ـ(15)ـ
وسيوافيك الكلام فيما تصور من الحكمة.
والأولى عرض المسألة على الكتاب والسنة.
أما الكتاب فيكفي في جواز الوصية قوله سبحانه: [كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين] (1).
فالمراد من حضور الموت: ظهور إماراته من المرض والهرم وغيره، ولم يرد:
إذا عاين ملك الموت؛ لأن تلك الحالة تشغل الإنسان عن الوصية.
وأيضاً يجب أن يراعى جانب المعروف في مقدار الوصية والموصى لـه ، فمن يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوص بالمعروف، كما أن الإيصاء للغني دون الفقير خارج عن المعروف، فإن المعروف هو العدل الذي لا ينكر، ولا حيف فيه ولا جور.
والآية صريحة في الوصية للوالدين، ولا وارث أقرب للإنسان من والديه، وقد خصهما بالذكر لأولويتهما بالوصية، ثم عمم الموضوع وقال: [والأقربين] ليعم كل قريب، وارثاً كان أم لا. وهذا صريح الكتاب، ولا يصح رفع اليد عنه إلاّ بدليل قاطع مثله.
وقد أجاب القائلون بعدم الجواز عن الاستدلال بالآية بوجهين:
1 ـ آية الوصيّة منسوخة بآية المواريث:
قالوا: إنّها منسوخة بآية المواريث، فعن ابن عباس والحسن نسخت الوصيّة للوالدين بالفرض في سورة النساء (2)، وتثبت للأقربين الذين لا يرثون، وهو مذهب الشافعي، وأكثر المالكيين، وجماعة من أهل العلم.
ومنهم من يأبى عن كونها منسوخة، وقال: إنها محكمة، ظاهرها العموم، ومعناها: الخصوص في الوالدين اللذين لا يرثان: كالكافرين والعبدين، وفي القرابة غير الورثة (3).
ومرجع الوجه الأول: إلى النسخ في الوالدين، وأنه لا يوصى لهما، وارثين كانا أو ممنوعين، والتخصيص في الأقربين، فيصح الإيصاء لهم إذا لم يكونوا وارثين.
__________________________________
1 ـ البقرة: 180.
2 ـ في قوله تعالى في الآية: [ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان لـه ولد...].
3 ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2: 262.