وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بيان ما يصير المالك به مستردا للمغصوب .
وأما بيان ما يصير المالك به مستردا للمغصوب فنقول وبالله التوفيق الأصل أن المالك يصير مستردا للمغصوب بإثبات يده عليه لأنه صار مغصوبا بتفويت يده عنه فإذا أثبت يده عليه فقد أعاده إلى يده فزالت يد الغاصب ضرورة إلا أن يغصبه ثانيا .
وعلى هذا تخرج المسائل : إذا كان المغصوب عبدا فاستخدمه أو ثوبا فلبسه أو دابة فركبها أو حمل عليها صار مستردا له ويبرأ الغاصب من الضمان لما قلنا سواء علم المالك أنه ملكه أو لم يعلم لأن إثبات اليد على العين أمر حسي لا يختلف بالعلم أو الجهل ولهذا لم يكن العلم شرطا لتحقق الغصب فلا يكون شرطا لبطلانه وكذلك لو كان طعاما فأكله لأنه أثبت يده عليه فبطلت يد الغاصب وكذا إذا أطعمه الغاصب يبرأ عن الضمان عندنا وعند الشافعي C : لا يبرأ .
وجه قوله : أنه غره في ذلك حيث أطعمه ولم يعلمه أنه ملكه فلا يسقط عنه الضمان .
ولنا : أنه أكل طعام نفسه فلا يستحق الضمان على غيره كما لو كان في يد الغاصب فاستهلكه .
وقوله : غره الغاصب ممنوع بل هو الذي اغتر بنفسه حيث تناول من غير بحث أنه ملكه أو ملك الغاصب والمغتر بنفسه لا يستحق الضمان على غيره ولو كان المغصوب عبدا فآجره من الغاصب للخدمة أو ثوبا فآجره منه للبس أو دابة للركوب وقبل الغاصب الإجارة برىء عن الضمان لأن الإجارة إذا صحت .
صارت يد الغاصب على المحل يد إجارة وأنها يد محقة فتبطل يد الغصب ضرورة فيبرأ عن الضمان حين وجبت عليه الإجارة بالإجارة .
وقالوا في الغاصب إذا آجر العبد المغصوب من مولاه ليبني له حائطا معلوما إنه يسقط ضمان الغصب حين يبتدىء بالبناء لأن البراءة عن الضمان في الموضعين جميعا متعلقة بوجوب الأجرة والأجرة في استئجار العبد والثوب تجب بالتسليم وهو التخلية وههنا تجب بالعمل لا بنفس التخلية لذلك افترقا .
ولو زوج الأمة المغصوبة من الغاصب لا يبرأ عن الضمان في قياس قول أبي حنيفة C وعند أبي يوسف : يبرأ بناء على أن المشتري هل يصير قابضا بالتزويج أم لا ؟ وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع في بيان حكم البيع .
ولو استأجر الغاصب لتعليم العبد المغصوب عملا من الأعمال فهو جائز لكنه لا يصير مستردا للعبد ولا يبرأ الغاصب عن الضمان بل هو في يد الغاصب على ضمانه حتى لو هلك قبل أن يأخذ في ذلك العمل أو بعده ضمن وكذلك لو استأجره لغسل الثوب المغصوب لأن الإجارة ههنا ما وقعت على المغصوب فلم تثبت يد الإجارة عليه لتبطل عنه يد الغاصب فبقي في يد الغصب كما كان فبقي مضمونا كما كان بخلاف استئجار المغصوب على ما بينا .
وإذا رد الغاصب الثاني المغصوب على الغاصب الأول برىء لأن يده يد المالك من وجه فيصح الرد عليه والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما الذي يتعلق بحال هلاك المغصوب فنوعان : أحدهما وجوب الضمان على الغاصب والثاني : ملك الغاصب المضمون .
أما وجوب الضمان الكلام فيه في مواضع : في بيان كيفية الضمان وفي بيان شرط وجوبه وفي بيان وقت وجوبه وفي بيان ما يخرج به الغاصب عن عهدته .
أما الأول : فالمغصوب لا يخلو إما أن يكون مما له مثل وإما أن يكون مما لا مثل له فإن كان مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة فعلى الغاصب مثله لأن ضمان الغصب ضمان اعتداء والاعتداء لم يشرع إلا بالمثل قال الله تبارك وتعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } و المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى فأما القيمة فمثل من حيث المعنى دون الصورة ولأن ضمان الغصب ضمان جبر الفائت ومعنى الجبر بالمثل أكمل منه من القيمة فلا يعدل عن المثل إلى القيمة إلا عند التعذر .
وقال زفر C : الجوز والبيض مضمونان بالقيمة لا بالمثل وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع .
وإن كان مما لا مثل له من المذروعات والمعدودات المتفاوتة فعليه قيمته لأنه تعذر إيجاب المثل صورة ومعنى لأنه لا مثل له فيجب المثل معنى وهو القيمة لأنها المثل الممكن .
والأصل في ضمان القيمة ما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ قضى في عبد بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه بنصف قيمته للذي لم يعتق ] والنص الوارد في العبد يكون واردا في إتلاف كل ما لا مثل له دلالة والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما شرط وجوب الضمان فشرط وجوب ضمان المثل والقيمة على الغاصب عجزه عن رد المغصوب فما دام قادرا على رده على الوجه الذي أخذ لا يجب عليه الضمان لأن الحكم الأصلي للغصب هو وجوب رد عين المغصوب لأن بالرد يعود عين حقه إليه وبه يندفع الضرر عنه من كل وجه والضمان خلف عن رد العين وإنما يصار إلى الخلف عند العجز عن رد الأصل وسواء عجز عن الرد بفعله بأن استهلكه أو بفعل غيره بأن استهلكه غيره أو بآفة سماوية بأن هلك بنفسه لأن المحل إنما صار مضمونا بالغصب السابق لأن فعله ذلك لا بالهلاك لأن الهلاك ليس صنعه لكن عند الهلاك يتقرر الضمان لأن عنده يتقرر العجز عن رد العين فيتقرر الضمان .
وعلى هذا يخرج ما إذا ادعى الغاصب هلاك المغصوب ولم يصدقه المغصوب منه إنه يطلب منه بينة فإن أقامها وإلا حبسه القاضي مدة يغلب على ظنه أنه لو كان في يده لأظهره ثم قضى عليه بالضمان لأن بذلك ثبت عجزه عن رد العين فيحبس كمن كان عليه دين فطولب به فادعى الإفلاس .
ومن شرط الخطاب بأداء الضمان أن يكون المثل موجودا في أيدي الناس حتى لو غصب شيئا له مثل ثم انقطع عن أيدي الناس لا يخاطب بأدائه للحال لأنه ليس بمقدور بل يخاطب بالقيمة .
ولو اختصما في حال انقطاعه عن أيدي الناس فقد اختلف أصحابنا الثلاثة : قال أبو حنيفة : يحكم على الغاصب بقيمته يوم يختصمون وقال أبو يوسف C : يوم الغصب وقال محمد C : يوم الانقطاع .
وجه قوله : أن الغصب أوجب المثل على الغاصب والمصير إلى القيمة للتعذر والتعذر حصل بسبب الانقطاع فتعتبر قيمته يوم الانقطاع كما لو استهلكه في ذلك الوقت .
وجه قول أبي يوسف C : أن سبب وجوب ضمان المثل عند القدرة والقيمة عند العجز هو الغصب والحكم يعتبر من وقت وجود سببه .
وجه قول أبي حنيفة عليه الرحمة : أن الواجب كان مثل المغصوب وبالانقطاع عن أيدي الناس لم يبطل الواجب لأن الأصل أن ما ثبت يبقى لتوهم الفائدة وتوهم العود ههنا ثابت ألا ترى أن للمالك أن يختار الإنتظار إلى وقت إدراكه فيأخذ المثل وإذا بقي المثل واجبا بعد الانقطاع فإنما انتقل حقه من المثل .
إلى القيمة بالخصومة فتعتبر قيمته وقت الخصومة .
فأما علم الغاصب يكون المغصوب ملك غيره فليس بشرط لوجوب الضمان حتى لو أخذ مالا على وجه يحق له أخذه ظاهرا وفي الباطن بخلافه كما إذا اشترى شيئا أو ملكه بوجه من الوجوه فتصرف فيه ثم تبين أنه مستحق يضمن لكن لا إثم عليه لأن العلم ليس بشرط لتحقق الغصب وهو شرط ثبوت المؤاخذة قال الله سبحانه وتعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } .
وأما وقت وجوب الضمان فوقت وجود الغصب لأن الضمان يجب بالغصب ووقت ثبوت الحكم وقت وجود سببه فتعتبر قيمة المغصوب يوم الغصب حتى لا يتغير بتغير السعر لأن السبب لم يتغير ولا تغير المحل أيضا لأن تراجع السعر لفتور يحدثه الله سبحانه وتعالى في قلوب عباده .
وأما بيان ما يخرج به الغاصب عن عهدة الضمان فالذي يخرج به عن عهدته شيئان : أحدهما أداء الضمان إلى المالك أو من يقوم مقامه لأن الأصل في طريق الخروج عن عهدة الواجب أداؤه .
ولو هلك المغصوب في يد الغاصب الثاني فأدى القيمة إلى الغاصب الأول يبرأ عن الضمان في الرواية المشهورة وروي عن أبي يوسف C أنه لا يبرأ إلا بقضاء القاضي .
وجه هذه الرواية : أن الضمان الواجب عليه للمالك فلا يسقط عنه إلا بالأداء إلى المالك .
وجه الرواية المشهورة : أن الضمان خلف عن العين قائم مقامه ثم لو رد العين برىء عن الضمان فكذا إذا رد القيمة لأن ذلك رد العين من حيث المعنى والثاني الإبراء وهو نوعان : صريح وما يجري مجرى الصريح ودلالة أما الأول فنحو أن يقول : أبرأتك عن الضمان أو أسقطته عنك أو وهبته منك وما أشبه ذلك فيبرأ عن الضمان لأنه أسقط حق نفسه وهو من أهل الإسقاط والمحل قابل للسقوط فيسقط .
وأما الثاني : فهو أن يختار المالك تضمين أحد الغاصبين فيبرأ الآخر لأن اختيار تضمين أحدهما إبراء للآخر دلالة لما ذكرنا فيما تقدم فيبرأ إما بنفس الاختيار أو بشريطه رضا من اختار تضمينه أو القضاء على اختلاف الروايتين اللتين ذكرناهما .
ولو أبرأه عن ضمان العين وهي قائمة في يده صح الإبراء وسقط عنه الضمان عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله وقال زفر C لا يصح .
وجه قوله : أن الإبراء إسقاط وإسقاط الأعيان لا يعقل فالتحق بالعدم وبقيت العين مضمونة كما كانت وإذا هلكت ضمن .
ولنا : أن العين صارت مضمونة بنفس الغصب لأن الغصب سبب لوجوب الضمان فكان هذا إبراء عن الضمان بعد وجود سبب وجوبه فيصح كالعفو عن القصاص بعد الجرح قبل الموت ولو أجل المغصوب منه الغاصب ببدل الغصب صح التأجيل عند أصحابنا وعند زفر لا يصح استدلالا بالقرض .
ولنا : عدم اللزوم في القرض لكونه جاريا مجرى الإعارة لما بين في كتاب القرض والأجل لا يلزم في العواري وهذا المعنى لا يوجد في الغصب فيلزمه وهذا لأن الأصل هو لزوم التأجيل لأنه تصرف صدر من أهله في محله وهو الدين إلا أن عدم اللزوم في باب القرض لضرورة الإعارة ولم يوجد ههنا فيلزم على الأصل والله تعالى أعلم .
وأما ملك الغاصب المضمون فالكلام في هذا الحكم في مواضع : في بيان أصل الحكم أنه سبب أم لا و في بيان وقت ثبوته وفي بيان صفة الحكم الثابت .
أما الأول : فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا رحمهم الله : يثبت إذا كان المحل قابلا للثبوت ابتداء وقال الشافعي C : لا يثبت أصلا حتى إن من غصب عبدا واكتسب في يد الغاصب ثم هلك العبد وضمن الغاصب قيمته فالكسب ملك للغاصب عندنا وعنده ملك للمالك .
ولو أبق العبد المغصوب من يد الغاصب وعجز عن رده إلى المالك فالمغصوب منه بالخيار إن شاء انتظر إلى أن يظهر وإن شاء لم ينتظر وضمن الغاصب قيمته ولو ضمنه قيمته ثم ظهر العبد ينظر إن أخذ صاحبه القيمة بقول نفسه التي سماها ورضي بها أو بتصادقهما عليه أو بقيام البينة أو بنكول الغاصب عن اليمين فلا سبيل له على العبد عندنا وعنده يأخذ عبده بعينه ولو كان المغصوب مدبرا يعود على ملك المالك با لإجماع .
وجه قوله : أن المالك لا بد له من سبب والغصب لا يصلح سببا لأنه محظور والملك نعمة وكرامة فلا يستفاد بالمحظور ولأن ضمان الغصب لا يقابل العين وإنما يقابل اليد الفائتة فلا تملك به العين كما في غصب المدبر .
ولنا أن ملك الغاصب يزول عن الضمان فلو لم يزل ملك المغصوب منه عن المضمون لم يكن الاعتداء بالمثل ولأنه إذا زال ملك الغاصب عن الضمان وأنه بدل المغصوب لأنه مقدر بقيمته وملك المغصوب منه البدل بكماله لو لم يزل ملكه عن المغصوب لاجتمع البدل والمبدل في ملك المالك وهذا لا يجوز وإذا زال ملك المالك عن المغصوب فالغاصب أثبت يده على مال قابل للملك لا ملك لأحد فيه فيملكه كما يملك الحطب والحشيش بإثبات يده عليهما وبه تبين أن ما هو سبب الملك فهو مباح لا حظر فيه فجاز أن يثبت به الملك بخلاف المدبر لأنه لا يحتمل ابتداء الملك فيزول ملك المالك لكن لا يملكه الغاصب لعدم قبول المحل للمتملك ابتداء وههنا بخلافه والله أعلم .
ولو أخذ صاحبه القيمة بقول الغاصب بأن اختلفا في القيمة وقضى القاضي بالقيمة بقول الغاصب وبيمينه ثم ظهر العبد ذكر في ظاهر الرواية أن المغصوب منه بالخيار إن شاء رضي بالمأخوذ وترك العبد عند الغاصب وإن شاء رد المأخوذ وأخذ العبد لأنه تبين أنا المأخوذ بعض بدل العين لا كله فلم يملك بدل المغصوب بكماله فيثبت له الخيار وإن أراد استرداد العبد فللغاصب أن يحبس العبد حتى يأخذ القيمة ولو مات العبد في يد الغاصب قبل رد القيمة لا يرد القيمة ولكن يأخذ من الغاصب فضل القيمة إن كان في قيمة العبد فضل على ما أخذه وإن لم يكن فيها فضل فلا شيء له سوى القيمة .
وروي عن أبي يوسف C أنه إذا ظهر العبد وقيمته أكثر مما قاله الغاصب فالمغصوب منه بالخيار على ما بينا فأما إذا كانت قيمته مثل ما قال الغاصب أو أقل منه فلا سبيل لصاحبه عليه .
وهكذا فصل الكرخي C لأنه رضي بزوال ملكه بهذا البدل وفي ظاهر الرواية أثبت الخيار من غيرتفصيل .
ولو اختلفا في زيادة القيمة فادعى الغاصب أنها حدثت بعد التضمين وادعى المغصوب منه أنها كانت قبله كان الجصاص يقول من تلقاء نفسه : إن القول قول الغاصب لأن التمليك قد صح فلا يفسخ الشك .
وأما وقت ثبوت الملك فهو وقت وجود الغصب لأن الملك في الضمان يستند إلى وقت وجود الغصب فكذا في المضمون فيظهر في الكسب والغلة والربح وأما شرط ثبوت الملك في المضمون فما هو شرط ثبوت الملك في الضمان وهواختيار الضمان عند أبي حنيفة C فالمغصوب قبل اختيار الضمان على حكم ملكه عنده فإنه لو أراد أن لا يختار الضمان حتى يهلك المغصوب على ملكه ويكون له ثواب هلاكه على ملكه ويخاصم الغاصب في القيمة له ذلك وعند أبي يوسف و محمد رحمهما الله هذا ليس بشرط ويثبت الملك قبل الاختيار في الضمان والمضمون جميعا وعلى هذا الأصل يبنى الصلح عن المغصوب الذي لامثل له على إضعاف قيمته أنه جائزعنده وعندهما لايجوز ووجه البناء : أنه لما وجب الضمان بنفس الهلاك عندهما وهو مال مقدر والزيادة عليه تكون ربا ولما توقف الوجوب على اختيار المالك عنده ولم يوجد منه الاختيار كان الصلح تقديرا لقيمة المغصوب هذا القدر وتمليكا للمغصوب به كأنه باعه من الغاصب به فجاز والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما صفة الملك الثابت للغاصب في المضمون فلا خلاف بين أصحابنا في أن الملك الثابت له يظهر في حق نفاذ التصرفات حتى لو باعه أو وهبه أو تصدق به قبل أداء الضمان ينفذ كما تنفذ هذه التصرفات في المشترى شراء فاسدا واختلفوا في أنه هل يباح له الانتفاع به بأن ياكله بنفسه أو يطعمه غيره قبل أداء الضمان فإذا حصل فيه فضل هل يتصدق بالفضل ؟ .
قال أبو حنيفة Bه و محمد C : لا يحل له الانتفاع خى يرضى صاحبه وإن كان فضل يتصدق بالفضل .
وقال أبو يوسف C : يحل له الانتفاع ولا يلزمه التصدق بالفضل إن كان فيه فضل وهو قول الحسن و زفر رحمهما الله وهو القياس وقول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله استحسان .
وجه القياس : أن المغصوب مضمون لا شك فيه وهو مملوك للغاصب من وقت الغصب على أصل أصحابنا فلا معنى للمنع من الانتفاع وتوقيف الحل على رضا غير المالك كما في سائر أملاكه ويطيب له الربح لأنه ربح ما هو مضمون ومملوك وربح ما هو مضمون غير مملوك يطيب له عنده لما نذكر فربح المملوك المضمون أولى .
وجه الاستحسان : ما روي أنه E : [ أضافه قوم من الأنصار فقدموا إليه شاة مصلية فجعل E يمضغه ولا يسيغه فقال E : إن هذه الشاة لتخبرني أنها ذبحت بغير حق فقالوا : هذه الشاة لجار لنا ذبحناها لترضيه بثمنها فقال E : أطعموها الأسارى ] أمر صلى الله عليه و سلم بأن يطعموها الأسارى ولم ينتفع به ولا أطلق لأصحابه الانتفاع بها ولو كان حلالا طيبا لأطلق مع خصاصتهم وشدة حاجتهم إلى الأكل ولأن الطيب لا يثبت إلا بالملك المطلق وفي هذا .
الملك شبهة العدم لأنه يثبت من وقت الغصب بطريق الاستناد والمستند يظهر من وجه ويقتصر على الحال من وجه فكان في وجوده من وقت الغصب شبهة العدم فلا يثبت به الحل والطيب ولأن الملك من وجه حصل بسبب محظور أو وقع محظورا بابتدائه فلا يخلو من خبث ولأن إباحة الانتفاع قبل الإرضاء يؤدي إلى تسليط السفهاء على أكل أموال الناس بالباطل وفتح باب الظلم على الظلمة وهذا لا يجوز .
وعلى هذا يخرج ما إذا غصب حنطة فطحنها أنه لا يحل له الانتفاع بالدقيق حتى يرضي صاحبه ولو غصب حنطة فزرعها قال أبو حنيفة و محمد : يكره له أن ينتفع به حتى يرضي صاحبه ويتصدق بالفضل .
وقال أبو يوسف : لا يكره له الانتفاع به قبل أداء الضمان ولا يلزمه التصدق بالفضل فظاهر هذا الإطلاق يدل على أن عندهما يكره الانتفاع به حتى يرضى صاحبه بأداء الضمان وفرق أبو يوسف بين الزرع والطحن فقال في الطحن مثل قولهما أنه لا يحل الانتفاع به حتى يرض صاحبه لأن الحنطة لم تهلك بالطحن وإنما تغيرت صفتها من التركيب إلى التفريق فكان عين الحنطة قائمة فكان حق المالك فيها قائما خلاف الزرع لأن البذر يهلك بالزراعة لأنه يغيب في الأرض فيخرج من أن يكون مالا متقوما فلم يبق للمالك فيه حق فلم يكره الانتفاع به .
وكذلك قال أبو يوسف C : فيمن غصب نوى فصار نخلا أنه يحل الانتفاع به كما في الحنطة إذا زرعها وقال في الودي إذا غرسه فصار نخلا أنه يكره الانتفاع به حتى يرضى صاحبه لأن النوى يعفن ويهلك والودي يزيد في نفسه .
وروي عن أبي حنيفة : في الشاة إذا ذبحها فشواها أنه لا يسع له أن يأكلها ولا يطعم أحدا حتى يضمن القيمة وإن كان صاحبها غائبا أو حاضرا لا يرضى بالضمان لا يحل له أكلها وإذا دفع الغاصب قيمتها يحل له الأكل كذلك إذا ضمنه المالك القيمة أو ضمنه الحاكم وهذا عندي ليس باختلاف رواية بل هذه الرواية تفسير للأولى لأن قوله حتى يرضى صاحبه بحله يحتمل الإرضاء بأداء الضمان ويحتمل الإرضاء باختيار الضمان فالمذكور ههنا مفسر فيحمل المجمل على المفسر فيحمل قوله حتى يرضيه على الإرضاء باختيار الضمان ورضاه لا على الإرضاء بأداء الضمان توفيقا بين الروايتين فلا يحل له الانتفاع به قبل اختيار الضمان ويحل بعده سواء أدى الضمان أو لا وهذا قولهما وهو قياس قول أبي يوسف C في الشاة المشوية أنه يحل له الانتفاع بها فيأكلها ويطعمها من شاء سواء أدى الضمان أم لا ولا خلاف في أنه إذا أدى الضمان أنه يحل له الأكل وكذلك إذا أبرأ عن الضمان وكذلك إذا ضمنه المالك القيمة أو ضمنه القاضي لأن القاضي لا يضمنه إلا بعد طلبه فكان منه اختيارا للضمان ورضا به .
وعلى هذا يخرج ما إذا غصب عبدا فاستغله فنقصته الغلة أنه يضمن النقصان والغلة له ويتصدق بها في قولهما وعند أبي يوسف هي طيبة .
أما ضمان النقصان فلأن الاستغلال وقع إتلافا فيضمن قدر ما أتلف ويطيب له قدر المضمون لأن ذلك القدر ليس بربح والنهي وقع عن الربح .
وأما الغلة فللغاصب عندنا وعند الشافعي C : للمالك وهي فريعة مسألة المنافع وقد مرت في موضعها .
وأما التصدق بالغلة وهي الأجرة عندهما فلأنها خبيثة لحصولها بسبب خبيث فكان سبيلها التصدق و لأبي يوسف أنه E : [ نهى عن ربح ما لم يضمن ] وهذا ربح مضمون .
والجواب : أن التحريم لعدم الضمان يدل على التحريم لعدم الملك من طريق الأولى لأن الملك فوق الضمان .
ولو غصب أرضا فزرعها كرا فنقصتها الزراعة وأخرجت ثلاثة أكرار يغرم النقصان ويأخذ رأس المال ويتصدق بالفضل أما ضمان النقصان فلأن الغاصب نقص الأرض بالزراعة وذلك إتلاف منه والعقار مضمون بالإتلاف بلا خلاف وأما التصدق بالفضل فلحصوله بسبب خبيث وهي الزراعة في أرض الغصب وإن كان البذر ملكا له ويطيب له قدر النقصان وقدر البذر لما ذكرنا أن النهي ورد عن الربح وذا ليس بربح فلم يحرم والله أعلم .
وعلى هذا يخرج ما إذا غصب ألفا فاشترى جارية فباعها بألفين ثم اشترى بالألفين جارية فباعها بثلاثة آلاف أنه يتصدق بجميع الربح في قولهما وعند أبي يوسف C لا يلزمه التصدق بشيء لأنه ربح مضمون مملوك لأنه عند أداء الضمان يملكه مستندا إلى وقت الغصب ومجرد الضمان يكفي للطيب فكيف إذا اجتمع الضمان والملك ؟ وهما يقولان : الطيب كما لا يثبت بدون الضمان لا يثبت بدون الملك من طريق الأولى وفي هذا الملك شبهة العدم على ما بينا فيما تقدم فلا يفيد الطيب .
ولو اشترى بالألف جارية تساوي ألفين فوهبها أو اشترى به طعاما يساوي ألفين فأكله لم يتصدق بشيء لأنه لم يحصل له الربح ولأن الخبث إنما يثبت بشبهة عدم الملك والشبهة توجب التصدق إما لا توجب التضمين .
وعلى هذا يخرج ما إذا خلط المستودع إحدى الوديعتين بالأخرى خلطا لا يتميز أن المخلوط يصير ملكا له عند أبي حنيفة C لكن لا يطيب له حتى يرضى صاحبه على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
ولو اشترى بالدراهم المغصوبة شيئا هل يحل له الانتفاع به أو يلزمه التصدق ذكر الكرخي C وجعل ذلك على أربعة أوجه : إما أن يشير إليها وينقد منها وأما أن يثير إليها وينقد من غيرها وأما أن يشير إلى غيرها وينقد منها وإما أن يطلق إطلاقا وينقد منها وإذا ثبت الطيب في الوجوه كلها إلا في وجه واحد وهو أن يجمع بين الإشارة إليها والنقد منها .
وذكر أبو نصر الصفار والفقيه أبو الليث رحمهما الله : أنه يطيب في الوجوه كلها وذكر أبو بكر الإسكاف C أنه لا يطيب في الوجوه كلها وهو الصحيح .
وجه قول أبي نصر و أبي الليث رحمهما الله تعالى : أن الواجب في ذمة المشتري دراهم مطلقة والمنقودة بدل عما في الذمة أما عند عدم الإشارة فظاهر وكذا عند الإشارة لأن الإشارة إلى الدراهم لا تفيد التعيين فالتحقت الإشارة إليها بالعدم فكان الواجب في ذمته دراهم مطلقة والدراهم المنقودة بدلا عنها فلا يخبث المشترى و الكرخي كذلك يقول إذا لم تتأكد الإشارة بمؤكد وهو النقد منها فإذا تأكدت بالنقد منها تعين المشار إليه فكان المنقود بدل المشترى فكان خبيثا .
وجه قول أبي بكر : أنه استفاد بالحرام ملكا من طريق الحقيقة أو الشبهة فيثبت الخبث وهذا لأنه إن أشار إلى الدراهم المغصوبة فالمشار إليه إن كان لا يتعين في حق الاستحقاق يتعين في حق جواز العقد بمعرفة جنس النقد وقدره فكان المنقود بدل المشترى من وجه نقد منها أو من غيرها وإن لم يشر إليها ونقد منها فقد استفاد بذلك سلامة المشترى فتمكنت الشبهة فيخبث الربح وإطلاق الجواب في الجامعين والمضاربة دليل صحة هذا القول .
ومن مشايخنا من اختار الفتوى في زماننا بقول الكرخي تيسيرا للأمر على الناس لازدحام الحرام وجواب الكتب أقرب إلى التنزه والاحتياط والله تعالى أعلم .
ولأن دراهم الغصب مستحقة الرد على صاحبها وعند الاستحقاق ينفسخ العقد من الأصل فتبين أن المشترى كان مقبوضا بعقد فاسد فلم يحل الانتفاع به ولو تزوج بالدراهم المغصوبة امرأة وسعه أن يطأها بخلاف الشراء لما ذكرنا أن عند الاستحقاق ينفسخ الشراء والنكاح لا يحتمل الفسخ .
ولو كان المغصوب ثوبا فاشترى به جارية لا يسعه أن يطأها ولو تزوج عليه امرأة حل له وطؤها لما قلنا والله D أعلم