الاجتهاد وإعمال النظر، ولذا تكون هذه الأحكام غير ثابتة وقابلة للقبض والبسط؛ لكونها مبتنية على الاجتهاد ن وبتحول الزمان والمكان والأحوال تتحول تلك الأحكام على أساس المنابع.
ومهما يكن من أمر فالخلاف في المسائل الفرعية النظرية بين العلماء أمر طبيعي ويعم جميعها، سواء كانت فقهية أو غيرها، بل لا يختص هذا الخلاف فيها بعلماء المسلمين، بل يعم علماء سائر الفرق والأديان.
ومن المناسب هنا أنّ أذكر نماذجاً لذلك، فنقول: إنّه لم يختلف أحد من علماء المسلمين في أنّ الأرجل من أعضاء الوضوء، لوضوح دليله وهو قوله تعالى: [ يا أيها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين..] (1).
وإنّما وقع الخلاف بينهم بالنسبة إلى كيفية طهارتها (من جهة عدم التصريح بها في الآية في أنها المسح أو الغسل أو التخيير بينهما أو الجمع).
ففي هذه المسألة آراء ونظرات:
منها: المسح، واختاره فقهاء الإمامية وعدة من فقهاء الصحابة والتابعين مثل: ابن عباس وعكرمة وأنس والشعبي وأبي العالية، من دون فرق بين قراءة الأرجل في الآية بالجر والنصب (2).
ومنها: الغسل، واختاره فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والأوزاعية والسفيانية والإباضية والتميمية والنخعية والليثية و.. على كلتا القراءتين (3).
____________________________________
1 ـ المائدة: 6.
2 ـ المبسوط 1: 8، وبداية المجتهد 1: 14، والدر المنثور 2: 262.
3 ـ عمدة القارئ 2: 238، وتفسير الطبري 6: 83، ومغني المحتاج 1: 53 وفتح الباري 1: 366، وفتح المعين: 6.