وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : حكم الغصب .
وأما حكم الغصب فله في الأصل حكمان : أحدهما يرجع إلى اللآخرة و الثاني يرجع إلى الدنيا أما الذي يرجع إلى الآخرة فهو الإثم واستحقاق المؤاخذة إذا فعله عن علم لأنه معصية وارتكاب المعصية على سبيل التعمد سبب لاستحقاق المؤاخذة وقد روي عنه E أنه قال : [ من غصب شبرا .
من أرض طوقه الله تعالى من سبع أرضين يوم القيامة ] وإن فعله لا عن علم بأن ظن أنه ملكه فلا مؤاخذة عليه لأن الخطأ مرفوع المؤاخذة شرعا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه و سلم بقوله E : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقوله E : [ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] .
وأما الذي يرجع إلى الدنيا فأنواع بعضها يرجع إلى حال قيام المغصوب وبعضها يرجع إلى حال هلاكه وبعضها يرجع إلى حال نقصانه وبعضها يرجع إلى حال زيادته .
أما الذي يرجع إلى حال قيامه فهو وجوب رد المغصوب على الغاصب والكلام في هذا الحكم في ثلاثة مواضع : في بيان سبب وجوب الرد وفي بيان شرط وجوبه وفي بيان ما يصير المالك به مستردا .
أما السبب فهو أخذ مال الغير بغير إذنه لقوله E : [ على اليد ما أخذت حتى ترد ] وقوله E : [ لا يأخذ أحدكم مال صاحبه لاعبا ولا جادا فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليرد عليه ] ولأن الأخذ على هذا الوجه معصية والردع عن المعصية واجب وذلك برد المأخوذ ويجب رد الزيادة المنفصلة كما يجب رد الأصل لوجود سبب وجوب الرد فيه ومؤنة الرد على الغاصب لأنها من ضرورات الرد فإذا وجب عليه الرد وجب عليه ما هو من ضروراته كما في رد العارية .
وأما شرط وجوب الرد فقيام المغصوب في يد الغاصب حتى لو هلك في يده أو استهلك صورة ومعنى أو معنى لا صورة ينتقل الحكم من الرد إلى الضمان لأن الهالك لا يحتمل الرد .
وعلى هذا يخرج ما إذا كان المغصوب حنطة فزرعها الغاصب أو نواة فغرسها حتى صارت شجرة أو بيضة فحضنها حتى صارت دجاجة أو قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو ثوبا فقطعه أو خاطه قميصا أو لحما فشواه أو طبخه أو شاة فذبحها وشواها أو طبخها أو حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو سمسما فعصره أو عنبا فعصره أو حديدا فضربه سيفا أو سكينا أو صفرا أو نحاسا فعمله آنية أو ترابا له قيمة فلبنه أو اتخذه خزفا أو لبنا فطبخه آجرا ونحو ذلك أنه ليس للمالك أن يسترد شيئا من ذلك عندنا ويزول ملكه بضمان المثل أو القيمة وعند الشافعي : له ولاية الاسترداد ولا يزول ملكه .
وجه قوله : أن ذات المغصوب وعينه قائم بعد فعل الغاصب وإنما فات بعض صفاته فلا يبطل حق الاسترداد كما إذا غصب ثوبا فقطعه ولم يخطه أو صبغه أحمر أو أصفر لأن الملك في المغصوب كان ثابتا للمالك والعارض وهو فعل الغاصب محظور فلا يصلح سببا لثبوت الملك له فيلحق بالعدم فيبقى المغصوب على ملك المالك فتبقى له ولاية الاسترداد .
ولنا : أن فعل الغاصب في هذه المواضع وقع استهلاكا للمغصوب إما صورة ومعنى أو معنى لا صورة فيزول ملك المالك عنه وتبطل ولاية الاسترداد كما إذا استهلكه حقيقة ودلالة تحقق الاستهلاك أن المغصوب قد تبدل وصار شيئا آخر بتخليق الله تعالى وإيجاده لأنه لم تبق صورته ولا معناه الموضوع له في بعض المواضع ولا اسمه وقيام الأعيان بقيام صورها ومعانيها المطلوبة منها وفي بعضها إن بقيت الصورة فقد فات معناه الموضوع له المطلوب منه عادة فكان فعله استهلاكا للمغصوب صورة ومعنى أو معنى فيبطل حق الاسترداد إذ الهالك لا يحتمل الرد كالهالك الحقيقي ولأنه إذا حصل الاستهلاك يزول ملك المالك .
لأن الملك لا يبقى في الهالك كما في الهالك الحقيقي فتنقطع ولاية الاسترداد ضرورة ولأن الاستهلاك يوجب ضمان المثل أو القيمة للمالك لوقوعه اعتداء عليه أو إضرارا به وهذا يوجب زوال ملكه عن المغصوب لما نذكره إن شاء الله تعالى .
وإذا زال ملك المالك بالضمان يثبت الملك للغاصب في المضمون لوجود سبب الثبوت في محل قابل وهو إثبات الملك على مال غير مملوك لأحد وبه تبين أن فعله الذي هو سبب لثبوت الملك مباح لا حظر فيه فجاز أن يثبت الملك به وعلى هذا يخرج ما إذا غصب لبنا أو آجرا أو ساجة فأدخلها في بنائه أنه لا يملك الاسترداد عندنا وتصير ملكا للغاصب بالقيمة خلافا للشافعي C فهو على أصله المعهود في جنس هذه المسائل أن فعل الغاصب محظور فلا يصلح سببا لثبوت الملك لكون الملك نعمة وكرامة فالتحق فعله بالعدم شرعا فبقي ملك المغصوب منه كما كان .
و لنا : أن المغصوب بالإدخال في البناء والتركيب صار شيئا آخر غير الأول لاختلاف المنفعة إذ المطلوب من المركب غير المطلوب من المفرد فصار بها تبعا له فكان الإدخال إهلاكا معنى فيوجب زوال ملك المغصوب منه ويصير ملكا للغاصب ولأن الغاصب يتضرر بنقض البناء والمالك وإن كان يتضرر بزوال ملكه أيضا لكن ضرره دون ضرر الغاصب لأنه يقابله عوض فكان ضرر الغاصب أعلى فكان أولى بالدفع ولهذا لو غصب من آخر خيطا فخاط به بطن نفسه أو دابته ينقطع حق المالك كذا هذا .
وذكر الكرخي C : أن موضوع مسألة الساجة ما إذا بنى الغاصب في حوالي الساجة لا على الساجة فأما إذا بنى على نفس الساجة لا يبطل ملك المالك بل ينقض وهو اختيار الفقيه أبي جعفر الهندواني C لأن البناء إذا لم يكن على نفس الساجة لم يكن الغاصب متعديا بالبناء لينقض إزالة للتعدي وإذا كان البناء عليها كان متعديا على الساجة فيزال تعديه بالنقض والصحيح أن الجواب في الموضعين والخلاف في الفصلين ثابت لأنه كيفما كان لا يمكنه رد الساجة إلا بنقض البناء ولزوم ضرر معتبر .
هذا موضوع المسألة حتى لو كان يمكنه الرد بدون ذلك لا ينقطع حق المالك بالاتفاق بل يؤمر بالرد .
ولو بيعت الدار في حياة الغاصب أو بعد وفاته كان صاحب هذه الأشياء أسوة الغرماء في الثمن فلا يكون أخص بشيء من ذلك لأن ملكه قد زال عن العين إلى القيمة فبطل اختصاصه بالعين .
وكذلك لو غصب خوصا فجعله زنبيلا لا سبيل للمغصوب منه عليه وهو بمنزلة الساجة إذا جعلها بناء .
ولو غصب نخلة فشقها فجعلها جذوعا كان له أن يأخذ الجذوع لأن عين المغصوب قائمة وإنما فرق الأجزاء فأشبه الثوب إذا قطعه ولم يخطه ولو غصب أرضا فبنى عليها أو غرس فيها لا ينقطع ملك المالك ويقال للغاصب : اقلع البناء والغرس وردها فارغة لأن الأرض بحالها لم تتغير ولم تصر شيئا آخر ألا ترى أنها لم تتركب بشيء وإنما جاورها البناء والغرس بخلاف الساجة لأنها ركبت وصارت من جملة البناء ألا يرى أنه يسمى الكل بناء واحدا فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك فللمالك أن يضمن له قيمة البناء والغرس مقلوعا ويكون له البناء والغرس لأن الغاصب يتضرر بالمنع من التصرف في ملك نفسه بالقلع والمالك أيضا يتضرر بنقصان ملكه فلزم رعاية الجانبين وذلك فيما قلنا .
ولو غصب تبر ذهب أو فضة فصاغه إناء أو ضربه دراهم أو دنانير فللمغصوب منه أن يأخذه ولا يعطيه شيئا لأجل الصياغة على قول أبي حنيفة C وفي قولهما لا سبيل له على ذلك وعلى الغاصب مثل ما غصب وأجمعوا على أنه إذا سبكه ولم يصغه أو جعله مربعا أو مطولا أو مدورا أن له أن يسترده ولا شيء عليه .
وجه قولهما : أن صنع الغاصب وقع استهلاكا لأن المغصوب بالصياغة صار شيئا آخر فأشبه ما إذا غصب حديدا فاتخذه سيفا أو سكينا .
وجه قوله : أن استهلاك الشيء إخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة موضوعة له مطلوبة منه عادة ولم يوجد ههنا لأن المطلوب من الذهب والفضة الثمينة وهي باقية بعدما استحدث الصنعة فلم يتحقق الاستهلاك فبقي على ملك المغصوب منه .
ولو غصب صفرا أو نحاسا أو حديدا فضربه آنية ينظر إن كان يباع وزنا فهو على الخلاف الذي ذكرنا في الذهب والفضة لأنه لم يخرج بالضرب والصناعة عن حد الوزن وإن كان يباع عددا ليس له أن يسترده بلا خلاف لأنه خرج عن كونه موزونا بخلاف الذهب والفضة لأن الوزن فيهما أصل لا يتصور سقوطه أبدا .
ولو غصب ثوبا فقطعه ولم يخطه أو شاة فذبحها ولم يشوها ولا طبخها لا ينقطع حق المالك إذ الذبح ليس باستهلاك بل هو تنقيص وتعييب فلا يوجب زوال الملك بل يوجب الخيار للمالك على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى