ـ(57)ـ
3 ـ تغيير طرق الاستفادة من الكتاب والسنة، ومثاله: التغييرات التي تأتي في مباحث اجتماع الأمر والنهي، وأصالة الظهور، والعموم والخصوص، والتزاحم بين الأدلة، وغير ذلك من الأمثلة. ومعلوم أن أكثر مواطن الاختلاف الأصولي بين المذاهب يكمن في هذه النقاط الثلاث.
مبادئ ثلاثة في التقريب :
قبل بيان كيفية التقريب في هذا المجال يحسن بنا أنّ نذكر حقيقة هامة لها تأثير فاعل ومفيد في مجالات التقريب عامة، وفي مجال التقريب في الأصول بصورة خاصة، وهي: أنّ التقريب يعتمد على مبادئ ثلاثة تدور كلها حول كلمتين هما: الاجتهاد والتسامح، وهذه المبادئ هي:
1 ـ مبدأ لزوم عدم التسامح في عملية الاجتهاد.
2 ـ مبدأ لزوم التسامح مع اجتهاد الغير.
3 ـ مبدأ لزوم الاجتهاد في مواطن التسامح.
أما مبدأ عدم التسامح في الاجتهاد فتظهر أهميته في كون أنّ التسامح القليل في عملية الاجتهاد سوف يجعلنا بعيدين عن الإسلام وأحكامه، وسيحدث على الصعيد الفقهي خسارة علمية لا يمكن تعويضها.
هذا وأن ما روي من:أنّ "للمخطئ أجر واحد" (1). لا يفهم منه جواز التسامح في الاجتهاد؛ لأنه ناظر إلى المخطئ غير المقصر، لا المخطئ الذي يكون بتسامحه مقصراً، كما يمكن استشعار ذلك من نفس كلمة الاجتهاد.
إنّ الالتزام بهذا المبدأ يجعلنا أما ميدان واسع للتقريب، لأن ثمرته تقليل مجالات الخطأ، وهي تؤدي بالتالي إلى ثمرة أخرى تتمثل في تقليل الاختلافات، فإن اتساع مجال الخطأ كما يهيئ أرضية لأن تتسع الاختلافات أكثر فأكثر فكذلك تضييقه يؤدي
__________________________________
1 ـ نص الحديث ما رواه مسلم وأبو داود هكذا: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذ حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر" يقول صاحب الفصول في الأصول: (إنّ هذه الرواية قد تلقتها الأمة بالقبول) انظر كتاب الفصول في الأصول: 403.