ـ(54)ـ
دلت على نفي الرؤية ودلت بسياقها على أنها لا تليق بجلاله.
فيحمل ما استدل به المثبتون للرؤية على أنها اتصال بالقلب وتعلق بالله وتوجه بالذهن إليه وحده واستغراق الذهن في ذلك الذكر لله في النفس فيكون لذلك سرور للروح وانشراح للصدر كما ينشرح الصدر بذكر الله في الدنيا.
ولا يجب أن تكون رؤيته سبحانه كرؤية المخلوقات لا بالعين ولا بالقلب، كما أن معرفته ليست كمعرفة المخلوقات وفعله ليس كفعل المخلوق وقوله ليس كقول المخلوق سبحانه وتعالى.
فإن قيل لو كان معنى الرؤية ذلك لكان ذكرنا لـه في الدنيا بقلوبنا رؤية في الدنيا مع الاتفاق أنا لا نراه في الدنيا.
فالجواب: إن ذاك الذي في الآخرة لـه درجة لا تبلغها درجة ذكره في الدنيا اللهم إلاّ أن تكون تمت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن صح أنّه رآه بقلبه كما قيل وعلى هذا فلا يلزم أن يسمى ذكره بالقلب في الدنيا رؤية لاختصاص الذي في الآخرة بمزيد حضور الذهن والاستغراق فيه مع قوة وكمال العلم بالله لكونه ضروري في الآخرة فافترقا.
فإن قيل هذا مشكل لأن في الحديث كالقمر أو كما ترون القمر فمعناه الرؤية بالبصر !
فالجواب: أنكم لا ترضون بان اعتمادكم على هذه الرواية يستلزم تشبيه الله بالقمر والمراد عندكم تحقق الرؤية وإنها في تحققها مثل رؤية القمر فقد بطل اعتباره دليلاً على الرؤية بالبصر لأن التحقق يمكن أن ينسب إلى المعنى الذي ذكرناه ولا يستبعد ذلك فإن رؤية البصر للشيء لا تحصل فائدتها إلاّ مع انتباه الرائي