في ذكرى مولد الامام الحسن المجتبى عليه السلام

المجتمع الاسلامي في عهد الامام الحسن علیه السلام

المجتمع الاسلامي في عهد الامام الحسن علیه السلام

لقد كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) عناية خاصة بولده الإمام الحسن (عليه السلام) فهو الإمام من بعده وإليه ينتقل إرث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وثمة جانب مهم في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) يرتبط بدوره في فترة تولي الإمام علي (عليه السلام) الخلافة فقد كان معتمدا من قبل الإمام في معالجة الكثير من القضايا فكان الإمام يوكل إليه مخاطبة الناس والحديث معهم وتوضيح الموقف لهم، وكان يرسله إلى بعض الولاة ليتابع معه قضايا ترتبط بالمجتمع الإسلامي، وكذلك على مستوى القيادة العسكرية والقتال، وتظهر عناية الإمام أكثر في الوصية التي خصه بها بعد منصرفه من صفين والتي يظهر فيها مشاعر الأبوة مع النصح والإرشاد، فخاطبه بقوله:"وجدتُك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي".

لقد ارتبطت حياة أهل البيت (عليهم السلام) بظروف مختلفة لتشكل في كل مرحلة درسا لمواليهم، فمن مواقف الأئمة (عليهم السلام) يرسم الإنسان موقفه من الأحداث المشابهة، فسيرتهم مصدر من مصادر التشريع على المستوى الفردي والمرتبط بالعبادات والمعاملات، وكذلك هي مصدر مهم للقادة ومن يتولى أمر الأمة وشأنا من شؤون الناس ليحسن اتخاذ الموقف من الأحداث والظروف المحيطة به.

تميزت فترة الإمام الحسن (عليه السلام) بالبيئة الاجتماعية المتبدلة والمتغيرة، والتي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعاني منها، ويشكو إلى الله عز وجل من القوم الذين ابتلي بهم، ولا بد للإمام الحسن (عليه السلام) أن يتعامل مع هذه البيئة في ظل مخاطر خارجية تتمثل بمخططات معاوية ومخاطر داخليّة تتمثل بالخيانات التي كانت تحدث داخل هذا المجتمع حتى ممن يرتبط بالإمام (عليه السلام) بصلة ورحم.

وميزة الضعف والوهن وعدم الثبات في مواجهة الباطل في هذا المجتمع ترجع إلى ضعف البصيرة وهذا ما يؤكد عليه الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في استعراضه لسيرة الإمام الحسن (عليه السلام) ويشير إلى ضرورة فهم جديد وتحليل معاصر لسيرة الإمام الحسن (عليه السلام) ويعتمد على تحليل حقيقة المجتمع الذي كان يعيش فيه الإمام الحسن (عليه السلام).

يقول الإمام الخامنئي (دام ظلّه):"قد ذكرت كثیراً عندما تفتقد الأمّة القدرة على التحلیل، فستخدع ویكون مصیرها السقوط .إنّ أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) لم تكن لهم قدرة على التحلیل، ولم یتمكنوا من فهم تداعیات الأمور وما الذی یدور حولهم، علماً أنّ أصعب المراحل التی تمر بها أی ثورة هی المرحلة التی یلتبس فیها الحق بالباطل".

ومن هنا تكمن أهمية ودور مجتمع البصيرة في مساعدة القائد على الوصول إلى أهدافه، وأن القائد يتعامل مع الظروف المحيطة به بما تقتضيه ولذا أمام السؤال حول اختيار الإمام للصلح مع معاوية يقول الإمام الخامنئي (دام ظلّه):"صلح الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) أدى إلى تنظیم الأمور بشكل واع وذكي، بحیث منع الإسلام والتیار الإسلامي من الورود في القناة الملوثة التي كان ظاهرها الخلافة وحقیقتها السلطنة، وقد كان هذا هو الفن الذی مارسه الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)، فقد عمل الإمام الحسن المجتبى عملاً یمنع من دخول التیار الإسلامي الأصیل فی تیار آخر، وهو وإن لم یكن فی إطار حكومة - لعدم إمكانیة ذلك حینذاك - فلا أقل من أنّه كان في إطار تیار ثوري".

و نختم باقوال وحكم للامام الحسن المجتبى (ع)

قال الامام الحسن (عليه السلام): "ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم. اللّؤم أن لا تشكر النّعمة". وقال لبعض ولده: "يا بنيّ، لا تؤاخ أحداً حتى تعرف موارده ومصادره. القريب من قرَّبته المودّة وإن بعد نسبه، والبعيد من باعدته المودّة وإن قرب نسبه. الخير الّذي لا شرّ فيه الشّكر مع النعمة، والصبر على النازلة. العار أهون من النار".

وقال في وصف أخٍ صالحٍ كان له: "كان من أعظم النّاس في عيني، وكان رأس ما عظم به في عيني، صغر الدنيا في عينه، كان لا يشتكي ولا يسخط ولا يتبرّم، كان أكثر دهره صامتاً، كان إذا جالس العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، كان لا يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، كان إذا عرض له أمران لا يدري أيّهما أقرب إلى ربّه، نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان لا يلوم أحداً على ما قد يقع العذر في مثله".

وقال (عليه السلام): "يا بن آدم، عفّ عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله تكن غنيّاً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب النّاس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عدلاً، إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً. يا بن آدم، لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزوّد والكافر يتمتّع".

وقال (عليه السلام): "ما فتح الله عزّ وجلّ على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة، ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد".

وقال (عليه السلام): "المعروف ما لم يتقدّمه مطل ولا يتبعه منّ، والإعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد".

وسئل عن البخل فقال: "هو أن يرى الرّجل ما أنفقه تلفاً، وما أمسكه شرفاً".