حامل الراية التقارب والألفة بين أتباع المذاهب الإسلامية

الامام كاشف الغطاء من دعائم التقريب و الوحدة والأخوة الإسلامية في القرن الاخير (1)

الامام كاشف الغطاء من دعائم التقريب و الوحدة والأخوة الإسلامية في القرن الاخير (1)

تنسب " آل كاشف الغطاء " إلى قبيلة بني مالك، ويقال إلى مالك الأشتر (37هـ)، من أشهر خواص الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام). ولهذا عرفوا بـ"المالكي" أيضاً. كان يعيش أجدادهم في جناجية أو جناجيا أو قناقيا من قری الحلة. وفي أواخر القرن الثاني عشر هاجر والد جعفر كاشف الغطاء إلى النجف، ولذلك اشتهر أفراد آل كاشف الغطاء أيضاً بالجناجي.
 
ولد العالم المجاهد الشيخ محمّد الحسين سنة ١٢٩٤ هـ = ١٨٧٧ م) في النجف الأشرف، وهو ابن الشيخ علي، ابن الشيخ محمّد رضا، ابن الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء.
 
"الامام  كاشف الغطاء "اشهر أعلام النجف في مهمة التقريب بين المذاهب الإسلامية ومن دعائم الوحدة والأخوة الإسلامية في القرن الرابع عشر حيث حاز بهذا الصدد شهرة عالمية، قال العلاّمة الشيخ آقا بزرگ الطهراني: "المرحوم كاشف الغطاء من الشخصيات العالمية التي دوّت في الخافقين ويُعد بحق من حسنات الدهر وعظماء العالم حيث انّ حياته عجائب وغرائب ودروس وعبر.
 
يمثل الإمام كاشف الغطاء الحركة الهادفة والمعطاءة من أجل تثبيت دعائم الإسلام وتركيز مفاهيمه في قلوب الناس، وكان يعتصر قلبه ألما وحرقة لما يعاني منه المسلمون من الفرقة، والتناحر، والابتعاد عن الإسلام.
 
ولم تكن تحركاته رحمه الله في نشر مفاهيم الإسلام والدعوة إلى الله مقتصرة على النجف الأشرف، بل امتدت إلى مختلف بقاع العالم الإسلامي، كما كان يتصل برؤساء الدول والسياسيين، ويزرع في نفوسهم روح الخير والفضيلة، والتأكيد على دور الإسلام في توحيد الصفوف ونبذ الخلاف والفرقة.
 
  دوره السياسي وعمله الوحدوي:
 
لقد كان للإمام كاشف الغطاء حضور واسع وفعال في الساحة السياسية، حيث عرف رحمه الله أنّه كان متتبعاً لجميع الأحداث التي مرت على المسلمين من خلال مواقفه وكتاباته وأسفاره  :
 
١ – رحلته في غرة شوال (سنة ١٣٢٩ هـ) إلى الحجاز، واجتماعه مع كبار علمائها.
 
٢ – رحلته إلى بلاد الشام، وقد التقى فيها مع الشيخ أحمد طبارة، والشيخ عارف الزين، وعبد الكريم الخليل، وعبد الغني العريس، وباتروباولي.
 
واتصل بالأديب أمين الريحاني، وحل ضيفاً على رشيد بيضون.
 
٣ – رحلته إلى القاهرة: وقد اجتمع بعلماء الأزهر طيلة ثلاثة أشهر قضاها في القاهرة، حيث ألقى عدة محاضرات على طلاب العلم في الأزهر الشريف، كما ألقى بعض الخطب في الكنائس مفنداً فيه مزاعم المبشرين .
 
٤ – سفره لحضور المؤتمر الإسلامي في فلسطين (سنة ١٣٥٠هـ) الذي انعقد ليلة المبعث، وحضره كبار علماء المذاهب الإسلاميّة من أغلب الأقطار، واجتمع ما يقارب خمسين ألفاً من المسلمين، فخطب فيهم خطبة بليغة، ولما نزل من المنبر ائتم به في الصلاة جميع علماء المذاهب الأربعة وغيرهم، حتّى علماء الوهابية والخوارج، حيث طلبوا منه بأن يكون هو الإمام لهم في جميع الفرائض الخمس مدة بقائهم بالقدس.
 
وقد نشرت الصحف العالمية هذا الحدث العظيم الذي لم يتفق لأحد، ورجع من سفره، فاستقبله الناس بحفاوة بالغة، ونظمت القصائد بحقه، وقد أحصي ما قيل فيه فوجد أنّه يزيد على العشرة آلاف بيت موجودة في مكتبته .
 
٥ – رحلته إلى سوريا ولبنان وباكستان إثر دعوة من حكومة باكستان لحضور المؤتمر الإسلامي فيها، وخطب عدة خطب، كما شارك رجال المؤتمر في معالجة الأوضاع السياسية الراهنة في البلاد الإسلاميّة، وقام بفضح دسائس الاستعمار في هذا المؤتمر الذي عقد بدعم من الأوساط الشعبية الإسلاميّة .
 
 
دوره السياسي وعمله الوحدوي:

لقد كان للإمام آل كاشف الغطاء حضور واسع وفعال في الساحة السياسية، حيث عرف رحمه الله أنّه كان متتبعاً لجميع الأحداث التي مرت على المسلمين من خلال مواقفه وكتاباته وأسفاره.
 
فيرى رحمه الله أن تدهور حياة الأمم وانحلال هيكليتها وتماسكها سببه الاستعمار، فهو يعمل على تمزق الأمة وتشتتها؛ لتسهل سيطرته عليها، وهذا العمل يقع ضمن دائرتين – في رأيه – هما:
 
١ – الإفساد الخلقي: فقد أكد على أن السبب الرئيسي للفساد الخلقي في بلاد المسلمين يعود إلى الاستعمار، لذا نجده يقول: (أفسدوا أخلاق كلّ قطر من الأقطار، وسلبوا كلّ عزة وكرامة ونبل وشهامة…. ) .
 
٢ – زرع الاضطرابات والفتن داخل كلّ بلد مستعمر، ويقول بهذا الصدد: (وهكذا الدول الاستعمارية تصنع معنا – معاشر المسلمين – إذا اشتكينا إليهم يضربون بعضنا ببعض، ويلقون بأسنا بيننا، ثم يسلطون اليهود علينا…. ) .
 
وقد أشار الشيخ المجاهد رحمه الله إلى المساعدات الحربية للاستعمار والتي تعتبر الأدوات لاقتتال الأخوة بقوله: (إنّ أمريكا تبذل الأسلحة الفتاكة لإسرائيل نقداً لا وعداً، تدفعها بلا قيد ولا شرط بأن لا ولو تقاتل بها العرب، بل على أن تقاتل بها العرب.
 
أما العرب فتبذل لهم الأسلحة الرمزية العاطلة وعداً لا نقداً، وبشرط أن لا تقاتل بها إسرائيل) . ويضيف قائلاً: (ما أدري، إذا لم تقاتل بها إسرائيل فمن نقاتل؟ وأي عدو لنا أمر وأدهى من إسرائيل؟ ! ومن خلق وأنشأ دولة إسرائيل؟ ! نعم، تقول أمريكا بلسان الحال الذي هو أبلغ من لسان المقال: أعطيكم السلاح على أن يقاتل بعضكم بعضا ً حتّى تهلكوا جميعاً) .
 
نظرته للأمة وأسباب تدهورها وسر انتصارها:
 
نبه نظرته الامام  كاشف الغطاء رحمه الله الأمة الإسلاميّة على ضرورة الاستقلال وعدم الميل للشرق أو الغرب، حيث يقول: ٠فلسنا مع اليمين ولا مع اليسار، بل جعلنا الله (أمة وسطا .
(شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ( ، وهذا من أهداف الإسلام ومثله العليا) .
 
كما يشير الإمام كاشف الغطاء إلى ثلاثة شياطين أو عفاريت – حسب تعبيره – تكيد للإسلام والمسلمين، وتخطط لإمرار مشاريعها المنحرفة، وهذه الشياطين هي الشيوعية، والصهيونية والاستعمار (انذاك).
 
يصرح الشيخ المجاهد بأن اختلاف كلمة المسلمين وعدم توحدهم هو السبب الرئيسي لتدهورهم على مر العصور، ويستشهد بالأمثلة التاريخية التالية:
 
١ – سبب حدوث الحرب الصليبية.
 
٢ – غلبة المغول والتتر على الممالك الإسلاميّة.
 
٣ – الاستعمار الأوروبي للبلاد الإسلاميّة.
 
٤ – (إنّ اختلاف دول العرب هو الذي أدى إلى الكارثة ولا يتمكن العرب من إيقاف نمو إسرائيل أو القضاء عليها إلاّ بتضامنهم واتحادهم…. ).
 
ويلفت الامام كاشف الغطاء انظار المسلمين إلى سر انتصار المسلمين بوحدتهم وتكاتفهم، فيقول: (عرفنا أن الداء العضال والمرض القتال إنّما هو: التفرقة الناشئة من توغل الأنانيات والعصبيات الباعثة على التفاخر، ثم التنافر، فالتقاطع، فالتدابر، فدك العنصريات، وسحق القوميات، واستهلاك العصبيات.
 
فصرح الوحي على لسان الرسول الكريم – صلى الله عليه وآله – (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم… (، ثم زاد وأوضح البيان: “الناس كلهم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى” ، “ليس منا من دعا إلى عصبية”  يعني: لا فخر بعجمية ولا عربية، ولا هندية، ولا تركية، وإنّما الفخر بالعمل الصالح والمزايا الطيبة، فالعصبية والأنانية هي كلّ الداء، والاعتماد على الفضيلة هو منتهى الدواء.
 
لقد كان الرسول – صلى الله عليه وآله – ينادي في كلّ ملأ ومجتمع “أما والذي نفس محمّد بيده، إنكم لن تدخلوا الجنة حتّى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتّى تجتمعوا، ولن تجتمعوا حتّى تتحابوا…. ”.
 
ثم مضى على ذلك صحبه الكرام، فساروا على خطه ومنهجه واحداً بعد واحد، فكانوا إخواناً على صفاء….، حتّى خاضوا البحار وملكوا الأقطار، وهم أعراب بادية لا درس ولا مدرسة، ولا كتاب ولا مكتبة، وبنفس المضمون يقول الإمام علي – عليه السلام ـ: “إياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه” ، ويعني بهذا الشعار: شعار التفرقة.
 
يرى الإمام كاشف الغطاء رحمه الله أن هناك أفقاً أوسع للوحدة، يشمل الوحدة بين المسلمين وغيرهم من الكتابيين، حيث يقول: (وحدة الإيمان تدعو إلى وحدة اللسان، ووحدة اللسان واللغة رابطة، والرابطة إخاء، وأخوة الأدب فوق أخوة النسب، وهي التي توحد العناصر المختلفة والمذاهب المغاير، فالنصراني، واليهودي، ولمجوسي والصابئي الّذين يخدمون لغتنا وثقافتنا، ويسالموننا يواسوننا في السراء والضراء، ولا يساعدون الأعداء علينا، ويحامون عن أوطاننا، هم إخوان المسلمين، وداخلون في ذمتهم، ويلزمهم حمايتهم، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وتجمعنا معهم الوحدة القومية، والقرآن الكريم ينادي ويشهد بذلك كما في قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الّذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ).
 
وينطلق الإمام كاشف الغطاء في ذلك إلى وحدة اللسان، ووحدة اللغة، ووحدة الإيمان بالله، حتّى لو كانوا يدينون بدين آخر، ينطلق بذلك من الرواية المأثورة عن الإمام علي – عليه السلام – في شأن النصراني، حيث تذكر الرواية: أنّه – عليه السلام – مر بشيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين: ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه نصراني، فقال الإمام: “استعملتموه، حتّى إذا كبر وعجز منتعموه، أنفقوا عليه من بيت المال”.
 
أما بخصوص مسألة تعميق الإيجابيات في الأمة فنلاحظ ما يأتي:
 
١ـ ركز على تطوير وجود المرجعية، وتجذيرها في الأمة من خلال أداء دورها العملي والحقيقي الكامل.
 
٢ – ركز على نشر مفاهيم الإسلام وأحكامه في أوساط الجماهير الإسلاميّة، وتوضيح المواقف من الأحداث الجارية في الساحة باعتباره متصدياً للمرجعية آنئذ.
 
٣ – التركيز على الجانب العملي والابتعاد عن إثارة الشعارات المجردة والأفكار النظرية، لذا نجد أن بعض ممارساته قد وصلت إلى مرحلة الصراع المسلح والسياسي، وذلك من خلال مشاركته في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الدولة العثمانية آنذاك ضد الدول المستعمرة والكافرة: كبريطانيا، وكذلك شارك في ثورة النجف ضد القوات البريطانية، بالإضافة إلى تأييده لحركة ما يس عام (١٩٤١ م) ضد الإنجليز.
 
٤ – الملاحظ في حياته رحمه الله سعة تحركه السياسي خارج العراق بشكل هادف، حيث قام بزيارة مختلف البلدان الإسلاميّة باتجاه تعميق الأهداف الإسلاميّة؛ وذلك لشعوره بأن العالم الإسلامي وحدة متصلة متداخلة ن وموقعه القيادي لا يعرف الحدود التي صنعها الاستعمار، فقام بزيارة المراكز المهمة والحساسة في الصراع السياسي، وكانت زياراته من أوليات اهتماماته رحمه الله.
 
فقد زار كلا من: الجزيرة العربية، وبلاد الشام – سوريا ولبنا وفلسطين ـ، ومصر، وإيران، وباكستان، واتصل بأهل الحل والعقد، ورفض رحمه الله النظرية القائلة بضرورة ابتعاد رجل الدين عن السياسة، ولعل أول باب فتحه خارج النجف الأشرف كان عن طريق المراسلات التي جرت بينه وبين أمين الريحاني.
 
٥ – اهتم الإمام المجاهد بأسلوب الكتابة والتأليف، حيث نهج فيه نهجاً يختلف عما تعارف عليه العلماء الّذين سبقوه، فلم يقتصر في كتاباته على البحوث الفقهية، والأصولية، بل توجه في تحركاته ونشاطاته العلمية والفكرية، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأدبية إلى معالجة قضايا الأمة المعاصرة.
 
موقفه من حركة التبشير:
 
لقد حذر الشيخ المجاهد من خطر التبشير على الأمة الإسلاميّة، وله كتاب قيم بهذا الصدد موسوم بـ”التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح” يرد به رداً علمياً دقيقاً وشاملاً على المبشرين، ولم يقصد الإمام التهجم على المسيحيين، فهو يحترمهم بحكم احترام الإسلام لأهل الكتاب، ولكنه الدفاع عن النفس والواجب الشرعي .

اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد