وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

العدد في الشهود في حد الزنا .
و منها : عدد الأربع في الشهور في حد الزنا لقوله عز اسمه : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } و قوله سبحانه و الله تعالى : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } و قوله تبارك و الله تعالى : { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء } و لأن الشهادة أحد نوعي الحجة فيعتبر بالنوع الآخر و هو الإقرار و هناك عدد الأربع شرط كذا ههنا بخلاف سائر الحدود فإن عدد الأقارير الأربع لم يشترط فيها فكذا عدد الأربع من الشهود و لأن اشتراط عدد الأربع في الشهود و لأن اشتراط عدد الأربع في الشهادة يثبت معدولا به عن القياس بالنص و النص ورد في الزنا خاصة فإن شهد على الزنا أقل من أربعة لم تقبل شهادتهم لنقصان العدد المشروط و هل يحدون حد القذف ؟ قال أصحابنا يحدون .
و قال الشافعي C : إذا جاءوا مجيء الشهود لم يحدوا على هذا شهد ثلاثة و قال الرابع رأيتهما في لحاف واحد و لم يزد عليه أنه يحد الثلاثة عندنا و لا حد على الرابع لأنه لم يقذف إلا إذا كان قال في الابتداء : أشهد أنه قد زنى ثم فسر الزنا بما ذكر فحينئذ يحد .
و جه قول الشافعي C : أنهم إذا جاءوا مجيء الشهود كان قصدهم إقامة الشهادة حسبة لله تعالى لا القذف فلم يكن جناية فلم يكن قذفا .
و لنا : ما روى أن ثلاثة شهدوا على مغيرة بالزنا فقام الرابع و قال : رأيت أقداما بادية و نفسا عاليا و أمرا منكرا و لا أعلم ما وراء ذلك فقال سيدنا عمر Bه : الحمد لله الذي لم يفضح رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم و حد الثلاثة و كان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام Bهم و لم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إجماعا و لأن الموجود من الشهود كلام قذف حقيقة إذ القذف هو النسبة إلى الزنا و قد و جد من الشهود حقيقة فيدخلون تحت آية القذف إلا أنا اعتبرنا تمام عدد الأربع إذا جاءوا مجيء الشهود فقد قصدوا إقامة الحسبة واجبا حقا لله تعالى فخرج كلامهم عن كونه قذفا و صار شهادة شرعا فعند النقصان بقي قذفا حقيقة فيوجب الحد .
و لو شهد ثلاتة على الزنا و شهد رابع على شهادة غيره تحد الثلاثة لأن شهادتهم صارت قذفا لنقصان العدد و لا حد على الرابع لأنه لم يقذف بل حكى قذف غيره و لو علم أن أحد الأربع عبد أو مكاتب أو صبي أو أعمى أو محدود في قذف حدوا جميعا لأن الصبي و العبد ليست لهما أهلية الشهادة أصلا و رأسا فانتقض العدد فصار كلامهم قذفا و الأعمى و المحدود في القذف ليست لهم أهلية الشهادة أو إن كانت لهم أهلية الشهادة تحملا و سماعا فقصرت أهليتها للشهادة فانتقص العدد فصار كلامهم قذفا و سواء علم ذلك قبل القضاء أو بعد القضاء قبل الإمضاء و إن علم ذلك بعد الإمضاء فإن كان الحد جلدا فكذلك يحدون ولا يضمنون أرش الضرب في قول أبي حنيفة و عندهما يجب في بيت المال على ما ذكرنا في كتاب الرجوع عن الشهادات و إن كان رجما لا يحدون لأنه تبين أن كلامهم و قع قذفا و من قذف حيا ثم مات المقذوف سقط الحد و يكون الدية في بيت المال لأن الخطأ حصل من القاضي و خطأ القاضي على بيت المال لأنه عامل لعامة المسلمين و بيت المال مال المسلمين .
و لو شهد الزوج و ثلاثة نفر حد الثلاثة و لا عن الزوج امرأته لأن قذف الزوج يوجب اللعان لا الحد فانتقض العدد في حق الباقين فصار كلامهم قذفا فيحدون حد القذف .
و لو علم أن الشهود الأربعة عبيد أو كفار أو محدودين في قذف أو عميان يحدون حد القذف و إن علم أنهم فساق لا يحدون و الفرق ما ذكرنا أن العبد و الكافر لا شهادة لهما أصلا و الأعمى و المحدود في القذف لهما شهادة سماعا و تحملا لا أداء فكان كلامهم قذفا و الفاسق له شهادة على أصل أصحابنا سماعا و إذا كان كلام الفاسق شهادة لا قذفا فلا قذفا فلا يحدون حد القذف و الله الله تعالى أعلم .
و لو ادعى المشهود عليه أن أحد الشهود الربعة عبد فالقول قوله حتى يقيم البينة أنه حر لما روي عن سيدنا عمر Bه أنه قال : الناس أحرار إلا في أربع : الشهادة و القصاص و العقل و الحدود و المعنى فيه ماذكرنا في غير موضع .
و منها : اتحاد المجلس و هو أن يكون الشهود مجتمعين في محلس واحد عند أداء الشهادة فإن جاءوا متفرقين يشهدون و احدا بعد واحد لا تقبل شهادتهم و يحدون و إن كثروا لما ذكرنا أن كلاهم قذف حقيقة و إنما يخرج عن كونه قذفا شرعا بشرط أن يكونوا مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة فإذا انعدمت هذه الشريطة بقي قذفا فيوجب الحد حتى لو جاءوا مجتمعين أو متفرقين و قعدوا في موضع الشهود في ناحية من المسجد ثم جاءوا واحدا بعد واحد و شهدوا جازت شهادتهم لوجود اجتماعهم في مجلس واحد و قت الشهادة إذ المسجد كله مجلس واحد و إن كانوا خارجين من المسجد فجاء واحد منهم و دخل المسجد و شهد ثم جاء الثاني و الثالث و الرابع يضربون الحد و إن كانوا مثل ربيعة و مضر هكذا روي عن سيدنا عمر Bه أنه قال : لو جاء ربيعة و مضر فرادى لحددتهم عن آخرهم و إنما قال ذلك بمحضر من الصحابة Bهم و لم ينقل أنه أنكر عليه أحد منهم فيكون إجماعا منهم و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و منها : أن يكون المشهود عليه بالزنا ممن يتصور منه الوطء فإن كان ممن لا يتصور منه كالمجبوب لا تقبل شهادتهم و يحدون حد القذف و لو كان المشهود عليه خصيا أو عنينا قبلت شهادتهم و يحد لتصور الزنا منهما لقيام الآلة بخلاف المجبوب .
و منها : أن يكون المشهود عليه بالزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة فإن كان ممن لا يقدر كالأخرس لا تقبل شهادتهم لأن من الجائز أنه لو كان قادرا لادعى شبهة و لو كان المشهود عليه بالزنا أعمى قبلت شهادتهم لأن الأعمى قادر على دعوى الشبهة لو كانت عنده شبهة و لو شهدوا بالزنا ثم قالوا : تعمدنا النظر إلى فرجها لا تقبل شهادتهم لأن أداء الشهادة لا بد له من التحمل و لا بد للتحمل من النظر إلى عين الفرج و يباح لهم الزظر إليها لقصد الحسبة كما يباح للطبيب لقصد المعالجة و لو قالوا : نظرنا مكررا بطلت شهادتهم لأنه سقطت عدالتهم و الله تعالى أعلم .
و منها : اتحاد المشهود و هو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد فإن اختلفوا لا تقبل شهادتهم .
و على هذا يخرج ما إذا شهد اثنان أنه زنى في مكان كذا و شهد آخران أنه زنى في مكان آخر و المكانان متباينان بحيث يمتنع أن يقع فيها فعل واحد عادة كالبلدين و الدارين و البيتين لا تقبل شهادتهم و لا حد على المشهود عليه لأنهم شهدوا بفعلين مختلفين لا ختلاف المكانين و ليس على أحدهما شهادة الأربع و لا حد على الشهود أيضا أصحابنا و عند زفر يحدون .
وجه قوله : أن عدد الشهود قد انتقص لأن كل فريق شهد بفعل غير الذي شهد به الفريق الآخر و نقصان عدد الشهود يوجب صيرورة الشهادة قذفا كما لو شهد ثلاثة بالزنا .
و لنا : أن المشهود به لم يختلف عند الشهود لأن عندهم أن هذا زنا واحد و إنما وقع اختلافهم في المكان فثبت بشهادتهم شبهة اتحاد الفعل فيسقط الحد و على هذا إذا اختلفوا في الزمان فشهد اثنان أنه زنى بها في يوم كذا و اثنان في يوم آخر و لو شهد اثنان أنه زنى في هذه الزاوية في بيت و شهد اثنان أنه زنى في هذه الزاوية الأخرى منه يحد المشهود عليه لجواز أن ابتداء الفعل وقع في هذه الزاوية من البيت وانتهاؤه في زاوية أخرى منه لانتقالهما منه و اضطرابهما فلم يختلف المشهود به فتقبل شهادتهم حتى لو كان البيت كبيرا لا تقيل لأنه يكون بمنزلة البيتين و لو شهد أربعة بالزنا بامرأة فشهد اثنان أنه استكرهما واثنان أنها طاوعته لا حد على المرأة بالإجماع لأن الحد لا يجب إلا بالزنا طوعا و لم تثبت الطواعية في حقها .
و أما الرجل فلا حد عليه أيضا عند أبي حنيفة C و عندهما يحد و جه قولهما : أن زنا الرجل عن طوع ثبت بشهادة الأربع إلا أنه تفرد اثنان منهم بإثبات زيادة الإكراه منه و أنه لا يمنع و جوب الحد كما لو زنا مستكرهه و لأبي حنيفة عليه الرحمة : أن المشهود قد اختلف لأن فعل المكره غير فعل من ليس بمكره فقد شهدوا بفعلين مختلفين و ليس على أحدهما شهادة الأربع فلا يحد المشهود عليه و لا الشهود عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر و قد مر الكلام فيه في اختلافهم في المكان و الزمان و الله تعالى أعلم .
ثم الشهود إذا استجمعوا شرائط صحة الشهادة و شهدوا عند القاضي سألهم القاضي عن الزنا ما هو ؟ و كيق هو ؟ و متى زنا ؟ و أين زنا ؟ و بمن زنا ؟ أما السؤال عن ماهية الزنا فلأنه يحتمل أنهم أرادوا به غير الزنا المعروف لأن اسم الزنا يقع على أنواع لا توجب الحد قال E : [ العينان تزنيان و اليدان تزنيان و الرجلان تزنيان و الفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه ] .
و أماالسؤال عن الكيفية فلأنه يحتمل أنهم أرادوا به الجماع فيما دون الفرج لأن ذلك يسمى جماعا حقيقة أو مجازا فإنه يوجب الحد .
و أما السؤال عن الزمان فلأنه يحتمل أنهم شهدوا بزنا متقادم و المتقادم يمنع قبول الشهادة بالزنا .
و أما السؤال عن المكان فلأنه يحتمل أنه زنا في دار الحرب أو دار البغي و أنه لا يوجب الحد .
و أما السؤال عن المزني بها فلأنه يحتمل أن تكون الموطوءة ممن لا يجب الحد بوطئها كجارية الابن و غير ذلك فإن سألهم القاضي عن هذه الجملة فوصفوا سأل المشهود عليه أهو محصن أم لا ؟ فإن أنكر الإحصان و شهد على الإحصان رجلان أو رجل و امرأتان على الاختلاف سأل الشهود عن الإحصان ما هو لأنه له شرائط يجوز أن تخفى على الشهود فإذا و ضعوا قضي بالرجم و لو شهدت بينه الإحصان أنه جامعها أو باضعها صار محصنا لأن هذه اللفظ في العرف مستعمل في الوطء في الفرج و لو شهدوا أنه دخل بها صار محصنا و هذا و قوله جامعها سواء في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله و قال محمد C لا يصير محصنا .
وجه قوله : أن هذا اللفظ يستعمل في الوطء و يستعمل في الزفاف فلا يثبت الإحصان مع الاحتمال و لهما أن الدخول بالمرأة في عرف اللغة و الشرع يراد به الوطء قال الله تعالى عز شأنه : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } حرم سبحانه وتعالى الربيبة بشرط الدخول بأمها فعلم أن المراد من الدخول هو الوطء لأنها تحرم بمجرد نكاح الأم من غير وطء و ذكر القاضي في شرحه الاختلاف على القلب فقال : على قول أبي حنيفة C لا يصير محصنا مالم يصرح بالوطء و على قول محمد C يصير محصنا و لو شهدوا على الدخول و كان منها ولد هو محصن بالإجماع و كفى بالولد شاهدا و الله تعالى أعلم .
و أما شرائط الإقرار بالحد فمنها ما يعم الحدود كلها و منها ما يخص البعض دون البعض أما الذي يعم الحدود كلها فمنها البلوغ فلا يصح إقرار الصبي في شيء من الحدود لأن سبب و جوب الحد لا بد و إن يكون جناية و فعل الصبي لا يوصف بكونه جناية فكان إقراره كذبا محضا و منها النطق و هو أن يكون الإقرار بالخطاب و العبارة دون الكتاب و الإشارة حتى إن الأخرس لو كتب الإقرار في كتاب أو أشار إليه إشارة معلومة لا حد عليه لأن الشرع علق و جوب الحد بالبيان المتناهي ألا ترى أنه لو أقر بالوطء الحرام لا يقام عليه الحد مالم يصرح بالزنا و البيان لا يتناهى إلا بالصريح و الكتابة و الإشارة بمنزلة الكتابة فلا يوجب الحد .
و أما البصر فليس بشرط لصحة الإقرار فيصح إقرار الأعمى في الحدود كلها كالبصير لأن الأعمى لا يمنع مباشرة سبب وجوبها .
و كذا الحرية و الإسلام و الذكورة ليست بشرط حتى يصح إقرار الرقيق و الذمي و المرأة في جميع الحدود .
و عند زفر C لا يصح إقرار العبد بشيء من أسباب الحدود من غير تصديق المولى و الكلام في التصديق على نحو ما ذكرنا في كتاب السرقة و الله سبحانه و الله تعالى أعلم .
و أما الذي يخص البعض دون البعض فمنها عدد الأربع في حد الزنا خاصة و هو أن يقر أربع مرات و هذا عندنا و عند الشافعي عليه الرحمة : ليس بشرط و يكتفي بإقرار مرة واحدة .
وجه قوله : أن الإقرار إنما صار حجة في الشرع لرجحان جانب الصدق فيه على جانب الكذب و هذا المعنى عند التكرار و التوحيد سواء لأن الإقرار إخبار و الخبر لا يزيد رجحانا بالتكرار و لهذا لم يشترط في سائر الحدود بخلاف عدد المثني في الشهادة لأن ذلك يوجب زيادة ظن عليه فيها إلا أن شرط العدد الأربع في باب الزنا تعبدا فيقتصر على موضع التعبد .
و لنا : أن القياس ماقاله إلا أنا تركنا القياس بالنص و هو ما روي : أن ماعزا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم [ فأقر بالزنا فأعرض عنه عليه الصلاة و السلام بوجهه الكريم هكذا إلى أربع ] فلو كان الإقرار مرة مظهرا للحد لما أخره رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أربع لأن الحد بعد ما ظهر و جوبه الإمام لا يحتمل التأخير و أما العدد في الإقرار بالقذف فليس بشرط بالإجماع و هل يشترط في الإقرار بالسرقة و الشرب و السكر قال أبي حنيفة C : ليس بشرط و قال أبي يوسف C : إن كل ما يسقط بالرجوع فعدد الإقرار فيه كعدد الشهود .
و ذكر الفقيه أبوالليث C : أن عند أبي يوسف يشترط الإقرار مرتين في مكانين .
وجه قوله : أن حد السرقة و الشرب و السكر خالص حق الله تعالى كحد الزنا فتلزم مراعاة الاحتياط فيه باشتراط العدد كما في الزنا إلا أنه يكتفي ههنا بالمرتين و يشترط الأربع هناك استدلالا بالبينة لأن السرقة و الشرب كل واحد منهما يثبت بنصف ما يثبت به الزنا و هو شهادة شاهدين فكذلك الإقرار لهما : أن الأصل أن لا يشترط التكرار في الإقرار لما ذكرنا أنه إخبار و المخبر لا يزداد بتكرار الخبر و إنما عرفنا عدد الأربع في باب الزنا بنص غير معقول المعنى فيقتصر على مورد النص .
و منها : عدد المجالس فيه وهو أن يقر أربع مجالس .
واختلف المشايخ في أنه يعتبر مجالس القاضي أو مجالس المقر ؟ و الصحيح أنه يعتبر مجالس المقر .
و هكذا روي عن أبي حنيفة أنه يعتبر مجالس المقر لأنه E : [ اعتبر اختلاف مجالس ماعز حيث كان يخرج من المسجد في كل مرة ثم يعود و مجلسه E لم يختلف ] و قد روي عن أبي حنيفة في تفسير اختلاف مجالس المقر هو أن يقر مرة ثم يذهب حتى يتوارى عن بصر القاضي ثم يجيء فيقر ثم يذهب هكذا أربع مرات .
و منها : أن يكون إقراره بين يدي الإمام فإن كان عند غيره لم يجز إقراره لأن إقرار ماعز كان عند رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لو أقر في غير مجلس القاضي و شهد الشهود على إقرار لا تقبل شهادتهم لأنه إن كان مقرا فالشاهدة لغو لأن الحكم للإقرار لا للشهادة و إن كان منكرا فاإنكار منه رجوع عن الإقرار في الحدود الخالصة حقا لله D صحيح و الله سبحانه و الله تعالى أعلم .
و منها : الصحة في الإقرار بالزنا و السرقة و الشرب و السكر حتى لو كان سكران لا يصح إقراره أما على أصل أبي حنيفة C فلأن السكران من صار بالشرب إلى حال لا يعقل قليلا و لا كثيرا فكان عقله زائلا مستورا حقيقة و أما على أصلهما فلأنه إذا غلب الهذيان على كلامه فقد ذهبت منفعة العقل و لهذا لم تصح ردته فيورث ذلك شبهة في وجوب الحد و ليس بشرط في الإقرار بالحدود و القصاص لأن القصاص خالص حق العبد و للعبد حق القذف فيصح مع السكر كالإقرار بالمال و سائر التصرفات و إذا صحا فإن دام على إقرار تقام عليه الحدود كلها و إن أنكر فالإنكار منه رجوع فيصح الحدود الخاصة و هو حد الزنا و الشرب و السرقة في حد القطع و لا يصح في القذف و القتل العمد و الله تعالى أعلم .
و منها : أن يكون الإقرار بالزنا ممن يتصور و جود الزنا منه فإن كان لا يتصور كالمجبوب لم يصح إقراره لأن الزنا لا يتصور منه لانعدام الآلة و يصح إقرار الخصي و العينين لتصور الزنا منهما لتحقق الآلة و الذي يجن و يفيق إذا أقر في حال إفاقته فهو مثل الصحيح لأنه في حال إفاقته صحيح .
و منها : أن يكون المزني به في الإقرار بالزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة فإن لم يكن بأن أقر رجل أنه زنى بامرأة خرساء أو أقرتامرأة أنها زنت بأخرس لم يصح إقراره لأن من الجائز أن لو كان يقدر على النطق لا دعى النكاح أو أنكر الزنا و لم يدع شيئا فيندرىء عنه الحد لما ذكر في موضعه إن شاء الله تعالى .
و أما حضرة المزني بها في الإقرار يالزنا و الشهادة عليه فليست بشرط حتى لو أقر أنه زنى بامرأة غائبة أو شهد عليه الشهود بالزنا بامرأة غائبة صح الإقرار و قبلت الشهادة و يقام الحد على الرجل لأن الغائب بالغيبة ليس إلا الدعوى و أنها ليست بشرط و لهذا رجم ماعز من غير شرط حضور تلك المرأة و كذلك العلم بالزني بها ثم إذا صح إقراره بالزنا بامرأة غائبة يعرفها فحضرت المرأة فلا يخلو إما إن حضرت قبل إقامة الحد على الرجل و إما إن حضرت بعد الإقامة فإن حضرت بعد الإقامة فإن أقرت بمثل ما أقر به الرجل تحد أيضا كما حد الرجل و إن أنكرت و ادعت على الرجل حد القذف لا يحد الرجل حد القذف لأنه لا يجب عليه حدان و قد أقيم أحدهما فلا يقام الآخر و إن حضرت قبل إقامة الحد على الرجل فإن أنكرت الزنا و ادعت النكاح أو لم تدعو داعت حد القذف على الرجل أو لم تدع فحكمة نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى و العلم بالمزني بها ليس بشرط لصحة الإقرار حتى لو قال : زنيت بامرأة و لا أعرفها صح إقراره و يحد و العلم بالمشهود به شرط صحة الشهادة حتى لو شهد الشهود على رجل أنه زنى بامرأة و قالوا : لا نعرفها لا تقبل شهادتهم و لا يقام الحد على المشهود عليه .
و الفرق : أن المقر في الإقرار على نفسه يبني الأمر على حقيقة الحال خصوصا في الزنا فكان إقراره إخبارا عن و جود الزنا منه حقيقة إلا أنه لم يعرف اسم المرأة و نسبها و ذا لا يورث شبهة فأما الشاهد فإنه بشهادته بنى الأمر على الظاهر لا على الحقيقة لقصور علمه عن الوصول إلى الحقيقة فقولهم لا نعرف تلك المرأة يورث شبهة لجواز أنها امرأته أو امرأة له فيها شبهة حل أو ملك فهو الفرق و الله تعالى أعلم .
و أما عدم التقادم فهل هو شرط لصحة الإقرار بالحد ؟ أما في حد القذف فليس بشرط لأنه ليس بشرط لقبول الشهادة فأولى أن لا يكون شرطا لصحة الإقرار و كذلك في حد الزنا عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر C كما في الشهادة .
و لنا : الفرق بين الإقرار و الشهادة و هو أن المانع في الشهادة تمكن التهمة و الضغينة و هذا لا يوجد في الإقرار لأن الإنسان غير متهم في الإقرار على نفسه و كذا في حد السرقة لما قلنا و أما في حد الشرب فشرط عندهما و عند محمد C : ليس بشرط بناء على أن قيام الرائحة شرط صحة الإقرار و الشهادة عندهما و لهذا لا يبقى مع التقادم و عنده ليس بشرط و لو لم يتقادم العهد و لكن ريحها لا يوجد منه لم يصح الإقرار عندهما خلافا له .
وجه قول محمد C : أن حد الشرب ليس بمنصوص عليه في الكتاب و السنة و إنما عرف بإجتماع الصحابة و إجتماعهم لا ينعقد بدون عبد الله بن مسعود Bه و لم تثبت فتواه عند زوال الرائحة فإنه روى أن رجلا جاء بابن أخ .
له إلى عبد الله بن مسعود Bه فاعترف عنده بشرب الخمر فقال له عبد الله : بئس و لي اليتيم أنت لا أدبته صغيرا و لا سترت عليه كبيرا ثم قال Bه : تلتلوه و مزمزوه واستنكهوه فإن و جدتم رائحة الخمر فاجلدوه و أفتى Bه بالحد عند و جود الرائحة و لم يثبت فتواه عند عدمها و إذا لم يثبت فلا ينعقد الإجتماع بدونه لأن وجوبه بالإجماع و لا إجماع ثم إنما تعتبر الرائحة إذا لم يكن سكران فاما إذا كان سكران فلا لأن السكر أدل على الشرب من الرائحة و لذلك لو جيء به من مكان بعيد لا تبقى الرائحة بالمجيء من مثله عادة يحد و إن لم توجد الرائحة للحال لأن هذا موضع العذر فلا يعتبر قيام الرائحة فيه و الله الله تعالى أعلم .
و إذا أقر إنسان بالزنا عند القاضي ينبغي أن يظهر الكراهة أو يطرده و كذا في المرة الثانية والثالثة هكذا فعل E بماعز .
و كذا روى عن سيدنا عمر Bه أنه قال : اطردوا المعترفين أي : بالزنا فإذا أقر أربعا نظر في حاله أهو صحيج العقل أم به آفة هكذا قال E لماعز : أبك خيل أم بك جنون و بعث إلى قومه فسألهم عن حاله فإذا عرف أنه صحيح العقل سأله عن ماهية الزنا و عن كيفية و عن مكانه و عن المزني بها لما ذكرنا في الشهادة و لا يسأله عن الزمان لأن السؤال عن الزمان لمكان احتمال التقادم و التقادم في الإقرار و إنما يقدح في الشهادة و يجوز أن يسأل عن الزمان أيضا لا حتمال أنه زنى في حال الصغر فإذا بين ذلك كله سأله عن حالة أهو محصن أم لا ؟ لأن حكم الزنا يختلف بالإحصان و عدمه فإن قال : أنا محصن سأله عن ماهية الإحصان أنه ماهو لأنه عبارة عن اجتماع شرائط لا يقدر عليها كل أحد فإذا بين رجمه .
وأما علم القاضي فلا يظهر به حد الزنا و الشرب و السكر و السرقة حتى لا يقضي بشيء من ذلك بعلمه لكنه يقضي بالمال في السرقة لأن القاضي يقضي بعلمه في الأموال سواء علم بذلك قبل زمان القضاء و مكانه أو بعدهما بلا خلاف بين أصحابنا و سواء علم بذلك معاينة بأن رأى إنسانا يزني و يشرب و يسرق أو بسماع الإقرار به غير مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس فإن كان إقراره في مجلس القضاء لزمه موجب إقراره إذ لو لم يقبل إقراره لا حتاج القاضي إلى أن يكون معه جماعة على الإقرار في كل حادثة و إجماع الأمة بخلافه و الله تعالى أعلم .
و يظهر به حد القذف في زمان القضاء و مكانه كالقصاص و سائر الحقوق و الأموال بلا خلاف بين أصحابنا و إنما اختلفوا في ظهور ذلك بعلمه في غير زمان القضاء و مكانه و قد ذكرنا جملة ذلك بدلائله في كتاب آداب القاضي و لا يظهر حد .
السرقة بالنكول لكنه يقضي بالمال لأن النكول إما بدل و إما إقرار فيه شبهة العدم و الحد لا يحتمل البدل و لا يثبت بالشبهة و المال يحتمل البدل و الثبوت بالشبهة .
و أما الخصومة فهل هي شرط ثبوت الحد بالشهادة و الإقرار ؟ فلا خلاف في أنها ليست بشرط في حد الزنا و الشرب لأنه خالص حق الله D و الخصومة ليست بشرط في الحدود الخالصة لله تعالى لأنهاتقام حسبه لله تعالى فلا يتوفق ظهورها على دعوى العبد و لا خلاف في حد السرقة أن الخصومة فيها شرط الظهور بالشهادة لأن حد السرقة و إن كان حق الله تعالى خالصا لكن هذا الحق لا يثبت إلا بعد كون المسروق ملكا للمسروق منه و لا يظهر ذلك إلا بالخصومة و في كونها شرط الظهور بالإقرار خلاف ذكرناه في كتاب السرقة و لا خلاف أيضا في أنها شرط الظهور بالشهادة على القذف و الإقرار به أما على أصل الشافعي C : فلأنه خالص حق العبد فيشترط فيه الدعوى كما في سائر حقوق العباد و عندما حق الله تعالى عز شأنه و إن كان هو المغلب فيه لكن للعبد فيه حق لأنه ينتفع به بصيانة عرضه عن الهتك فيشترط فيه الدعوى عن هذه الجهة .
و إذا عرف أن الخصومة في حد القذف شرط كون النية و الإقرار مظهرين فيه فيقع الكلام في موضعين : .
أحدهما : في بيان الحكام التي تتعلق بالدعوى و الخصومة و الثاني : في بيان من يملك الخصومة و من لا يملكها أما الأول فنقول و لا قوة إلا بالله تعالى : الأفضل للمقذوف أن يترك الخصومة لأن فيها إشاعة الفاحشة و هو مندوب إلى تركها و كذا العفو عن الخصومة و المطالبة التي هي حقها من باب الفضل و الكرامة و قد قال الله تعالى : { و أن تعفوا أقرب للتقوى } و قال سبحانه و تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } .
و إذا رفع إلى القاضي يستحسن للقاضي أن يقول قبل الإتيان بالبينة : أعرض عن هذا لأنه ندب إلى الستر و العفو و كل ذلك حسن فإذا لم يترك الخصومة و ادعى القذف على القاذف فأنكر و لا بينة للمدعي فأراد استحلافه بالله تعالى ما قذفه هل يحلف ؟ .
ذكر الكرخي عليه الرحمة أنه لا يحلف عند أصحابنا خلافا للشافعي C تعالى و ذكر في أدب القاضي : أنه يحلف في ظاهر الرواية عندهم و إذا نكل يقضي عليه بالحد و قال بعضهم يحتمل أن يحلف فإذا نكل يقضي عليه بالتعزير لا بالحد و هذه الأقاويل ترجع إلى أصل و هو أن عند الشافعي C حد القذف خالص حق العبد فيجري فيه الاستحلاف كما في سائر حقوق العباد وأما على أصل أصحابنا ففيه حق الله تعالى D و حق العبد فمن قال منهم : إنه يحلف و يقضي بالحد عند النكول اعتبر ما فيه من حق العبد فألحقه في التحليف بالتعزير و من قال منهم : إنه لا يحلف أصلا اعتبر حق الله سبحانه و تعالى فيه لأنه المغلب فألحقه بسائر حقوق الله سبحانه و الله تعالى الخالصة و الجامع أن المقصود من الاستحلاف هو النكول و أنه على أصل أبي حنيفة عليه الرحمة بدل و الحد لا يحتمل البدل و على أصلهما إقرار فيه شبهة العدم لأنه ليس بصريح إقرار بل هو إقرار بطريق السكوت فكان فيه شبهة العدم و الحد لا يثبت بدليل فيه شبهة العدم .
و من قال منهم : إنه يحلف و يقضي عليه بالتعزير عند النكول دون الحد اعتبر حق العبد فيه الاستحلاف كالتعزير و اعتبر حق الله سبحانه و الله تعالى للمنع من إقامة الحد عند النكول كسائر الحدود و مثل هذا جائز كحد السرقة إنه يجري فيه الاستحلاف و لا يقضي عند النكول بالحد و لكن يقضي بالمال و كما قال أبي يوسف و محمد عليهما الرحمة في القصاص في الطرف و النفس : إنه يحلف و عند النكول لا يقضي بالقصاص بل بالدية على ما عرف .
و إن قال المدعي : لي بينة حاضرة في المصر على قذفه يحبس المدعى عليه القذف إلى قيام الحاكم من مجلسه و المراد من الحبس الملازمة أي يقال للمدعي : لازمه إلى هذا الوقت فإن أحضر البينة فيه و إلا خلي سبيله و لا يؤخذ منه كفيل بنفسه .
هذا قول أبي حنيفة C و عندهما : يؤخذ منه الكفيل و هذا بناء على أن الكفالة في الحدود غير جائزة عند أبي حنيفة C حيث قال في الكتاب : و لا كفالة في حد و لا قصاص و عندهما يكفل ثلاثة أيام .
و ذكر الجصاص في تفسير قول أبي حنيفة Bه أن معناه لا يؤخذ الكفيل في الحدود و القصاص جبرا فأما إذا بذل من نفسه و أعطى الكفيل فهو جائز بالإجتماع و ظاهر إطلاق الكتاب يدل على عدم الجواز عنده لأن كلمة النفي إذا دخلت على الأفعال الشرعية يراد بها نفي الجواز من الأصل كما في قوله E : [ لا صلاة إلا بطهور و لا نكاح إلا بشهود ] و نحو ذلك .
وجه قولهما : أن الحبس جائز في الحدود فالكفالة أولى لأن معنى الوثيقة في الحبس أبلغ منه في الكفالة فلما جاز الحبس فالكفالة أحق بالجواز و لأبي حنيفة C : أن الكفالة شرعت للاستيثاق و الحدود مبناها على الدرء و الإسقاط قال E [ ادرءوا الحدود ما استطعتم ] فلا يناسبها الاستيثاق بالكفالة بخلاف الحبس فإن الحبس للتهمة مشروع روى أنه E : [ حبس رجلا بالتهمة ] و قد ثبتت التهمة في هذه المسألة بقوله لي بينة حاضرة في المصر فجاز الحبس فإذا أقام المدعي شاهدين لا يعرفهما القاضي أي : لم تظهر عدالتهما بعد الحبس فلا خلاف و لا يؤخذ منه كفيل و إن أقام شاهدا واحدا عدلا حبس عند أبي حنيفة C و عندهما : لا يحبس و يؤخذ منه كفيل .
وجه قولهما : أن الحق لا يظهر بقول الواحد و إن كان عدلا فالحبس من أين ؟ بخلاف الشاهدين فإن سبب ظهور الحق قد وجد و هو كمال عدد الحجة إلا أن توقف الظهور لتوقف ظهور العدالة فثبتت الشبهة فيحبس .
وجه قول أبي حنيفة C : أن قول الشاهد الواحد و إن كان لا يوجب الحق فإنه يوجب التهمة و حبس المتهم جائز .
و لو قال المدعي : لا بينه لي أو بينتي غائبة أو خارج المصر لا يحبس بالإجماع لعدم التهمة فإن قامت البينة للمقذوف على القذف أو أقر القاذف به فإن القاضي يقول له : أقم البينة على صحة قذفك فإن أقام أربعة من الشهود على معاينة الزنا من المقذوف أو على إقراره بالزنا سقط الحد عن القاذف و يقام حد الزنا على المقذوف و إن عجز عن إقامة البينة يقيم حد القذف على القاذف لقوله الله تعالى : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } و إن طلب التأجيل من القاضي و قال : شهودي غيب أو خارج المصر لم يؤجله و لو قال : شهودي في المصر أجله إلى آخر المجلس و لازمه المقذوف و يقال له : ابعث أحدا إلى شهودك فأحضرهم و لا يؤخذ منه كفيل بنفسه في قول أبي حنيفة Bه و عندهما يؤجل يومين أو ثلاثة و يؤخذ منه الكفيل .
وجه قولهما : أنه يحتمل أن يكون صادقا في إخباره أن له بينة في المصر و ربما لا يمكنه الإحضار في ذلك الوقت فيحتاج إلى التاخير إلى المجلس الثاني وأخذ الكفيل لئلا يفوت حقه عسى و لأبي حنيفة C : أن التأجيل إلى آخر المجلس الثاني منعا من استيفاء الحد بعد ظهوره و هذا لا يجوز بخلاف التأخير إلى آخر المجلس لأن ذلك القدر لا يعد تأجيلا ولا منعا من استيفاء الحد بعد ظهوره و روى عن محمد C أنه إذا ادعى أن له بينة حاضرة في المصر و لم يجد أحدا يبعثه إلى الشهود فإن القاضي يبعث معه من الشرط من يحفظه و لا يتركه حتى يقر فإن لم يجد ضرب الحد .
ولو ضرب بعض الحد ثم أقام القاذف البينة على صدق مقالته قبلت بينته و سقطت بينة الجلدات و لا تبطل شهادته و يقام حد .
الزنا على المقذوف كما لو أقامها قبل أن يضرب الحد أصلا و لو ضرب الحد بتمامه ثم أقام البينة على زنا المقذوف قبلت بينته و يظهر أثر القبول في جواز شهادة القاذف و أن لا يصير مردود الشهادة لأنه تبين أنه لم يكن محدودا في القذف حقيقة حيث تبين أن المقذوف لم يكن محصنا لأن من شرائط الإحصان العفة عن الزنا و قد ظهر زناه بشهادة الشهود فلم يصر القاذف مردود الشهادة و لا يظهر أثر قبول هذه الشهادة في إقامة حد الزنا على المقذوف لأن معنى القذف قد تقرر بإقامة الحد على القاذف .
و لو قذف رجلا فقال : ياابن الزانية ثم ادعى القاذف أن أم المقذوف أمه أو نصرانية و المقذوف يقول هي حرة مسلمة فالقول قول القاذف و على المقذوف إقامة البينة على الحرية و الإسلام .
و كذلك لو قذف إنسانا في نفسه ثم ادعى القاذف أن المقذوف عبد فالقول قول القاذف و كذلك لو قال القاذف : أنا عبد و علي حد العبد و قال المقذوف : أنت حر فالقول قول القاذف لأن الظاهر و إن كان هو الحرية و الإسلام لأن دار الإسلام دار الأحرار لكن الظاهر لا يصلح للإلزام على الغير فلا بد من الإتيان بالبينة .
و روى عن أبي يوسف فيمن قذف أم رجل فإن كان القاضي يعرف أمه حرة مسلمة جلد القاذف لأن الحرية و الإسلام يثبتان بالبينة فعلم القاضي أولى لأنه فوق البينة لأن الحرية و الإسلام من شرائط الإحصان و الإحصان شرط الوجوب و القاضي يقضي بعلمه بسبب و جوب هذا الحد فلأن يقضي بعلمه بشرط الوجوب أولى فإن لم يعلم القاضي حبسه في السجن حتى يأتي بالبينة لأنه ظهر منه القذف و أنه يوجب العقوبة سواء كان المقذوف أمه حرة او أمه فجاز أن يستوثق منه بالحبس و إن لم تقم بينته أخذ منه كفيلا أو أخرجه و أخذ الكفيل على مذهبه فأما على مذهب أبي حنيفة Bه فلا يؤخذ الكفيل على مابينا و لا يعزره لأن التعزير من القاضي حكم بإبطال إحصان المقذوف لأن قذف المحصن يوجب الحد لا التعزير و لا يجوز الحكم بإبطال الإحصان .
و لو شهد شاهدان على القذف واختلفا في مكان القذف أو زمانه بأن شهد أحدهما أنه قذف في مكان كذا و شهد الآخر أنه قذف في مكان آخر أو شهد أحدهما أنه قذف يوم الخميس و شهد الآخر أنه قذف يوم الجمعة قبلت شهادتهما و وجب الحد عند أبي حنيفة Bه و عندهما لا تقبل .
وجه قولهما : أنهما شهدا بقذفين مختلفين لأن القذف في هذا المكان و الزمان يخالف القذف في مكان آخر و زمان آخر فقد شهد كل واحد منهما بقذف غير القذف الذي شهد به الآخر و ليس على أحدهما شهادة شاهدين فلا يثبت .
و لأبي حنيفة C : أن اختلاف مكان القذف وزمانه لا يوجب اختلاف القذف لجواز أنه كرر القذف الواحد في مكانين و زمانين لأن القذف من باب الكلام و الكلام مما يحتمل التكرار و الإعادة و المعاد عين الأول حكما و إن كان غيره حقيقة فكان القذف واحدا فقد اجتمع شهادة شاهدين و إن اتفقا في المكان و الزمان واختلفا في الإنشاء و الإقرار بأن شهد أحدهما أنه قذفه في هذا المكان يوم الجمعة و شهد الآخر أنه قذفه في المكان يوم الجمعة و شهد الآخر أنه قذفه في هذا المكان يوم الجمعة لا تقبل و لا حد عليه في قولهم جميعا استحسانا و القياس أن تقبل و يحد .
وجه قياس : أن اختلاف كلامهما في الإنشاء والإقرار لا يوجب اختلاف القذف كما إذا شهد أحدهما بإنشاء البيع و الآخر بالإقرار به أنه تقبل شهادتهما كذا هذا .
وجه الإستحسان : أن الإنشاء مع الإقرار أمران مختلفان حقيقة لأن الإنشاء إثبات أمر لم يكن و الإقرار إخبار عن أمر كان فكانا مختلفين حقيقة فكان المشهود به مختلفا و ليس على أحدهما شاهدين فلا تقيل .
و نظيره من قال لامرأته : زنيت قبل أن أتزوجك فعليه اللعان لا الحد و لو قال لها : قذفتك بالزنا قبل أن أتزوجك فعليه الحد لا اللعان لأن قوله زنيت إنشاء القذف فكان قاذفا لها للحال و هي زوجته و قذف الزوج يوجب اللعان لا الحد و قوله : قذفتك بالذنا إقرار منه بقذف كان منه قبل التزوج و هي كانت أجنبية قبل التزوج و قذف الأجنبية يوجب الحد لا اللعان و الله سبحانه و تعالى أعلم