ذكرى استشهاد الإمام علي علیه السلام

ذكرى استشهاد الإمام علي علیه السلام

استشهاد الإمام علي(ع) هی إحدى أهم الأحداث فی التاریخ الإسلامي، حیث کان علیه السلام الإمام الأول للشیعة والخلیفة الرابع عند عامة المسلمین إضافة لکونه صهر الرسول (ص) وکاتب وحیه، وقد ثبت التاریخ عشرات المواقف البطولیة والمهمة لهذه الشخصیة البارزة.
وکانت آخر وقعة خاضها الإمام علي علیه السلام هي معرکة النهروان، حیث خاض بها قتالا ضد المجموعة التي فرضت التحکیم علیه في صفین، ولکنها ندمت بعد عدة أیام ، فنکثت عهدها وخرجت من بیعة الإمام، وقد عرفوا فیما بعد باسم الخوارج أو المارقین، وقد انتصر علیهم الإمام علیه السلام، وکان یتهیأ لاستئناف قتال المتمردین في الشام بعد أن فشل التحکیم عند اللقاء بین الحکمین، بید أن الإمام علیه السلام استشهد على ید عبد الرحمن بن ملجم المرادي ـ والذي کان من الخوراج ـ عندما طعن الإمام بسیف وهو في سجوده، عند صلاة الفجر في مسجد الکوفة صبیحة الیوم التاسع عشر من رمضان سنة أربعین للهجرة بعد خمسة أعوام من الحکم.
وقد بقي الإمام علیه السلام یعاني من علته ثلاثة أیام، عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن السبط علیه السلام بأمر الله تعالى لیمارس بعده مسؤولیاته في قیادة الأمة.


خلفیة استشهاد أمیر المومنین علیه السلام

لقد تعرض الإمام عليّ بن أبی طالب للقتل عدة مرات، ومن أشهرها کانت لیلة هجرة النّبيّ صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.[١]
و بعد لیلة المبیت و خروج عليّ مع الفواطم إلى النبيّ قد تأکّدت عزیمة جمع من الکفّار على قتله عندما لحقوه بالطریق. و قالوا له: ارجع بالنسوة و حالوا بینه و بین النسوة کي یرجعوهنّ فشدّ علیهم و قتل أحدهم.[٢]
وثمّ بعد ذلک في حرب بدر ومقتل أکثر من نصف الذین قُتلوا من صنادید الکفّار علی یده علیه السلام تأکّدت عزائم الکفّار على قتله أکثر فأکثر.
ثمّ فی حرب أحد لمّا فرّ المسلمون إلاّ عدد قلیل منهم و واسا عليّ علیه السلام النبيّ صلى اللّه علیه و آله و سلم بنفسه و فرّق الکفّار المحدقین بالنبيّ و قتل رؤساءهم، اشتدّت نوایا الکفّار و عزمهم على قتل عليّ (ع), فکان یغری بعضهم بعضا على قتله و الفتک به. کما یدلّ على ذلک ما رواه جماعة عن أسید بن أبي إیاس أنّه کان یحضّ المشرکین على قتله و ینشد:
هذا ابن فاطمة الذي أفناکم ذبحا و قتلة قعصة لم یذبح  ٢٠  أفناکم قعصا و ضربا یفتری بالسیف یعمل حدّه لم یصفح أعطوه خرجا و اتقوا بمضیعة فعل الذلیل و بیعة لم تربح
و هکذا کان یزداد بغض الکفّار لعلیّ و همّهم على قتله یوما بعد یوم و کلّما یتجدّد للنبیّ غزو و لعلیّ نکایة فی الکفّار کان یزداد حقدهم و همّهم فی اغتیال علیّ و الفتک به فکانوا مراقبین لعلیّ من الداخل و الخارج.
و کان الأمر على هذا المنهاج فی طول أیّام الخلفاء کما تکشف عن ذلک أبیات أمیر المؤمنین علیه السلام المعروفة المستفیضة:
تلکم قریش تمنّانی لتقتلنی فلا و ربک ما برّوا و لا ظفروا
فإن بقیت فرهن ذمّتی لهم بذات روقین لا یعفو لها أثر
 ثمّ بعد انقضاء أیّام الخلفاء و مبایعة النّاس أمیر المؤمنین على الخلافة قد أضاء الصبح لکلّ ذی عین بأنّ کثیرا من المسلمین قد مکروا به و عزموا على قتله فجمعوا الحشود و أعدّوا لقتله العدّة و العدّة بعد ما بایعوه طوعا و رغبة و هؤلاء هم الناکثون.
ثمّ تلاهم القاسطون و هم معاویة و أهل الشام و من شایعهم على قتال علیّ علیه السلام.

 

المارقین و واقعة التحکیم

و عند محاربة القاسطین لأمیر المومنین علیه السلام زیدت فی مناوئی علیّ فرقة ثالثة و هم المارقون الخوارج.
و هؤلاء أکثرهم کانوا من عبّاد أهل الکوفة و البصرة و من قرّاء القرآن و لکن لم یکونوا على بصیرة فی علم القرآن و کان غایة جهدهم الإکثار من تلاوة القرآن و المداومة على الأذکار و الأوراد و کانوا مع علیّ علیه السلام مجدّین فی قتال أعدائه و لکن عند ما رفع معاویة و جنده المصاحف على الرماح-مکرا و خدیعة-فی صباح لیلة الهریر و دعوا علیّا و عسکره إلى تحکیم القرآن و الرضا و التسلیم لحکم القرآن و أبى علیهم علیّ علیه السلام لعلمه بأنّ القوم لا یریدون حکم القرآن بحسب الواقع و إنمّا لجؤوا إلى ذلک لینجوا من المهلکة.
فعند ذلک أصرّ هؤلاء الحمقى على علیّ کی یقبل هذه الدعوى و یصالح معاویة على تحکیم القرآن و هدّدوا علیّا على رفضه ذلک بالقتل أو تسلیمه إلى معاویة أو الانفراج عنه کی یقتله أهل الشام.
و من أجل إصرار هؤلاء الجهّال على نزعتهم حدث اختلاف شدید و تضارب فی الرأی فی جند الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام حتّى کادوا أن یتقاتلوا.
فاضطرّ الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام إلى قبول الصلح و تحکیم القرآن تحت شروط و قیود تبطل خدیعة معاویة و مکره، فکتبوا کتاب الصلح و أمضاه رؤساء الفریقین و وقّعوا علیه، فعند ذلک انتبه المغفّلون من القرّاء بأنّهم خدعوا فیما أصرّوا علیه أوّلا فجاؤوا إلى علیّ و ألحّوا علیه أن یعود إلى محاربة معاویة فأبى علیهم علیّ علیه السلام و قال لهم: ویلکم إنّ اللّه أمر بالوفاء بالعهد مع المشرکین فکیف ینقض عهده مع هؤلاء و هم مسلمون؟ ! و قال لهم جهارا: إنّه لا یرجع عن عهده مع الناکثین إلاّ أن یخونوا هم العهد أو تنتهی مدّة المعاهدة من غیر وفاق على حکم القرآن.

فحینئذ کفّره الخوارج و کفّروا کلّ من رضی بتحکیم القرآن و لم یتب منه و فارقه بعضهم فی نفس المعرکة.

و لمّا انفصل أمیر المؤمنین من معرکة صفّین راجعا إلى الکوفة لم یدخلوا معه الکوفة و عسکروا بموضع یقال له: الحروراء و عزموا على أن یدعوا علیّا مجدّدا إلى الرجوع عن العهد و نقضه کی یذهبوا معه ثانیا إلى حرب معاویة و إلاّ سیحاربونه و یقتلونه.


معرکة نهروان

و جرى بین أمیر المؤمنین و بینهم رسل و رسائل و محاجّات کثیرة فی خلالها رجع بعضهم عن نزعته و وقف آخرون متردّدین و بقی أکثرهم على لجاجهم و عنادهم و سعوا فی الأرض بالفساد و قتلوا الأبریاء و أهلکوا الحرث و النسل و نابذوا علیّا بالحرب و خرجوا إلى موضع یقال له: النهروان معلنین الحرب.
فخرج إلیهم علیّ علیه السلام بالجنود و احتجّ علیهم و خطبهم و طلب منهم الرجوع إلیه کی یذهب بهم إلى حرب معاویة من أجل أنّ الحکمین لم یتّفقا و خانا ما أخذ علیهما من الحکم بالقرآن و التجنّب عن متابعة الهوى.
فلم یلتفت الخوارج إلى احتجاج علیّ و شدّوا على أصحابه و قتلوا منهم أفرادا.
فعند ذلک ثبّت أمیر المؤمنین أصحابه و حرّضهم على قتال الخوارج و بشّرهم بما وعد اللّه تعالى لمن یقتل هؤلاء الأشقیاء و أخبرهم بأنّه لا یقتل منهم إلاّ دون عشرة و أنّه لا ینجوا من الخوارج إلاّ دون عشرة.[٣]
ثمّ شدّ علیه السلام بأصحابه على المارقین فقضوا علیهم عدا من فرّ منهم من المعرکة و هم دون العشرة وعدا المجروحین منهم فإنّه علیه السلام دفعهم إلى عشائرهم کی یداووهم.
و بعد وقعة النهروان و القضاء على رؤوس الخوارج خمدت شوکتهم فعندئذ غیّر الباقون من الخوارج و من على نزعتهم مجرى المناوئة و عزموا على الفتک و الاغتیال.


مؤامرة ابن ملجم على اغتیال أمیر المؤمنین علیه السلام

قال ابن سعد :[٤]
قالوا: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج [و هم] عبد الرحمن بن ملجم المرادی-و هو من حمیر و عداده فی مراد و هو حلیف بنی جبلة من کندة-و البرک بن عبد اللّه التمیمی و عمرو بن بکیر التمیمى فاجتمعوا بمکّة و تعاهدوا و تعاقدوا لیقتلنّ هؤلاء الثلاثة: علیّ بن أبی طالب و معاویة بن أبی سفیان و عمرو بن العاص و یریحنّ العباد منهم فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لکم بعلیّ بن أبی طالب. و قال البرک: أنا لکم بمعاویة. و قال عمرو بن بکیر: أنا أکفیکم عمرو بن العاص.
فتعاهدوا على ذلک و تعاقدوا و تواثقوا [على أن]لا ینکص رجل منهم عن صاحبه الذی سمّی [له]و یتوجّه إلیه حتّى یقتله أو یموت دونه.
فتواعدوا بینهم لیلة سبع عشرة من شهر رمضان  ثمّ توجّه کلّ رجل منهم إلى المصر الذی فیه صاحبه.
فقدم عبد الرحمن بن ملجم الکوفة فلقی أصحابه من الخوارج فکاتمهم ما یرید و کان یزورهم و یزورونه فزار یوما نفرا من تیم الرباب فرأى امرأة منهم یقال لها: قطام بنت شجنة بن عدی بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل ن تیم الرباب-و کان علیّ قتل أباها و أخاها یوم النهروان-فأعجبته فخطبها فقالت: لا أتزوّجک حتّى تسمّی لی. فقال: لا تسألینی شیئا إلاّ أعطیتک.
فقالت: ثلاثة آلاف و قتل علیّ بن أبی طالب. فقال: و اللّه ما جاء بی إلى هذا المصر إلاّ قتل علیّ بن أبی طالب و قد آتیناک ما سألت.
ولقی عبد الرحمن بن ملجم شبیب بن بجرة الأشجعی فأعلمه ما یرید ودعاه إلى أن یکون معه، فأجابه إلى ذلک. وبات عبد الرحمن بن ملجم تلک اللیلة التی عزم فیها أن یقتل علیاً فی صبیحتها، یناجی الأشعث بن قیس الکندی فی مسجده، حتى کاد أن یطلع الفجر فقال له الأشعث: فضحک الصبح فقم، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبیب بن بجرة، فأخذا أسیافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التی یخرج منها علی.


أحداث اللیلة التی استشهد فیها أمیر المؤمنین علیه السلام

وروی أّنه لما دخل شهر رمضان کان أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه یتعشى لیلة عند الحسن ولیلة عند عبد الله بن العباس فکان لا یزید على ثلاث لقم فقیل له فی لیلة من اللیالی ما لک لا تأکل؟ فقال: یأتینی أمر ربی وأنا خمیص إنما هی لیلة أو لیلتان فأصیب.[٥]
وعن الشریف الرضی رحمه الله قال: (وبإسناد مرفوع إلى الحسن بن أبی الحسن البصری قال: سهر علی علیه السلام فی اللیلة التی ضرب فی صبیحتها، فقال: إنی مقتول لو قد أصبحت فجاء مؤذنه بالصلاة فمشى قلیلا فقالت ابنته زینب یا أمیر المؤمنین مر جعدة یصلی بالناس فقال: لا مفر من الأجل، ثم خرج.
وفی حدیث آخر قال: جعل علیه السلام یعاود مضجعه فلا ینام، ثم یعاود النظر فی السماء، ویقول: والله ما کَذبت ولا کُذّبت، وإنها اللیلة التی وعدت، فلما طلع الفجر شد إزاره وهو یقول:[٦]
أشدد حیازیمک للموت فإن الموت لاقیکا
ولا تـجـزع مـن المـوت وإن حــل بوادیکا
وروی أنّ الإمام أمیر المؤمنین لما أراد الخروج من بیته فی الصبیحة التی ضرب فیها خرج إلى صحن الدار استقبلته الإوز فصحن فی وجهه فجعلوا یطردوهن، فقال: دعوهن فإنّهن صوایح تتبعها نوایح، ثم خرج فأصیب.[٧]صلوات الله وسلامه علیه.
قال الحسن بن علی علیه السلام: وأتیته سحیرا فجلست إلیه فقال: إنی بت اللیلة أوقظ أهلی فملکتنی عینای وأنا جالس فسنح لی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقلت: یا رسول الله ما لقیت من أمتک من الأود واللد؟ فقال لی: ادع الله علیهم. فقلت: اللهم أبدلنی بهم خیرا لی منهم ، وأبدلهم بی شرا لهم منی.
فزت و رب الکعبة!
وخرج الإمام صلوات الله وسلامه علیه وصلى بالناس فبینما هو ساجد ضربه اللعین ابن ملجم على رأسه بالسیف فصاح الإمام صلوات الله وسلامه علیه: فزت ورب الکعبة
فقال بعض من حضر ذلک:[٨] فرأیت بریق السیف وسمعت قائلاً یقول لله الحکم یا علی لا لک، ثم رأیت سیفاً ثانیاً فضربا جمیعاً، فأما سیف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سیف شبیب فوقع فی الطاق، وسمعت علیاً یقول لا یفوتنکم الرجل وشد الناس علیهما من کل جانب، فأما شبیب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على علی فقال: أطیبوا طعامه وألینوا فراشه، فإن أعش فأنا أولى بدمه عفواً أو قصاصاً، وإن أمت فألحقوه بی أخاصمه عند رب العالمین!
وأما شبیب بن بجرة، فإنّه خرج هارباً فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره، وأخذ السیف من یده لیقتله، فرأى الناس یقصدون نحوه، فخشی أن یعجلوا علیه فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السیف عن یده ففاته، فخرج هارباً حتى دخل منزله، فدخل علیه ابن عم له فرآه یحل الحریر عن صدره، فقال له: ما هذا؟ لعلک قتلت أمیر المؤمنین! فأراد أن یقول: لا، فقال: نعم، فمضى ابن عمه فاشتمل على سیفه ثم دخل علیه فضربه حتى قتله.[٩]
حمل الإمام علیه السلام إلى داره بعد ضربه
لما ضرب أمیر المؤمنین علیه السلام احتمل فأدخل داره فقعدت لبابة عند رأسه وجلست أم کلثوم عند رجلیه ففتح عینیه فنظر إلیهما فقال: الرفیق الأعلى خیر مستقرا وأحسن مقیلا.
وأخذ ابن ملجم فأدخل على علی، فقال أطیبوا طعامه، وألینوا فراشه، فإن أعش فأنا ولی دمی، عفو أو قصاص، وإن مت فألحقوه بی أخاصمه عند رب العالمین.
وقال ابن الاثیر: أًدخل ابن ملجم على أمیر المؤمنین ( علیه السلام )، وهو مکتوف فقال: أی عدو الله ألم أحسن إلیک، قال: بلى قال ( علیه السلام ). فما حَملَک على هذا؟! قال ابن ملجم: شحذته أربعین صباحاَ [ یقصد بذلک سیفه ]، وسألت الله أن یقتل به شر خلقه، قال علی ( علیه السلام ): لا أراک إلا مقتولا به، ولا أراک إلا من شر خلق الله، ثم قال ( علیه السلام): النفس بالنفس إن هلکت فاقتلوه کما قتلنی، وإن بقیت رأیت فیه رأیی، یا بنی عبد المطلب لا ألفینکم تخوضون دماء المسلمین، تقولون قتل أمیر المؤمنین ألا لا یُقتلن إلا قاتلی، انظر یا حسن إذا أنا متّ من ضربتی هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثـلن بالرجل، فإنّی سـمعت رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) إیّاکم والمثلة ولو بالکلب العقور.
وفی کتاب الخرائج قال عمرو بن الحمق: دخلت على علی ( علیه السلام)، حین ضرب الضربة بالکوفة، فقلت: لیس علیک بأس إنّما هو خدش، قال: لعمری إنّی لمفارقکم، ثم أغمی علیه، فبکت أم کلثوم، فلما أفاق قال ( علیه السلام) : لا تؤذینی یا أم کلثوم، فإنّک لو ترین ما أرى، إنّ الملائکة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبیین یقولون انطلق یا علی فما أمامک خیر لک مما أنت فیه.
لقد بقی الإمام علی ( علیه السلام) یعانی من ضربة المجرم الأثیم ابن ملجم، ثلاثة أیام، عهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن المجتبى ( علیه السلام)، وطوال تلک الایام الثلاثة کان ( علیه السلام ) یلهج بذکر الله، والرضا بقضائه، والتسلیم لأمره، کما کان یُصدر الوصیة تلو الوصیة، داعیاً إلى إقامة حدود الله عزوجل، محذراً من اتباع الهوى والتراجع عن حمل الرسالة الإسلامیة


اشتراک آل أمیة فی قتل الإمام علیه السلام

لم تکن مؤامرة قتل الإمام صلوات الله وسلامه علیه مقتصرة على الخوارج فحسب بل أن بنی أمیة کان لهم الأثر الفاعل فی التخطیط والتمویل والتأسیس لهذه الحادثة الرزیة التی أصیب بها الإسلام واستفاد منها أهل النفاق والکفر، وعلى هذه المشارکة الأمویة فی قتل الإمام أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه توجد شواهد عدیدة منها:

أولا: اتفقت الروایات على أنّ ابن ملجم من بنی مراد، وکان عداده فی کندة ، أی تسجیل نفوسه ومسؤولیته الحقوقیة والجنائیة فی کندة ورئیسها الأشعث بن قیس!
وأنّ ابن ملجم دخل الکوفة قبل شهر من اغتیاله لأمیر المؤمنین علیه السلام ونزل ضیفاً عند الأشعث! واتفقت الروایات على أنّ الأشعث کان رجل معاویة الأول فی العراق، وأنّه عمل بکل قدرته لإنجاح مؤامرة ابن ملجم فی قتل أمیر المؤمنین علیه السلام وأشرک عدداً من رجاله فیها! فهل یعقل أن لا یکون معاویة وراءها أو فی مجراها ؟! قال أبی الفرج الأصفهانی : وللأشعث بن قیس فی انحرافه عن أمیر المؤمنین أخبار یطول شرحها...). انتهى [١٠].
وقال البلاذری:[١١] وبعث الأشعث ابنه قیس بن الأشعث صبیحة ضرب علی فقال: أیْ بنیَّ انظر کیف أصبح الرجل وکیف تره؟ فذهب فنظر إلیه ثم رجع فقال: رأیت عینیه داخلتین فی رأسه ، فقال الأشعث: عینیْ دمیغ ورب الکعبة. انتهى.[١٢]
ولم یهنأ الأشعث بقتل أمیر المؤمنین علیه السلام، فقد هلک بعده بأیّام یسیرة[١٣][١٤] تارکاً فرخیه جعدة ومحمد بن الأشعث، لیواصلا تآمر أبیهما على العترة النبویة، ویشترکا فی قتل الإمامین الحسن والحسین علیهما السلام.
ثانیا:إن أبا الأسود الدؤلی صاحب أمیر المؤمنین ألقى تبعة مقتل الإمام على بنی أمیة، وذلک فی مقطوعته التی رثى بها الإمام والتی جاء فیها:
ألا أبلغ معاویـة بـن حـرب فلا قرت عیون الشامتـینا
أفی شهر الصلاة فجعـتمونا بخیر الناس طرا أجمعینا
قتلتم خیر من رکب المطایا ورحلها ومن رکب السـفینا
ومعنى هذه الأبیات أنّ معاویة هو الذی فجع المسلمین بقتل الإمام الذی هو خیر الناس، فهو مسؤول عن إراقة دمه، ومن الطبیعی أنّ أبا الأسود لم ینسب هذه الجریمة لمعاویة إلا بعد التأکد منها، فقد کان الرجل متحرجا أشد التحرج فیما یقول.[١٥]
ثالثا: افتخار بعض الأمویین عندما أدخلوا السبایا فی مجلس یزید بن معاویة لعنه الله بقوله:[١٦]
نحن قتلنا علیا وبنی علی بسیوف هنـدیة ورماح
وسبینا نساءهـم سبی ترک ونطحناهم فأی نطاح
فهو أوضح دلیل على أنّ للأمویین یداً طولى فی قتل سید الوصیین صلوات الله وسلامه علیه.
قاتل الإمام هو أشقى الأولین و الآخرین
هناک أخبار کثیرة أنبأت باستشهاد الإمام علی علیه السلام قبل استشهاده. ومنها ما جاء فی الخطبة الشعبانیة. فقد روی أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) بعد أن تحدّث عن شهر رمضان وشرفه وثواب الطاعة فیه بکى.
قال له أمیر المؤمنین: یا رسول الله ما یبکیک؟
قال: یا علی أبکی لما یستحل منک فی هذا الشهر، کأنی بک وأنت تصلی لربک، وقد انبعث أشقى الأولین والآخرین، شقیق عاقر ناقة صالح فیضربک ضربة على مفرق رأسک، ویشقه نصفین ویخضّب لحیتک من دم رأسک.
فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام: یا رسول الله وذلک فی سلامة من دینی؟
فقال (صلى الله علیه وآله): فی سلامة دینک؛ ثم قال (صلى الله علیه وآله): یا علی من قتلک فقد قتلنی، ومن أبغضک فقد أبغضنی، ومن سبّک فقد سبّنی، لأنّک منی کنفسی، وروحک من روحی وطینتک من طینتی، وإنّ الله عز وجل خلقنی وإیاک واصطفانی وإیاک، واختارنی للنبوة واختارک للإمامة، فمن أنکر إمامتک فقد أنکر نبوتی، یا علی أنت وصیی وأبو ولدی وزوج ابنتی وخلیفتی على أمتی فی حیاتی وبعد موتی، أمرک أمری، ونهیک نهیی، أقسم بالذی بعثنی بالنبوة وجعلنی خیر البریة انک لحجة الله على خلقه وأمینه على سره وخلیفته على عباده.


بعد استشهاد الإمام علی علیه السلام

إخفاء قبره
أخفى أهل البیت سلام الله علیهم قبر أمیر المؤمنین طوال عهد الدولة الأمویة خوفا أن تنتهک حرمته من قبل أعداءه الذین استمرّوا یسبّونه على المنابر ثمانین عاما ومعهم الخوارج وإنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان یخشى أن یقدم هؤلاء على نبش قبره فتثور بنی هاشم لذلک فیتسنى للأمویین عذر فی استئصالهم فهم کانوا یلتمسون الذرائع لقتلهم لذلک أخذ أهل البیت علیهم السلام یتعاهدون على إخفاء قبره عن العامة، عملا بما أوصى به جدهم أمیر المؤمنین علیه السلام .
عن أبی جعفر علیه السلام قال : إن أمیر المؤمنین علیه السلام أمر ابنه الحسن أن یحفر له أربعة قبور فی أربعة مواقع ، فی المسجد وفی الغری وفی دار جعدة بی هبیرة المخزومی وفی الرحبة ، وإنما أراد بهذا أن لا یعلم أحد من أعداءه موضع قبره.[١٧]
أما إظهار القبر للعامة من المسلمین فکان فی أیام داود العباسی المتوفی سنة 133هـ حیث أصلحه وعمل علیه صندوقا وسکن بعض العلویة النجف حتى القرن الرابع الهجری وإذ بالنجف من السادة العلویة ألف وثلاثمائة عدا غیرهم من الموالین.

الهوامش
الأمینی، عبد الحسین، الغدیر فی الکتاب والسنة والأدب، ج2، ص85
مرتضى العاملی، جعفر، الصحیح من سیرة الإمام علی، ج2، ص192
ابن عبد البرّ ، الإستیعاب بهامش الإصابة: ج  ٣  ص  ۵۵ 
الطبقات:3/35
روضة الواعظین للفتال النیسابوری: ص135 ـ 136
الشریف الرضی، خصائص الأئمة، ص63
روضة الواعظین للفتال النیسابوری: ص135 ـ 136
الطبقات، ابن سعد، ج3 ص 35
مناقب آل أبی طالب:3/95
أبی الفرج الأصفهانی , مقاتل الطالبیین ص20
أنساب الأشراف ص496
ومثله فی طبقات ابن سعد:3/144
تهذیب التهذیب:1/313
تاریخ دمشق:9/144
حیاة الإمام الحسین علیه السلام للشیخ باقر القرشی: ج2، ص103 ـ 109
الاحتجاج للشیخ الطبرسی: ج2، ص28
فرحة الغری ص32

 

المصدر: موقع العتبة الرضوية المقدسة