وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } قال الإمام أبو جعفر بن جرير : أخبرنا ابن بشار قال : أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إن إبراهيم حرم بيت الله وأمنه وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها ] وهكذا رواه النسائي عن محمد بن بشار عن بندار به وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو بن الناقد كلاهما عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري وقال ابن جرير أيضا : أخبرنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس وأخبرنا أبو كريب أخبرنا عبد الرحيم الرازي قالا جميعا : سمعنا أشعث عن نافع عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبد الله ورسوله وإن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها : عضاهها وصيدها لا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يقطع منها شجرة إلا لعلف بعير ] وهذه الطريق غريبة ليست في شيء من الكتب الستة وأصل الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة Bه قال : كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه ] ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر وفي لفظ [ بركة مع بركة ] ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان ـ لفظ مسلم ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن أبي بكر بن محمد عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن رافع بن خديجن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها ] إنفرد بإخراجه مسلم فرواه عن قتيبة عن بكر بن مضر به ولفظه كلفظه سواء وفي الصحيحين [ عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأبي طلحة : التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلما نزل وقال في الحديث : ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال : هذا جبل يحبنا ونحبه فلما أشرف على المدينة قال : اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثلما حرم به إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم ] وفي لفظ لهما [ اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم ] زاد البخاري يعني أهل المدينة ولهما أيضا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلته بمكة من البركة ] وعن عبد الله بن زيد بن عاصم Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم : [ إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة ] رواه البخاري وهذا لفظه ولمسلم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : [ إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت لها في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ] وعن أبي سعيد Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : [ اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف اللهم بارك لنا في مدينتنا اللهم بارك لنا في صاعنا اللهم بارك لنا في مدنا اللهم اجعل مع البركة بركتين ] الحديث رواه مسلم والأحاديث في تحريم المدينة كثيرة وإنما أوردنا منها ما هو متعلق بتحريم إبراهيم عليه السلام لمكة لما في ذلك من مطابقة الاية الكريمة وتمسك بها من ذهب إلى أن تحريم مكة إنما كان على لسان إبراهيم الخليل وقيل : إنها محرمة منذ خلقت مع الأرض وهذا أظهر وأقوى والله يعلم .
وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن الله تعالى حرم مكة قبل خلق السموات والأرض كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عباس Bهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة [ إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها ] فقال العباس : يا رسول الله : إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : [ إلا الإذخر ] وهذا لفظ مسلم ولهما عن أبي هريرة نحو من ذلك ثم قال البخاري بعد ذلك : وقال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم مثله وهذا الذي علقه البخاري رواه الإمام أبو عبد الله بن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم بن يناق عن صفية بنت شيبة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخطب عام الفتح فقال : [ يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يأخذ لقطتها إلا منشد ] فقال العباس : إلا الإذخر فإنه للبيوت والقبور فقال رسول الله A : [ إلا الإذخر ] وعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة : إئذن لي أيها الأمير أن أحادثك قولا قام به رسول الله A الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به ـ إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : [ إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص بقتال رسول الله A فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ] فقيل لأبي شريح : ما قال لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه .
فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم عليه السلام حرمها لأن إبراهيم بلغ عن الله حكمه فيها وتحريمه إياها وأنها لم تزل بلدا حراما عند الله قبل بناء إبراهيم عليه السلام لها كما أنه قد كان رسول الله A مكتوبا عند الله خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ومع هذا قال إبراهيم عليه السلام { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } الاية وقد أجاب الله دعاءه بما سبق في علمه وقدره ولهذا جاء في الحديث أنهم قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن بدء أمرك فقال : [ دعوة أبي إبراهيم عليه السلام وبشرى عيسى بن مريم ورأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ] أي أخبرنا عن بدء ظهور أمرك كما سيأتي قريبا إن شاء الله .
وأما مسألة تفضيل مكة على المدينة كما هو قول الجمهور أو المدينة على مكة كما هو مذهب مالك وأتباعه فتذكر في موضع آخر بأدلتها إن شاء الله وبه الثقة وقوله تعالى إخبارا عن الخليل أنه قال : { رب اجعل هذا بلدا آمنا } أي من الخوف أي لا يرعب أهله وقد فعل الله ذلك شرعا وقدرا كقوله تعالى : { ومن دخله كان آمنا } وقوله : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } إلى غير ذلك من الايات وقد تقدمت الأحاديث في تحريم القتال فيه وفي صحيح مسلم عن جابر : سمعت رسول الله A يقول : [ لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح ] وقال في هذه السورة { رب اجعل هذا بلدا آمنا } أي اجعل هذه البقعة بلدا آمنا وناسب هذا لأنه قبل بناء الكعبة وقال تعالى في سورة إبراهيم { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا } وناسب هذا هناك لأنه والله أعلم كأنه وقع دعاء مرة ثانية بعد بناء البيت واستقرار أهله به وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة ولهذا قال في آخر الدعاء { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء } وقوله تعالى { وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب { قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } قال هو قول الله تعالى وهذا قول مجاهد وعكرمة وهو الذي صوبه ابن جرير C قال وقرأ آخرون { قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } فجعلوا ذلك من تمام دعاء إبراهيم كما رواه أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال كان ابن عباس يقول ذلك قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا وقال أبو جعفر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد { ومن كفر فأمتعه قليلا } يقول ومن كفر فأرزقه قليلا أيضا { ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } قال محمد بن إسحاق لما عزل لإبراهيم الدعوة على من أبى الله أن يجعل له الولاية انقطاعا إلى الله ومحبته وفراقا لمن خالف أمره وإن كانوا من ذريته حين عرف أنه كائن منهم ظالم لا يناله عهده بخبر الله له بذلك قال الله ومن كفر فإني أرزق البر والفاجر وأمتعه قليلا وقال حاتم بن إسماعيل عن حميد الخراط عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى { رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } قال ابن عباس كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس فأنزل الله ومن كفر أيضا أرزقهم كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقا لا أرزقهم أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير ثم قرأ ابن عباس { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا } رواه ابن مردويه وروي عن عكرمة ومجاهد نحو ذلك أيضا وهذا كقوله تعالى { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } وقوله تعالى : { ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور * نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } وقوله : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين } وقوله : { ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } أي ثم ألجئه بعد متاعه في الدنيا وبسطنا عليه من ظلها إلى عذاب النار وبئس المصير ومعناه أن الله تعالى ينظرهم ويمهلهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر كقوله تعالى : { وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير } وفي الصحيحين [ لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم ] وفي الصحيح أيضا [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ] ثم قرأ قوله تعالى : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } وقرأ بعضهم { قال ومن كفر فأمتعه قليلا } الاية جعله من تمام دعاء إبراهيم وهي قراءة شاذة مخالفة للقراء السبعة وتركيب السياق يأبى معناها والله أعلم فإن الضمير في قال : راجع إلى الله تعالى في قراءة الجمهور والسياق يقتضيه وعلى هذه القراءة الشاذة يكون الضمير في قال عائدا على إبراهيم وهذا خلاف نظم الكلام والله سبحانه هو العلام .
وأما قوله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } فالقواعد جمع قاعدة وهي السارية والأساس يقول تعالى : واذكر يا محمد لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت ورفعهما القواعد منه وهما يقولان { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } وحكى القرطبي وغيره عن أبي وابن مسعود أنهما كانا يقرآن { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } ( قلت ) ويدل على هذا قولهما بعده { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } الاية فهما في عمل صالح وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما كما روى ابن أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي عن وهيب بن الورد أنه قرأ { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا } ثم يبكي ويقول : يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين الخلص في قوله { والذين يؤتون ما آتوا } أي يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات { وقلوبهم وجلة } أي خائفة أن ألا يتقبل منهم كما جاء به الحديث الصحيح عن عائشة عن رسول الله A كما سيأتي في موضعه وقال بعض المفسرين : الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم والداعي إسماعيل والصحيح أنهما كانا يرفعان ويقولان كما سيأتي بيانه وقد روى البخاري ههنا حديثا سنورده ثم نتبعه بآثار متعلقة بذلك قال البخاري C حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن عبد المطلب بن أبي وداعة ـ يزيد أحدهما على الاخر ـ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس Bهما قال : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا ليعفى أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفا إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ليس فيه أنيس ؟ ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت : آلله أمرك بذا ؟ قال : نعم : قالت : إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يديه فقال { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم } حتى بلغ { يشكرون } وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى ـ أو قال : يتلبط ـ فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي : رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس : قال النبي A : [ فلذلك سعى الناس بينهما ] فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه ـ تريد نفسها ـ ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال : بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوطه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عباس : قال النبي A : [ يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ـ أو قال : لو لم تغرف من الماء ـ لكانت زمزم عينا معينا ] قال : فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبرهم بالماء فأقبلوا قال : وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت : نعم ولكن لا حق لكم في الماء عندنا قالوا : نعم قال ابن عباس : قال النبي A : [ فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ] فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل ليطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه أنس شيئا فقال : هل جاءكم من أحد ؟ قالت : نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أننا في جهد وشدة قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال : ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقكن فالحقي بأهلكن وطلقها وتزوج منهم بأخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن بخير وسعة وأثنت على الله D قال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي A : [ ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم لدعا لهم فيه ] قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال : هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا بخير قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت : نعم وهو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال : ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه وصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال : يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال : فاصنع ما أمرك ربك قال : وتعينني ؟ قال : وأعينك قال : فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال : فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } قال : فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق به مطولا ورواه ابن أبي حاتم عن أبي عبد الله بن حماد الطبراني وابن جرير عن أحمد بن ثابت الرازي كلاهما عن عبد الرزاق به مختصرا .
وقال أبو بكر بن مردويه : أخبرنا إسماعيل بن علي أخبرنا بشر بن موسى أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن عبد الملك بن جريج عن كثير بن كثير قال : كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في ناس مع سعيد بن جبير في أعلى المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير : سلوني قبل أن لا تروني فسألوه عن المقام فأنشأ يحدثهم عن ابن عباس فذكر الحديث بطوله .
ثم قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو أخبرنا إبراهيم بن نافع عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس Bهما قال : لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها حتى قدم مكة فوضعهما تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل حتى بلغوا كداء نادته من ورائه : يا إبراهيم إلى من تتركنا ؟ قال : إلى الله قال : فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها حتى لما فني الماء قالت : لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فصعدت الصفا فنظرت هل تحس أحدا فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت حتى أتت المروة وفعلت ذلك أشواطا حتى أتمت سبعا ثم قالت : لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها فقالت : لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت حتى أتت المروة فجعلت ذلك أشواطا حتى أتمت سبعا ثم قالت : لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها فقالت : لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا حتى أتمت سبعا ثم قالت : لو ذهبت فنظرت ما فعل فإذا هي بصوت فقالت : أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل عليه السلام قال : فقال بعقبه : هكذا وغمز عقبه على الأرض فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر قال : فقال أبو القاسم A : [ لو تركته لكان الماء ظاهرا ] قال : فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها قال فمر ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذلك وقالوا : ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فنظر فإذا هو بالماء فأتاهم فأخبرهم فأتوا إليها فقالوا : يا أم إسماعيل أتأذنين لنا أن نكون معك ونسكن معك ؟ فبلغ ابنها ونكح منهم امرأة قال : ثم إنه بدا لإبراهيم A فقال لأهله : إني مطلع تركتي قال : فجاء فسلم فقال : أين إسماعيل ؟ قالت امرأته : ذهب يصيد قال : قولي له إذا جاء : غير عتبة بابك فلما أخبرته قال : أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك قال : ثم إنه بدا لإبراهيم فقال : إني مطلع تركتي قال : فجاء فقال : أين إسماعيل ؟ فقالت امرأته : ذهب يصيد فقالت : ألا تنزل فتطعم وتشرب ؟ فقال ما طعامكم وما شرابكم ؟ فقالت : طعامنا اللحم وشرابنا الماء قال : اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال : فقال أبو القاسم A بركة بدعوة إبراهيم قال : ثم إنه بدا لإبراهيم A فقال لأهله : إني مطلع تركتي فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له فقال : يا إسماعيل إن ربك D أمرني أن أبني له بيتا : فقال : أطع ربك D قال : إنه قد أمرني أن تعينني عليه فقال : إذن أفعل ـ أو كما قال ـ قال : فقام فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } قال : حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } هكذا رواه من هذين الوجهين في كتاب الأنبياء .
والعجب أن الحافظ أبا عبد الله الحاكم رواه في كتابه المستدرك عن أبي العباس الأصم عن محمد بن سنان القزاز عن أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي عن إبراهيم بن نافع به وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه كذا قال وقد رواه البخاري كما ترى من حديث إبراهيم بن نافع وكأن فيه اختصارا فإنه لم يذكر فيه شأن الذبح وقال جاء في الصحيح أن قرني الكبش كانا معلقين بالكعبة وقد جاء أن إبراهيم عليه السلام كان يزور أهله بمكة على البراق سريعا ثم يعود إلى أهله بالبلاد المقدسة والله أعلم إنما فيه مرفوع أماكن صرح بها ابن عباس عن النبي A .
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في هذا السياق ما يخالف بعض هذا كما قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا : أخبرنا مؤمل أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر قال : فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلمه قال : يا إبراهيم ابن على ظلي أو قال : على قدري ولا تزد ولا تنقص فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر فقالت هاجر : يا إبراهيم إلى من تكلنا ؟ قال : إلى الله قالت : انطلق فإنه لا يضيعنا قال : فعطش إسماعيل عطشا شديدا قال فصعدت هاجر إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئا حتى أتت المروة فلم تر شيئا ثم رجعت إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئا ففعلت ذلك سبع مرات فقالت : يا إسماعيل مت حيث لاأراكن فأتته وهو يفحص برجله من العطشن فناداها جبريل فقال لها : من أنت ؟ قالت : أنا هاجر أم ولد إبراهيم قال : فإلى من وكلكما ؟ قالت : وكلنا إلى الله قال : وكلكما إلى كاف قال : ففحص الغلام الأرض بأصبعه فنبعت زمزم فجعلت تحبس الماء فقال : دعيه فإنها رواء ففي هذا السياق أنه بنى البيت قبل أن يفارقها وقد يحتمل أنه كان محفوظا أن يكون أولا وضع له حوطا وتحجيرا لا أنه بناه إلى أعلاه حتى كبر إسماعيل فبنياه معا كما قال الله تعالى .
ثم قال ابن جرير : أخبرنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة : أن رجلا قام إلى علي Bه فقال : ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض ؟ فقال : لا ولكنه أول بيت وضع في البركة مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا وإن شئت أنبأتك كيف بني : إن الله أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في الأرض فضاق إبراهيم بذلك ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج ولها رأسان فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة فتطورت على موضع البيت كطي الحجفة وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم وبقي الحجر فذهب الغلام يبغي شيئا فقال إبراهيم : أبغني حجرا كما آمرك قال : فانطلق الغلام يلتمس له حجرا فأتاه به فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه قال : يا أبت من أتاك بهذا الحجر ؟ قال : أتاني به من لم يتكل على بنائك جاء به جبريل عليه السلام من السماء فأتماه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري أخبرنا سفيان عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار قال : كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاما ومنه دحيت الأرض قال سعيد : وحدثنا علي بن أبي طالب : أن إبراهيم أقبل من أرض أرمينية ومعه السكينة تدله على تبوء البيت كما تتبوأ العنكبوت بيتا قال : فكشفت عن أحجار لا يطيق الحجر إلا ثلاثون رجلا فقلت : يا أبا محمد فإن الله يقول { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } قال : كان ذلك بعد وقال السدي : إن الله D أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل ابنيا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود فانطلق إبراهيم حتى أتى مكة فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت فبعث الله ريحا يقال لها الريح الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فكشفت لهما حول الكعبة عن أساس البيت الأول واتبعاها بالمعاول يحفران حت وضعا الأساس فذلك حين يقول تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } فلما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن قال إبراهيم لإسماعيل : يابني اطلب لي حجرا حسنا أضعه ههنا قال : يا أبت إني كسلان لغب قال : على بذلك فانطلق يطلب له حجرا فجاءه بحجر فلم يرضه فقال : ائتني بحجر أحسن من هذا فانطلق يطلب له حجرا وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن فقال : يا أبت من جاءك بهذا ؟ قال : جاء به من هو أنشط منك فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى إبراهيم ربه فقال { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } وفي هذا السياق ما يدل على أن قواعد البيت كانت مبنية قبل إبراهيم وإنما هدي إبراهيم إليها وبوئ لها وقد ذهب إلى هذا ذاهبون كما قال الإمام عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } قال القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا هشام بن حسان عن سوار ختن عطاء عن عطاء بن أبي رباح قال : لما أهبط الله آدم من الجنة كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم يأنس إليهم فهابت الملائكة حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها فخفضه الله تعالى إلى الأرض فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي صلاته فوجه إلى مكة فكان موضع قدميه قرية وخطوه مفازة حتى انتهى إلى مكة وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة فكانت على موضع البيت الان فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله الطوفان فرفعت تلك الياقوتة حتى بعث الله إبراهيم عليه السلام فبناه ذلك قول الله تعالى : { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال : قال آدم : إني لا أسمع أصوات الملائكة فقال : بخطيئتك ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل : من حراء وطور زيتا وطور سيناء والجودي وكان ربضه من حراء فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم عليه السلام بعد وهذا صحيح إلى عطاء ولكن في بعضه نكارة والله أعلم .
وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر عن قتادة قال : وضع الله البيت مع آدم حين أهبط الله آدم إلى الأرض وكان مهبطه بأرض الهند وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض فكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعا فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فشكا ذلك إلى الله D فقال الله : يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي وتصلي عنده كما يصلى عند عرشي فانطلق إليه آدم فخرج ومد له في خطوه فكان بين كل خطوتين مفازة فلم تزل تلك المفازة بعد ذلك فأتى آدم البيت فطاف به ومن بعده من الأنبياء .
وقال ابن جرير : أخبرنا ابن حميد أخبرنا يعقوب القمى عن حفص بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس قال وضع الله البيت على أركان الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحت البيت وقال محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد وغيره من أهل العلم : إن الله لما بوأ إبراهيم مكان البيت خرج إليه من الشام وخرج معه إسماعيل وأمه هاجر وإسماعيل طفل صغير يرضع وحملوا فيما حدثني على البراق ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم خرج معه جبريل فكان لا يمر بقرية إلا قال : أبهذه أمرت يا جبريل ؟ فيقول جبريل : امضه حتى قدم به مكة وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر وبها أناس يقال لهم : العماليق خارج مكة وما حولها والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة فقال إبراهيم لجبريل : أههنا أمرت أن أضعهما ؟ قال : نعم فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا فقال { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم } إلى قوله : { لعلهم يشكرون } وقال عبد الرزاق : أخبرنا هشام بن حسان أخبرني حميد عن مجاهد قال : خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا بألفي سنة وأركانه في الأرض السابعة وكذا قال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : القواعد في الأرض السابعة وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي أخبرنا عمرو بن رافع أخبرنا عبد الوهاب بن معاوية عن عبد المؤمن بن خالد عن علياء بن أحمر : إن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة أجبل فقال : ما لكما ولأرضي ؟ فقال : نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة قال : فهاتا البينة على ما تدعيان فقامت خمسة أكبش فقلن : نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة فقال : قد رضيت وسلمت ثم مضى وذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم عليه السلام بالبيت وهذا يدل على تقدم زمانه والله أعلم .
وقال البخاري C : قوله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } الاية القواعد : أساسه واحدها قاعدة والقواعد من النساء واحدتها قاعدة حدثنا إسماعيل : حدثني مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي A : أن رسول الله A قال : [ ألم تري أن قومك حين بنوا البيت اقتصروا على قواعد إبراهيم ؟ ] فقلت : يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال [ لولا حدثان قومك بالكفر ] فقال عبد الله بن عمر : لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله A ما أرى رسول الله A ترك استلام الركنين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم عليه السلام وقد رواه في الحج عن القعنبي وفي أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى ومن حديث ابن وهب والنسائي من حديث عبد الرحمن بن القاسم كلهم عن مالك به ورواه مسلم أيضا من حديث نافع قال : سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدث عبد الله بن عمر عن عائشة عن النبي A قال [ لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية أو قال : بكفر ـ لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها الحجر ] وقال البخاري : أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي اسحاق عن الأسود قال : قال لي ابن الزبير : كانت عائشة تسر إليك حديثا كثيرا فما حدثتك في الكعبة ؟ قال : قلت : قالت لي : قال النبي A [ يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم ـ فقال ابن الزبير ـ بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين : بابا يدخل منه الناس وبابا يخرجون منه ] ففعله ابن الزبير انفرد بإخراجه البخاري فرواه هكذا في كتاب العلم من صحيحه وقال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال لي رسول الله A [ ولولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت ولجعلت لها خلفا ] قال : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا : أخبرنا ابن نمير عن هشام بهذا الإسناد انفرد به مسلم قال : وحدثني محمد بن حاتم حدثني ابن مهدي أخبرنا سليم بن حيان عن سعيد يعني ابن ميناء قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقول : حدثتني خالتي يعني عائشة Bها قالت : قال النبي A [ يا عائشة لولا قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة ] انفرد به أيضا