وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

القسم الأول ـ شركة العقود .
و أما شركة العقود : فالكلام يقع فيها في مواضع : في بيان أنواعها و كيفية كل نوع منها و ركنه و في بيان شرائط ركنه و في بيان حكم الشركة و في بيان صفة عقد الشركة و في بيان ما يبطل العقد .
أما الأول فشركة العقود أنواع ثلاثة : شركة بالأموال و شركة بالأعمال و تسمى شركة الأبدان و شركة الصانع و شركة بالتقبل و شركة بالوجوه .
أما الأول و هو الشركة بالأموال : فهو أن يشترك اثنان في رأس مال فيقولان : اشتركنا فيه على أن نشتري و نبيع معا أو شتى أو أطلقا على أن ما رزق الله D من ربح فهو بيننا على شرط كذا أو يقول أحدهما ذلك و يقول الآخر : نعم و لو ذكرا الشراء دون البيع فإن ذكرا ما يدل على شركة العقود بأن قالا : ما اشترينا فهو بيننا أو ما اشترى أحدنا من تجارة فهو بيننا يكون شركة لأنهما لما جعلا ما اشتراه كل واحد بينهما علم انهما أرادا به الشركة لا الوكالة لأن الوكيل لا يوكل موكله عادة و إذا لم يكن و كالة لا تقف صحته على ما تقف عليه صحة الوكالة و هو التخصيص ببيان الجنس أو النوع أو قدر الثمن بل يصح من غير بيان شيء من ذلك إن لم يذكر الشراء و البيع و لا ما يدل على شركة العقود بأن قال رجل لغيره : ما اشتريت من شيء فبيني و بينك أو قال : فبيننا و قال الآخر : نعم فإن أراد بذلك أن يكونا بمعنى شريكي التجارة كان شركة حتى تصح من غير بيان جنس المشتري و نوعه و قدر الثمن كما إذا نصا على الشراء و البيع و إن أرادا به أن يكون المشتري بينهما خاصة بعينه و لا يكونا فيه كشريكي التجارة بل يكون المشترى بينهما بعينه كما إذا أورثا أو وهب لهما كان وكالة لا شركة فإن و جد شرط صحة الوكالة جازت الوكالة و إلا فلا و هو بيان جنس المشتري و بيان نوعه أو مقدار الثمن في الوكالة الخاصة و هي أن لا يفوض الموكل الرأي إلى الوكيل بأن يقول : ما اشتريت لي من عبد تركي أو جارية رومية فهو جائز أو ما اشتريت لي من عبد أو جارية بألف درهم فهو جائز أو بيان الوقت أو قدر الثمن أو جنس المشترى في الوكالة العامة بأن يقول : ما اشتريت لي من شيء اليوم أو شهر كذا أو سنة كذا فهو جائز أو قال : ما اشتريت لي من شيء بألف درهم فهو جائز أو ما اشتريت لي من البز و الخز فهو جائز و إنما كان كذلك لأن مطلق هذا اللفظ يحتمل الشركة و يحتمل الوكالة فلا بد من النية فإن نويا به الشركة كان شركة في عموم التجارات لأن الأصل في الشركة العموم لأن المقصود منها تحصيل الربح و هذا المقصود لا يحصل إلا بتكرار التجارة مرة بعد أخرى و لا يشترط لها بيان شيء مما ذكرنا لأن ذلك ليس بشرط لصحة الشركة .
و إن نويا به الوكالة كان وكالة و يقف صحتها على شرائطها من الخاصة أو العامة لأن مبنى الوكالة على الخصوص لأن المقصود منها تملك العين لا تحصيل الربح منها فلا بد فيها من التخصيص بيان ما ذكرنا إلا أنه يكتفي في الوكالة العامة ببيان أحد الأشياء التي وصفنا لأنه لما عممها بتفويض الرأي فيها إلى الوكيل فقد شبهها بالشركة فكان في احتمال الجهالة الفاحشة كالشركة لكنها وكالة و الخصوص أصل في الوكالة فلا بد فيها من ضرب تخصيص فإن أتى بشيء مما ذكرنا جازت و إلا بطلت قال بشر : سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال لرجل : ما اشتريت اليوم من شيء فبيني و بينك نصفين فقال الرجل نعم فإن أبا حنيفة C قال : هذا جائز و كذلك قال أبو يوسف و كذلك إن وقت مالا و لم يؤقت يوما و كذا إن وقت صنفا من الثياب و سمى عددا أو لم يسم ثمنا و لا يوما .
و إن قال : ما اشتريت من شيء فهو بيني و بينك و لم يسم شيئا مما ذكرنا فإن أبا حنيفة C قال : لا يجوز و كذلك قال أبو يوسف لما ذكرنا أنه لما لم يذكر البيع و لا ما يدل على شركة العقود علم أنها وكالة فلا تصح إلا بضرب من التخصيص على ما بينا .
و ذكر محمد في الأصل في رجلين اشتركا بغير مال على أن ما اشتريا اليوم فهو بينهما خصا صنفا من الأصناف أو عما لو يخصا فهو جائز و كذلك إن لم يوقتا للشركة وقتا كان هذا جائزا لأنهما لما جعلا ما يشتريه كل واحد بينهما دل على أنها شركة و ليست بوكالة لأن الوكالة لا تكون من الجانبين عادة و إذا كان شركة فالشركة لا تحتاج إلى التخصيص .
قال : و إن أشهد أحدهما أن ما يشتريه لنفسه بغير محضر من صاحبه فكلما اشتريا شيئا فهو بينهما لأن الشركة لما صحت كان كل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه فهو بالإشهاد أنه يشتري لنفسه يريد إخراج نفسه من الوكالة بغير محضر من الموكل فلا يملك ذلك .
و أما الشركة بالأعمال : فهو أن يشتركا على عمل من الخياطة أو القصارة أو غيرهما فيقولا اشتركنا على أن نعمل فيه على أن ما رزق الله D من أجرة فهي بيننا على شرط كذا .
و أما الشركة بالوجوه : فهو أن يشتركا و ليس لهما مال و لكن وجاهة عند الناس فيقولا : اشتركنا على أن نشتري بالنسيئة و نبيع بالنقد على أن ما رزق الله سبحانه و تعالى من ربح فهو بيننا على شرط كذا و سمي هذا النوع شركة الوجوه لأنه لا يباع بالنسيئة إلا الوجيه من الناس عادة و يحتمل أنه سمي بذلك لأن كل واحد منهما يواجه صاحبه ينتظران من يبيعهما بالنسيئة و يدخل في كل واحد من الأنواع الثلاثة العنان و المفاوضة و يفصل بينهما بشرائط تختص بالمفاوضة نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .
فصل : و أما جواز هذه الأنواع الثلاثة فقد قال أصحابنا إنها جائزة عنانا كانت أو مفاوضة .
و قال الشافعي C : شركة الأعمال و الوجوه لا جواز لها أصلا و رأسا .
و أما شركة الأموال : فتجوز فيها العنان و لا تجوز فيها المفاوضة .
و قال مالك C : لا أعرف المفاوضة و قيل : في اشتقاق العنان إنه مأخوذ من العن و هو الإعراض يقال عن لي أي اعترض و ظهر .
قال امرؤ القيس : .
( فعن لنا شرب كأن نعاجه ... عذارى دوار في ملاء مدبل ) .
سمي هذا النوع مثل الشركة عنانا لأنه يقع على حسب ما يعن لهما في كل التجارات أو في بعضها دون بعض و عند تساوي المالين أو تفاضلهما و قيل : هو مأخوذ من عنان الفرس أن يكون بإحدى يديه و يده الأخرى مطلقة يفعل بها ما يشاء فسمي هذا النوع من الشركة له عنانا لأنه لا يكون إلا في بعض الأموال و يتصرف كل واحد منهما في الباقي كيف يشاء أو لأن كل واحد منهما جعل عنان التصرف في المال المشترك لصاحبه و كان أهل الجاهلية يتعاطون هذه الشركة قال النابغة : .
( و شاركنا قريشا في بقاها ... و في أحسابها شرك العنان ) .
و أما المفاوضة فقد قيل : إنها المساواة في اللغة .
قال القائل و هو العبدي : .
( يهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تولت فبالأشرار تنقاد ) .
( لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... و لا سراة إذا جهالهم سادوا ) .
سمي هذا النوع من الشركة مفاوضة لاعتبار المساواة فيه على رأس المال و الربح و التصرف و غير ذلك على ما نذكر و قيل هي من التفويض لأن كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه على كل حال .
و أما الكلام في شركة الأعمال و الوجوه فوجه قول الشافعي C : أن الشركة تنبئ عن الاختلاط و لهذا شرط الخلط لجواز الشركة و لا يقع الاختلاط إلا في الأموال و كذا ما وضع له الشركة لا يتحقق في هذين النوعين لأنها وضعت لاستنماء المال بالتجارة لأن نماء المال بالتجارة و الناس في الاهتداء إلى التجارة مختلفون بعضهم أهدى من البعض فشرعت الشركة لتحصيل غرض الاستنماء و لا بد من أصل يستنمي و لم يوجد في هذين النوعين فلا يحصل ما وضع له الشركة فلا يجوز .
و لنا : إن الناس يتعاملون بهذين النوعين في سائر الأعصار من غير إنكار عليهم من أحد قال عليه الصلاة و السلام : [ لا تجتمع أمتي على ضلالة ] لأنهما يشتملان على الوكالة و الوكالة جائزة و المشتمل على الجائز جائز و قوله : إن الشركة شرعت لاستنماء المال فيستدعي أصلا يستنمي فنقول : الشركة بالأموال شرعت لتنمية المال و أما الشركة الأعمال أو بالوجوه فما شرعت لتنمية المال بل لتحصيل أصل المال و الحاجة إلى تحصيل اصل المال فوق الحاجة إلى تنميته فلما شرعت لتحصيل الوصف فلأن تشرع لتحصيل الأصل .
أولى .
و أما الكلام في الشركة بالأموال فأما العنان فجائز بإجماع فقهاء الأمصار و لتعامل الناس ذلك في كل عصر من غير نكير [ و ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ] و لما روي أن أسامة بن شريك جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أتعرفني ؟ فقال عليه الصلاة و السلام : [ و كيف لا أعرفك و كنت شريكي و نعم الشريك لا تداري و لا تماري ] و أدنى ما يستدل بفعله عليه السلام الجواز .
و كان بعث الله صلى الله عليه و سلم و الناس يتعاملون بهذه الشركة فقررهم على ذلك حيث لم ينههم و لم ينكر عليهم و التقرير أحد وجوه السنة و لأن هذه العقود شرعت لمصالح العباد و حاجتهم إلى استنماء المال متحققة و هذا النوع طريق صالح للاستنماء فكان مشروعا و لأنه يشتمل على الوكالة و الوكالة جائزة إجماعا .
و أما المفاوضة فأما قول مالك C : لا أعرف ما المفاوصة فإن عنى به لا أعرف معناها في اللغة فقد بيننا معناها في اللغة إنها عبارة عن المساواة و إن عنى به لا أعرف جوازها فقد عرفنا رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ تفاوضوا فإنه أعظم للبركة ] و لأنها مشتملة على أمرين جائزين : و هما الوكالة و الكفالة لأن كل واحدة منهما جائزة حال الانفراد و كذا حالة الاجتماع كالعنان و لأنها طريق طريق استنماء المال او تحصيله و الحاجة إلى ذلك متحققة فكانت جائزة كالعنان .
و أما الكلام مع الشافعي C فوجه قوله : إن المفاوضة تتضمن الكفالة عندكم و الكفالة التي تتضمنها المفاوشة كفالة بمجهول و إنها غير صحيحة حالة الانفراد فكذا التي تتضمنها المفاوضة .
و دليلنا على الجواز ما ذكرنا مع مالك C .
و اما قوله : المكفول له مجهول فنعم لكن هذا النوع من الجهالة في عقد الشركة عفو و إن لم يكن عفوا حالة الانفراد كما في شركة العنان فإنها تشتمل على الوكالة العامة و إن كان لا يصح هذا التوكيل حالة الانفراد و كذا المضاربة تتضمن و كالة عامة و إنها صحيحة .
و إن كانت الوكالة العامة لا تصح من غير بيان حالة الانفراد فكذا هذا و كان المعنى في ذلك الوكالة لا تثبت في هذا العقد مقصودا بل ضمنا للشركة و قد ثبت الشيء ضمنا و إن كان لا يثبت قصدا و يشترط للثابت مقصودا ما لا يشترط للثابت ضمنا و تبعا كعزل الوكيل و نحو ذلك .
فصل : و اما بيان شرائط جواز هذه الأنواع فلجوازها شرائط بعضها يعم الأنواع كلها و بعضها يخص البعض دون البعض .
أما الشرائط العامة فأنواع : منها أهلية الوكالة لازمة في الكل و هي ان يصير كل واحد منهما وكيل صاحبه في التصرف بالشراء و البيع و تقبل الأعمال لأن كل واحد منهما أذن لصاحبه بالشراء و البيع و تقبل الأعمال مقتضى عقد الشركة و الوكيل هو المتصرف عن إذن فيشترط فيها اهلية الوكالة لما علم في كتاب الوكالة .
و منها : أن يكون الربح معلوم القدر فإن كان مجهولا تفسد الشركة لأن الربح هوالمعقود عليه و جهالته توجب فساد العقد كما في البيع و الإجارة .
و منها : أن يكون الربح جزءا شائعا في الجملة لا معينا فإن عينا عشرة او مائة أو نحو ذلك كانت الشركة فاسدة لأن العقد يقتضي تحقق الشركة في الربح و التعيين يقطع الشركة لجواز أن لا يحصل من الربح إلا القدر المعين لأحدهما فلا يتحقق الشركة في الربح .
و أما الذي يخص البعض دون البعض فيختلف .
أما الشركة بالأموال فلها شروط منها : أن يكون رأس المال من الأثمان المطلقة و هي التي لا تتعين بالتعين في المفاوضات على كل حال و هي الدارهم و الدنانير عنانا كانت الشركة أو مفاوضة عند عامة العلماء فلا تصح الشركة في العروض .
و قال مالك C : هذا ليس بشرط و تصح الشركة في العروض و الصحيح قول العامة لأن معنى الوكالة من لوازم الشركة و الوكالة التي يتضمنها الشركة لا تصح في العروض و تصح في الدراهم و الدنانير فإن من قال لغيره بع عرضك على أن يكون ثمنه بيننا لا يجوز و إذا لم تجز الوكالة التي هي من ضرورات الشركة لم تجز الشركة .
و لو قال له : اشتر بألف درهم من مالك على أن يكون ما اشتريته بيننا جاز و لأن الشركة في العروض تؤدي إلى جهالة الربح عند القسمة لأن رأس المال يكون قيمة العروض لا عينها و القيمة مجهولة لأنها تعرف بالحزر و الظن فيصير الربح مجهولا فيؤدي إلى المنازعة عند القسمة و هذا المعنى لا يوجد في الدراهم و الدنانير لأن رأس المال من الدراهم و الدنانير عند القسمة عينها فلا يؤدي إلى جهالة الربح و لأن النبي عليه الصلاة و السلام نهى عن ربح ما لم يضمن و الشركة في العروض تؤدي إلى ربح ما لم يضمن لأن العروض غير مضمونة بالهلاك فإن من اشترى شيئا بعرض بعينه فهلك العرض قبل التسليم لا يضمن شيئا آخر لأن العروض تتعين بالتعيين فيبطل البيع فإذا لم تكن مضمونة فالشركة فيها تؤدي إلى ربح ما لم يضمن و إنه منهي بخلاف الدراهم و الدنانير فإنها مضمونة بالهلاك لأنها لا تتعين بالتعيين فالشركة فيها لا تؤدي إلى ربح ما لم يضمن بل يكون ربح ما ضمن .
و الحيلة في جواز الشركة في العروض و كل ما يتعين بالتعيين أن يبيع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال صاحبه حتى يصير مال كل واحد منهما نصفين و تحصل شركة ملك بينهما ثم يعقدان بعد ذلك عقد الشركة فتجوز بلا خلاف .
و لو كان من أحدهما دراهم و من الآخر عروض فالحيلة في جوازه أن يبيع صاحب العروض نصف عرضه بنصف دراهم صاحبه و يتقابضا و يخلطا حتى تصير الدراهم بينهما و العروض بينهما ثم يعقدان عليهما عقد الشركة فيجوز .
و أما التبر فهل يصلح رأس مال الشركة ؟ ذكر في كتاب الشركة و جعله كالعروض و في كتاب الصرف جعله كالأثمان المطلقة لأنه قال فيه : إذا اشترى به فهلك لا ينفسخ العقد و الأمر فيه موكول إلى تعامل الناس فإن كانوا يتعاملون به فحكمه حكم الأثمان المطلقة فتجوز الشركة بها و إن كانوا لا يتعاملون بها فحكمها حكم العروض و لا تجوز فيها الشركة .
و أما الفلوس فإن كانت كاسدة فلا تجوز الشركة و لا المضاربة بها لأنها عروض و إن كانت نافقة فكذلك في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد : تجوز و الكلام فيها مبني على أصل و هو أن الفلوس الرائجة ليست أثمانا على كل حال عند أبي حنيفة و أبي يوسف لأنها تتعين بالتعيين في الجملة و تصير مبيعا بإصلاح العاقدين حتى جاز بيع الفلس بالفلسين بأعيانها عندهما .
فأما إذا لم تكن أثمانا مطلقة لاحتمالها التعيين بالتعيين في الجملة في عقود المعاوضات لم تصلح رأس مال الشركة كسائر العروض و عند محمد : الثمنية لازمة للفلوس النافقة فكانت من الأثمان المطلقة و لهذا أبى جواز بيع الواحد منها باثنين فتصلح رأس مال الشركة كسائر الأثمان المطلقة من الدراهم و الدنانير .
و روي عن أبي يوسف : أنه تجوز الشركة بالفلوس و لا تجوز المضاربة و وجهه : أن المانع من جواز المضاربة جهالة الربح عند القسمة على تقدير الكساد لأنه لا بد من تعيين رأس المال عند القسمة فإذا كسدت صار رأس المال قيمة و القيمة مجهولة لأنها تعرف بالحزر و الظن و هذا المعنى لا يوجد في الشركة لأنهما عند الكساد يأخذان رأس المال عددا لا قيمة فكان الربح معلوما .
و أما الشركة بالمكيلات و الموزونات التي ليست بأثمان مطلقة و العدديات المتقاربة التي لا تتفاوت فلا تجوز قبل الخلط في قولهم جميعا لأنها إنما تتعين بالتعيين إذا كانت عينا فكانت كالعروض و لأن الوكالة التي تتضمنها الشركة فيها لا تصح قبل الخلط ألا يرى أنه لو قال آخر قبل الخلط بع حنطتك على أن يكون ثمنها بيننا لم يجز و سواء كانت الشركة من جنسين أو من جنس واحد .
و أما بعد الخلط فإن كانت الشركة في جنسين مختلفين لا تجوز في قولهم جميعا لأن الحنطة إذا خلطت بالشعير خرجت من أن تكون ثمنا بدليل أن مستهلكها يضمن قيمتها لا مثلها و إن كانت من جنس واحد فكذلك عند أبي يوسف لا تصح و إنما تصير شركة ملك و عند محمد : تصح الشركة فيها بعد الخلط .
و فائدة الاختلاف تظهر فيما إذا كان المكيل نصفين و شرطا الربح أثلاثا فخلطاه و اشتريا به .
فعلى قول أبي يوسف : الربح بينهما على قدر المالين نصفين و على قول محمد على ما شرطا فقول أبي يوسف مطرد على الأصل الذي ذكرنا أن المكيلات و الموزونات و المعدودات المتقاربة ليست أثمانا على كل حال بل تكون تارة ثمنا و تارة مبيعا لأنها تتعين بالتعيين في الجملة فكانت كالفلوس .
و وجه التخريج لمحمد : أن معنى الوكالة التي تتضمنها الشركة ثابت بعد الخلط فأشبهت الدراهم و الدنانير بخلاف ما قبل الخلط لأن الوكالة التي من مقتضيات الشركة لا يصح فيها قبل الخلط و الحيلة في جواز الشركة بالمكيلات و سائر الموزونات و العدديات المتقاربة على قول أبي يوسف أن يخلطا حتى تصير شركة ملك بينهما ثم يعقدا عليها عقد الشركة فيجوز عنده أيضا .
و منها : أن يكون رأس مال الشركة عينا حاضرا لا دينا و لا مالا غائبا فإن كان لا تجوز : عنانا كانت أو مفاوضة لأن المقصود من الشركة الربح و ذلك بواسطة التصرف و لا يمكن في الدين و لا المال الغائب فلا يحصل المقصود و إنما يشترط الحضور عند الشراء لا عند العقد لأن عقد الشركة يتم بالشراء فيعتبر الحضور عنده حتى لو دفع إلى رجل ألف درهم فقال له اخرج مثلها و اشتر بهما و بع فما ربحت يكون بيننا فأقام المأمور البينة إنه فعل ذلك جاز و إن لم يكن المال حاضرا من الجانبين عند العقد لما كان حاضرا عند الشراء و هل يشترط خلط المالين و هو خلط الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم ؟ قال أصحابنا الثلاثة : لا يشترط و قال زفر : يشترط و به أخذ الشافعي C و على هذا الأصل يبنى ما إذا كان المالان من جنسين بأن كان لأحدهما دراهم و الآخر دنانير أن الشركة جائزة عندنا خلافا لهما و كذلك إذا كانا من جنس واحد لكن بصفتين مختلفتين كالصحاح مع المكسرة أو كانت دراهم أحدهما بيضاء و الآخر سوداء و عله ذلك في شركة العنان فهو على هذا الخلاف .
و روي عن زفر : أن الخلط شرط في المفاوضة لا في العنان و لكن الطحاوي ذكر أنه شرط فيهما عند زفر .
وجه قوله : أن الشركة تنبئ عن الاختلاط و الاختلاط لا يتحقق مع تميز المالين فلا يتحقق معنى الشركة و لأن من أحكام الشركة أن الهلاك يكون من المالين و ما هلك قبل الخلط من أحد المالين يهلك من مال صاحبه خاصة و هذا ليس من مقتضى الشركة .
و لنا : أن الشركة تشتمل على الوكالة فما جاز التوكيل به جازت الشركة فيه و التوكيل جائز في المالين قبل الخلط كذا الشركة .
و أما قوله : الشركة تنبئ عن الاختلاط فمسلم لكن على اختلاط رأسي المال أو على اختلاط الربح فهذا مما لا يتعرض له لفظ الشركة فيجوز أن يكون تسميته شركة لاختلاط الربح لا لاختلاط رأس المال و اختلاط الربح يوجد و إن اشترى كل واحد منهما بمال نفسه على حدة لأن الزيادة و هي الربح تحدث على الشركة .
و أما ما هلك من أحد المالين قبل الخلط فإنما كان من نصيب صاحبه لأن الشركة لا تتم إلا بالشراء فما هلك قبله هلك قبل تمام الشركة فلا تعتبر حتى لو هلك بعد الشراء بأحدهما كان الهالك من المالين جميعا لأنه هلك بعد تمام العقد .
و أما تسليم رأس المال كل واحد منهما إلى صاحبه و هو التخلية بين ماله و بين صاحبه فليس بشرط في العنان و المفاوضة جميعا و أنه شرط لصحة المضاربة و الفرق بينهما يذكر في كتاب المضاربة .
و منها : ما هو مختص بالمفاوضة و هو أن يكون لكل من الشريكين أهلية الكفالة بأن يكونا حرين عاقلين لأن من أحكام المفاوضة أن كل ما يلزم لأحدهما من حقوق ما يتجران فيه يلزم الآخر و يكون كل واحد منهما فيما وجب على صاحبه بمنزلة الكفيل عنه لما نذكر فلا بد من أهلية الكفالة و شرائط أهلية الكفالة تطلب من كتاب الكفالة .
و منها : المساواة في رأس المال قدرا و هي شرط صحة المفاوضة بلا خلاف حتى لو كان المالان متفاضلين قدرا لم تكن مفاوضة لأن المفاوضة تنبئ عن المساواة فلا بد من اعتبار المساواة فيها ما أمكن و كذا قيمة في الرواية المشهورة حتى لو كان أحدهما صحاحا و الآخر مكسرة أو كان أحدهما ألفا بيضاء و الآخر ألفا سوداء و بينهما فضل قيمة في الصرف لم تجز المفاوضة في الرواية المشهورة لأن زيادة القيمة بمنزلة زيادة الوزن فلا تثبت المساواة التي هي من مقتضى العقد