وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بيان أن العدالة شرط قبل أصل الشهادة و جودا أم شرط القبول مطلقا .
و أما بيان أن العدالة شرط قبول أصل الشهادة و جودا أم شرط القبول مطلقا و جوبا و وجود ا فقد اختلف فيه : قال أصحابنا رحمهم الله : إنها شرط القبول للشهادة وجودا على الإطلاق لا شرط أصل القبول حتى يثبت القبول بدونه و قال الشافعي عليه الرحمة : إنها شرط أصل القبول لا يثبت القبول أصلا دونها حتى إن القاضي تحري الصدق في شهادة الفاسق يجوز له قبول شهادته و لا يجوز القبول من غير تحر بالإجماع .
و كذا لا يجب عليه القبول بالإجماع و له أن يقبل شهادة العدل من غير تحر و إذا شهد يجب عليه القبول .
و هذا هو الفصل بين شهادة العدل و بين شهادة الفاسق عندنا و عند الشافعي عليه الرحمة لا يجوز للقاضي أن يقضي بشهادة الفاسق أصلا و كذا ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين عندنا و عنده لا ينعقد .
وجه قول الشافعي C : أن مبنى قبول الشهادات على الصدق ولا يظهر الصدق إلا بالعدالة لأن خبر من ليس بمعصوم عن الكذب يحتمل الصدق و الكذب ولا يقع الترجيح إلا بالعدالة واحتج في انعقاد النكاح بقوله صلى الله عليه و سلم [ لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل ] .
و لنا : عمومات قوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } و قوله صلى الله عليه و سلم [ لا نكاح إلا بشهود ] و الفاسق شاهد لقوله سبحانه تعالى : { ممن ترضون من الشهداء } قسم الشهود إلى مرضيين و غير مرضيين فيدل على كون غير المرضي و هو الفاسق شاهدا و لأن حضرة الشهود في باب النكاح لدفع تهمة الزنا لا للحاجة إلى شهادتهم عند الجحود و الإنكار لأن النكاح يشتهر بعد وقوعه فيمكن دفع الجحود و الإنكار بالشهادة بالتسامع و التهمة تندفع بحضرة الفاسق فينعقد النكاح بحضرتهم .
و أما قوله : الركن في الشهادة هو صدق الشاهد فنعم لكن الصدق لا يقف على العدالة لا محالة فإن من الفسقة من لا يبالي بارتكابه أنواعا من الفسق و يستنكف عن الكذب و الكلام في فاسق تحري القاضي الصدق في شهادة فغلب على ظنه صدقة و لو لم يكن كذلك لا يجوز القضاء بشهادته عندنا و أما الحديث : فقد روى عن بعض نقله الحديث أنه قال : لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و لن يثبت فلا حجة له فيه بل هو حجة عليه لأنه جعل العدالة صفة للشاهد لأنه لو كان كذلك لقال لا نكاح إلا بولي و شاهدين عدلين بل هذا إضافة الشاهدين إلى العدل و هو كلمة التوحيد فكأنه قال E [ لا نكاح إلا بولي ] مقابل كلمة العدل و هي كلمة افسلام و الفاسق مسلم فينعقد النكاح بحضرته .
و منها : أن لا يكون محدودا في قذف عندنا و هو شرط الأداء و عند الشافعي C ليس بشرط و احتج بعمومات الشهادة من غير فصل لأن المانع هو الفسق بالقذف و قد زال بالتوبة .
و لنا : قوله تعالى جل و علا : { و الذين يرمون المحصنات } الآية نهى سبحانه و تعالى عن قبول شهادة الرامي على التأبيد فيتناول زمان ما بعد التوبة و به تبين أن المحدود في القذف مخصوص من عمومات الشهادة عملا بالنصوص كلها صيانة لها عن التناقض و كذلك الذمي إذا قذف مسلما فحد حد القذف لا تقبل شهادته على أهل الذمة فإن أسلم جازت شهادته عليهم و على المسلمين و بمثله العبد المسلم إذا قذف حرا ثم حد حد القذف ثم عتق لا تقبل شهادته أبدا و إن أعتق .
و وجه الفرق : أن إقامة الحد توجب بطلان شهادة كان للقاذف قبل الإقامة و الثابت للذمي قبل إقامة الحد شهادته على أهل الذمة لا على أهل الإسلام فتلطل تلك الشهادة بإقامة الحد فإذا أسلم فقد حدثت له بالإسلام شهادة غير مردودة و هي شهادته على أهل الإسلام لأنها لم تكن له لتبطل بالحد فتقبل هذه الشهادة ثم من ضرورة من قبول شهادته على أهل الإسلام قبول شهادته على أهل الذمة بخلاف العبد لأن العبد من أهل الشهادة و إن لم تكن له شهادة مقبولة لأن له عدالة الإسلام و الحد أبطل ذلك على التأبيد .
و لو ضرب الذمي بعض الحد فأسلم ثم ضرب الباقي تقبل شهادته لأن المبطل للشهادة إقامة الحد في حالة الإسلام و لم توجد لأن الحد اسم للكل فلا يكون البعض حدا لأن الحد لا يتجزأ و هذا جواب ظاهر الرواية .
و ذكر الفقيه أبو الليث عليه الرحمة روايتين و بين أخريين فقال في رواية : لا تقبل شهادته و في رواية : تقبل شهادته و لو ضرب سوطا واحدا في الإسلام لأن السياط المتقدمة توقف كونها حدا على وجود السوط الأخير و قد وجد كمال الحد في حالة الإسلام و في رواية اعتبر الأكثر إن وجد أكثر الحد في حال الإسلام تبطل شهادته و إلا فلا لأن للأكثر حكم الكل في الشرع .
و الصحيح جواب ظاهر الرواية لما ذكرنا أن الحد اسم الكل و عند ضرب السوط الأخير تبين أن السياط كلها كانت حدا و لم يوجد الكل في حال الإسلام بل البعض فلا ترد الشهادة الحادثة بالإسلام .
هذا إذا شهد بعد إقامة الحد و بعد التوبة فأما إذا شهد بعد التوبة قبل إقامة الحد فتقبل شهادته بالإجماع و لو شهد بعد إقامة الحد قبل التوبة لا تقبل شهادته بالإجماع و لو شهد قبل التوبة و قبل الإقامة الحد فهي مسألة شهادة الفاسق و قد مرت .
و أما النكاح بحضرة المحدودين في القذف فينعقد بالإجماع أما عند الشافعي C فلأن له شهادة أداء فكانت له شهادة سماعا و أما عندنا فلأن حضرة الشهود لدى النكاح ليست لدقع المحجور و الإنكار لاندفاع الحاجة بالشهادة بالتسامع بل لرفع ريبة الزنا و التهمة به و ذا يجعل بحضرة المحدودين في القذف فينعقد النكاح بحضرتهم و لا تقبل شهادتهم للنهي عن القبول و الانعقاد ينفصل عن القبول في الجملة .
و أما الحدود في الزنا و السرقة و الشرب فتقبل شهادته بالإجماع إذا تاب لأنه صار عدلا .
و القياس : أن تقبل شهادة المحدود في القذف إذا تاب لولا النص الخاص بعدم القبول على التأبيد .
و منها : أن لا يجر الشاهد إلى نفسه مغنما و لا يدفع عن نفسه مغرما بشهادته لقوله عليه الصلاة و السلام : [ لا شهادة لجار المغنم و لا لدافع المغرم ] و لأن شهادته إذا تضمنت معنى النفع و الدفع فقد صار متهما و لا شهادة للمتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و لأنه إذا حر النفع إلى نفسه بشهادته لم تقع شهادته الله تعالى D بل لنفسه فلا تقبل .
و على هذا تخرج شهادة الوالد و إن علا لولده و إن سفل و عكسه أنها غير مقبولة لأن الوالدين و المولولدين ينتفع البعض بمال البعض عادة فيتحقق معنى جر النفع و التهمة و الشهادة لنفسه فلا تقبل .
و ذكر الخصاف C في أدب القاضي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ لا تقبل شهادة الوالد لولده و لا الولد لوالده و لا السيد لعبده و لا العبد لسيده و لا الزوجة لزوجها و لا الزوج لزوجته ] .
و أما سائر القرابات كالأخ و العم و الخال و نحوهم : فتقبل شهادة بعضهم لبعض لأن هؤلاء ليس لبعضهم تسلط في مال البعض عرفا و عادة فالتحقوا بالأجانب و كذا تقبل شهادة الوالد من الرضاع لولده من الرضاع و شهادة الولد من الرضاع لوالده من الرضاع لأن العادة ما جرت بانتفاع هؤلاء بعضهم بمال البعض فكانوا كالأجانب و لا تقبل شهادة المولى لعبده و لا شهادة العبد لمولاه لما قلنا .
و أما شهادة أحد الزوجين لصاحبه فلا تقبل عندنا و عند الشافعي C تقبل و احتج بعمومات الشهادة من غير تخصيص نحو قوله تعالى جلا و علا : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } و قوله عز شأنه : { و أشهدوا ذوي عدل منكم } و قوله عظمت كبرياؤه : { ممن ترضون من الشهداء } من غير فصل بين عدل و عدل و مرضي و مرضي .
و لنا : ما روينا من النصوص من قوله عليه الصلاة و السلام : [ لا شهادة لجار المغنم و لا شهادة للمتهم ] و أحد الزوجين بشهادته للزوج الآخر يجر المغنم إلى نفسه لأنه ينتفع بمال صاحبه عادة فكان شاهدا لنفسه لما روينا من حديث الخصاف C .
و أما العمومات فنقول بموجبها : لكن لم قلتم إن أحد الزوجين في الشهادة لصاحبه عدل و مرضي بل هو مائل و متهم لما قلنا لا يكون شاهدا فلا تناوله العمومات و كذا لا تقبل شهادة الأجير له في الحادثة التي استأجره فيها لما فيه من تهمة جر النفع إلى نفسه و لا تقبل شهادة أحد الشريكين لصاحبه في مال الشركة .
و لو شهد رجلان لرجلين على الميت بدين ألف درهم ثم شهد المشهود لهما للشاهدين على الميت بدين ألف درهم فشهادة الفريقين باطلة عند أبي حنيفة عليه الرحمة و أبي يوسف C و عند محمد C جائزة .
و على هذا الخلاف لو شهدا أن الميت أوصى لهما بالثلث و شهد المشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين بالثلث و لو شهدا ان الميت غصبهما دارا أو عبدا و شهد المشهود لهما للشاهدين بدين ألف درهم فشهادة الفريقين جائزة بالإجماع لمحمد C : أن كل فريق يشهد لغيره لا لنفسه فلا يكون متهما في شهادته و لهما : أن ما ياخذه كل فريق فالفريق الآخر يشاركه فيه فكان كل فريق شاهدا لنفسه بخلاف ما إذا اختلف جنس المشهود به لأن ثمة معنى الشركة لا يتحقق و منها : أن لا يكون خصما لقوله عليه الصلاة و السلام : [ لا تجوز شهادة خصم و لا ظنين ] و لأنه إذا كان خصما فشهادته تقع لنفسه فلا تقبل .
و على هذا تخرج شهادة الوصي للميت و اليتيم الذي في حجره لأنه خصم فيه و كذا شهادة الوكيل لموكله لما قلنا .
و منها : أن يكون عالما بالمشهود به وقت الأداء ذاكرا له عند أبي حنيفة C و عندهما ليس بشرط حتى إنه لو راى اسم و خطه و خاتمه في الكتاب لكنه لا يذكر الشهادة لا يحل له أن يشهد و لو شهد و علم القاضي به لا تقبل شهادته عنده و عندهما له أن يشهد ولو شهد تقبل شهادته .
وجه قولهما : أنه لما رأى أسلمه و خطه و خاتمه على الصك دل أنه تحمل شهادة و هي معلومة في الصك فيحل له أداؤها و إذا أداها أداها تقبل و لأن النسيان أمر جبل عليه الإنسان خصوصا عند طول المدة بالشيء لأن طول المدة ينسي فلو شرط تذكر الحادثة لأداء الشهادة لانسد باب الشهادة فيؤدي إلى تضييع الحقوق و هذا لا يجوز و أبي حنيفة C قوله تعالى جل شأنه : { و لا تقف ما ليس لك به علم } و قوله عليه الصلاة و السلام لشاهد : [ إذا علمت مثل الشمس فاشهد و إلا فدع ] و لا اعتماد على الخط و الختم لأن الخط يشبه الخط و الختم و يجري فيه الاحتيال و التزوير مع ما أن الخط للتذكر فخط لا يذكر وجوده و عدمه بمنزلة واحدة .
و على هذا الخلاف إذا وجد القاضي في ديوانه شيئا لا يذكره و ديوانه تحت ختمه أنه لا يعمل به عنده و عندهما يعمل إذا كان تحت ختمه و على هذا الخلاف إذا عزل القاضي ثم استقضي بعدما عزل فأراد أن يعمل بشيء مما يرى في ديوانه الأول و لم يذكر ذلك ليس له ذلك عنده و عندهما له ذلك و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و أما الشرائط التي ترجع إلى نفس الشهادة فأنواع : منها لفظ الشهادة فلا تقبل بغيرها من الألفاظ كلفظ الإخبار و الإعلام و نحوهما و إن كان يؤدي معنى الشهادة تعبدا غير معقول المعنى .
و منها : أن تكون موافقة للدعوى فيما يشترط فيه الدعوى فإن خالفتها لا تقبل إلا إذا وفق المدعي بين الدعوى و بين الشهادة عند إمكان التوفيق لأن الشهادة إذا خالفت الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى و تعذر التوفيق انفردت عن الدعوى و الشهادة المنفردة عن الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى غير مقبولة .
و بيان ذلك في مسائل : إذا ادعى ملكا بسبب ثم أقام البينة على ملك مطلق لا تقبل و بمثله لو ادعى ملكا مطلقا ثم أقام البينة على الملك بسبب تقبل و وجه الفرق : أن الملك المطلق أعم من الملك بسبب لأنه يظهر من الأصل حتى تستحق به الزوائد و الملك بسبب يقتصر على وقت وجود السبب فكان الملك المطلق أعم فصار المدعي بإقامة البينة على الملك المطلق مكذبا شهوده في بعض ما شهدوا به و التوفيق متعذر لأن الملك من الأصل ينافي الملك الحادث بسبب لاستحالة ثبوتهما معا في محل واحد بخلاف ما إذا ادعى الملك المطلق ثم أقام البينة على الملك بسبب لأن الملك بسبب أخص من الملك المطلق على ما بينا فقد شهدوا بأقل مما ادعى فلم يصر المدعي مكذبا شهوده بل صدقهم فيما شهدوا به وادعى زيادة شيء لا شهادة لهم عليه و صار لو ادعى ألفا و خمسمائة فشهد الشهود على الف أنه تقبل البينة على الألف لما قلنا كذا هذا .
و لو ادعى الملك بسبب معين ثم أقام البينة على الملك بسبب آخر بأن ادعى دارا في يد رجل أنه ورثها من أبيه ثم أقام البينة على الملك أنه اشتراها من صاحب اليد أو وهبها له أو تصدق بها عليه و قبض أو ادعى الشراء أو الهبة أو الصدقة ثم أقام البينة على الإرث لا تقبل بينته لأن الشهادة خالفت الدعوى لاختلاف البينتين صورة و معنى أما الصورة فلا شك فيها و أما المعنى فلأن حكم البينتين يختلف فلا يقبل إلا إذا وفق بين الدعوى و الشهادة فقال : كنت اشتريت منه لكنه جحدني الشراء و عجزت عن إثباته فاستوهبت منه فوهب مني و قبضت و أعاد البينة تقبل لأنه إذا وفق فقد زالت المخالفة و ظهر أنه لم يكذب شهوده و يصير هذا في الحقيقة ابتداء و لهذا يجب عليه إعادة البينة لتقع الشهادة عند الدعوى .
و كذا إذا وفق فقال : ورثته من أبي إلا أنه جحد إرثي فاشتريت منه أو وهب لي فإنها تقبل لزوال التناقض و الاختلاف بين الدعوى و الشهادة .
و لو ادعى الشراء بعد هذا و أقام البينة على الشراء بألف درهم لا تقبل لأن البدل قد اختلف و اختلاف البدل يوجب اختلاف العقد فقد قامت البينة على عقد آخر غير ما ادعاه المدعي فلا تقبل إلا إذا وفق المدعى فقال : اشتريت بالعبد إلا أنه جحدني الشراء به فاشتريته بعد ذلك بألف درهم فتقبل لزوال المخالفة .
و هذا إذا كان دعوى التوفيق في مجلس آخر بأن قام عن مجلس الحكم ثم جاء و ادعى التوفيق فأما إذا لم يقم عن مجلس الحكم فدعوى التوفيق غير مسموعة ولو ادعى أنه له ثم أقام البينة على أنه لفلان و كله بالخصومة فيه تقبل بينته و بمثله لو ادعى أنه لفلان وكلني بالخصومة فيه ثم أقام البينة على أنه له لا تقبل .
و وجه الفرق : أن قوله أولا : إنه لي لا ينفي قوله إنه لفلان وكلني بالخصومة فيه لجواز أن يكون له بحق الخصومة و المطالبة و لغيره بحق الملك فكان التوفيق ممكنا فقبلت البينة بخلاف الفصل الثاني لأن قوله هو لفلان وكلني بالخصومة فيه ينفى قوله بعد ذلك هو لي لأنه صرح بأن الملك فيه لفلان و أنه وكيل بالخصومة فيه بقوله : إنه لفلان وكلني بالخصومة فيه فكان قوله بعد ذلك هو لي إقرارا منه بالملك لنفسه فكان مناقضا فلا تقبل .
و لو ادعى أنه لفلان وكلني بالخصومة فيه ثم أقام البينة على أنه لفلان آخر وكلني بالخصومة فيه لا تقبل لأن قوله أولا : إنه لفلان وكلني بالخصومة فيه كما ينفي قوله إنه لي ينفي قوله : إنه لفلان آخر وكلني بالخصومة فيه فلا تقبل إلا إذا وفق فقال : إن الموكل الأول باع من الموكل الثاني ثم وكلني الثاني بالخصومة فيقبل لزوال المناقضة .
و لو ادعى في ذي القعدة أنه اشترى منه هذه الدار في شهر رمضان بألف و نقده الثمن ثم أقام البينة على أنه تصدق بالدار على المدعي في شعبان لا تقبل بينته لأن دعوى التصدق في شعبان تنافي الشراء في شهر رمضان لاستحالة شراء الإنسان ملك نفسه و التوفيق غير ممكن فلا تقبل .
و إن أقام البينة على التصدق في شوال و وفق فقال : جحدني الشراء ثم تصدق بها علي تقبل .
و لو ادعى دارا في يدي رجل أنها له و أقام البينة على أنها كانت في يد المدعي بالأمس لا تقبل و عن أبي يوسف أنها تقبل و يؤمر بالرد إليه و لو أقام صاحب اليد البينة على أنها كانت ملكا للمدعي تقبل بالإجماع .
وجه قول أبي يوسف C : أن البينة لما قامت على أنها ما كانت في يده فالأصل في الثابت بقاؤه و لهذا قبلت البينة على ملك كان و لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة و لو ثبت بالمعاينة أو بالإقرار أنه كان في يده بالأمس يؤمر بالرد إليه كذا هذا .
وجه ظاهر الرواية : أن الشهادة قامت على يد كانت فلا يثبت الكون للحال إلا بحكم استصحاب الحال و إنه لا يصلح للإلزام و لأن اليد قد تكون مبطلة و قد تكون يد ملك و قد تكون يد أمانة فكانت محتملة و المحتمل لا يصلح حجة بخلاف الملك و المعاينة وبخلاف الإقرار لأنه حجة بنفسه و البينة ليست بحجة بنفسها بل بقضاء القاضي و لا وجه للقضاء بالمحتمل و لو أقام البينة أنها كانت في يده بالأمس فأخذها هذا منه أو غصبها أو أودعه أو أعاره تقبل و يقضى للخارج لأنه علم بالبينة أنه تلقي اليد من جهة الخارج فيؤمر بالرد إليه .
و على هذا يخرج ما إذا ادعى دارا في يد رجل أنه ورثها من أبيه و أقام البينة على أنها كانت لأبيه فنقول هذا لا يخلو من أربعة أوجه : إما أن شهدوا أن الدار كانت لأبيه و لم يقولوا مات و تركها ميراثا له و إما أن قالوا : أنها كانت لأبيه مات و تركها ميراثا له و إما أن قالوا : أنها كانت في يد أبيه يوم الموت و إما أن أثبتوا من أبيه فعلا فيها عند موته .
أما الوجه الأول : فعلى قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله لا تقبل الشهادة وعلى قول أبي يوسف تقبل .
و كذا لو شهدوا أنها كانت لأبيه مات قبلها لا تقبل قالوا : يجب أن يكون هذا على قولهما أما على قول أبي يوسف على ما روي عنه في الأمالي ينبغي أن تقبل .
وجه قوله : أن الملك متى ثبت لأبيه بشهادتهم فالأصل فيما ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيل فصار كما لو شهدوا أنها كانت لأبيه يوم الموت أيضا وجه قولهما : أن الشهادة خالفت الدعوى لأن المدعي ادعى ملكا كائنا و الشهادة وقعت بملك كان لا بملك كائن فكانت الشهادة مخالفة للدعوى فلا يقبل قوله : ما ثبت يبقى ؟ قلنا : نعم لكن لا حكم لدليل الثبوت لأن دليل الثبوت لا يتعرض للبقاء و إنما البقاء بحكم استصحاب الحال و أنه لا يصلح حجة للاستحقاق .
و لو شهدوا أنها كانت لجده فعندهما لا يقضي بها ما لم يشهدوا بالميراث بأن يقولوا : مات جده و تركها لأبيه ثم مات أبوه و تركها ميراثا له و عند أبي يوسف ينظر إن علم أن الجد مات قبل الأب يقضى بها له و إن علم أن الأب مات قبل الجد أو لم يعلم لم يقض بها و لو شهدوا أنها لأبيه لا يقضى بها له منهم من قال : هذا على الاتفاق و منهم من قال : هو على الخلاف الذي ذكرنا و هو الصحيح فإنه روي عن أبي يوسف أنها تقبل .
و أما الوجه الثاني : و هو ما إذا شهدوا أنها كانت لأبيه مات و تركها ميراثا له فلا شك أن هذه الشهادة مقبولة لأنهم شهدوا بالملك الموروث عند الموت و الترك ميراثا له و هو تفسير الملك الموروث .
و أما الوجه الثالث : و هو ما إذا شهدوا أنها كانت في يده يوم الموت فالشهادة مقبولة لأن مطلق اليد من الأصل يحمل على يد المالك فكانت الشهادة بيد قائمة عند الموت شهادة بملك قائم عند الموت فإذا مات فقد ترك فثبت الملك له في المتروك إذ هو تفسير الملك الموروث و لأن يده إن كانت يد ملك كان الملك ثابتا للمورث عند الموت و إن كانت يد أمانة انتقلت يد ملك إذا مات مجهلا لأن التجهيل عند الموت سبب لوجوب الضمان و وجوب الضمان سبب لثبوت الملك في المضمون عندنا .
و أما الوجه الرابع : و هو ما إذا ثبت ليد المشهود من الأب فعلا في العين عند الموت فهذا على وجهين : إما أن يكون ذلك فعلا هو دليل اليد و إما أن يكون فعلا ليس هو دليل اليد و الفعل الذي هو دليل اليد هو فعل لا يتصور وجوده بدون النقل في النقليات كاللبس و الحمل أو فعل يوجد للنقل عادة كالركوب في الدواب أو فعلا يوجد في الغالب من الملاك فيما لا يقبل النقل لا من غيرهم كالسكنى في الدور و الفعل الذي ليس بدليل اليد هو فعل ثبت في النقليات من غير نقل و لا يكون حصوله للنقل عادة كالجلوس على البساط أو فعل ليس بفعل للملاك غالبا فيما لا يقبل كالنوم و الجلوس في الدار و أشباه ذلك فإن كان فعلا هو دليل اليد تقبل الشهادة القائمة على ثبوته عند موت الأب لأن الشهادة القائمة على ما هو دليل اليد عند الموت قائمة على اليد عند الموت و إن كان فعلا ليس بدليل لا تقبل الشهادة لأنه لم يوجد دليل اليد التي هي دلالة الملك و على هذا يخرج ما إذا أقام المدعي البينة أن أباه في هذه الدار إنها لا تقبل لأنه لم توجد الشهادة على اليد الدالة على الملك و لا على فعل دال على اليد و لا على فعل هو فعل الملاك غالبا لأن الدار قد يموت فيها المالك و قد يموت فيها غير المالك من الزوار و الضيف و نحوه .
و لو شهدوا أنه مات و هو لابس هذا القميص أو لابس هذا الخاتم تقبل لأن لبس القميص و الخاتم فعل لا يتصور بدون النقل فكان دليلا على اليد عند الموت أطلق محمد C في الجامع الجواب في الخاتم و منهم من حمل من حمل جواب الكتاب على ما إذا كان الخاتم في خنصره أو بنصره يوم الموت و زعم أنه إذا كان فيما سواهما من الأصابع لا تقبل الشهادة لأن استعمال الملاك في الخاتم هذا عادة فكانت الشهادة القائمة عليه قائمة على اليد .
فأما جعله سواهما من الأصابع من الملاك فهو ليس بمعتاد فلا يكون ذلك استعمال الخاتم فلا يكون دليل اليد و لهذا قالوا : لو جعل المودع الخاتم في خنصره أوبنصره فضاع من يده يضمن لما أنه استعمله و لو جعله فيما سواهما من الأصابع فضاع لا يضمن لما أن ذلك حفظ و ليس باستعمال و الصحيح إطلاق جواب الكتاب لأن فعله كيف ما كان لا يتصور بدون النقل فكان دليلا على اليد .
و لو شهدوا أنه مات و هو جالس على هذا البساط أو على هذا الفراش أو نائم عليه لا تقبل لأن هذه الأفعال تتصور من غير نقل و لا تفعل للنقل عادة فلم يكن دليل اليد .
فإن قبل : اليس أنه لو تنازع اثنان في بساط أحدهما جالس عليه و الآخر متعلق به أنه يكون بينهما نصفين و هذا دليل ثبوت يديهما عليه .
قيل له : إنما قضي به بينهما نصفين لدعواهما أنه في يديهما لالثبوت اليد لأن الجلوس عليه و التعلق به كل واحد منهما يتحقق بدون النقل و لا يوجدان النقل غالبا على ما بينا فلا يكون دليل اليد .
و لو شهدوا أنه مات و هو راكب على هذه الدابة تقبل و يقضى بالدابة للوارث لأن الركوب و إن كان يتهيأ بدون نقل الدابة إلا أنه لا يفعل عادة إلا للنقل فكان دليل اليد .
و لو شهدوا أنه مات و هو ساكن هذه الدار تقبل و يقضى للوارث و روي عن أبي يوسف أنه لا تقبل و لا يقضي .
و وجهه : أن فعل السكنى في الدار كما يوجد من الملاك يوجد من غيرهم فلا يصلح دليلا على اليد و الصحيح جواب ظاهر الرواية لأن السكنى فعل يوجد في الغالب من الملاك لا من غيرهم هذا هو المعتاد فيما بين الناس فيحمل المطلق عليه و لو شهدوا أنه مات و هذا الثوب موضوع على رأسه و لم يشهدوا أنه كان حاملا له لاتقبل و لا يستحق المدعي بهذا شيئا لأنه يحتمل أنه وضعه بنفسه أو وضعه غيره و يحتمل أنه وقع عليه من غير صنع أحد بان هبت ريح فألقته على رأسه فوقع الشك في النقل منه فلا يثبت النقل مكنه بالشك فلا تثبت اليد بالشك .
ثم نقول : إذا شهد الشهود أنها كانت لأبيه مات وتركها ميراثا للورثة فلا يخلو إما أن قالوا : هذا وارثه لا وارث له غيره و اما أن قالوا : هو وارثه لا نعلم أن له وارثا غيره و إما أن قالوا : هو وارثه و لم يقولوا لا وارث له غيره و لا قالوا : لا نعلم له وارثا غيره .
فأما الوجه الأول : و هو ما إذا قالوا : هو وارثه لا وارث له غيره فإنه تقبل شهادتهم استحسانا و القياس أن لا تقبل لأنها كشهادة على ما لا علم للشاهد به لاحتمال أن يكون له وارث لا يعلمه و قد قال عليه الصلاة و السلام للشاهد : [ إذا علمت مثل الشمس فاشهد و إلا فدع ] .
وجه الاستحسان : أن قولهم [ لا وارث له غيره ] معناه في متعارف الناس و عاداتهم لا نعلم له وارثا غيره أو لا وارث له غيره في علمنا و لو نص على ذلك لقبلت شهادتهم فكذا هذا و الله سبحانه أعلم .
و أما الوجه الثاني : و هو ما إذا قالوا : هو وارثه لا نعلم له وارثا غيره تقبل شهادتهم عند عامة العلماء Bهم و قال ابن ابي ليلى C : لا تقبل حتى يقولوا لا وارث له غيره لأنهم لو لم يقولوا لا وارث له غيره احتمل أن يكون له وارث غيره لا يعلمونه و الصحيح قول العامة لأن الشاهد إنما تحل له الشهادة بما في علمه و نفي وارث آخر ليس في علمه فلا تحل له الشهادة به إلا على اعتبار ما في علمه على ما ذكرنا و لو قالوا : لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر أو في أرض كذا تقبل عند أبي حنيفة و عندهما : لا تقبل .
وجه قولهما : أن قولهم لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر لا ينفي وارثا غيره لجواز أن يكون له وارث آخر في مصر آخر و لأبي حنيفة C : أنه لو كان له وارث آخر في موضع آخر لعلموه لأن وارث الإنسان لا يخفى على أهل بلده عادة فكان التخصيص و التعميم فيه سواء ثم إذا شهدوا أنه وارثه لا وارث له غيره أو شهدوا أنه وارثه لا نعلم له وارثا غيره أو لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر على مذهب أبي حنيفة Bه فإنه يدفع كل التركة إليه سواء كان الوارث ممن لا يحتمل الحجب كالابن و الأب و الأم و نحوهم أو يحتمله كالأخ و الأخت و الجد و نحوهم لأنه تعين وارثا له فيدفع إليه جميع الميراث إلا إذا كان زوجا أو زوجة فلا يعطى إلا أكثر نصيبه فلا يعطى الزوج إلا النصف و لا تعطى المرأة إلا الربع لأنهما لا يستحقان من الميراث أكثر من ذلك لأنه لا يرد عليهما و في هذين الموضعين لا يؤخذ من الوارث كفيل بالإجماع .
و أما الوجه الثالث : و هو ما إذا شهدوا أنه وارثه و لم يقولوا : لا وارث له غيره و لا قالوا : لا نعلم له وارثا غيره فإنه ينظر إن كان ممن يحتمل الحجب لا يدفع إليه شيء لجواز أن يكون ثمة حاجب فإن كان لا يعطى و إن لم يكن يعطى بالشك و إن كان ممن لا يحتمل الحجب يدفع إليه جميع المال إلا الزوج و الزوجة فإنه لا يدفع إليهما إلا نصيبهما و هو أكثر النصيبين عند محمد C للزوج النصف و للمرأة الربع .
و عند أبي يوسف C : أقل النصيبين للزوج الربع و المرأة الثمن في ظاهر الرواية عنه وجه قول محمد C : أن النقصان عن أكثر النصيبين باعتبار المزاحمة و في وجود المزاحم شك فلا يثبت النقصان بالشك و لأبي يوسف C : أن الأقل ثابت بيقين و في الزيادة شك فلا تثبت الزيادة بالشك و روي عنه رواية أخرى أن للزوج الربع و للمرأة ربع الثمن لجواز أن يكون له أربع نسوة فيكون لها ربع الثمن لأنه ثابت بيقين و في الزيادة شك .
و روى عنه أصحاب الإملاء : و للزوج الخمس و للمرأة ربع التسع أما الزوج فلأن من الجائز أن يكون للمرأة أبوان و بنتان و زوج أصل المسألة من اثني عشر للأبوين السدسان أربعة و للبنتين الثلثان ثمانية و للزوج الربع ثلاثة فعالت بثلاثة أسهم فصارت الفريضة من خمسة عشر و ثلاثة من خمسة عشر خمسها فذلك للزوج و أما المراة فلأن من الجائز أن يكون للميت أبوان و بنتان و زوجة أصل المسألة من أربعة و عشرين للأبوين السدسان ثمانية و للبنتين الثلثان ستة عشر و للزوجة الثمن ثلاثة فعالت بثلاثة أسهم فصارت الفريضة سبعة و عشرين و ثلاثة من سبعة و عشرين تسعها ثم من الجائز أن يكون معها ثلاثة أخرى فيمكن أربع زوجات فيكون لها ربع التسع و ثلاثة على أربع لا تستقيم فتضرب أربعة في تسعة و يكون ستة و ثلاثين سهما تسعها أربعة فلها من ذلك سهم و هو ربع التسع و هو سهم من ستة و ثلاثين سهما .
ثم في هذا الوجه الثالث إذا كان الوارث ممن لا يحتمل الحجب و دفع المال إليه هل يؤخذ منه كفيل ؟ قال أبي حنيفة عليه الرحمة : لا يؤخذ : و قال أبي يوسف و محمد رحمهما الله : يؤخذ .
وجه قولهما : أن أخذ الكفيل لصيانة الحق و الحاجة مست إلى الصيانة لاحتمال ظهور وارث آخر فيؤخذ الكفيل نظرا للوارث كما في رد الآبق و اللقطة إلى صاحبها و أبي حنيفة C : أن حق الحاضر للحال ثابت بيقين و في ثبوت الحق لوارث آخر شك لأنه قد وارث آخر و قد لا يظهر فلا يجوز تعطيل الحق الثابت بيقين لحق مشكوك فيه مع ما أن المكفول له مجهول و الكفالة للمجهول غير صحيحة و إنما أخذ الكفيل بتسليم الآبق و اللقطة فقد قيل : أنه قولهما لما أن في المسألة روايتان : فأما عند أبي حنيفة C فلا يؤخذ الكفيل على أنا سلمنا فتلك كفالة لمعلوم لا لمجهول لأن الراد إنما يأخذ الكفيل لنفسه كيلا يلزمه الضمان فلم تكن كفالة لمجهول .
و ذكر أبي حنيفة C هذه المسألة في الجامع الصغير و قال شيء احتاط به بعض القضاء و هو ظلم أرأيت لو لم يجد كفيلا كنت أمنعه حقه دلت تسميته أخذ الكفيل ظلما على أن مذهبه أن ليس كل مجتهد مصيبا إذ الصواب لا يحتمل أن يكون ظلما فدلت المسألة على براءة ساحته عن لوث الاعتزال بحمد الله و منه