ـ(195)ـ
وسيرة الرسول محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ شاهد حقيقي على اهتمامه ـ صلى الله عليه وآله ـ بحفظ عملية الموازنة والاهتمام بالأخلاق الفاضلة، وسيرته تحكي لنا ذلك والقرآن الكريم شهد لـه بذلك في قوله تبارك اسمه: [وإنك لعلى خلق عظيم](1).
فالإنسان ـ أياً كان ـ لا يمكن أن يصل إلى غاية خلقه ونهاية كماله إلاّ بقدر ما يكسب من الأخلاق الفاضلة، والأمة تبقى متأخرة مجهولة لا تستطيع أن تنهض بأفرادها نحو شاطئ السعادة والانتصار مالم تعمق في أفرادها جانب الأخلاق والتاريخ يحدثنا عن كثير من الأمم والشعوب التي بادت حضارتها وفقدت كيانها لأنها تنصلت عن أبسط القيم التي كان من الممكن أن تحفظ لها إمكانية الاستمرار والبقاء وعليه فتزكية الأخلاق والتخلي عن رذائلها يكمن في اهتمام الإنسان والأخذ بما أمر به القرآن الكريم والرسول وآله ـ عليهم السلام ـ وصحبه الكرام، وترويض النفس وكفاحها وكدحها من أجل تربية الروح.
ولكن رغم ذلك فلا يزال المسلمون يعانون من مشكلة في الأخلاق، والى خواء في الروح، واختلاف في الصفوف، إلى نعرات جاهلية واختلاف على الغايات والأهداف، فضلاً عن الاختلاف في الوسائل والطرق، والكل يتوجع ويشكو ويبحث عن السبب وحله ولا يكون ذلك إلاّ بالعودة إلى الله تبارك اسمه، والتوبة من الذنوب، والإنابة إليه بالشكل الحقيقي الذي أمر به الله تعالى بواسطة رسوله ـ صلى الله عليه وآله ـ بقوله: [قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمه الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم _ وانيبوا إلى ربكم واسلموا لـه من قبل أن يأتيكم العذاب وأنتم لا تنصرون](2).
الإنابة في اللغة:
الإنابة لغةً من النوب يقال: (ناب ونوبة، والنوب: رجوع الشيء مرة بعد أخرى،
__________________________________
1 ـ القلم: 4.
2 ـ الزمر: 53 ـ 54.