من رواد السلام والوحدة الاسلامية

العلامة محمد مهدي الآصفي من رواد السلام الوحدة الاسلامية

العلامة محمد مهدي الآصفي من رواد السلام الوحدة الاسلامية
كان اية الله الاصفي يدعو للوحدة الاسلامية و من اقواله : الوحدة ليست شعارا ولا أمنية وإنّما هو مشروع عمل، وفقه، وأصل، وأخلاق و(آليات علميّة وعمليّة).و للوحدة أخلاقية كما أن للتفرقة والخلاف أخلاقية أخرى.من أخلاقية الوحدة (الألفة) و(الرفق) و(المداراة) و(العفو) و(المسامحة) و(اتباع الحق) و(التجرّد من العصبية). وأخلاقية الاختلاف والفرقة (الحسد) و(المشاكسة) و(اللجاج) و(العناد) و(الغضب).
و اكد سماحة الفقيد الراحل اية الله الاصفي في مقال اخر حول الوحدة الاسلامية قائلاً:  "  الوحدة، في الإسلام، في المجتمع الإسلامي (أصل) ومعنى الأصل انه أساس ومعيار علمي وعملي للتعامل مع مواضع الاختلاف العلمي والفكري والسياسي والاقتصادي.
 
فكلما واجهنا في حياتنا العملية أو السياسية أو الاقتصادية موضعا من مواضع الخلاف … كان الوحدة أصلا ومنهجا في التعامل مع نقاط الخلاف … وليس معنى ذلك إلغاء الخلاف، والرأي والاجتهاد المخالف، فان ذلك أمر غير ممكن وغير صحيح … ولكن لابد من التعامل مع نقاط الخلاف العلمي والعملي والسياسي بين المسلمين بمنهجية علمية وعملية … والوحدة هي هذه المنهجية العلمية والعملية للتعامل مع مواضع الخلاف بين المسلمين.
 
والقرآن الكريم يقرر هذا الأصل بوضوح في اكثر من موضع.
 
يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} .
 
{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} .
 
{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيب} .
 
والإِختلاف (أمر واقع) والوحدة (اصل) ويجب أن نتعامل مع هذا الأمر الواقع بهذا الأصل. نحن عندما نتعامل مع المسائل الخلافية في العقائد والفقه، لا نأخذ فقط الدليل بنظر الاعتبار ونلغي كل أمر آخر.إن المنهج الصحيح أن نأخذ بالأمرين معا بالرأي والدليل والحجة، ونأخذ اصل الوحدة أيضا بنظر الاعتبار في طريقة التعامل مع الاختلاف في الرأي والفهم.
 
الاختلاف حقيقة واقعة لا يمكن نفيها ولا يصح إنكارها. والاختلاف في الرأي والدليل والاجتهاد أمر واقع لا يصح التنازل عنه، لان التنازل عنه تنازل عن الرأي والدليل. والتنازل عن الرأي والدليل لا يصحّ إلا إلى دليل وحجة ورأي قائم على الدليل والحجّة.
 
ولكن إلى جنب هذا الاختلاف وضع الإسلام (أصلا) في طريقة التعامل مع الاختلاف وهو (اصل الوحدة) وهذه مسألة على درجة كبيرة من الأهمية: كيف نتعامل مع الاختلاف في الرأي. هل يجوز أن يطرد بعضنا بعضا، إذا اختلفنا في الرأي؟ وهل الاختلاف في الرأي (في الفقه والأصول والسياسة) بمعنى التقاطع، والرفض، والطرد، والنفي، أم بمعنى الحوار والتفاهم؟."
 
 
وحول التعايش الفقهي اضاف سماحته  : التعايش الفقهي من ضرورات الحياة الاجتماعية.فان المجتمعات الإسلامية تجمع بين مذاهب فقهية مختلفة في العبادات والأحوال الشخصية والمدنية والقضاء والعقود، ولا يجتمعون على فقه واحد، وفي فقه أهل البيت أحكام خاصة بـ (التعايش الفقهي)
 
إن التعايش الوحدوي والسليم في المجتمع الإسلامي بين المذاهب الإسلامية الفقهية مسألة في غاية الأهمية … فلابد أن يعيش المسلمون بعضهم مع بعض ولهذه المعايشة فقه وأصول وأخلاق. وقاعدة الإلزام والالتزام من تلك القواعد الفقهية التي توفر الجو الفقهي الشرعي للتعامل المشترك في المسائل المختلف فيها بينهم فقهيا في المعاملات والأحكام الشخصية.
 
وبلنسبة حرمة المسلم ينقل العلامة الاصفي رواية عن" حرمة المسلم اعظم من حرمة الكعبة":
 
يقول عبد الله بن عمر: رأيت رسول الله (ص) يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك. ما أعظمك واعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن اعظم عند الله حرمة منك .
 
واستقبل الإمام الباقر (ع) الكعبة وقال: الحمد لله الذي كرمك وجعلك مثابة للناس وأمنا. والله لحرمة المؤمن اعظم حرمة منك .
 
حرمة المسلم اعظم الحرمات:
 
يقول أمير المؤمنين (ع): وفضَّل حرمة المسلم على الحُرَم كلها، وشدَّ بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين في معاقدها. فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق، ولا يحل أذى المسلم إلا بما يجب .
 
كل المسلم على المسلم حرام:
وهذه الحصانة شاملة.
عن رسول الله (ص): "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذّبه ولا يخذله. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه" .
وروى احمد في المسند عن رسول الله (ص): "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" .
 
"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله. كل المسلم على المسلم حرام" .
 
وعن انس بن مالك عن رسول الله (ص): "من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا واكل ذبيحتنا فله مالنا وعليه ما علينا" .
 
وروى الإمام موسى بن جعفر‘ عن رسول الله (ص): "إن الله جعل الإسلام دينه، وجعل كلمة الإخلاص حصنا له، فمن استقبل قبلتنا وشهد شهادتنا واحل ذبيحتنا فهو المسلم له مالنا، وعليه ما علينا" .
 
و عن أمير المؤمنين (ع) انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله إلا الله، فإذا قالوا لا اله إلا الله عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله" .
 
و شرح اية الله  اصفي جوانب اخر من الوحدة الاسلامية : قلنا أن الوحدة ليست شعارا ولا أمنية وإنّما هو مشروع عمل، وفقه، وأصل، وأخلاق و(آليات علميّة وعمليّة). للوحدة أخلاقية كما أن للتفرقة والخلاف أخلاقية أخرى.
 
من أخلاقية الوحدة (الألفة) و(الرفق) و(المداراة) و(العفو) و(المسامحة) و(اتباع الحق) و(التجرّد من العصبية).
وأخلاقية الاختلاف والفرقة (الحسد) و(المشاكسة) و(اللجاج) و(العناد) و(الغضب).
 
في دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) الاستعاذة بالله من أخلاقية الخلاف والفرقة وإليك هذا الدعاء:
"اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص وسورة الغضب ، وغلبه الحسد وضعف الصبر ، وقلة القناعة ، وشكاسة الخلق ، وإلحاح الشهوة ، وملكة الحمية ، ومتابعة الهوى ، ومخالفة الهدى ، وسنة الغفلة ، وتعاطى الكلفة ، وإيثار الباطل على الحق ، والاصرار على المأثم ، والاستكثار من المعصية ، والإقلال من الطاعة ، ومباهاة المكثرين ، والإزراء على المقلين ، وسوء الولاية على من تحت أيدينا ، وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا ، وأن نعضد ظالما ، أو نخذل ملهوفا ، أو نروم ما ليس لنا بحق ، أو نقول بغير علم . ونعوذ بك أن ننطوي على غش لأحد ، وأن نعجب بأموالنا وأعمالنا ، وأن نمد في آمالنا" .
 
ومن أخلاق الوحدة التجرّد والتحرّر من العصبية والالتزام بالحق، كما أن من أخلاق الخلاف والفرقة (العصبية).
 
قال رسول الله (ص): ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو قاتل على عصبية .
 
وقال الإمام الصادق (ع):
من تَعصَّب أو تُعُصِّبَ له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه .
 
من تعصّب عصبه الله بعصابة من نار .
 
ومن أخلاق المؤمن التحرّر من الانفعال والغضب.
 
عن رسول الله(ص): لا يقبل الباطل من صديقه ولا يرد الحق على عدوه .
 
وعن الامام علي (ع): إنّ أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحقّ أحبّ إليه وان نقصه وكرثه ، من الباطل وان جرّ إليه فائدة وزاده .
 
وعن الإمام الصادق (ع): إنما المؤمن الذي إذا سخط لم يخرجه سخطه من الحق، والمؤمن إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، والمؤمن الذي إذا قدر لم يتعاط ما ليس له .
 
ويقول (ع): إن من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحق وإن ضرّك، على الباطل وان نفعك .
 
من أخلاق الفرقة البطش وسوء المعاشرة.
 
ومن أخلاق الوحدة الألفة والرفق.
 
يقول الإمام الصادق (ع) : إنّ امارة بني أمية كانت بالسيف والعَسْف والجور، وإنّ إمامتنا بالرفق والتآلف والوقار وحسن الخلطة والورع والاجتهاد .
إن للوحدة أخلاقية خاصّة تحضّر الجو الأخلاقي للتعايش والتفاهم بين المسلمين.
وللتعايش بين المسلمين أعراف وأصول أخلاقية لابدّ منها ولا يتحقق من دونها.
ولا يمكن الانفتاح والتعاون والتعاطي والتعامل والتعايش المشترك بين المسلمين من دون هذه الأخلاقية، كما لا يمكن أن يحقق المسلمون الغايات والأهداف الكبيرة لهذا الدين على وجه الأرض ولا يمكنهم مواجهة التحديات الكبيرة السياسية والثقافية والاقتصادية ما لم يتمكنوا أن يحققوا هذا الجو الذي لا بد منه من التعايش والانفتاح والتعامل المشترك والتفاهم والتعاون.
 
وعدد سماحة العلامة الاصفي  للوحدة سبعة اركان: وإذا تحدثنا عن العناصر المقوّمة للوحدة، فلابدَّ أن نتحدّث بإيجاز عن أركان الوحدة.
 
وحدة الأمة: وحدة الأمة مقتبسة من قوله تعالى:
 
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}
إن هذه الأمة أمة واحدة، وليست أمَماً شتّى.
 
فما معنى وحدة الأمة؟ هذه الوحدة تتضمن مجموعة من الوحدات هُنَّ مقومات الوحدة وأركانها.
 
واولى هذه الوحدات هي وحدة الألوهية والعبودية {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} . ووحدة الألوهية ووحدة العبودية هي أهم هذه الوحدات جميعاً واساسها.
 
والوحدة الثانية وحدة الولاية. يقول قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون َ} .
 
إن الولاء الحق لله تعالى وحده،ولمن يأمر الله تعالى بولائه…وهذا الولاء الأخير يأتي في امتداد الولاء لله تعالى،فهو ليس شيئاً آخر غير الولاء لله …والولاء من مقولة التوحيد، وتوحيد الولاء من مقومات وحدة الأمة … وتعدد الولاءات بمعنى تعدد الأمة بالضرورة.
 
والوحدة الثالثة وحدة النسيج الاجتماعي للولاء، فإِن للولاء بعدان بعد عمودي وبعد أفقي، والبعد العمودي هو الولاء لله ولرسوله ولمن يتولى أمور المسلمين من بعد رسول الله (ص) من أئمة المسلمين (ع).
 
والبعد الآخر هو البعد الأفقي للولاء. وهذا الولاء يربط المؤمنين بعضهم ببعض في شبكة ولائية واحدة،لا تنفصم ولا تتفكك ولا تتجزأ. إن الأمة الواحدة يربط بعضها ببعض رباط واحد من الولاء وهذا الرباط يكون بأمر الله تعالى وإذنه …. وهو أيضا من مقولة التوحيد.
 
يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} .
هم نسيج واحد، على اختلاف لغاتهم وأوطانهم، لا يحجز بعضهم عن بعض لغة ولا إقليم، ووجه الأرض وطن واحد لهم، أينما حلّوا.
و في مقابل ذلك: الذين كفروا بعضهم من بعض، لحمة واحدة في الكفر وعداء المؤمنين، {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}
 
وأَما الخطوط الحمراء والخضراء والصفراء. على خرائط الجغرافيا السياسية. فهي مما ابتدعه الناس والحكّام في حياتهم، وليس من الولاء في شيء بحكم القرآن يقول تعالى … {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ}، وإِنما للحصر ولا ولاء بعد الولاء لله لأحد إلاّ بأمر الله تعالى.
 
إِذن الأمة واحدة، نسيج واحد من الولاء بالضرورة. {أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.
 
والوحدة الرابعة، وحدة الطاعة السياسية، والطاعة طاعتان طاعة الله وطاعة رسوله (ص) وأولياء الأمور من بعده … والطاعة الثانية غير الطاعة الاولى، ولذلك ورد ذكر الطاعة في الآية الكريمة مرتين. الطاعة الاولى لله، وهي في التشريع والعبودية والتقوى {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} وهذه الطاعة، لله تعالى، كما قلنا، حتى لو كان التبليغ من رسول الله (ص) وخلفائه وهو قوله تعالى {أَطِيعُواْ اللّهَ}.
 
والطاعة الثانية لأولياء الأمور. وهي الطاعة السياسية والإدارية، وهي لأولياء الأمور، وهم رسول الله (ص) وخلفاؤه من بعده وهم أئمة المسلمين.
 
وأولهم وعلى رأسهم رسول الله (ص) وهو قوله تعالى {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ} .
 
و وحدة الطاعة تستبطن وحدة القرار، ووحدة النظام السياسي، ووحدة الصف ووحدة الكلمة والموقف السياسي … وهذه الوحدات هي من مقومات الوحدة الإسلامية وأركانها.
 
والوحدة الخامسة وحدة البراءة، وهي الوجه الآخر لوحدة الولاء، ولا تنفك الولاء عن البراءة، إن الولاء، من دون البراءة، أمر يسير. لا تحمّل صاحبها جهداً كبيرا فإذا انضمت البراءة إلى الولاء وتكاملت الولاء بالبراءة فلا يتحملها إلا ذو حظ عظيم.
 
والبراءة هي المفاصلة الكاملة عن أعداء الله وأعداء رسول الله (ص) وخلفائه وأمته ودينه الذي جاء به من عند الله.
 
وهذه المفاصلة واحدة، كما أن الولاء واحد، وهي واجبة، كما أن الولاء واجب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} .
 
ووحدة البراءة من مقومات وحدة الأمة. وتتجسد هذه الوحدة اليوم في توحيد موقف البراءة السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي والثقافي من أمريكا وإسرائيل ومن يمتّ إليهما بصلة، من الكيانات والاستكبارية الكافرة التي تعلن العداء لله ولرسول (ص)وللإسلام والمسلمين.
 
إن وحدة الولاء والبراءة، ووحدة الطاعة السياسية توحد موقف الأمة السياسي من الأعداء والأصدقاء ومن قضاياها السياسية المحورية، وتنقذها من التشتت في الموقف والقرار.
 
والوحدة السادسة، وحدة المسؤولية والرقابة الشاملة … عن رسول الله (ص):« كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » .
وعن رسول الله (ص): « من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه، فليس بمسلم » .
 
و عن رسول الله (ص):‍ « من اصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم» .
 
والمسؤولية المراقبة الشاملة للمسلمين، جميعاً، تجاه المسلمين جميعاً، من أبرز مظاهر وحدة هذه الأمة. وبها تتجسّد وحدة الأمة في الاهتمام والتعاون والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 
يقول تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} .
 
وهذه المراقبة الاجتماعية الشاملة، مراقبة الكل للكل والجميع للجميع، ليس فقط يوّحد هذه الأمة، ويجعلها أمة واحدة، وإِنما يجعلها أيضا {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
 
الوحدة السابعة وحدة الحصانة والحرمة. فان كل مسلم حرام على كل مسلم، ماله، ودمه، وعرضه.
 
عن رسول الله (ص):« كل المسلم على المسلم حرام، عرضه، وماله، ودمه » سنن الترمذي / وسنن ابن ماجة ومن احمد.
وعن رسول الله (ص): « كل مسلم على مسلم محرم ». رواها المحدثون والحفاظ من الفريقين.
 
وخطب رسول الله (ص) المسلمين في منى عام حجة الوداع وقال:« إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم القيامة، ألا هل بلغت؟ رواها ثقاة المحدثين من الفريقين.
 
وهذه الحرمة الشاملة والحصانة الشاملة الواسعة لكل مسلم على كل مسلم يحصّن المسلمين جميعاً بعضهم من بعض …
 
عن الإمام الباقر (ع) عن رسول الله (ص) « ألا انبؤكم بالمؤمن؟ المؤمن: من ائتمنه المؤمنون على أموالهم وأمورهم. والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمهاجر من هاجر من السيئات » . هذه سبعة وحدات هي أركان الوحدة في الأمة الإسلامية الواحدة.
 
كان هذا غيض من فيض محاضرات وكلمات و مقالات العلامة اية الله الاصفي رحمة الله عليه .
 
 
جوانب من السيرة الذاتية للفقيد الراحل اية الله الاصفي :
 
 
ولد آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي في النجف الأشرف عام 1939 من عائلة دينية علمية، فكان جده مرجعاً دينياً في إيران، وأبوه آية الله الشيخ علي محمد الآصفي من مجتهدي النجف.
وقد جمع الشيخ محمد مهدي الآصفي بين الدراستين الدينية والأكاديمية؛ إذ تخرج من كلية الفقه في النجف الأشرف في دورتها الأولى، ثم درس الماجستير في جامعة بغداد، وتتلمذ في دراسته الدينية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف على كبار الفقهاء ومراجع الدين؛ ففي مرحلة السطوح كان من أبرز أساتذته العلامة الشيخ محمد رضا المظفر والعلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي والشيخ مجتبى اللنكراني. وفي مرحلة البحث الخارج ( الدراسات العليا) تتلمذ على الامام السيد محسن الحكيم وآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين وآية الله الشيخ حسين الحلي والإمام الخوئي والإمام الخميني، حتى مكّنته ملكاته  العلمية من الحصول على درجة الاجتهاد في سن مبكرة. وكان أحد أبرز وكلاء الإمام الخوئي في العراق ثم الكويت وإيران بعد هجرته اليهما في سبعينات القرن الماضي.
 
عمل العلامة الآصفي أستاذاً للفلسفة لأكثر من 15 سنة في كلية أصول الدين ببغداد وكلية الفقه في النجف الأشرف، إضافةً إلى تدريسه الفقه والأصول والفلسفة في الحوزة العلمية النجفية. وكان أسلوبه في التدريس مميزاً؛ لأنه كان يجمع بين المنهجية الأكاديمية والمنهجية المسجدية.كما كان يقيم المحاضرات الأسبوعية والدورية الإسلامية في أكثر من مكان منذ أواخر الخمسينات .
 
انتمى الى حزب الدعوة الإسلامية في عام 1962، وما لبث أن أصبح من كوادره المتقدمة ومسؤولاً عن تنظيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف. وعمل أيضاً مع جماعة العلماء في النجف الأشرف في هذه الفترة. وفي عام 1971 بدأت السلطة البعثية تتابع نشاطاتها وتحركاته، وتحولت المتابعة إلى ملاحقة دائبة؛ فاضطر الى التخفي بعد صدور أمر إلقاء القبض عليه، حتى هاجر إلى الكويت عام 1974 بجواز سفر مزور. ثم حملته ظروف العمل الإسلامي على السفر إلى إيران، إلاّ أن سلطات الشاه بدأت بملاحقته، نظراً لعلاقاته مع المقربين من الإمام الخميني في إيران واتصالاته بهم، وحاول السافاك (الأمن الإيراني) إلقاء القبض عليه، ثم احتجزه واحتجز جواز سفره، إلاّ أنه عاد إلى الكويت متخفياً خلال عام 1975، واستقر فيه ثانية، حيث ساهم في قيادة العمل الإسلامي من هناك، بعد أن اختير عضواً في القيادة العامة لحزب الدعوة الإسلامية.
 
وبعد انتصار الثورة الإسلامية هاجر إلى إيران، وساهم في إعادة بناء تنظيمات حزب الدعوة التي تعرضت لضربات شديدة في العراق، وانتخب ناطقاً رسمياً لحزب الدعوة خلال عام 1980. وساهم في العام نفسه في تأسيس مجلس العلماء لقيادة الثورة الإسلامية في العراق مع قياديين آخرين في الحزب ومستقلين. كما انتخب عضواً في الهيئة الإدارية لجماعة العلماء المجاهدين في العراق عام 1982، كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق لسنتين، ثم استقال منه مع ممثلي الحزب الآخرين في المجلس. وبقي يعمل في صفوف قيادة الدعوة حتى عام 1999؛ إذ جمّد عضويته فيها بعد ذلك؛ الا انه بقي على تواصل مع الحزب، وكان يعد أحد أبرز حكماء الدعوة، وظل يساهم في حل الإشكالات التي تحصل داخل الحزب حتى وفاته.
 
وكان آخر مسعى له ( وقد بدأه قبل وفاته بشهر ونصف تقريباً، وتوفي وهو يتابعه متابعة حثيثة) هو إعادة ترتيب الأوضاع داخل قيادة حزب الدعوة؛ ضماناً لوحدة الحزب وتمهيداً لانعقاد مؤتمره القادم.
 
وكان الإمام الخامنئي قد عيّن العلامة الآصفي أميناً عاماً للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) في عام 2000. وبعد ثلاث سنوات تقريباً استقال منه ( ولكنه بقى من اعضاء المجمع ) ليتفرغ للعمل العلمي والخيري؛ وذلك إمتداداً لنشاطاته في هذين المجالين؛ إذ كان من أساتذة الفقه والأصول والأخلاق والعقائد في الحوزة العلمية في قم منذ وصوله اليها.
 
كما كان يرعى في ايران والعراق وافغانستان آلاف الفقراء والمعوزين من مختلف الجنسيات؛ ولا سيما العراقيين والأفغانيين والباكستانيين؛ وذلك عبر مؤسسات خيرية كبيرة؛ أهمها مؤسسة الإمام الباقر (ع). وبعد سقوط نظام صدام؛ عاد الشيخ الآصفي الى النجف الأشرف، وشرع فوراً بتدريس الفقه والأصول على مستوى البحث الخارج في الحوزة العلمية. وكان من الشخصيات المعتمدة والبالغة الإحترام لدى اية الله السيستاني والإمام الخامنئي. وأصبح في السنوات الأخيرة ممثلاً للإمام الخامنئي في النجف الأشرف.
 
وفي الوقت نفسه كانت لديه وكالة من المرجع السيستاني.
 
كما كان يحظى باحترام جميع الحركات والتيارات الإسلامية العراقية. وساهم عبر بياناته وفتاواه وتوجيهاته وتحركاته في تثبيت الأوضاع في العراق الجديد ومحاربة الإرهاب.
 
ويعد الشيخ الآصفي أحد المفكرين الإسلاميين المعاصرين، ويبلغ عدد مؤلفاته المطبوعة أكثر من ثلاثين مؤلفاً في الفلسفة والفكر والفقه والتفسير والاقتصاد منها:
 
((الإمامة في التشريع الإسلامي)) و((المدخل إلى دراسة التشريع الإسلامي)) و((دور الدين في حياة الإنسان))و((ملكية الأرض– رسالته في الماجستير)) و((تداول الثروة)) و ((ولاية الأمر)) و (( تاريخ الفقه الإسلامي )) و (( آية التطهير)) و (( نظرية الإمام الخميني في دور الزمان والمكان في الإجتهاد ))، (( وأثر العلوم التجريبية في الإيمان بالله )) و (( الدعاء )) و((بحوث في الحضارة الإسلامية )).
 
وكان أهم ما يميز العلامة الآصفي هو تواضعه الجم وأخلاقه العالية، وانطباق وعضه ونصائحه وإرشاداته مع تفكيره وسلوكه وأسلوب حياته. ولذا كان نموذجاً للداعية والمفكر  والسياسي الإسلامي الحقيقي.
ولكن أكثر ماكان يلفت النظر في سلوكه هو زهده العجيب؛ في ظاهره وباطنه؛ في مسكنه ومركبه وملبسه ومأكله؛ على الرغم من وضعه الديني والعلمي والسياسي والإجتماعي؛ الذي يسمح له أن يكون من الأثرياء وأصحاب المظاهر؛ ولكنه فضّل أن يعيش عيشة الفقراء؛ الذين كان يحبهم ويرعاهم ويخدمهم بنفسه؛ إذ كان الشيخ الآصفي يشتري المواد الغذائية والسلع المنزلية ويملأ سيارته بها، ويخرج كل ليلة مع مرافقه ليوزعها بنفسه على الفقراء في بيوتهم. توفي العلامة الشيخ الآصفي في مدينة قم؛ حيث كان يخضع لدورة العلاج الكيمياوي؛ وذلك في صبيحة يوم الخميس 16 شعبان 1436هـ الموافق 4 حزيران/ يونيو 2015؛ عن 76 عاماً؛ بعد أدائه صلاة الفجر مباشرة.
 
وقد نعى الامام الخامنئي  رحيل العلامة المجاهد آية الله الآصفي
 
وفيما يلي نص البيان :
تلقيت ببالغ الأسى والحزن خبر رحيل العالم المحقق المجاهد المرحوم آية الله الحاج الشيخ مهدي الآصفي رحمة الله عليه .
لقد كان الفقيد الراحل فقيهاً مجدّداً ومتكلّماً فذّاً ومؤلّفاً غزيراً ذا أثر بالغ ، فقد ترك ثمرةً لعمره المبارك عشرات المؤلفات القيّمة التي تناولت القضايا الابتلائية في مجال العقائد والكلام والفقه .
كما كان للفقيد الراحل تاريخاً جهادياً مشرقاً في ساحات الجهاد السياسي والاجتماعي  في العراق ، وكان فكره الوضاء و آراؤه السديدة و تحليلاته العميقة لقضايا المنطقة ، من جملة سمات و ميزات هذه الشخصية الجامعة الأطراف .
إن زهد الفقيد الراحل وعزوفه عن اللذائذ المادية وقناعته بالعيش المتواضع الذي يطبع حياة طلبة العلوم الدينية يُصنَّف في عداد الخصوصيات البارزة الاُخرى لهذا العالم الجليل وهذه الشخصية العلمائية الرفيعة الشأن .
 
ولقد تحمُّل سماحته لسنوات عدة مهام وكالَتي وعناء تمثيلي في النجف الأشرف ما يشغل ذمّتي بحقّ عظيم تجاهه ، والله عزّ و جل أسأل أن يجعل لطفَه ورحمتَه المؤدّيين لحقّ كل ما أسداه المرحوم من خدمات علمية ودينية واجتماعية .
إنني إذ أعزي ذويه وأصدقائه ومحبيه بهذا المصاب الأليم ، أسأل الباري تعالى له علو الدرجات والرحمة والغفران .
 
السيد علي الخامنئي
 
يشار الى ان قائد الثورة الاسلامية سماحة الامام الخامنئي أوعز بنقل جثمان المفكر الاسلامي والعلامة الراحل اية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي ، بطائرة خاصة الى مدينة النجف الاشرف لمواراته الثرى هناك في ارض مدينة امير المؤمنين عليه السلام .
 
 
اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد