المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية

حديث التقريب ........" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

حديث التقريب ........" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

حديث التقريب

" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

العبادات المفروضة في الإسلام ذات هدف كبير وهو التقوى: " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ".. " وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ".

والتقوى مفردة إحيائية تصب في الهدف العام للرسالات الإلهية الذي بينته الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ  ".

وﻻستيضاح معنى التقوى نرى القرآن الكريم يقول عن المتقين: " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ".

فاﻻيمان بالغيب هو الفارق الذي يميز الإنسان المسجون في أغلال رؤيته المادية وبين المتحرر الذي تمتد رؤيته إلى أبعاد مطلقة ﻻتحدها حدود، وإقامة الصلاة تعني أداء الطقوس التي يعبّر فيها المؤمن عن تسليمه لخالق هذا الكون وارتباطه به، واﻻنفاق يعني الخروج من الحرص والطمع والذاتية واﻻنانية ومن (الأنا) إلى (الآخر)، والإيمان بالرسالات السماوية جميعًا يعنى اﻻرتباط بالمسيرة الإيمانية للبشرية منذ آدم وحتى الخاتم (عليهم السلام)، والإيمان اليقيني بالآخرة يوجه مسيرة الإنسان ومسيرة المجموعة البشرية نحو ما ينفع الناس ويحذر من اﻻنحراف عن المسيرة التكاملية ومن الزبد الذي يذهب جفاء ومن السراب الذي يحسبه الظمآن ماء.

كل واحدة من مقاطع تعريف المتقين في القرآن له معنى حضاري إحيائي يقي المسيرة من النكوص ويدفعها نحو السموّ واﻻعتلاء.

وبنفس هذا المنظار الإحيائي يفصّل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام صفات المتقين، ومما جاء في الخطبة 193 من نهج البلاغة قوله:
«فَالْمُتَّقُونَ فِيها هُمْ أَهْلُ الْفَضائِلِ: مَنطِقُهُمُ الصَّوابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاْقْتِصادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّواضُعُ. غَضُّوا أَبْصارَهُمْ عَمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْماعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النّافِعِ لَهُمْ».

تفاصيل حياتية رائعة في وصف المتقين تشمل منطقهم، وملبسهم، ومشيهم، وحدود أبصارهم، ودائرة أسماعهم وتتجه كلها نحو بناء الإنسان الذي يستثمر فرصة الحياة لما ينفع ولما يقوّم سلوكه.

وفي مقطع آخر يقول عنهم:

« لا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ فَهُمْ لاِنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمالِهِم مُشْفِقُونَ. إِذا زُكِّىَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خافَ مِمّا يُقالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِى مِنْ غَيْرِى، وَرَبِّى أَعْلَمُ مِنِّى بِنَفْسِى; اللّهُمَّ لا تُؤاخِدْنِى بِما يَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِى أَفْضَلَ مِمّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِى ما لا يَعْلَمُونَ».

أين هذه الصفات السامية من أولئك الذين يستكثرون القليل من أعمالهم ويملأون الدنيا ضجيجًا بما يفعلون، ويضخّمون ذاتياتهم ويلهجون بما لم يفعلوا ويحبّون أن يُحمَدوا بما لم يفعلوا.

وفي مقطع آخر من الخطبة يدخل الزمام في تفاصيل أخرى فيها من اﻻشارات النفسية واﻻجتماعية ماﻻ يخفى، وتصبّ جميعها في صياغة الإنسان السامي.. السامي الذي خرج من قوقعته المظلمة وانطلق في رحاب حركة ليس لها حدود ويرتقي نحو المطلق سبحانه وتعالى.
يقول:
«فَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرى لَهُ قُوَّةً فِى دِين.وَحَزْمًا فِى لِين. وإِيمانًا فِى يَقِين. وَحِرْصًا فِى عِلْم. وَعِلْمًا فِى حِلْم. وَقَصْدًا فِى غِنىً. وَ خُشُوعًا فِى عِبادَة. وَتَجَمُّلاً فِى فاقَة. وَصَبْرًا فِى شِدَّة. وَطَلَبًا فِى حَلال. وَنَشاطًا فِى هُدىً. وَتَحَرُّجًا عَنْ طَمَع. يَعْمَلُ الأَعْمالَ الصّالِحَةَ وَهُوَ عَلى وَجَل. يُمْسِى وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكِرُ. يَبِيتُ حَذِرًا، وَيُصْبِحُ فَرِحًا. حَذِرًا لِما حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَفَرِحًا بِما أَصابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ».

هذا هو المرجوّ من التقوى في شهر رمضان المبارك، صياغة الإنسان الذي يتحرك في فضاء ليس له حدود من العلم والمعرفة والعطاء. نسأل الله سبحانه توفيق تحقيق شوط من هذا الهدف الكبير إنه سبحانه ولي التوفيق.
 
                                                 المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
                                                                  الشؤون الدولية