وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : بيان أحكام البغاة .
وأما بيان أحكام البغاة فالكلام فيه في مواضع : في تفسير البغاة وفي بيان ما يلزم إمام أهل العدل عند خروجهم عليه وفي بيان ما يصنع بهم وبأموالهم عند الظفر بهم والاستيلاء على أموالهم وفي بيان من يجوز قتله منهم ومن لا يجوز وفي بيان حكم إصابة الدماء والأموال من الطائفتين وفي بيان ما يصنع بقتلى الطائفتين وفي بيان حكم قضاياهم .
أما تفسير البغاة : فالبغاة هم الخوارج وهم قوم من رأيهم أن كل ذنب كفر كبيرة كانت أو صغيرة يخرجون على إمام أهل العدل ويستحلون القتال والدماء والأموال بهذا التأويل ولهم منعة وقوة .
وأما بيان ما يلزم إمام العدل عند خروجهم فنقول وبالله التوفيق .
إن علم الإمام أن الخوارج يشهرون السلاح ويتأهبون للقتال فينبغي له أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك ويحدثوا توبة لأنه لو تركهم لسعوا في الأرض بالفساد فيأخذهم على أيديهم ولا يبدؤهم الإمام بالقتال حتى يبدؤوه لأن قتالهم لدفع شرهم لا لشر شركهم لأنهم مسلمون فما لم يتوجه الشر منهم لا يقاتلهم وإن لم يعلم الإمام بذلك حتى تعسكروا وتأهبوا للقتال فينبغي له أن يدعوهم إلى العدل والرجوع إلى رأي الجماعة أولا لرجاء الإجابة وقبول الدعوة كما في حق أهل الحرب .
وكذا روي أن سيدنا عليا Bه لما خرج عليه أهل حر وراء ندب إليهم عبد الله بن عباس Bهما ليدعوهم إلى العدل فدعاهم وناظرهم فإن أجابوا كف عنهم وإن أبوا قاتلهم لقوله تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } .
وكذا قاتل سيدنا علي Bه أهل حروراء بالنهروان بحضرة الصحابة Bهم تصديقا لقوله E لسيدنا علي : [ إنك تقاتل على التأويل كما تقاتل على التنزيل ] والقتال على التأويل هو القتال مع الخوارج .
ودل الحديث على إمامة سيدنا علي Bه لأن النبي صلى الله عليه و سلم شبه قتال سيدنا علي Bه على التأويل بقتاله على التنزيل وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتاله بالتنزيل فلزم أن يكون سيدنا علي محقا في قتاله بالتأويل فلو لم يكن إمام حق لما كان محقا في قتاله إياهم ولأنهم ساعون في الأرض بالفساد فيقتلون دفعا للفساد على وجه الأرض .
وإن قاتلهم قبل الدعوة لا بأس بذلك لأن الدعوة قد بلغتهم لكونهم في دار الإسلام ومن المسلمين أيضا .
ويجب على كل من دعاه الإمام إلى قتالهم أن يجيبه إلى ذلك ولا يسعه التخلف إذا كان عنده غنا وقدرة لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة ؟ والله سبحانه وتعالى الموفق .
وما روي عن أبي حنيفة Bه أنه إذا وقعت الفتنة بين المسلمين فينبغي للرجل أن يعتزل الفتنة ويلزم بيته محمول على وقت خاص وهو أن لا يكون إمام يدعو إلى القتال وأما إذا كان فدعاه يفترض عليه الإجابة لما ذكرنا .
وأما بيان ما يصنع بهم وبأموالهم عند الظفر بهم والاستيلاء على أموالهم فنقول : الإمام إذا قاتل أهل البغي فهزمهم وولوا مدبرين فإن كانت لهم فئة ينحازون إليها فينبغي لأهل العدل أن يقتلوا مدبرهم ويجهزوا على جريحهم لئلا يتحيزوا إلى الفئة فيمتنعوا فيها فيكروا على أهل العدل وأما أسيرهم فإن شاء الإمام قتله .
استئصالا لشأفتهم وإن شاء حبسه لاندفاع شره بالأسر والحبس وإن لم يكن لهم فئة يتحيزون إليها لم يتبع مدبرهم ولم يجهز على جريحهم ولم يقتل أسيرهم لوقوع الأمن عن شرهم عند انعدام الفئة .
وأما أموالهم التي ظهر أهل العدل عليها فلا بأس بأن يستعينوا بكراعهم وسلاحهم على قتالهم كسرا لشوكتهم فإذا استغنوا عنها أمسكها الإمام لهم لأن أموالهم لا تحتمل التملك بالاستيلاء لكونهم مسلمين ولكن يحبسها عنهم إلى أن يزول بغيهم فإذا زال ردها عليهم .
وكذا ما سوى الكراع والسلاح من الأمتعة لا ينتفع به ولكن يمسك ويحبس عنهم إلى أن يزول بغيهم فيدفع إليهم لما قلنا .
ويقاتل أهل البغي بالمنجنيق والحرق والغرق وغير ذلك مما يقاتل به أهل الحرب لأن قتالهم لدفع شرهم وكسر شوكتهم فيقاتلون بكل ما يحصل به ذلك وللإمام أن يوادعهم لينظروا في أمورهم ولكن لا يجوز أن يأخذوا على ذلك مالا لما ذكرنا من قبل .
وأما بيان من يجوز قتله منهم ومن لا يجوز فكل من لا يجوز قتله من أهل الحرب من الصبيان والنسوان والأشياخ والعميان لا يجوز قتله من أهل البغي لأن قتلهم لدفع شر قتالهم فيختص بأهل القتال وهؤلاء ليسوا من أهل القتال فلا يقتلون إلا إذا قاتلوا فيباح قتلهم في حال القتال وبعد الفراغ من القتال إلا الصبيان والمجانين على ما ذكرنا في حكم أهل الحرب والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما العبد المأسور من أهل البغي فإن كان قاتل مع مولاه يجوز قتله وإن كان يخدم مولاه لا يجوز قتله ولكن يحبس حتى يزول بغيهم فيرد عليهم .
وأما الكراع فلا يمسك ولكنه يباع ويحبس ثمنه لمالكه لأن ذلك أنفع له ولا يجوز للعادل أن يبتدىء بقتل ذي رحم محرم منه من أهل البغي مباشرة وإذا أراد هو قتله له أن يدفعه وإن كان لا يندفع إلا بالقتل فيجوز له أن يتسبب ليقتله غيره بأن يعقر دابته ليترجل فيقتله غيره بخلاف أهل الحرب فإنه يجوز قتل سائر ذوي الرحم المحرم منه مباشرة وتسببا ابتداء إلا الوالدين .
ووجه الفرق : أن الشرك في الأصل مبيح لعموم قوله تبارك وتعالى : { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } إلا أنه خص منه الأبوان بنص خاص حيث قال الله تبارك وتعالى : { وصاحبهما في الدنيا معروفا } فبقي غيرهما على عموم النص بخلاف أهل البغي لأن الإسلام في الأصل عاصم لقوله عليه السلام : [ فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ] والباغي مسلم إلا أنه أبيح قتل غير ذي الرحم المحرم من أهل البغي دفعا لشرهم لا لشوكتهم ودفع الشر يحصل بالدفع والتسبب ليقتله غيره فبقيت العصمة عما وراء ذلك بالدليل العاصم .
وأما بيان حكم إصابة الدماء والأموال من الطائفتين فنقول : لا خلاف في أن العادل إذا أصاب من أهل البغي من دم أو جراحة أو مال استهلكه أنه لا ضمان عليه .
وأما الباغي إذا أصاب شيئا من ذلك من أهل العدل فقد اختلفوا فيه قال أصحابنا : إن ذلك موضوع .
وقال الشافعي C : إنه مضمون وجه قوله : أن الباغي جان فيستوي في حقه وجود المنعة وعدمها لأن الجاني يستحق التغليظ دون التخفيف .
ولنا : ما روي عن الزهري أنه قال : وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم متوافرون فاتفقوا أن كل دم استحل بتأويل القرآن فهو موضوع وكل مال استحل بتأويل القرآن فهو موضوع وكل فرج استحل بتأويل القرآن فهو موضوع ومثله لا يكذب فانعقد الإجماع من الصحابة Bهم على ما قلنا وإنه حجة قاطعة .
والمعنى في المسألة ما نبه عليه الصحابة Bهم وهو أن لهم في الاستحلال تأويلا في الجملة وإن كان فاسدا لكن لهم منعة والتأويل الفاسد عند قيام المنعة يكفي لرفع الضمان كتأويل أهل الحرب ولأن الولاية من الجانبين منقطعة لوجود المنعة فلم يكن الوجوب مفيدا لتعذر الاستيفاء فلم يجب ولو فعلوا شيئا من ذلك قبل الخروج وظهور المنعة أو بعد الانهزام وتفرق الجمع يؤخذون به لأن المنعة إذا انعدمت الولاية وبقي مجرد تأويل فاسد فلا يعتبر في دفع الضمان .
ولو قتل تاجر من أهل العدل تاجرا آخر من أهل العدل في عسكر أهل البغي أو قتل الأسير من أهل العدل أسيرا آخر أو قطع ثم ظهر عليه فلا قصاص عليه لأن الفعل لم يقع موجبا لتعذر الاستيفاء وانعدام الولاية كما لو قطع في دار الحرب لأن عسكر أهل البغي في حق انقطاع الولاية ودار الحرب سواء والله D أعلم .
ثم لا خلاف في أن العادل إذا قتل باغيا لا يحرم الميراث لأنه لم يوجد قتل نفس بغير حق لسقوط عصمة نفسه .
وأما الباغي إذا قتل العادل يحرم الميراث عند أبي يوسف وعند أبي حنيفة و محمد : إن قال : قتلته وكنت على حق وأنا الآن على حق لا يحرم الميراث و إن قال : قتلته وأنا أعلم أني على باطل يحرم .
وجه قول أبي يوسف : أن تأويله فاسد إلا أنه ألحق بالصحيح عند وجود المنعة في حق الدفع لا في حق الاستحقاق فلا يعتبر في حق استحقاق الميراث .
وجه قولهما : أنا نعتبر تأويله في حق الدفع والاستحقاق لأن سبب استحقاق الميراث هو القرابة وإنها موجودة إلا أن قتل نفس بغير حق سبب الحرمان فإذا قتله على تأويل الاستحلال والمنعة موجودة اعتبرناه في حق الدفع وهو دفع الحرمان فأشبه الضمان إلا أنه إذا قال : قتلته وأنا أعلم إني على باطل يحرم الميراث لأن التأويل الفاسد إنما يلحق بالصحيح إذا كان مصرا عليه فإذا لم يصر فلا تأويل له فلا يندفع عنه الضمان والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما بيان ما يصنع بقتلى الطائفتين فنقول وبالله تعالى التوفيق : .
أما قتلى أهل العدل فيصنع بهم ما يصنع بسائر الشهداء لا يغسلون ويدفنون في ثيابهم ولا ينزع عنهم إلا ما لا يصلح كفنا ويصلى عليهم لأنهم شهداء لكونهم مقتولين ظلما وقد روي أن زيد بن صرحان اليمني كان يوم الجمل تحت راية سيدنا علي Bهما فأوصى في رمقه لا تنزعوا عني ثوبا ولا تغسلوا عني دما وارمسوني في التراث رمسا فإني رجل محاج أحاج يوم القيامة .
وأما قتلى أهل البغى فلا يصلي عليهم لأنه روي أن سيدنا عليا Bه : ما صلى علي أهل حروراء ولكنهم يغسلون ويكفنون ويدفنون لأن ذلك من سنة موتى بني سيدنا آدم عليه السلام ويكره أن تؤخذ رؤوسهم وتبعث إلى الآفاق وكذلك رؤوس أهل الحرب لأن ذلك من باب المثلة وأنه منهي لقوله صلى الله عليه و سلم : [ لا تمثلوا ] فيكره إلا إذا كان في ذلك وهن لهم فلا بأس به لما روي أن عبد الله بن مسعود Bه : [ جز رأس أبي جهل عليه اللعنة يوم بدر وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أبا جهل كان فرعون هذه الأمة ] ولم ينكر عليه .
ويكره بيع السلاح من أهل البغي وفي عساكرهم لأنه إعانة لهم على المعصية ولا يكره بيع ما يتخذ منه السلاح كالحديد ونحوه لأنه لا يصير سلاحا إلا بالعمل .
ونظيره أنه يكره بيع المزامير ولا يكره بيع ما يتخذ منه المزمار وهو الخشب والقصب وكذا بيع الخمر باطل ولا يبطل بيع ما يتخذ منه وهو العنب كذا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما بيان حكم قضاياهم فنقول : الخوارج إذا ولوا قاضيا فالأمر لا يخلو من أحد وجهين : إما إن ولوا رجلا من أهل البغي وإما إن ولوا رجلا من أهل العدل فإن ولوا رجلا من أهل البغي فقضى بقضايا ثم رفعت قضاياه إلى قاضي أهل العدل لا ينفذها لأنه لا يعلم كونها حقا لأنهم يستحلون دماءنا وأموالنا فاحتمل أنه قضى بما هو باطل على رأي الجماعة فلا يجوز له تنفيذه مع الاحتمال .
ولو كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بكتاب فإن علم أنه قضى بشهادة أهل العدل أنفذه لأنه تنفيذا لحق ظاهرا وإن كان لا يعلم لا ينفذه لأنه لايعلم كونه حقا فلا يجوز تنفيذه لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } .
وإن ولوا رجلا من أهل العدل فقضى فيما بينهم بقضايا ثم رفعت قضاياه إلى قاضي أهل العدل نفذها لأن التولية إياه قد صحت ولأنه يقدر على تنفيذ القضايا بمنعتهم وقوتهم فصحت التولية والظاهر أنه قضى على رأي أهل العدل فلا يملك إبطاله كما إذا رفعت قضايا قاضي أهل العدل إلى بعض قضاة أهل العدل وما أخذوا من البلاد التي ظهروا عليها من الخراج والزكاة التي ولاية أخذها للإمام لا يأخذه الإمام ثانيا لأن حق الأخذ للإمام لمكان حمايته ولم توجد إلا أنهم يفتون بأن يعيدوا الزكاة استحسانا لأن الظاهر أنهم لا يصرفونها إلى مصارفها فأما الخراج فمصرفه المقاتلة وهم يقاتلون أهل الحرب والله تعالى أعلم