ـ(10)ـ
وأخرى في المدينة، جمعاً بين الروايات (1). والصحيح ما ذهب إليه القائلون بنزولها في مكة، لوجود مؤيدات كثيرة يضعها في عداد السور المكية منها: جزالة الألفاظ وطبيعة الإيقاع، والتجانس الصوتي، والرد على المشركين وتسفيه أحلامهم (2)، إضافة إلى أن الحملات الإعلامية على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ و دعوته بما فيها من إيذاء وسخرية واتهام وتصد مباشر بالاعتداء على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كانت من خصائص المجتمع المكي، وأساليب سفهاء قريش المبكرة. وقد فارقهم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وفارق مواقفهم الرخيصة تلك منذ هجرته المباركة إلى المدينة المنورة وقيام دولته التي تحققت فيها للإسلام شوكة وسلطان.
أما سبب نزول هذه السورة المباركة، فقد نزلت من أجل أن تمسح على قلب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بالروح والندى، وتقرر حقيقة الخير الباقي الممتد الذي اختاره لـه ربه، وحقيقة الانقطاع والبتر المقدر لأعدائه (3).
ففي خضم عمليات الكيد والمكر برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ورسالته من قبل سفهاء قريش من أجل صرف الناس عن الاستماع لصوت الهدى الرباني المنبعث من دعوة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أثارت مجموعة من أولئك المعاندين للحق إشاعة مفادها، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أبتر.
وهذه الإشاعة لها صداها ووقعها الشديد في المجتمع العربي البدوي الذي بتكاثر بالذرية، والذكور منها على وجه الخصوص.
وهي وخزة تؤذي النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لعلمه بمقصودها الدنيء الذي يرمي إليه سفهاء الجاهلية.
أورد جلال الدين السيوطي في دره المنثور ما يلي: "أخرج ابن سعد وابن
__________________________________
1 ـ الميزان في تفسير القرآن للمرحوم السيد محمّد حسين الطباطبائي ج 2 ص 370 (تفسير سورة الكوثر).
2 ـ يراجع علوم القرآن لسماحة السيد محمّد باقر الحكيم (بحث المكي والمدني) ص 43 وما بعدها.
3 ـ في ظلال القرآن للمرحوم سيد قطب مجلد 6، تفسير سورة الكوثر.