وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

الجزء الثاني من ما يرجع إلى المسروق منه .
و قالوا : في السارق من المسجد إذا كان ثمة حافظ يقطع و إن لم يخرج من المسجد لأن المسجد ليس بحرز بنفسه بل بالحافظ فكانت البقعة التي فيها الحافظ هي الحرز لا كل المسجد فإذا انفصل منها فقد انفصل من الحرز فيقطع .
فأما الدار فإنما صارت حرزا بالبناء فما لم يخرج منها لم يوجد الانفصال من الحرز و روي عن محمد في رجل سرق في السوق من حانوت فتخرب الحانوت و قعد للبيع و أذن للناس بالدخول فيه أنه لم يقطع و كذلك لو سرق منه و هو مغلق على شيء لم يقطع لأنه لما أذن للناس بالدخول فيه فقد أخرج الحانوت من أن يكون حرزا في حقهم .
و كذلك إن أخذ من بيت قبة أو صندوق فيه مقفل لأن الحانوت كله حزر واحد كالدار على ما مر و روي عن أبي يوسف C أنه قال في رجل بأرض فلاة و معه جوالق وضعه و نام عنده يحفظه فسرق منه رجل شيئا أو سرق الجوالق فإني أقطعه لأن الجوالق بما فيها محرز بالحافظ فسيتوي أخذ جميعه و أخذ بعضه و كذلك إذا سرق فسطاطا ملفوفا قد وضعه و نام عنده يحفظه أنه يقطع و إن كان مضروبا لم يقطع لأنه إذا كان ملفوفا كان محرزا بالحافظ كالباب المقلوع إذا كان في الدار فسرقه سارق و إذا كان الفسطاط مضروبا كان حرزا بنفسه فإذا سرقه فقد سرق نفس الحرز و نفس الحرز ليس في الحرز فلا يقطع كساق باب الدار .
و لو كان الجوالق على ظهر دابة فشق الجوالق و أخرج المتاع بقطع لأن الجوالق حرز لما فيه و إن أخذ الجوالق كما هو لم يقطع لأنه أخذ نفس الحرز و كذلك إذا سرق الجمل مع الجوالق لأن الحمل لا يوضع على الجمل للحفظ بل للحمل لأن الجمل ليس بمحرز و إن ركبه صاحبه فلم يكن الجمل حرزا للجوالق فإذا أخذ الجوالق فقد أخذ نفس الحرز .
و لو سرق من المراعي بعيرا أبو بقرة أو شاتا لم يقطع سواء كان الراعي معها أو لم يكن و إن سرق من العطن أو المراح الذي يأوي إليه يقطع إذا كان معها حافظ أو ليس معها حافظ غير أن الباب مغلق فكسر الباب ثم دخل فسرق بقرة قادها قودا حتى أخرجها أو ساقها سوقا حتى أخرجها أو ساقها سوقا حتى أخرجها أو ركبها حتى أخرجها لأن المراعي ليست بحرز للمواشي و إن كان الراعي معها لأن الحفظ لا يكون مقصودا من الرعي و إن كان قد يحصل به لأن المواشي لا تجعل في مراعيها للحفظ بل للرعي فلم يوجد الأخذ من حرز بخلاف العطن أو المراح فإن ذلك يقصد به الحفظ و وضع له فكان حرزا و قال عليه الصلاة و السلام : [ في حريسة الجبل غرامة مثليها و جلدات نكالا ] فإذا أواها المراح و بلغت قيمتها ثمن المجن ففيها القطع و الله أعلم .
و لا يقطع عبد في سرقة من مولاه مكاتبا كان العبد أو مدبرا أو تاجرا عليه دين أو أم ولد سرقت من مال مولاها لأن هؤلاء مأذونون بالدخول في بيوت ساداتهم للخدمة فلم يكن بيت مولاهم حرزا في حقهم .
و ذكر في الموطأ أن عبد الله بن سيدنا عمر و الحضرمي جاءا إلى عمر Bه بعبد له [ فقال اقطع هذا فإنه سرق فقال و ما سرق ؟ قال مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال سيدنا عمر Bه : أرسله ليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم ] و لم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إجماعا .
و لا قطع على خادم قوم سرق متاعهم و لا على ضيف سرق متاعا من أضافه و لا على أجير سرق من موضع أذن له في دخوله لأن الإذن بالدخول أخرج الموضع من أن يكون حرزا في حقه و كذا الأجير إذا أخذ المتاع المأذون له في أخذه من موضع لم يأذن له بالدخول فيه لم يقطع لأن الإذن بأخذ المتاع يورث شبهة الدخول في الحرز و لأن الإذن بالأخذ فوق الإذن بالدخول و ذا يمنع القطع فهذا أولى .
و لو سرق المستأجر من المؤاجر و كل واحد منهم في منزل على حدة يقطع بلا خلاف لأنه لا شبهة في الحرز و أما المؤجر إذا سرق من المستأجر فكذلك يقطع في قول أبي حنيفة عليه الرحمة و عندهما لا يقطع .
وجه قولهما : أن الحرز ملك السارق فيورث شبهة في درء الحد لأنه يورث شبهة في إباحة الدخول فيختل الحرز فلا قطع .
وجه قول أبي حنيفة : أن معنى الحرز لا تعلق له بالملك إذ هو اسم لمكان معد للإحراز يمنع من الدخول فيه إلا بالإذن و قد وجد لأن المؤاجر ممنوع عن الدخول في المنزل المستأجر من غير إذن فأشبه الأجنبي .
و لا قطع على من سرق من ذي رحم محرم عندنا سواء كان بينهما ولاد أو لا و قال الشافعي : في الوالدين و المولودين كذلك فأما في غيرهم فيقطع و هو على اختلاف العتق و النفقة و قد ذكرنا المسألة في كتاب العتاق و الصحيح قولنا لأن كل واحد منهما يدخل في منزل صاحبه بغير إذن عادة و ذلك دلالة الإذن من صاحبه فاختل معنى الحرز و لأن القطع بسبب السرقة فعل يفضي إلى قطع الرحم و ذلك حرام و المفضي إلى الحرام حرام و لو سرق جماعة فيهم ذو رحم محرم من المسروق لا يقطع واحد منهم عند أبي حنيفة و عند أبو يوسف لا يقطع ذو الرحم المحرم و يقطع سواه و الكلام على نحو الكلام فيما تقدم فيما إذا كان فيهم صبي أو مجنون و قد ذكرناه فيما تقدم .
و لو سرق من ذي رحم غير محرم يقطع بالإجماع لأن المباسطة بالدخول من غير استئذان غير ثابتة في هذه القرابة عادة و كذا هذه القرابة لا تجب صيانتها عن القطيعة و لهذا لم يجب في العتق و النفقة و غير ذلك و لو سرق من ذي رحم محرم لا رحم له بسبب الرضاع فقد قال أبو حنيفة و محمد رحمهما الله : يقطع الذي سرق ممن يحرم عليه من الرضاع كائنا من كان و قال أبو يوسف : إذا سرق من أمه من الرضاع لا يقطع .
وجه قوله : أن المباسطة بينهما في الدخول ثابتة عرفا و عادة فإن الإنسان يدخل في منزله أمه منن الرضاع من غير إذن كما يدخل في منزل أمه من النسب بخلاف الأخت من الرضاع .
و لهما : أن الثابت بالرضاع ليس إلا الرحمة المؤبدة و إنها لا تمنع وجوب القطع كما لو سرق من أم موطوءته و لهذا يقطع في الأخت من الرضاع و لو سرق من امرأة أبيه أو من زوج أمه أو من حليلة ابنه أو من ابن امرأته أو بنتها أو أمها ينظر إن سرق مالهم من منزل من يضاف السارق إليه من أبيه و أمه و ابنه و امرأته لا يقطع بلا خلاف لأنه مأذون بالدخول في منزل هؤلاء فلم يكن المنزل حرزا في حقه و إن سرق من منزل آخر فإن كانا فيه لم يقطع بالإجماع و إن كانا لكل واحد منها منزل على حدة اختلف فيه .
قال أبي حنيفة عليه الرحمة : لا يقطع و قال أبو يوسف : يقطع إذا سرق من غير منزل السارق أو منزل أبيه أو ابنه .
و ذكر القاضي في شرح مختصر الطحاوي : قول محمد مع قول أبي يوسف رحمهم الله تعالى .
وجه قولهما : أن المانع هو القرابة و لا قرابة بين السارق و المسروق بل كل واحد منهما أجنبي عن صاحبه فلا يمنع وجوب القطع كما لو سرق من أجنبي آخر .
وجه قول أبي حنيفة : أن في الحرز شبهة لأن حق التزاور ثابت بينه و بين قريبه لأن كون المنزل لغير قريبه لا يقطع التزاور و هذا يورث شبهة إباحة الدخول للزيارة فيختل معني الحرز و لا قطع على أحد الزوجين إذا سرق من مال صاحبه سواء سرق من البيت الذي هما فيه أو من بيت آخر لأن كل واحد منهما يدخل في منزل صاحبه و ينتفع بماله عادة و ذلك يوجب خللا في الحرز و الملك أيضا و هذا عندنا .
و قال الشافعي C : إذا سرق من البيت الذي هما فيه لا يقطع و إن سرق من بيت آخر يقطع و المسألة مرت في كتاب الشهادة و كذلك لو سرق أحد الزوجين من عبد صاحبه أو أمته أو مكاتبه أو سرق عبد أحدهما أو أمته أو مكاتبه من صاحبه أو سرق خادم أحدهما من صاحبه لا يقطع لأنه مأذون في الدخول في الحرز .
و لو سرقت امرأة زوجها أو سرق رجل من امرأته ثم طلقها قبل الدخول بها فبانت بغير عدة لم يقطع واحد منهما لأن الأخذ حين وجوده لم ينعقد موجبا للقطع لقيام الزوجية فلا ينعقد عند الإبانة لأن الإبانة طارئة و الأصل أن لا يعتبر الطارئ مقارنا في الحكم لما فيه من مخالفة الحقيقة إلا إذا كان في الاعتبار إسقاط الحد في وقت الاعتبار و في الاعتبار ههنا لإيجاب الحد فلا يعتبر .
و لو سرق من مطلقته و هي في العدة أو سرقت مطلقته و هي في العدة لم يقطع واحد منهما سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا أو ثلاثا لأن النكاح في حال قيام العدة قائم من وجه أو أثره قائم و هو العدة و قيام النكاح من كل وجه يمنع القطع فقيامه من وجه أو قيام أثره يورث شبهة .
و لو سرق رجل من امرأة أجنبية ثم تزوجها فهذا لا يخلوا من أحد وجهين : إما إن تزوجها قبل أن يقضي عليه بالقطع و إما إن تزوجها بعدما قضي عليه بالقطع فإن تزوجها قبل أن يقضى عليه بالقطع لم يقطع بلا خلاف لأن هذا مانع طرأ على الحد و المانع الطارئ في الحد كالمقارن لأن الحدود تدرأ بالشبهات فيصير طريان الزوجية شبهة مانعة من القطع كقرانها و إن تزوجها بعدما قضي بالقطع لم يقطع عند أبي حنيفة C تعالى و قال أبو يوسف : يقطع .
وجه قوله : أن الزوجية القائمة عند السرقة إنما تمنع وجوب القطع باعتبار الشبهة و هي شبهة عدم الحرز أو شبهة الملك فالطارئة لو اعتبرت مانعة لكان ذلك اعتبار الشبهة و إنها ساقطة في باب الحدود .
وجه قول أبي حنيفة : إن الإمضاء في باب الحدود من القضاء فكانت الشبهة المعترضة على الإمضاء كالمعترضة على القضاء ألا ترى أنه لو قذف رجلا بالزنا و قضي عليه بالحد ثم إن المقذوف زنى قبل إقامة الحد على القاذف سقط الحد عن القاذف و جعل الزنا المعترض على الحد كالموجود عند القذف ليعلم أن الطارئ على الحدود قبل الإمضاء بمنزلة الموجود قبل القضاء و الله أعلم .
و ذكر في الجامع الصغير في الطرار إذا طر الصرة من خارج الكم أنه لا قطع عند أبي حنيفة C فإن أدخل يده في الكم فطرها يقطع .
و قال أبو يوسف : هذا كله سواء و يقطع .
و بتفصيل الكلام فيه يرتفع الخلاف و يتفق الجواب و هو أن الطر لا يخلو إما أن يكون بالقطع و إما أن يكون بحل الرباط و الدراهم لا تخلو إما إن كانت مصرورة على ظاهر الكم و إما إن كانت مصرورة في بطنه فإذا كان الطر بالقطع و الدراهم مصرورة على ظاهر الكم لم يقطع لأن الحرز هو الكم و الدراهم بعد القطع تقع على ظاهر الكم فلم يوجد الأخذ من الحرز و عليه يحمل قول أبي حنيفة C .
و إن كانت مصرورة في داخل الكم يقطع لأنها بعد القطع تقع في داخل الكم فكان الطر أخذا من الحرز و هو الكم فيقطع و عليه يحمل قول أبي يوسف و إن كان الطر بحل الرباط ينظر إذا كان بحال لو حل الرباط تقع الدراهم على ظاهر الكم بأن كانت العقدة مشدودة من داخل الكم لا يقطع لأنه أخذها من غير حرز و هو تفسير قول أبي حنيفة C و إن كان إذا حل تقع الدراهم في داخل الكم و هو يحتاج إلى إدخال يده في الكم للأخذ يقطع لوجود الأخذ من الحرز و هو تفسير قول أبي يوسف و الله تعالى أعلم .
و على هذا الأصل يخرج النباش على أصل أبي حنيفة و محمد رحمهما الله أنه لا يقطع لأن القبر ليس بحرز بنفسه أصلا إذ لا تحفظ الأموال فيه عادة ألا ترى أنه لو سرق منه الدراهم و الدنانير لا يقطع و لا حافظ للكفن ليجعل حرزا بالحافظ فلم يكن القبر حرزا بنفسه و لا بغيره أو فيه شبهة عدم الحرز لأنه إن كان حرز مثله فليس حرزا لسائر الأموال فتمكنت الشبهة في كونه حرزا فلا يقطع .
ثم اختلف أنه يعتبر في كل شيء حرز مثله أو حرز نوعه قال بعض مشايخنا : إنه يعتبر في كل شيء حرز مثله كالإصطبل للدابة و الحظيرة للشاة حتى لو سرق اللؤلؤة من هذه المواضع لا يقطع .
و ذكر الكرخي في مختصره عن أصحابنا أن ما كان حرزا لنوع يكون حرزا للأنواع كلها و جعلوا سريجة البقال حرزا للجواهر فالطحاوي C اعتبر العرف و العادة و قال : حرز الشيء هو المكان الذي يحفظ فيه عادة و الناس في العادات لا يحرزون الجواهر في الإصطبل و الكرخي C اعتبر الحقيقة لأن الحرز ما يحرز ذلك الشيء حقيقة و سريجة البقال تحرز الدراهم و الدنانير و الجواهر حقيقة فكانت حرزا لها و الله أعلم .
و منها أن يكون نصابا و الكلام في هذا الشرط يقع في ثلاثة مواضع : .
أحدها : في أصل النصاب أنه الشرط أم لا .
و الثاني : في بيان قدره .
و الثالث : في بيان صفته .
أما الأول : فقد اختلف فيه قال عامة العلماء : إنه شرط فلا قطع فيما دون النصاب و حكى عن الحسن البصري C أنه ليس بشرط و يقطع في القليل و الكثير و هو قول الخوارج .
و احتجوا بظاهر قوله سبحانه و تعالى : { و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما } من غير شرط النصاب و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده و يسرق البيضة فتقطع يده ] و معلوم أن الحبال ما لا يساوي دانفا و البيضة لا تساوي حبة .
و لنا دلالة النص و الإجماع من الصحابة أما دلالة النص : فلأن الله سبحانه و تعالى أوجب القطع على السارق و السارقة : اسم مشتق من معنى و هو السرقة و السرقة : اسم للأخذ على سبيل الاستخفاء و مسارقة الأعين و إنما تقع الحاجة في الاستخفاء فيما له خطر و الحبة لا خطر لها فلم يكن أخذها سرقة فكان إيجاب القطع على السارق اشتراطا للنصاب دلالة .
و أما الإجماع فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على اعتبار النصاب و إنما جرى الاختلاف بينهم في التقدير و اختلافهم في التقدير إجماع منهم على أن أصل النصاب شرط و به تبين أن ما رووا من الحديث غير ثابت أو منسوخ أو يحمل المذكور على حبل له خطر كحبل السفينة و بيضة خطيرة كبيضة الحديد توفيقا بين الدلائل و الله تعالى أعلم .
و أما الكلام في قدر النصاب فقد اختلف فيه أيضا قال أصحابنا Bهم : إنه مقدر بعشرة دراهم فلا قطع في أقل من عشرة دراهم و قال مالك C و ابن أبي ليلى : بخمسة و ذكر القدوري C عند مالك C بثلاثين و قال الشافعي : بربع دينار حتى لو سرق ربع دينار إلا حبة و هو مع نقصانه يساوي عشرة لا يقطع عنده و عندنا يقطع .
و لو سرق ربع دينار لا يساوي عشرة لم يقطع عندنا و عنده يقطع و قيمة الدينار عندنا عشرة و عنده اثنا عشر على ما نبين في كتاب الديات .
احتج من اعتبر الخمسة بما روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ لا تقطع الخمسة إلا بخمسة ] .
و احتج الشافعي بما روي عن سيدتنا عائشة Bها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ] .
و روي عن سيدنا عمر Bه أنه عليه الصلاة و السلام : [ قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم ] و هي قيمة ربع دينار عنده لأن الدينار على أصله مقوم باثني عشر درهما .
و لنا ما روى محمد في الكتاب بإسناده [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عنه عليه الصلاة و السلام : أنه كان لا يقطع إلا في ثمن مجن ] و هو يومئذ يساوي عشرة دراهم و في رواية [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقطع فيما دون عشرة دراهم ] .
و [ عن ابن مسعود Bه عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : لا تقطع اليد إلا في دينار أو في عشرة دراهم ] و [ عن ابن عباس Bه عن رسول الله عليه الصلاة و السلام أنه قال : لا يقطع السارق إلا في ثمن المجن ] و كان يقوم يومئذ بعشرة دراهم و عن ابن أم أيمن أنه قال : ما قطعت يد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا في ثمن المجن و كان يساوي يومئذ عشرة دراهم .
و ذكر محمد في الأصل : أن سيدنا عمر Bه أمر بقطع يد سارق ثوب بلغت قيمته عشرة دراهم فمر به سيدنا عثمان Bه فقال : إن هذا لا يساوي إلا ثمانية فدرأ سيدنا عمر القطع عنه .
و عن سيدنا عمر و سيدنا عثمان و سيدنا علي و ابن مسعود Bهم مثل مذهبنا و الأصل أن الإجماع انعقد على وجوب القطع في العشرة و فيما دون العشرة اختلف العلماء لاختلاف الأحاديث فوقع الاحتمال في وجوب القطع فلا يجب مع الاحتمال و إذا عرف أن النصاب شرط وجوب القطع بالسرقة فإن وجد ذلك القدر في أخذ سرقة واحدة قطع لوجود الشرط و هو كمال النصاب و إن اختلفت السرقة لم يقطع لفقد الشرط .
و على هذا مسائل : إذا دخل رجل دار الرجل فسرق من بيت فيها فأخرجه إلى صحنها ثم عاد فأخذ درهما من البيت فأخرجه ثم عاد فأخذ درهما من البيت فأخرجه فلم يزل بفعل ذلك حتى أخذ عشرة دراهم ثم أخرج العشرة من الدار قطع لأن هذه سرقة واحدة لأن الدار مع صحنها و بيوتها حرز واحد فما دام في الدار لم يوجد الإخراج من الحرز فإذا خرج من الدار لم يوجد الإخراج من فإذا أخرج من الدار جملة فقد وجد إخراج نصاب من الحرز فيجب القطع و لو كان خرج في كل مرة من الدار ثم حتى فعل ذلك عشر مرات لم يقطع لأن هذه سرقات إذ كل منه إخراج من الحرز فكان كل منه معتبرا بنفسه و إنه سرقة مادون النصاب فلا يوجب القطع و كذلك جماعة دخلوا دارا و أخرجوا من بيت من بيوتها المتاع مرة من بيوتها المتاع مرة بعد أخرى إلى صحن الدار ثم أخرجوه من الصحن دفعة واحدة يقطعون إذا كان ما أخرجوا يخص كل واحد منهم عشرة دراهم و إن تفرق الإخراج يعتبر كل واحد بنفسه لأن الإخراج جملة واحدة فهو سرقة واحدة فإذا فهو سرقات فكان كل واحد معتبرا بنفسه .
و لو سرق رجل واحد عشرة دراهم من منزلين مختلفين بأن سرق منه درهما أو تسعة لم يقطع لأنهما سرقتان مختلفتان لأن كل واحد من المنزلين حرز بانفراده فهتك أحدهما بما دون النصاب لا يعتبر في هتك الآخر قيبقى كل واحد منهما معتبرا في نفسه و لو سرق رجل عشرة دراهم لعشرة أنفس في موضع واحد قطع و إن تفرق ملاكها يعتبر في ذلك حال السارق و السارق واحد فكان النصاب كاملا و إنما اعتبر حال السارق دون المسروق منه لأن كمال النصاب شرط وجوب القطع و القطع عليه فيعتبر جانب من عليه و لا يعتبر جانب المسروق منه لأن الحكم لم يجب له يجب له بل لله سبحانه و تعالى .
و إن كان عشرة أنفس في دار كل واحد في بيت على حدة فسرق من كل واحد منهم درهما يقطع إذا خرج بالجميع من الدار لما ذكرنا أن الدار حرز واحد و قد أخرج منها نصابا كاملا فكانت السرقة واحدة و إن اختلف المسروق منه .
و لو كانت الدار عظيمة فيها حجر لكل واحد حجرة فسرق من كل حجرة أقل من عشرة لم يقطع لأن ذلك سرقات إذ كل حجرة حرز بانفرادها و السرقات إذا اختلفت يعتبر في كل واحد منهما كمال النصاب و لم يوجد .
و لو سرق عشرة أنفس من رجل واحد عشرة دراهم لم يقطعوا بخلاف الواحد إذا سرق عشرة دراهم من عشرة أنفس أنه يقطع إذا كانت الدراهم في حرز واحد لما بينا أن المعتبر جانب السارق لا جانب المسروق منه فكانت السرقة واحدة فيعتبر كمال النصاب في حق السارق لا في حق المسروق منه و سواء كانت الدراهم مجتمعة أو متفرقة بعد أن كان الحرز واحدا حتى لو سرق عشرة دراهم متفرقا من كل كيس درهما من عشرة أنفس من منزل واحد يقطع لأن الحرز واحد فإذا أخرجها منه فقد خرج بنصاب كامل من السرقة فيقطع .
و لو سرق ثوبا قيمته تسعة دراهم فوضعه على باب الدار ثم دخل فأخذ ثوبا آخر يساوي تسعة فأخرجه لم يقطع لأنه لم يبلغ المأخوذ في كل واحد منهما نصابا فلا يقطع و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و أما صفات النصاب : فمنها أن تكون الدراهم المسروقة جيادا حتى لو سرق عشرة زيوفا أو بنهرجة أو ستوقة لا يقطع إلا أن تكون كثيرة تبلغ قيمة عشرة جياد و كذلك المسروق من غير الدراهم إذا كان لا تبلغ قيمته قيمة عشرة دراهم جيادا لا يقطع لأن مطلق اسم الدراهم في الأحاديث يتصرف إلى الجياد .
و منها أن يعتبر عشرة دراهم وزن سبعة كذا قالوا : لأن اسم الدراهم عند الإطلاق يقع على ذلك ألا ترى أنه قدر به النصاب في الزكوات و الديات و كذا الناس أجمعوا على هذا في وزن الدراهم و لأن هذا أوسط المقادير لأن الدراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت صغارا و كبارا فإذا جمع صغير و كبير كانا درهمين من وزن سبعة فكان هذا الوزن هو أوسط المقادير فاعتبر به لقوله عليه الصلاة و السلام : [ خير الأمور أوساطها ] و هل يعتبر أن تكون مضروبة ذكر الكرخي عليه الرحمة أنه يعتبر عشرة دراهم مضروبة و هكذا روى بشر عن أبي يوسف و ابن سماعة عن محمد حتى لو كان تبرا قيمته عشرة دراهم مضروبة لا يقطع .
و روى الحسن عن أبي حنيفة عليهم الرحمة أن السارق إذا سرق عشرة دراهم مما يجوز بين الناس و يروج في معاملاتهم قطع و هذا يدل على أن كونها مضروبة ليس بشرط بل يقطع في المضروبة و غيرها إذا كان مما يجوز بين الناس و يروج في معاملاتهم لهما : أن تقدير نصاب السرقة وقع بالدراهم أو تقويم المجن وقع بالدراهم و الدراهم اسم للمضروبة و التبر ليس بمضروب و لا في معنى المضروب في المالية أيضا لأنه ينقص عنه في القيمة فأشبه نقصان الوزن .
و أبو حنيفة C اعتبر الجواز و الرواج في معاملات الناس فأجرى به التعامل بين الناس يستوي في نصابه المضروب و الصحيح و المكسر كما في نصاب الزكاة فما قاله أبو حنيفة C أقرب إلى القياس و ما قاله أبو يوسف و محمد أقرب إلى الاحتياط في باب الحدود ثم كماله النصاب في قيمة المسروق يعتبر وقت السرقة لا غير أم وقت السرقة و القطع جميعا ؟ و فائدة هذا تظهر فيما إذا كانت قيمة المسروق كاملة وقت السرقة ثم نقصت أنه هل يسقط القطع فجملة الكلام فيه أن نقصان المسروق لا يخلو : إما إن كان نقصان العين بأن دخل المسروق عيب أو ذهب بعضه .
و إما إن كان نقصان السعر فإن كان نقصان العين يقطع السارق و لا يعتبر كمال النصاب وقت القطع بل وقت السرقة بلا خلاف لأن نقصان عينه هلاك بعضه و هلاك الكل لا يسقط القطع فهلاك البعض أولى و إن كان نقصان السعر ذكر الكرخي C لا يقطع في ظاهر الرواية و تعتبر قيمته في الوقتين جميعا .
و روى محمد C أنه يقطع و هكذا ذكر الطحاوي C أنه تعتبر قيمته وقت الإخراج من الحرز و هو قول الشافعي C .
وجه هذه الرواية : أن نقصان السعر دون نقصان العين لأن ذلك لا يؤثر في المحل و هذا يؤثر فيه ثم نقصان العين لم يؤثر في إسقاط القطع فنقصان السعر أولى .
وجه ظاهر الرواية على ما ذكره الكرخي C : الفرق بين النقصانين .
و وجه الفرق بينهما : أن نقصان السعر يورث شبهة نقصان في المسروق وقت السرقة لأن العين بحالها قائمة لم تتغير و تغير السعر ليس بمضمون على السارق أصلا فجعل النقصان الطارئ كالموجود عند السرقة بخلاف نقصان العين لأنه يوجب تغير العين إذ هو هلاك بعض العين و هو مضمون عليه في الجملة فلا يمكن تقدير وجوده وقت السرقة .
و كذا إذا سرق في بلد فأخذ في بلد آخر و القيمة فيه أنقص ذكر الكرخي C : أنه لا يقطع حتى تكون القيمة جميعا في السعر عشرة دراهم و على رواية الطحاوي C تعتبر قيمته وقت السرقة لا غير و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و منها : أن يكون السارق الذي يقطع فيه في الجملة مقصودا بالسرقة لا تبعا لمقصود و لا يتعلق القطع بسرقته في قولهما .
و قال أبو يوسف C : هذا ليس بشرط .
و الأصل في هذا أن المقصود بالسرقة إذا كان مما يقطع فيه لو انفرد و بلغ نصابا بنفسه قطع بلا خلاف و إن لم يبلغ بنفسه نصابا إلا بالتابع يكمل النصاب به فيقطع .
و كذلك إذا كان واحد منهما مقصودا و لا يبلغ نصابا يكمل أحدهما بالآخر و يقطع و إن كان المقصود بالسرقة مما لا يقطع فيه لو انفرد لا يقطع و إن كان معه غيره مما يبلغ نصابا إذا لم يكن الغير مقصودا بالسرقة بل يكون تابعا في قولهما و عند أبو يوسف C يقطع إذا كان ذلك الغير نصابا كاملا .
و بيان هذه الجملة في مسائل إذا سرق إناء من ذهب أو فضة فيه شراب أو ماء أو لبن أو ماء ورد أو ثريد أو نبيذ أو غير ذلك مما لا يقطع فيه لو انفرد لم يقطع عندهما و عند أبي يوسف يقطع .
وجه قوله : أن ما في الإناء إذا كان مما لا يقطع فيه التحق بالعدم فيعتبر أخذ الإناء على الانفراد فيقطع فيه .
وجه قولهما : أن المقصود من هذه السرقة ما في الإناء و الإناء تابع ألا يرى أنه لو قصد الإناء بالأخذ لأبقى ما فيه و ما في الإناء لا يجب القطع بسرقته فإذا لم يجب القطع بالمقصود لا يجب بالتابع و إلى هذا أشار محمد C في الكتاب فقال : إنما أنظر إلى ما في جوفه فإذا كان ما في جوفه لا يقطع فيه لم أقطعه و لو سرق ما في الإناء في الدار قبل أن يخرج الإناء منها ثم أخرج الإناء فارغا منه قطع لأنه لما سرق ما فيه في الدار علم أن مقصوده هو الإناء و المقصود بالسرقة إذا كان مما يجب القطع بسرقته و بلغ نصابا يقطع و على هذا الخلاف إذا سرق صبيا حرا لا يعبر عن نفسه و عليه حلي و إن كان يعبر عن نفسه لا يقطع بالإجماع لأن له يدا على نفسه و على ما عليه من الحلي فلا يكون أخذه سرقة بل يكون خداعا فلا يقطع .
و كذلك إذا سرق عبدا صبيا يعبر عن نفسه و عليه حلي أو لم يكن لا يقطع بلا خلاف و إن كان لا يعبر عن نفسه يقطع عندهما و عند أبي يوسف لا يقطع بناء على أن سرقة مثل هذا العبد يوجب القطع عندهما و عنده لا يوجب و المسألة قد مرت .
و لو سرق كلبا أو غيره من السباع في عنقه طوق لم يقطع و كذلك لو سرق مصحفا مفضضا أو مرصعا بياقوت لم يقطع عندهما و عند أبو يوسف يقطع لما ذكرنا .
و لو سرق كوزا قيمته تسعة دراهم و فيه عسل يساوي درهما يقطع لأن المقصود ما فيه من العسل و الكوز تبع فيكمل نصاب الأصل به و كذلك لو سرق حمارا يساوي تسعة و عليه إكاف يساوي درهما يقطع لما قلنا و لو سرق عشرة دراهم من ثوب و الثوب لا يساوي عشرة ينظر إن كان ذلك الثوب يصلح وعاء للدراهم بأن تشد فيه الدراهم عادة بأن كانت خرقة و نحوها يقطع لأن المقصود بالأخذ هو ما فيه و إن كان لا يصلح بأن كان ثوب كرباس فإن كان تبلغ قيمة الثوب نصابا بأن كان يساوي عشرة يقطع بلا خلاف لأن الثوب مقصود بنفسه بالسرقة و إن كان لا يبلغ نصابا قال أبو حنيفة C : لا يقطع و ذكر في الأصل أن اللص إن كان يعلم بالدراهم يقطع و إن كان لا يعلم لا يقطع و هو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة و هو قول أبي يوسف و روي عنه أن يقطع علم بها أو لم يعلم و وجه : أن العلم بالمسروق ليس بشرط لوجوب القطع بل الشرط أن يكون نصابا و قد وجد .
وجه رواية الأصل : أنه إذا كان يعلم بالدراهم كان مقصوده بالأخذ الدراهم و قد بلغت نصابا فيقطع و إذا كان لا يعلم بها كان مقصوده الثوب و أنه لم يبلغ النصاب فلا يقطع .
وجه الرواية الأخرى لأبي حنيفة عليه الرحمة : أن مثل هذا الثوب إذا كان مما لا تشد به الدراهم عادة كان مقصودا بنفسه بالسرقة و إن لم يبلغ نصابا فلم يجب فيه القطع فكذا فيما فيه لأنه تابع له و لو سرق جوالق أو جرابا فيه مال كثيرا قطع لأن المقصود بالسرقة هو المظروف لا الظرف و المقصود مما يجب القطع بسرقته فيقطع .
و كذا إذا كان الثوب لا يساوي عشرة و فيه مال عظيم علم به اللص يقطع لأن الثوب يصلح وعاء للمال الكثير و لا يصلح وعاء لليسير ففيما صلح وعاء له يعتبر ما فيه لأنا نعلم يقينا أن مقصوده ما فيه و فيما لا يصلح يعتبر نفسه مقصودا بالسرقة و ما فيه تابعا له و لا قطع في المقصود لنقصان النصاب فكذا في التابع لأن التابع حكمه حكم الأصل و الله سبحانه و تعالى أعلم