وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

شرائط القضاء .
فصل : و أما شرائط القضاء فأنواع بعضها يرجع إلى القاضي و بعضها يرجع إلى نفس القضاء و بعضها يرجع إلى المقضي له و بعضها يرجع إلى المقضي عليه .
أما الذي يرجع إلى القاضي : فما ذكرنا من شرائط جواز تقليد القضاء لأن من لا يصلح قاضيا لا يجوز قضاؤه ضرورة .
و أما الذي يرجع إلى نفس القضاء فأنواع : منها أن يكون بحق و هو الثابت عند الله D من حكم الحادثة إما قطعا بأن قام عليه دليل قطعي و هو النص المفسر من الكتاب الكريم أو الخبرالمشهور و المتواتر و الإجماع و إما ظاهرا بأن قام ظاهرا بأن قام عليه دليل ظاهر يوجب علم غالب الرأي و أكثر الظن من ظواهر الكتاب الكريم والمتواتر والمشهور و خبر الواحد و القياس الشرعي و ذلك في المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الفقهاء رحمهم الله و التي لا رواية في جوابها عن السلف بأن لم تكن واقعة حتى لو قضى بما قام الدليل القطعي على خلافة لم يجز لأنه قضاء بالباطل قطعا .
و كذا لو قضى في موضع الخلاف بما كان خارجا عن أقاويل الفقهاء كلهم لم يجز لأن الحق لا يعدو أقاويلهم فالقضاء بما هو خارج عنها كلها يكون قضاء باطلا قطعا و كذا لو قضى بالاجتهاد فيما فيه نص ظاهر يخالفه من الكتاب الكريم و السنة لم يجز قضاؤه لأن القياس في مقابلة النص باطل سواء كان النص قطعيا أو ظاهرا و أما فيما لا نص فيه يخالفه و لا إجماع النقول لا يخلو : إما إن كان القاضي من أهل الاجتهاد و إما إن كان لم يكون من أهل الاجتهاد وأفضى رأيه إلى شيء يجب عليه العمل به و إن خالف رأي غيره ممن هو من أهل الاجتهاد و الرأي و لا يجوز له أن يتبع رأي غيره لأن ما أدى إليه اجتهاده هو حق عند الله D ظاهرا فكان غيره باطلا لأن الحق في المجتهدات واحد و المجتهد يخطىء و يصيب عند أهل السنة و الجماعة في العقليات و الشرعيات جميعا .
و لو أقضى رأيه إلى شيء و هناك مجتهد آخر أفقه منه له رأي آخر فأراد أن يعمل برأيه من غير النظر فيه و ترجع رأيه بكونه أفقه منه هل يسعه ذلك ؟ ذكر في كتاب الحدود أن عند أبي حنيفة يسعه ذلك و عندهما لا يسعه إلا أن يعمل برأي نفسه .
و ذكر في بعض الروايات هذا الاختلاف على العكس فقال على قول أبي حنيفة : لا يسعه و على قولهما يسعه و هذا يرجع إلى أن كون أحد المجتهدين أفقه من غير النظر في رأيه هل يصلح مرجحا ؟ من قال : يصلح مرجحا قال : يسعه و من قال لا يصلح قال لا يسعه .
وجه قول من لا يرى الترجيح بكونه أفقه : أن اليرجيح يكون بالدليل و كونه أفقه ليس من جنس الدليل فلا يقع به الترجيح و هذا لا يصلح دليل الحكم بنفسه .
وجه قول من يرى به الترجيح : أن هذا من جنس الدليل لأن كونه أفقه يدل على اجتهاده أقرب إلى الصواب فكان من جنس الدليل فيصلح للترجيح إن لم يصلح دليل الحكم بنفسه أبدا يكون الترجيح بما لا يصلح دليل الحكم بنفسه و لهذا قيل في حده زيادة لا يسقط بها التعارض حقيقة لما علم في أصول الفقه و لهذا أوجب أبو حنيفة C تقليد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم و رجحه على القياس لما أن قوله أقرب إصابة الحق من قول القائس كذا هذا و إن أشكل عليه حكم الحادثة استعمل رأيه في ذلك و عمل به و الأفضل أن يشاور أهل الفقه في ذلك فإن اختلفوا في حكم الحادثة نظر في ذلك بما يؤدي إلى الحق ظاهرا و إن اتفقوا على رأي يخالف رأيه عمل برأي نفسه أيضا لأن المجتهد مأمور بالعمل بما يؤدي إليه اجتهاده فحرم عليه تقليد غيره و لكن لا ينبغي أن يعجل بالقضاء مالم يقض حق التأمل و الاجتهاد و ينكشف له وجه الحق فإذا ظهر له الحق باجتهاده قضى بما يؤدي إليه اجتهاده و لا يكونن خائفا في اجتهاده بعدما بذل مجهوده لإصابة الحق فلا يقولن إني أرى و إني أخاف لأن الخوف و الشك و الظن يمنع من إصابة الحق و يمنع من الاجتهاد فينبغي أن يكون جريئا جسورا على الاجتهاد بعد أن لم يقصر في طلب الحق حتى لو قضى مجازفا لم يصح قضاؤه فيما بينه و بين الله سبحانه و تعالى و إن كان من أهل الاجتهاد إلا أنه إذا كان لا يدري حاله يحمل على أنه قضى برأيه و يحكم بالصحة حملا لأمر المسلم على الصحة و السداد ما أمكن و الله سبحانه و تعالى أعلم .
هذا إذا كان القاضي من أهل الاجتهاد فأما إذا لم من يكون من أهل الاجتهاد فإن عرف أقاويل أصحابنا و حفظها على الاختلاف و الاتفاق عمل بقول من يعتقد قوله حقا على التقليد و إن لم يحفظ أقاويل عمل بفتوى أهل الفقه في بلده من أصحابنا و إن لم يكن في البلد إلا فقيه واحد من قال : يسعه أن يأخذ بقوله و نرجو أن لا يكون عليه شيء لأنه إذا لم يكون من أهل الاجتهاد بنفسه و ليس هناك سواء من أهل الفقه مست الضرورة إلى الأخذ بقوله قال الله تبارك و تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .
و لو قضى بمذهب خصمه و هو يعلم ذلك لا ينفذ قضاؤه لأنه قضى بما هو باطل عنده في اعتقاده فلا ينفذ كما لو كان مجتهدا فترك رأي نفسه و قضى برأي مجتهد يرى رأيه باطلا فإنه لا ينفذ قضاؤه لأنه قضى بما هو باطل في اجتهاده كذا هذا .
و لو نسي القاضي مذهبه فقضى بشيء على ظن أنه مذهب نفسه ثم تبين أنه مذهب خصمه ذكر في شرح الطحاوي أن له أن يبطله و لم يذكر الخلاف لأنه إذا لم يكون مجتهدا تبين أنه قضى بما لا يعتقده حقا فتبين أنه وقع باطلا كما لو قضى و هو يعلم أن ذلك مذهب خصمه .
و ذكر في أدب القاضي أنه يصح قضاؤه عند أبي حنيفة و عندهما : لا يصح لهما : أن القاضي مقصر لأنه يمكنه حفظ مذهب نفسه و إذا لم يحفظ فقد قصر و المقصر غير معذور و لأبي حنيفة : أن النسيان غالب خصوصا عند تزاحم الحوادث فكان معذورا .
هذا إذا لم يكون القاضي من أهل الاجتهاد فأما إذا كان من أهل الاجتهاد ينبغي أن يصح قضاؤه في الحكم بالإجماع و لا يكون لقاض آخر أن يبطله لأن لا يصدق على النسيان بل يحمل على أنه اجتهد فأدى اجتهاده إلى مذهب خصمه فقضى به فيكون قضاؤه باجتهاده فيصح .
و إن قضى في حادثه و هي محل الاجتهاد برأيه ثم رفعت إليه ثانيا فتحول رأيه يعمل بالرأي الثاني و لا يوجب هذا نقص الحكم بالرأي الأول لأن القضاء بالرأي الأول قضاء مجمع على جوازه لاتفاق أهل الاجتهاد على أن القاضي أن يقضي في محل الاجتهاد و بما يؤدي إليه اجتهاده فكان هذا قضاء متفقا على صحة و لا اتفاق على صحة هذا الراي الثاني فلا يجوز نقض المجمع عليه بالمختلف و لهذا لا يجوز لقاض آخر أن يبطل هذا القضاء كذا هذا و قد روى عن سبدنا عمر Bه : أنه قضى في حادثة ثم قضى فيها بخلاف تلك القضية فسئل فقال : تلك قضينا و هذه كما نقضي .
و لو رفعت إليه ثالثا فتحول رأيه إلى الأول يعمل به و لا يبطل قضاؤه بالرأي الثاني بالعمل بالرأي الأول كما لا يبطل قضاؤه الأول بالعمل بالرأي الثاني لما قلنا .
و لوأن فقيها قال لامرأته : أنت طالق ألبتة و من رأيه أنه بائن فأمضي رأيه فيما بينه و بين امرأته و عزم على أنها قد حرمت عليه ثم تحول رأيه إلى أنها تطليقة واحدة يملك الرجعة فإن يعمل رأيه الأول في حق هذه المرأة تحرم عليه و إنما يعمل برأيه الثاني في المستقبل في حقها و في حق غيرها لأن الأول رأي أمضاه بالاجتهاد و ما أمضي بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله و كذلك لو كان رأيه أنها واحدة يملك الرجعة فعزم على أنها منكوحة ثم تحول رأيه الأول و لا تحرم عليه لما قلنا و لو لم يكن عزم على الحرمة في فصل الأول حتى تحول رأيه إلى الحل لا تحرم عليه و كذا في الفصل الثاني لو لم يكن عزم الحل حتى تحول رأيه إلى الحرمة تحرم عليه لأن نفس الاجتهاد محل النقض ما لم يتصل به الإمضاء و اتصال الإمضاء بمنزلة اتصال القضاء و اتصال القضاء يمنع من النقص فكذا اتصال الإمضاء .
و كذلك الرجل إذا لم يكن فقيها فاستفتى فقيها فأفتاه بحلال أو بحرام و لو لم يكن عزم على ذلك حتى أفتاه فقيه آخر بخلافة فأخذ بقوله و أمضاه في منكوحته لم يجز له ان يترك ما أمضاه فيه و يرجع إلى ما أفتاه به الأول لأن العمل بما أمضى واجب لا يجوز نقضه مجتهدا كان أو مقلدا لأن المقلد متعبد بالتقليد كما أن المجتهد متعبد بالاجتهاد ثم لم يجز للمجتهد نقض ما أمضاه فكذا لا يجوز ذلك للعقد .
ثم ما ذكرنا من نفاذ قضاء القاضي في محل الاجتهاد بما يؤدي إليه اجتهاده إذا لم يكن المقضي عليه و المقضي له من أهل الرأي و الاجتهاد أو كانا من أهل الرأي و الاجتهاد و لكن لم يخالف رأيهما رأي القاضي .
فأما إذا كانا من أهل الاجتهاد و خالف رأيهما رأي القاضي فجعله الكلام فيه : أن قضاء القاضي ينفذ على المقضي عليه في محل الاجتهاد سواء كان المقضي عليه عاميا مقلدا أو فقيها مجتهدا يخالف رأيه رأي القاضي بلا خلاف .
أما إذا كان مقلدا فظاهر لأن العامي يلزمه تقليد المفتي فتقليد القاضي أولى و كذا إذا كان مجتهدا لأن القضاء في محل الاجتهاد بما يؤدي إليه اجتهاد القاضي قضاء مجمع على صحته على ما مر و لا معنى للصحة إلا النفاذ على المقضي عليه .
و صورة المسألة : إذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق ألبتة و رأى الزوج أنه واحدة يملك الرجعة و رأى القاضي أنه بائن فرافعته المرأة إلى القاضي فقضى بالبينونة ينفذ قضاؤه بالاتفاق لما قلنا .
و أما قضاؤه للمقضي له بما يخالف رأيه هل ينفذ ؟ قال أبو يوسف : لا ينفذ و قال محمد : ينفذ .
و صورة المسألة : إذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق ألبتة ورأى الزوج أنه بائن و رأى القاضي أنه واحدة يملك الرجعة فرافعته إلى القاضي فقضى بتطليقة واحدة يملك الرجعة لا يحل له المقام معها عن أبي يوسف و عند محمد يحل له وجه قول محمد ما ذكرنا أن هذا قضاء و قع الاتفاق على جوازه لوقوعه على فصل مجتهد فيه فينفذ على المقضي عليه و المقضي له لأن القضاء له تعلق بهما جميعا ألا ترى أنه بمطالبة المقضي له .
و أبي يوسف : أن صحة القضاء إنفاذه في محل الاجتهاد يظهر اثره في حق المقضي عليه لا في حق المقضى له لأن المقضي عليه مجبور في القضاء عليه فأما فمختار في القضاء له فلو اتبع رأي القاضي إنما يتبعه تقليدا و كونه مجتهدا يمنع التقليد فيجب العمل برأي نفسه .
و على هذا كل تحليل أو تحريم أو إعتاق أو أخذ مال إذا قضى القاضي بما يخالف رأي المقضي عليه أو له فهو على ما ذكرنا من الاتفاق و الاختلاف و كذلك المقلد إذا أفتاه إنسان في حادثة ثم رفعت إلى القاضي فقضى بخلاف رأى المفتي فإنه يأخذ بقضاء القاضي و يترك رأي المفتي لأن رأي المفتي يصير متروكا بقضاء القاضي فما ظنك بالمقلد ؟ و لم يذكر القدوري C الخلاف في هذا الفصل و ذكر شيخنا C و سننظر فيه فيما يأتي إن شاء الله تعالى .
و على هذا يخرج القضاء بالبينة لأن البينة العادلة مظهرة للمدعى فكان القضاء بالحق هذا يخرج القضاء بالإقرار لأن الإنسان لا يقر على نفسه كاذبا هذا هو الظاهر فكان القضاء به قضاء بالحق و كذا القضاء بالنكول عندنا فيما يقضى فيه بالنكول لأن النكول على أصل أصحابنا بذل أو إقرار و كل ذلك دليل صدق المدعي في دعواه لما علم فكان القضاء بالنكول قضاء بالحق و على هذا يخرج قضاء القاضي بعلم نفسه في الجملة فنقول : .
تفصيل الكلام فيه أنه لا يخلو : .
إما أن قضى بعلم استفاده في زمن القضاء و مكانه و هو الموضع قد قضاءه و إما إن قضى بعلم استفاده قبل زمان القضاء و في غير مكانه فإن قضى بعلم استفاده في زمن القضاء و في مكانه بأن سمع رجلا أقر لرجل بمال أو سمعه يطلق امرأته أو يعتق عبده أو يقذف رجلا أو رآه يقتل إنسانا و هو قاض في البلد الذي قلد قضاءها جاز قضاؤه عندنا و لا يجوز قضاؤه به في الحدود الخالصة بلا خلاف بين أصحابنا إلا أن في السرقة يقتضي بالمال لا بالقطع .
و الشافعي فيه قولان : في قول لا يجوز له أن يقضي به في الكل و في قول : يجوز في الكل .
وجه قوله الأول : أن القاضي مأمور بالقضاء بالبينة و لو جاز له القضاء بعلمه لم يبق مأمورا بالقضاء بالبينة و هذا المعنى لا يفصل بين الحدود و غيرها وجه قوله الثاني : أن المقصود من البينة العلم بحكم الحادثة و قد علم و هذا لا يوجب الفصل بين الحدود و غيرها لأن علمه لا يختلف .
و لنا : أنه جاز له القضاء بالبينة فيجوز القضاء بعلمه بطريق الأولى و هذا لأن المقصود عينها بل حصول العلم بحكم الحادثة و علمه الحاصل بالمعانية أقوى من علمه الحاصل بالشهادة لأن الحاصل بالشهادة علم الغالب الرأي و أكثر الظن و الحاصل بالحس و الشماهدة علم القطع و اليقين فكان هذا أقوى فكان القضاء به أولى إلا أنه لا يقضي به في الحدود الخالصة لأن الحدود يحتاط في درئها و ليس من الاحتياط فيها الاكتفاء بعلم نفسه و لأن الحجة في وضع الشيء هي البينة التي تتكلم بها و معنى البينة و إن وجد فقد فاتت صورتها و فوات الصورة يروث شبهة و الحدود تدرأ بالشبهات بخلاص القصاص فإنه حق العبد و حقوق العباد لا يحتاط في إسقاطها و كذا حد القذف لأن فيه حق العبد و كلاهما لا يسقطان بشبهة فوات الصورة .
هذا إذا قضى بعلم استفاد في زمن القضاء و مكانه فأما إذا قضى بعلم استفاده في غير زمن القضاء و مكانه أو في زمان القضاء في غير مكانه و ذلك قبل أن يصل إلى البلد الذي ولي قضاؤه فإنه لا يجوز عند أبي حنيفة أصلا و عندهما يجوز فيما سوى الحدود الخالصة فأما في الحدود الخالصة فلا يجوز .
وجه قولهما : أنه لما جاز أن يقضي بالعلم السمتفاد في زمن القضاء جاز له أن يقضي بالعلم المستفاد قبل زمن القضاء لأن العلم في الحالين على حدثني واحد إلا أن ههنا استدام العلم كان له قبل القضاء يتجد أمثاله و هناك حدث له علم لم يكن و هما سواء في المعنى إلا أنه لم يقض به في حدود الخالصة لتمكن الشبهة فيه باعتبار التهمة و الشبهة تؤثر في الحدود الخالصة و لا تؤثر في حقوق العباد على ما مر .
و أبي حنيفة : الفرق بين العلمين و هو أن العلم الحادث له في زمن القضاء علم في وقت هو مكلف فيه بالقضاء فأشبه البيئة القائمة فيه و العلم الحاصل في غير زمان القضاء علم في وقت هو غير مكلف فيه بالقضاء فأشبه البينة القائمة فيه و هذا لأن الأصل في صحة القفضاء هو البينة إلا أن غيرها قد يلحق بها إذا كان في معناها و العلم الحادث في زمان القضاء في معنى البينة يكون حادثا في وقت و هو مكلف بالقضاء فكان في معنى البينة و الحاصل قبل زمان القضاء أو قبل الوصول إلى مكانه حاصل في وقت هو غير مكلف بالقضاء فلم يكن في معنى البينة فلم يجز القضاء به فهو الفرق بين العلمين .
و على هذا يخرج القضاء بكتاب القضاء فنقول : لقبول الكتاب من القاضي شرائط منها البينة على أنه كتابه فشهد الشهود علىأن هذا كتاب فلان القاضي و يذكرون اسمه و نسبه لأنه لا يعرف أنه كتابه بدونه و منها أن يكون الكتاب مختوما و يشهدوا على أن هذا ختمه لصيانته عن الخلل فيه و منها أن يشهدوا بما في الكتاب أن يقولوا : إن قرأه عليهم مع الشهادة بالختم و هذا قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله .
و قال أبي يوسف C : إذا شهدوا بالكتاب و الخاتم تقبل و إن لم يشهدوا بما في الكتاب و كذا إذا شهدوا بالكتاب و بما في خوفه تقبل و إن لم يشهدوا بالخاتم بأن قالو ا : لم يشهدنا على الخاتم أو لم يكن الكتاب مختوما أصلا لأبي يوسف : ان المقصود من هذه الشهادة حصول العلم للقاضي إليه بأن هذا كتاب فلان القاضي و هذا يحصل بما ذكرنا .
و لهما : أن العلم بأنه كتاب فلان لا يحصل إلا بالعلم بما فيه و لا بد من الشهادة بما فيه لتكون شهادتهم على علم بالمشهود به .
و منها : أن يكون بين القاضي المكتوب إليه و بين القاضي الكاتب مسيرة سفر فإن كان دونه لم تقبل لأن القضاء بكتاب القاضي أمر جوز لحاجة الناس بطريقة الرخصة لأنه قضاء بالشهادة القائمة على غائب من غير أن يكون عند خصم حاضر لكن جوز للضرورة و لا ضرورة فيما دون مسيرة السفر .
و منها : أن يكون في الدين و العين لا حاجة إلى الإشارة إليها عند الدعوى و الشهادة كالدور و العقار .
و أما في الأعيان التي تقع الحاجة إلى الإشارة إليها كالمنقول من الحيوان و المعروض لا تقبل عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله و هو قول أبي يوسف الأول C ثم رجع و قال : تقبل في العبد خاصة إذا أبق و أخذ في بلد فأقام صاحبه البينة عند قاضي بلده أن عبده أخذه فلأن في بلد كذا فشهد الشهود على الملك أو على صفة العبد و حليته فإنه يكتب إلى قاضي البلد الذي العبد فيه أنه قد شهد الشهود عندي أن عبدا صفته و حليته كذا و كذا ملك فلان بن فلان ينسب كل واحد منهما إلى أبيه و إلى جده على رسم كتاب القاضي إلى القاضي و إذا وصل إلى القاضي المكتوب إليه و علم أنه كتابه بشهادة يسلم العبد إليه و يختم في عنقه و يأخذ منه كفيلا ثم يبعث به إلى القاضي المكتوب إليه أول مرة فإذا علم أنه كتابه قبله و قضى و سلم العبد إلى الذي جاء بالكاتب و أبرأ كفيله و لا يقبل في الجارية بالإجماع .
وجه قول أبي يوسف C : أن الحاجة إلى قبول كتاب القاضي في العبد متحققة لعموم البلوى به فلم لم يقبل لضاق الأمر على الناس و لضاعت أموالهم و لا حاجة إليه في الأمة لأنها لا تهرب عادة لعجزها و ضعف بيتها و قلبها و لهما : أن الشهادة لا تقبل إلا على معلوم للآية الكريمة : { إلا من شهد بالحق و هم يعلمون } و المنقول لا يصير معلوما إلا بالإشارة و الإشارة إلى الغائب محال فلم تصح شهادة الشهود و لا دعوى المدعي لجهالة المدعى فلا يقبل الكتاب فيه و لهذا لم يقبل في الجارية و في سائر المنقولات بخلاف العقار لأنه يصير معلوما بالتحديد و بخلاف الدين لأن الدين يصير معلوما بالوصف .
و هذا الذي ذكرنا مذهب أصحابنا Bهم .
و قال ابن أبي ليلى C : يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الكل و قضاة زماننا يعلمون بمذهبه لحاجة الناس و ينبغي للقاضي المرسل إليه أن لا يفك الكتاب إلا بمحضر من الخصم ليكون أبعد من التهمة .
و منها : أن لا يكون في الحدود و القصاص لأن كتاب القاضي إلى القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة و أنه لا تقبل فيهما كذا هذا .
و منها : أن يكون المكتوب له و عليه و اسم أبيه وجده و فخذه مكتوبا في الكتاب حتى لو نسبه إلى أبيه و لم يذكر اسم جده او نسبة إلى قبيلة كبنى تميم و نحوه لا يقبل لأن التعريف لا يحصل به إلا و أن يكون شيئا ظاهرا مشهورا أشهر من القبيلة فيقبل لحصول التعريف .
و منها : ذكر الحدود في الدور و العقار لأن التعريف في الحدود لا يصح إلا بذكر الحد و لو ذكر في الكتاب ثلاثة حدود يقبل عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر C : لا يقبل ما لم يشهدوا على الحدود الأربعة و لو شهدوا على حدين لا تقبل بالإجماع إذا كانت الدار مشهورة كدار الأمير و غيره لا تقبل عند أبي حنيفة عليه الرحمة و عندهما تقبل و هذه من مسائل الشروط .
و منها : أن يكون القاضي الكاتب على قضائه عند وصول كتابه إلى القاضي المكتوب إليه و حتى لو مات أو عزل قبل الوصول إليه لم يعمل به و لو مات بعد وصول الكتاب إليه جاز له أن يقضي به .
و منها : أن يكون القاضي المكتوب إليه على قضائه حتى لو مات أو عزل قبل و صول الكتاب إليه ثم وصل إلى القاضي الذي و لي مكانه لم يعمل به لأنه لم يكتب إليه و الله تعالى أعلم .
و منها : ان يكون القاضي الكاتب من أهل العدل فإن كان من أهل العدل فإن من أهل البغي لم يعمل به قاضي أهل العدل بل يرده كتبا و غيظا لهم .
و منها : ان يكون الله سبحانه و تعالى خالصا لأن القضاء عبادة و العبادة إخلاص العمل بكليته الله D فلا يجوز قضاؤه لنفسه و لا لمن تقبل شهادته له لأن القضاء له قضاء لنفسه من وجه فلم يخلص لله سبحانه و تعالى و كذا إذا قضى في حادثة برشوة لا ينفذ قضاؤه في تلك الحادثة و إن قضى بالحق الثابت عند الله D و علا من حكم الحادثة لأنه إذا أخذ على القضاء رشوة فقد قضى لنفسه لا لله عز اسمه فلم يصح .
و أما الذي يرجع إلى المقضي له فأنواع : .
منها : أن يكون ممن تقبل شهادته للقاضي فإن كان ممن لا تقبل شهادته له لا يجوز قضاء القاضي له لما قلنا و الله تعالى الموفق .
و منها : أن يكون حاضرا وقت القضاء فإن كان غائبا لم يجز القضاء له إلا إذا كان عنه خصم حاضر لأن القضاء على الغائب كما لا يجوز فالقضاء للغائب أيضا لا يجوز .
و منها : طلب القضاء من القاضي في حقوق العباد لأن القضاء و سيلة إلى حقه فكان حقه و حق الإنسان لا يستوفى إلا بطلبه .
و أما الذي يرجع إلى المقضي عليه فحضرته حتى لا يجوز القضاء على الغائب إذا لم يكن عنه خصم حاضر و هذا عندنا و عند الشافعي C ليس بشرط و المسألة ذكرت في كتاب الدعوى و الله سبحانه و تعالى أعلم