من رواد التقريب

الداعية الاسلامي جما ل الدین الاسدابادی رائد من رواد التقريب

الداعية الاسلامي جما ل الدین الاسدابادی رائد من رواد التقريب

السيد جمال الدين الأسدآبادي أكبر شخص دعا المسلمين في تاريخنا الماضي إلي الوحدة. كان السيد جمال الدين يعتقد أن العالم الإسلامي إذا أراد تجديد حياته المعنوية و السياسية فلا مفرّ أمامه من الاتحاد، و قد كانت أسفار السيد جمال الدين و كلماته و مفاوضاته تصب كلها في هذا السبيل و من أجله.

السنة يقولون إن السيد جمال الدين سني، و الشيعة يقولون إنه شيعي. إذن فهو مقبول لدي الفريقين. كان السيد جمال الدين سيداً شيعياً إيرانياً تعاون مع الشيخ محمد عبده و هو عالم مفتنٍ سني شافعي، و ضمّا صوتيهما إلي بعض فملأ هتافهما العالم كله.

السيد جمال الدين شخص رفع راية إحياء الإسلام و بالتالي فراية إحياء الإسلام لا تعرف شيعة و سنة.

تركت أفكاره أثراً بالغاً في نفوس المثقفين وأصحاب الرأي خاصة في ايران ومصر.
 
لا تجتمع كلمة الباحثين فيما يخصّ مولد الرجل وحياته وأفكاره.
 
من تلاميذه من قام بتصفية السلطان الإيراني ناصرالدين شاه القاجاري عام 1313 هـ.


و كتبت رسالة التقريب - في العدد ١٤
ملتقيات 
بقلم الدكتور محمّد علي آذرشب
 
اختلف الناس في السيد جمال الدين… في وطنه… وفي مذهبه… وفي دعوته… وفي أهدافه… وفي… ولكنهم أجمعوا على أنّه أعجوبة من الأعاجيب… لا تكاد تجد في العالم الإسلامي الحديث نهضة في الفكر والأدب والسياسة والدين والاجتماع… إلاّ وللسيد أثر بين وواضح فيها.

دائرة تأثيره: كل العالم الإسلامي.

مجال تأثيره: كل ما يرتبط بثقافة الشعوب المسلمة.

وسائل تأثيره: جميع السبل بما في ذلك الحديث مع القادة والزعماء، والقاء الخطب في الأوساط العلمية والجماهيرية، ونشر المقالات في الصحف، وتأسيس الصحف، والتدريس في الأزهر الشريف، وتربية التلاميذ المتفتحين، والجلوس إلى المثقفين في المقاهي، و…

لم يكن له سلاح سوى الكلمة، وبهذه الكلمة أوشك أن يخلق في الشرق نهضة تلحقه بركب الحضارة الإنسانية، لولا الهجوم الاستعماري الغاشم على قلب هذه النهضة في مصر، وإيقاف مسيرتها وشل حركتها.
وبمناسبة ذكراه المئوية أقام «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة» مؤتمرا علمياً عالمياً، قدمت فيه بحوث قيمة، أماطت اللثام عن جانب من حياة هذا الرجل الأعجوبة.

واهتمام المجمع العالمي للتقريب بشخصية هذا الرجل تنطلق من اهتمام السيد بوحدة المسلمين والدعوة إلى الرابطة الإسلاميّة لتحل محل كل الروابط العنصرية والإقليمية والطائفية… وتنطلق من حرض السيد على زوال الحساسيات التاريخية بين الشيعة والسنة، ولذلك فهو من رموز الوحدة والتقريب.

جانب من السيرة الذاتية  :

أبوه السيد صفدر الحسين، وأمّه سكينة بيكم. تعدّ الأسرة -بحسب المصادر- من السادة الحسينيین.ولد سنة 1254 هـ (1839 م) في قرية أسد آباد التابعة لمدينة همدان الإيرانية، وقيل في قرية أسعد آباد الأفغانية. فهذا الغموض الذي أحاط بمسقط رأسه صار السبب الرئيسي للاختلاف في أصل هويته، بين من يعتبره إيرانياً ومن يراه أفغانياً.
 
قد أكّد شخص يدعى صفات الله الجمالي - يقال بأنه حفيد أخت جمال الدين - على أن أحد أبرز الأدلة المثبة لأصول الشخصية، هو تواجد الكثير من أفراد عشيرته الذين لايزال يقطنون في أسد آباد الإيرانية، "فكون السيد من أصول إيرانية، أظهر من الشمس وأبين من أمس" على حد قوله.

بدأت حياته العلمية منذ طفولته وهو في الخامسة من العمر، فتعلم القرآن وقواعد اللغة العربية بإشراف أبويه في مستهلّ مشواره، ثم رحل مع أبيه (السيد صفدر) سنة 1264 هـ إلى مدينة قزوين ولبث فيها 4 سنوات؛ ليلتحق بمدرسة العلوم الدينية، فدرس هناك العلوم العربية والمنطق إلى جانب الفقه وأصوله، ثم ذهب مع أبيه إلى طهران العاصمة بعد سنتين، وتابع دراسته عند العالم الفاضل آنذاك السيد محمد صادق الطباطبائي الهمداني، فانضمّ إلى المؤسسة الدينية.
 
غادر جمال الدين وأبوه طهران نحو العتبات المقدسة سنة 1266 هـ قاصداً النجف، فبعد مكوث ثلاثة أشهر في المدينة  والنقاش العلمي مع علمائها دخل مدينة النجف. يقال بأنه حضر 4 سنوات حلقات درس الفقيه الشيعي الشهير الشيخ مرتضى الأنصاري.
 
ثم اتجه نحو مدينة بومباي الهندية عبر الأراضي الإيرانية مرة أخرى سنة 1270 هـ  ، بتقدير بعض الخبراء كانت هذه الرحلة في سنة 1282 هـ. المعروف أن مدة إقامته في النجف كان يفكر في "طريق لإيجاد أواصر العلاقة، بين الحكومات والأمم الإسلامية" وحاول لتطبيق الخطة بإشراف السلطان العثماني. فبادئ ذي بدء، راسل مدحت باشا وطلب منه إصدار توصيات إلى أصحاب السلطة الهندية والأفغان ومنطقة بلوتشستان، لما كان يتطلّع إلى زيارتها.
 

سافر إلى الهند بعد إكمال دراساته الأولية، ما أدى إلى تطور في حياته وتكوين شخصيته الجديدة. أحاط على بعض المشاكل لدى المسلمين في الهند إلى حد، كما عرف آليات حلّها وكيفية تطوّر المسلمين، والذي لا يحصل إلا باتحادهم وبمقاومة قوى الاستعمار، فأخذ يسافر إلى مختلف الدول الإسلامية والأوروبية، فكانت فترات إقامته في مختلف البلدان قصيرة، ويتردّد بينها لنشر عقائده.
 
وفي 17 من شهر رمضان 1296، وبأمر من توفيق باشا، اُعتقل جمال الدين وأرسل إلى السويس على الحدود، لينفى من هناك إلى ايران. وتفادياً لحصول أي لقاء بينه وبين الناس ولقطع آثار تعاليمه الدينية، تمّ حجزه لمدة في ميناء السويس.
 
انطلاقاً من ميناء السويس، اتجه نحو الهند، عوضاً عن إيران، فوصل مدينة حيدر آباد. تشمل نشاطاته في الهند: إلقاء المحاضرات على جيل الشباب، العمل المشترك مع الصحف، تشكيل الجمعية السرية باسم "العروة"،ومعارضة السيد أحمد خان، أحد الإصلاحيين الإسلاميين آنذاك.
 
طيلة إقامته في الهند، أثار انتباه المترجم، أفكار وآراء السيد أحمد خان الهندي والتي قد اتسمت بنظرة سمحة وشبه مادية تجاه عنصر الدين، فقام الأفغاني بمناهضة هذه النظرة. تسود على آثار السيد أحمد خان، صبغة مؤيدة للوهابيين الأوائل.

عقب الإنتفاضة المعروفة سنة 1857 م بذل السيد أحمد خان، جهوداً لتوطيد العلاقات بين المسلمين والبريطانيين بصورة فاعلة، فبادر إلى إستخلاص رؤية جديدة من الإسلام، شبه إنتقائية، لا تختلف أساساً مع نظيرتها المسيحية. من وجهة نظر السيد أحمد، الوجه المشترك بين هذين الدينين، يجتمع في شأن واحد وهو الأخلاق الطبيعي المجرّد من العناصر ما فوق الطبيعية. وقيل أن هذا الأمر كان الحافز لكتابة "الرسالة النيجرية" لدى الأسد آبادي. أعدت الرسالة باللغة الفارسية، ثم ترجمت إلى الأردية والفرنسية لاحقاً قام به الشيخ محمد عبده وعارف أبو تراب.
 
في هذه الرسالة يقوم السيد بالرد على العقيدة المادية ودورها في انحطاط أفراد البشر ومجتمعاتهم من جانب وتثبيت عنصر الدين وأثره في رقي الفضائل الإنسانية من جانب آخر، فيستجمع قواه للرد على الأفكار الشبه مادية للسيد أحمد خان وأتباعه. فبعد نفي المدرستين المادية والدهرية، يقوم جمال الدين بتبيين العامل الديني في تنمیة البشرية وتحضيره.
مما قال جمال الدين :


                            

 
في مقالة تحت عنوان "تفسير مفسّر"،

انتقد وبشدة، تفسيراً للسيد أحمد خان. إستمر في معاضرته لأحمد خان وهو في باريس فهاجم أفكاره بكتابة

مقالة باسم "الدهرييون في الهند"

وصرّح بأن السيد أحمد خان قام في تفسير له حول القرآن، بتحريف العبارات وغيّر في ما أنزل الله تعالى.
 
إلا أنه لم يكتفي جمال الدين بالرد والإجابة على منهجية أحمد خان في تفسيره للقرآن فقط، بل كانت آراءه الإصلاحية تشمل البعد السياسي أيضاً، فقام بدوره بالردّ على عقائد السيد أحمد خان السياسية، حيث أن الأخير كان يعمل لصالح البريطانيين، ويعتقد أنه ينبغي القبول بالثقافة الغربية لأجل الوصول إلى التنمية. فبالإضافة إلى نشر آراءه الإصلاحية الشاملة لتحسين أوضاع الأمة الإسلامية، تصدّى وبجدية لعقائد أحمد خان، ما عبّر عنه البعض عاملاً لصرف انتباه المترجم من غايته العليا المنشودة في مجالي السياسة وفلسفة الاجتماع.
 
عندما أقرّ السلطان ناصر الدين القاجاري منح حصر امتياز التبغ والتنباك لشركة بريطانية، واجه معارضة من قبل علماء الدين في ايران، كما وإن جمال الدين ومريده الخاص، ميرزا رضا الكرماني كانا من بين أشد المعارضين للامتياز.
 
"رغم نفي السيد جمال الدين من إيران، إلا أنه لم يتهاون يوماً ما لإلغاء الامتياز وهو خارج البلاد، فبدأ بإرسال رسائل إلى الميرزا الشيرازي الأول، وأخبره في إحدى رسائله بوجه الخصوص عن ظلامات السلطان وحثُ المرجع الشيعي على المضي قدماً في إبطال امتياز التتن والتنباك. وفضلاً عن ذلك فكان يحرّض العلماء في إيران عبر رسائله الموجهه إليهم للنهوض ضد الشاه القاجاري، واغتنامهم الفرصة المتاحة للإطاحة بالحكم الملكي المتغطرس".
 
في رسالته التي يبعثها إلى المرجع الشيرازي، بعد أن يخصّه بالتحية والتأييد، يصف السلطان (ناصر الدين) كفرد ضعيف الإرادة وسيئ الخلق يعجز من أن يقود البلاد إلى برّ الأمان وأن يحافظ على المصالح العامة، فإنه بادر إلى بيع أجزاء من البلاد ومواردها لأعداء الدين. وبعد عدّ 8 فقرات من الخيانات التي حصلت على يد الشاه والتي تشتمل على الحصة الأسد من عوائد البلد التي خصّصت لأعداء الإسلام، يعبّر عن الشاه تحت عنوان "الخائن الأحمق" وباستخدام الكلمات والعبارات المثيرة، يطلب من الميرزا الشيرازي، أن يكسر صمته، ويتخذ قراراً صارماً في هذا الصدد.
 
يطلب الأسد آبادي وبكل صراحة في مراسلته للعلماء، أن يعملوا لإزاحة السلطان عن سدة الحكم:
 
"يا رجال العلم! لا تتريثوا في إزاحة هذا الرجل المستولي على الحكم غصباً. من يتصف عمله بالفسق وأمره بالجور. الذي انجنّ، ويصبو إلى تسليم البلد الذي يكون داعياً للعزّ وملجأً للدين إلى الأجانب. من يعزم لإعلاء كلمة الكفار وأن يستقرّ تحت راية الشرك. أعيد وأكرّر مرة أخرى بأن الوزراء، فئات الشعب، قادة الجيش، وأولاد هذه الطاغية العاصي رهن إشارتكم، إنهم فقدوا صبرهم..."


 و من آثاره

للمترجم مکتوبات غالبيتها تقريراته التي حرّرها الآخرون. قام "كلبة شروق" بمساعدة "مركز الدراسات الإسلامية" بنشر معظم هذه الآثار بمناسبة المؤتمر العالمي للسيد جمال - الذي عقد في طهران- ومنها:
 
رسائل في الفلسفة والعرفان: المجموعة تحتوي على 6 رسائل والتي قام محمد عبده بتحرير معظمها وهي:

"مرآة العارفين"، "الواردات"، "القضاء والقدر"، "فلسفة التربية وفلسفة الصناعة"، "العلم وتآثيره في الارادة والإختيار" وتعريب "الرسالة النيجرية".

الرسالات والمستندات السياسية والتاريخية: من بين مستندات المترجم ووثائقه المتبقية على مرّ الزمان، هناك العشرات من الكتابات والرسالات التي كُتبت في مختلف المدن كطهران، كرمانشاه، بغداد، البصرة، بطرسبورغ، مسكو، إسطنبول، باريس، لندن و... تتصف غالبيتها بصبغة سياسية وانتقادية.

الكتاب يضم 50 رسالة ووثيقة للمترجم باللغات العربية والتركية والفارسية.

مجموعة من الرسائل والمقالات: يحتوي على 30 رسالة ومقالة من المترجم بعضها بقلم نفسه والآخر منقول من ما جاء على لسان السيد، وكتبت بخط شخص يسمّى محمد حسن آغا أمين الضرب الثاني. كما إشتملت المجموعة على حكايات السيد والتي نشرت لأول مرة، ويحتفظ بنُسَخها المخطوطة ضمن الوثائق السيد الموجودة في البارلمان الإيراني.
الرسائل والمقالات: تحتوي المجموعة على 22 رسالة ومقالة للسيداسد ابادي باللغة العربية. منها:

رسالة حول المهدية، الشرق والشرقيين، الرّد على رينان و... نشرت بعضها ولأول مرة في مجلات "اليوم السابع" في باريس و"العالم" في لندن.

كتاب تاريخ ايران وتاريخ الأفغان: هو من قام بكتابتها

ضياء الخافقين: السيد جمال الدين هو الكاتب لبعض مقالاته وقامت "كلبة شروق" بمساعدة مركز الدراسات الإسلامية بإصداره. مُنع إصداره في بريطانيا بعد خمسة طبعات.

العروة الوثقى: كانت تنتشر في باريس على هيئة مجلة. صدرت أول نسخة منها في 13 مارس آذار 1884 م واستمرّ الإصدار إلى أوكتوبر تشرين الأول 1884 م بمجموع 18 عدداً. كان الشيخ محمد عبده يرأس تحريرها. جُمعت أعداد المجلة على يد أطراف وناشرين ونُشرت في بلدان مختلفة كالعراق ولبنان ومصر وايران وأوروبا لعدة مرات وقام "مجمع التقريب بين المذاهب" بتجديد الطبعة مع مقدمة مفصلة في 516 صفحة، بمناسبة المؤتمر العالمي للسيد جمال الدين المنعقد في طهران يونيو حزيران 2008 م.

أفكاره
يعدّد الباحث و الفيلسوف الإيراني  الشهيد مرتضى المطهري، في كتابه "الحركات الإسلامية في القرن الأخير في دراسة إجمالية" مصائب المجتمعات الإسلامية من وجهة نظر الأفغاني كالتالي:
 
استبداد الحكام

الجهل والغفلة المستشرية بين جميع الفئات المسلمة، والتخلف عن ركب الثقافة والحضارة

تسرّب الخرافة في معتقدات المسلمين وابتعادهم عن الشريعة الأصيلة

التشتت والفرقة بين الجماعات المسلمة تحت عناوين دينية أوغير دينينة

تسلّل الاستعمار الغربي في البلدان الإسلامية.

ثم يشير المطهري إلى الطرق التي يراها جمال الدين بإمكانها أن تحلّ المصائب تلك:
 
مناهضة المستبدين في استئثارهم بالحكم، عبر تثقيف الشعب وتفهيمه مبدأ وجوب النضال السياسي على أساس الدين والشريعة.

التزوّد بالعلوم والصناعات الحديثة

عودة المسلمين إلى الشريعة الأصلية ونبذ الخرافة والبدع والزوائد التي أُلحقت بالإسلام على مدى العصور.

برأي السيد جمال الدين  أن هذه العودة إلى الشريعة الإسلامية الأولى، لا تتم إلا من خلال العودة إلى القرآن والسنة الموثقة.

الثقة والعقيدة بالشريعة وبأن الإسلام كشريعة ومنظومة عقدية، قادر على تحرير المسلمين والقضاء على الإستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي وأن يقدم العزة والسعادة للمسلمين.

معارضة الاستعمار الخارجي بجميع أشكاله السياسية والإقتصادية والثقافية

وحدة الإسلام

بث روح الكفاح والجهاد في جسد المجتمع الإسلامي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة. قام باسترجاع أصل الجهاد إلى الأذهان والذي قد أصبح مهجوراً، كما اعتبر نسيانه عاملاً رئيسياً في تخلّف المسلمين التصدي للذهول أمام الحضارة الغربية.

كان يحثّ المسلمين على ترك الخلافات الطائفية، وتقبلّهم للبعض لصالح الأمة وخيرها. من بين ما كان يطلبه من المسلمين أن يحاكوا الغرب في العلم والتقنية، شريطة أن يتحفّظوا على قيمهم الأخلاقية والدينية.

كما كان مستاءاً من الخلافات والفرقة لدى المسلمين وحكامهم وقد برز هذا المعنى في ندائه المتوجّع والباعث للأسف حين قال: "توحّد المسلمون على أن لا يتوحّدوا ولايتوافقوا، للأسف الشديد هم تكالبوا فيما بينهم، وقاموا بضرب أنفسهم من الجذور.

يستدبرون قبلة محمد (ص) لإرضاء أعدائه، ويتناسون القرآن، ويعتزون بالإغتراب فخورين بذلك لأنفسهم وأفاربهم

فوضع معالجة هذا الأمر نصب عينيه: "لا أرغب في أن أصبح ولياً للعهد، ولا وزيراً، ولا ركناً من أركان الحكومة، لا أريد منصباً، لا أملك عيالاً ولا أمتلك عقاراً...قد عشت في حال واحد وسوف لن أتغير، لا غاية عندي غير النصيحة والإصلاح..."

"لا أتشوق في هذه الدنيا سواءاً في غربها كنت أم في شرقها، إلا أن أسعى لإصلاح دنيا المسلمين وآخرتهم، ومبتغاي الأخير أن أتخضّب بدمي في هذا السبيل، كالشهداء الصالحين".
 
مما قيل فيه

الشهيد مرتضى المطهري: "إن السيد جمال الدين الأسد آبادي، هو الرائد في الحركاة الإصلاحية خلال القرن المنصرم. هو أول من بدأ بتحريك الصحوات الإسلامية وكشف برؤية موضوعية عن هموم المجتمعات الإسلامية وقدّم الحلول للإصلاح والقضاء عليها...كانت حركته ذات طابع فكري واجتماعي في آن واحد... قد حظي السيد جمال الدين – بفضل حركته وحيويته - بمعرفة دقيقة للزمان والعالم المعاصرَين له وبمعضلات البلدان الإسلامية المطلوبة علاجها عنده. حسب تشخيصه يتصدر الإستبداد الداخلي في الحكم والاستعمار الخارجي قائمة أهمّ المشكلات المتجذرة في المجتمعات الإسلامية فقام بالتصدي لهما، وأخيراً بذل حياته في هذا السبيل."

المصلح السيد جمال الدين الأسد الابادي  يرمي إلى إصلاح العقول والنفوس أولاً ثم إصلاح الحكومة ثانياً؛ فبدأ بدراسته الواسعة في الفلسفة الإسلامية والتصوف ودروسه في الهند الرياضة على الطريقة العصرية. فغرس بذور نهضته السلوكية بدروسه في بيته بمصر، فكان يلقيها على أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان والشيخ إبراهيم اللقاني والشيخ سعد زغلول والشيخ إبراهيم الهلباوي. كان أكثر الكتب التي قرأها لهؤلاء وأمثالهم كتب منطق وفلسفة وتصوف مثل كتاب الزوراء للدواني وشرح القطب على الشمسية في المنطق والهداية والإشارات وحكمة العين وحكمة الإشراق في الفلسفة والإشراقية والمشائية.

لقاءات المرحوم السيد جمال الدين أسد آبادي مع المرحوم النائيني (رحمه الله) وعدم التوافق بينهما إشارة في هذا المجال، لابد من دراسة لهذا الاختلاف ومنحى كيانه الثقافي.

المرحوم السيد جمال الدين من رواد المعرفة السلوكية، فطالما قرأ كتب العرفان والتصوف واستذوق ما فيها، ففي كلام له مخاطباً لهذه الكتب في مكتبته: يا حكمة الاشراق وياحكمة المشرقية… طالما قرأتكن وحفظت مطالبكن ورجعت إليكن.

هذا المسلك يسريه في مصر للشيخ محمد عبده وغيره، وترى ذلك بادياً في سلوك الشيخ محمد عبده وأتباعه ومدرسته فيما بعد ذلك بنحو من الاختلاف. ومن المؤكد أن السيد الأسد آبادي أراد أن يحرك هنا الاتجاه لعمله الثوري، ولكن هناك عوامل كان فاقداً لها لم تؤهله لأن يستمر بهذا الاتجاه.

وهذا الذي فهمناه هو ما توصل إليه الاستاذ أحمد أمين، لكنه لم يجل نقطة السر هذه حيث قال: "ويظهر لي أن هذه الكتب (أي الكتب الفلسفية التي درسها) لم تكن لها قيمة في ذاتها؛ فقد كان الشيخ حسن الطويل مثلاً يقرأ بعض هذه الكتب في الأزهر ولم يؤثر أثره، إنما كانت قيمتها في أن كل فصل من فصولها أو جملة من جملها كان تُكأة يستند إليها الشيخ في شرح أفكاره وآرائه والتبسط في مناحي الفكر والتطبيق على الحياة الواقعة ونظرته إلى العالم كوحدة، مازجاً التصوف بالفلسفة وبالهيئة وبغير ذلك. وهذا هو ما أقنع الشيخ محمد عبده من الشيخ وطمأن نفسه… فوجد عنده طلبته وأقصى أُمنيته….

حيث يقول الشيخ محمد عبده: كان السيد جمال الدين يلقي الحكمة لمريدها وغير مريدها، ومن خواصه أنه يجذب مخاطبه إلى ما يريد.
وكان من المؤمنين بوحدة الوجود، كما كان يحكي عنه الشيخ محمد عبده وبعض خاصته، متصوفاً يدين بعقيدة المتصوفة. والبعض الآخر كان له هذا المجال للتحرك لكن لم يعطه الشمولية لجميع أنحاء المعمورة.

شارك مع السيد جمال الدين الاسد آبادي في النضال السياسي ضد سياسة الخديوي إسماعيل، و ساهم مع أستاذه في تكوين الحزب الوطني الحرّ الذي كان من أهدافه محاربة التدخل الأجنبي، و رفع شعار «مصر للمصريين»، و إنشاء حكومة دستورية برلمانية.
 
كان الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية و من كبار رجال الإصلاح و التجديد في الإسلام. وأصدر مع صديقه و أستاذه جمال الدين ألأسدآبادي جريدة «العروة الوثقي» وخصّصوا جميع مقالاتهما الحماسية في مجلتهما المشتركة، مستندين لآيات القرآن، و تفسير الآيات ذات البعد الإجتماعي الأكثر أهمية.
 
و عبده بعد أن أيقن بأن دور القيادة السياسة ضعيف، إنطلق بعلمه الإصلاحي من خلال إثارة قوة العقل و إنتقاد المسلمين، و القيام بالعمل التعليمي و الفكري.
 
إذا كان السيد جمال الدين الأسدآبادي يعتبر من أبرز زعماء الحركة الإصلاحية، فإن الذي عاصره و تبنی آرائه، هو الشيخ محمد عبده، و يعتبر من الذين أرسوا أسس مدرسة جديدة في تفسير القرآن، مدرسة تختلف تماماً عن مدرسة التفسير القديمة.

الامام الخميني (قدس سره) : «كان رجلاً حاذقاً إلا أنه كان يعاني من نقاط ضعف أيضاً، فبما أنه لم يكن يتمتع بمكانة بين الجماهير لا على المستوى الديني ولا الشعبي، لم تؤدي جهوده المبذولة إلى النتائج المطلوبة...».
 
 
و في هذا المجال قال الامام  الخامنئي: في خطبة له قبيل صلاة الجمعة في تاريخ 4 فبراير 2011 هكذا يصفه: «السيد جمال الدين الكبير، ذلك الرجل الداعي للإسلام والهمام والمناهض، الكبير، أفضل مكان وجده مناسباً لنهضته، هي مصر، ومن ثم تلامذته محمد عبده والآخرين، هكذا سوابق الحركات الإسلامية في مصر».


بعض أصول فكره الاصلاحي بما يلي:

١. الإهتمام و الدفاع عن العقل لمواجهة الخرافات و الجمود الفكري.

٢. الإيمان بفتح باب الإجتهاد، و وجوب الإجتهاد خاصة في قضايا الإجتماعية.

٣. الإهتمام بتأليف القلوب بين الأديان المختلفة، و كذلك الفرق الأسلامية.

٤.القول بالمنهج التفويضي ليستطيع من خلال ذلك القبول بالمسؤولية الإجتماعية و الإصلاحية.

٥. تقدم الإصلاحات الفكرية و الدينية علي الإصلاحات السياسية.


وفاته ومدفنه
 
مقبرة جمال الدين في صحن جامعة كابل

توفي جمال الدين في شهر شوال سنة 1314 هـ عن عمر يناهز 60 في المبنى الملكية في إسطنبول، وأخذ أربعة حمّالين يحملون نعشه إلى مقبرة لمشيخة المحلة. وجّهت الدولة الأفغانية طلباً للحكومة العثمانية لنقل جثمانه إليها ولبّيَ الطلب، فعقب انتقاله، دفن في صحن جامعة كابل وبعدئذ سمّيت الجامعة بدار الفنون، وقاموا بتشييد صرح من الصخر الأسود فوق المقبرة لاحقاً.
 
 
اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد