وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

القسم الأول من بيان حكم ما عدل المكر إلى غير ما وقع عليه الإكراه .
وأما النوع الذي هو مرخص فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان مع اطمئنان القلب بالإيمان إذا كان الإكراه تاما وهو محرم في نفسه مع ثبوت الرخصة فأثر بالرخصة في تغير حكم الفعل وهو المؤاخذة لا في تغير وصفه وهو الحرمة لأن كلمة الكفر مما لا يحتمل الإباحة بحال فكانت الحرمة قائمة إلا أنه سقطت المؤاخذة لعذر الإكراه قال الله تبارك وتعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان على التقديم والتأخير في الكلام والله سبحانه وتعالى أعلم .
والامتناع عنه أفضل من الإقدام عليه حتى لو امتنع فقتل كان مأجورا لأنه جاد بنفسه في سبيل الله تعالى فيرجو أن يكون له ثواب المجاهدين بالنفس هنا وقال E : [ من قتل مجبرا في نفسه فهو في ظل العرش يوم القيامة ] وكذلك التكلم بشتم النبي عليه السلام مع اطمئنان القلب بالإيمان .
والأصل فيه [ ما روي أن عمار بن ياسر Bهما لما أكرهه الكفار ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقال له ما وراءك يا عمار ؟ فقال شر يا رسول الله تركوني حتى نلت منك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن عادوا فعد ] فقد رخص E في إتيان الكلمة بشريطة اطمئنان القلب بالإيمان حيث أمره E بالعود إلى ما وجد منه لكن الامتناع أفضل لما مر .
ومن هذا النوع شتم المسلم لأن عرض المسلم حرام التعرض في كل حال قال النبي E : [ كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله ] إلا أنه رخص له لعذر الإكراه وأثر الرخصة في سقوط المؤاخذة دون الحرمة والامتناع عنه حفظا لحرمة المسلم و إيثارا له على نفسه أفضل ومن هذا النوع إتلاف مال المسلم لأن حرمة مال المسلم حرمة دمه على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يحتمل السقوط بحال إلا أنه رخص له الإتلاف لعذر الإكراه حال المخمصة على ما نذكر ولو امتنع حتى قتل لا يأثم بل يثاب لأن الحرمة قائمة فهو بالامتناع قضى حق الحرمة فكان مأجورا لا مأزورا وكذلك إتلاف مال نفسه مرخص بالإكراه لكن مع قيام الحرمة حتى إنه لو امتنع فقتل لا يأثم بل يثاب لأن حرمة ماله لا تسقط بالإكراه لو امتنع فقتل لا يأثم بل يثاب لأن حرمة ماله لا تسقط بالإكراه ألا ترى أنه أبيح له الدفع قال النبي عليه السلام : [ قاتل دون مالك ] وكذا من أصابته المخمصة فسأل صاحبه الطعام فمنعه فامتنع من التناول حتى مات أنه لا يأثم لما ذكرنا أنه بالامتناع راعى حق الحرمة .
هذا إذا كان الإكراه تاما فإن كان ناقصا من الحبس والقيد والضرب الذي لا يخاف منه تلف النفس والعضو لا يرخص له أصلا ويحكم بكفره وإن قال : كان قلبي مطمئنا بالإيمان فلا يصدق في الحكم على ما نذكر .
ويأثم بشتم المسلم وإتلاف ماله لأن الضرورة لم تتحقق وكذا إذا كان الإكراه تاما ولكن في أكبر رأي المكره إن المكره لا يحقق ما أوعده لا يرخص له الفعل أصلا ولو فعل يأثم لانعدام تحقق الضرورة لانعدام الإكراه شرعا والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما النوع الذي لا يباح ولا يرخص بالإكراه أصلا فهو قتل المسلم بغير حق سواء كان الإكراه ناقصا أو تاما لأن قتل المسلم بغير حق لا يحتمل الإباحة بحال قال الله تبارك وتعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } وكذا قطع عضو من أعضائه والضرب المهلك قال الله سبحانه وتعالى : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } وكذلك ضرب الوالدين قل أو كثر قال الله تعالى : { فلا تقل لهما أف } والنهي عن التأفيف نهي عن الضرب دلالة بالطريق الأولى فكانت الحرمة قائمة بحكمها فلا يرخص الإقدام عليه ولو أقدم يأثم والله أعلم .
وأما ضرب غير الوالدين إذا كان مما لا يخاف منه التلف كضرب سوط أو نحوه فيرجى أن لا يؤاخذ به وكذا الحبس والقيد لأن ضرره دون ضرر المكره بكثير فالظاهر أنه يرضى بهذا القدر من الضرر لإحياء أخيه ولو أذن له المكره عليه أو قطعه أو ضربه فقال للمكره : افعل لا يباح له أن يفعل لأن هذا مما لا يباح بالإباحة ولو فعل فهو آثم ألا ترى أنه لو فعل بنفسه أثم فبغيره أولى وكذا الزنا من هذا القبيل أنه لا يباح ولا يرخص للرجل بالإكراه وإن كان تاما ولو فعل يأثم لأن حرمة الزنا ثابتة في العقول قال الله سبحانه وتعالى : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } فدل أنه كان فاحشة في العقل قبل ورود الشرع فلا يحتمل الرخصة بحال كقتل المسلم بغير حق ولو أذنت المرأة به لا يباح أيضا حرة كانت أو أمة أذن له مولاها لأن الفرج لا يباح بالإباحة وأما المرأة فيرخص لها لأن الذي يتصور منها ليس إلا التمكين وهي مع ذلك مدفوعة إليه وهذا عندي فيه نظر لأن فعل الزنا كما يتصور من الرجل يتصور من المرأة .
ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى سماها زانية إلا أن زنا الرجل بالإيلاج وزناها بالتمكين والتمكين فعل منها لكنه فعل سكوت فاحتمل الوصف بالحظر والحرمة فينبغي أن لا يختلف فيه حكم الرجل والمرأة فلا يرخص للمرأة كما لا يرخص للرجل والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما الحكم الذي يرجع إلى الدنيا في الأنواع الثلاثة .
أما النوع الأول : فالمكره على الشرب لا يجب عليه الحد إذا كان الإكراه تاما لأن الحد شرع زاجرا عن الجناية في المستقبل والشرب خرج من أن يكون جناية بالإكراه وصار مباحا بل واجبا عليه على ما مر وإذا كان ناقصا يجب لأن الإكراه الناقص لم يوجب تغير الفعل عما كان عليه قبل الإكراه بوجه ما فلا يوجب تغير حكمه والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما النوع الثاني : فالمكره على الكفر لا يحكم بكفره إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان بخلاف المكره على الإيمان أنه يحكم بإيمانه والفرق بينهما من وجهين : أحدهما : أن الإيمان في الحقيقة تصديق والكفر في الحقيقة تكذيب وكل ذلك عمل القلب والإكراه لايعمل على القلب فإن كان مصدقا بقلبه كان مؤمنا لوجود حقيقة الإيمان وإن كان مكذبا بقلبه كان كافرا لوجود حقيقة الكفر إلا أن عبارة اللسان جعل دليلا على التصديق والتكذيب ظاهرا حالة الطوع وقد بطلت هذه الدلالة بالإكراه فبقي الإيمان منه والكفر محتملا فكان ينبغي أن لا يحكم بالإسلام حالة االإكراه مع الاحتمال كما لم يحكم بالكفر فيها بالاحتمال إلا أنه حكم بذلك لوجهين : .
أحدهما : أنا إنما قبلنا ظاهر إيمانه مع الإكراه ليخالط المسلمين فيرى محاسن الإسلام فيؤول أمره إلى الحقيقة وإن كنا لا نعلم بإيمانه لا قطعا ولا غالبا وهذا جائر ألا ترى أن الله تبارك وتعالى أمرنا في النساء المهاجرات بامتحانهن بعد وجود ظاهر الكلمة منهن بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } ليظهر لنا إيمانهن بالدليل الغالب لقوله عز شأنه : { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } كذا ههنا وهذا المعنى لا يتحقق في الإكراه على الكفر .
والثاني : أن اعتبار الدليل المحتمل في باب الإسلام يرجع إلى إعلاء الدين الحق وإن اعتبار الغالب يرجع إلى ضده وإعلاء الدين الحق واجب قال النبي E : [ الإسلام يعلو ولا يعلى ] فوجب اعتبار المحتمل دون الغالب إعلاءا لدين الحق وذلك في الحكم بإيمان المكره على الإيمان والحكم بعدم كفر المكره والله سبحانه وتعالى أعلم .
ولو أكره على الإسلام فأسلم ثم رجع يجبر على الإسلام ولا يقتل بل يحبس ولكن لا يقتل والقياس أن يقتل لوجود الردة منه وهي الرجوع عن الإسلام .
وجه الاستحسان : أنا إنما قبلنا كلمة الإسلام منه ظاهرا طمعا للحقيقة ليخالط المسلمين فيرى محاسن الإسلام فينجع التصديق في قلبه على ما مر فإذا رجع تبين أنه لا مطمع لحقيقة الإسلام فيه وأنه على اعتقاده الأول فلم يكن هذا رجوعا عن الإسلام بل إظهارا لما كان في قلبه من التكذيب فلا يقتل وكذلك الكافر إذا .
أسلم وله أولاد صغار حتى حكم بإسلامهم تبعا لأبيهم فبلغوا كفارا يجبرون على الإسلام ولا يقتلون لأنه لم يوجد منهم الإسلام حقيقة فلم يتحقق الرجوع عنه والله سبحانه وتعالى أعلم .
ولو أكره على أن يقر أنه أسلم أمر فأقر لايحكم بإسلامه لأن الإكراه يمنع صحة الإقرار لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وإذا لم يحكم بكفره بإجراء الكلمة لا تثبت أحكام الكفر حتى لا تبين منه امرأته والقياس أن تثبت البينونة لوجود سبب الفرقة وهو الكلمة أو هي من أسباب الفرقة بمنزلة كلمة الطلاق ثم حكم تلك لا يختلف بالطوع والكره فكذا حكم هذه .
وجه الاستحسان : أن سبب الفرقة الردة دون نفس الكلمة وإنما الكلمة دلالة عليها حالة الطوع ولم يبق دليلا حالة الإكراه فلم تثبت الردة فلا تثبت البينونة ولو قال المكره خطر ببالي في قولي كفرت بالله أن أخبر عن الماضي كاذبا ولم أكن فعلت لا يصدق في الحكم ويحكم بكفره لأنه دعي إلى إنشاء الكفر وقد أخبر أنه أتى بالإخبار وهو غير مكره على الإخبار بل هو طائع فيه ولو قال طائعا : كفرت بالله ثم قال : عنيت به الإخبار عن الماضي كاذبا ولم أكن فعلت لا يصدق في القضاء كذا هذا ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله كلامه وإن كان خلاف الظاهر .
ولو أكره على الإخبار فيما مضى ثم قال : ما أردت به الخبر عن الماضي فهو كافر في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه لم يجبه إلى ما دعاه إليه بل أخبر أنه أنشأ الكفر طوعا .
ولو قال : لم يخطر ببالي شيء آخر لا يحكم بكفره لأنه إذا لم يرد شيئا يحمل على الإجابة إلى ظاهر الكلمة مع اطمئنان القلب بالإيمان فلا يحكم بكفره وكذلك لو أكره على الصلاة للصليب فقام يصلي فخطر بباله أن يصلي لله تعالى وهو مستقبل القبلة أو غير مستقبل القبلة فينبغي أن ينوي بالصلاة أن تكون لله .
D فإذا قال : نويت به ذلك لم يصدق في القضاء ويحكم بكفره لأنه أتى بغير ما دعي إليه فكان طائعا والطائع إذا فعل ذلك وقال : نويت به ذلك لا يصدق في القضاء كذا هذا ويصدق فيما بينه وبين الله عز شأنه لأنه نوى ما يحتمله فعله ولو صلى للصليب ولم يصل لله سبحانه وتعالى وقد خطر بباله ذلك فهو كافر بالله في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه صلى للصليب طائعا مع إمكان الصلاة لله تعالى .
وإن كان مستقبل الصليب فإن لم يخطر بباله شيء وصلى للصليب ظاهرا وقلبه مطمئن بالإيمان لا يحكم بكفره ويحمل على الإجابة إلى ظاهر ما دعى إليه مع سكون قلبه بالإيمان وكذلك لو أكره على سب النبي صلى الله عليه و سلم فخطر بباله رجل آخر اسمه محمد فسبه وأقر بذلك لا يصدق في الحكم ويحكم بكفره لأنه إذا خطر بباله رجل آخر فهذا طائع في سب النبي محمد E ثم قال : عنيت به غيره فلا يصدق في الحكم ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله كلامه ولو لم يقصد بالسب رجلا آخر فسب النبي صلى الله عليه و سلم فهو كافر في القضاء وفيما بينه وبين الله جل شأنه ولو لم يخطر بباله شيء لا يحكم بكفره ويحمل على جهة الإكراه على ما مر والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا إذا كان الإكراه على الكفر تاما فأما إذا كان ناقصا يحكم بكفره لأنه ليس بمكره في الحقيقة لأنه ما فعله للضرورة بل لدفع الغم عن نفسه ولو قال : كان قلبي مطمئنا بالإيمان لا يصدق في الحكم لأنه خلاف الظاهر كالطائع إذا أجرى الكلمة ثم قال : كان قلبي مطمئنا بالإيمان ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى .
وأما المكره على إتلاف مال الغير إذا أتلفه يجب الضمان على المكره دون المكره إذا كان الإكراه تاما لأن المتلف هو المكره من حيث المعنى وإنما المكره بمنزلة الآلة على معنى أنه مسلوب الاختيار إيثارا وارتضاء وهذا النوع من الفعل مما يمكن تحصيله بآلة غيره بأن يأخذ المكره فيصر به على المال فأمكن جعله آلة المكره فكان التلف حاصلا بإكراهه فكان الضمان عليه وإن كان الإكراه ناقصا فالضمان على المكره لأن الإكراه الناقص لا يجعل المكره آلة المكره لأنه لا يسلب الاختيار أصلا فكان الإتلاف من المكره فكان الضمان عليه وكذلك لو أكره على أن يأكل مال غيره فالضمان عليه لأن هذا النوع من الفعل وهو الأكل مما لا يعمل عليه الإكراه لأنه لا يتصور تحصيله بآلة غيره فكان طائعا فيه فكان الضمان عليه .
ولو أكره على أن يأكل طعام نفسه فأكل أو على أن يلبس ثوب نفسه فلبس حتى تخرق لا يجب الضمان على المكره لأن الإكراه على أكل مال غير لما لم يوجب الضمان على المكره فعلى مال نفسه أولى مع ما أن أكل مال نفسه وليس ثوب نفسه لبس من باب الإتلاف بل هو صرف مال نفسه إلى مصلحة بقائه ومن صرف مال نفسه إلى مصلحته لا ضمان له على أحد .
ولو أذن صاحب المال المكره بإتلاف ماله من غير إكراه فأتلفه لا ضمان على أحد لأن الإذن بالإتلاف يعمل في الأموال لأن الأموال مما تباح بالإباحة وإتلاف مال مأذون فيه لا يوجب الضمان والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما النوع الثالث فأما المكره على القتل فإن كان الإكراه تاما فلا قصاص عليه عند أبي حنيفة و محمد Bهما ولكن يعزر ويجب على المكره وعند أبي يوسف C لا يجب القصاص عليهما ولكن تجب الدية على المكره وعند زفر C يجب القصاص على المكره دون المكره وعند الشافعي C يجب عليهما .
وجه قول الشافعي C : أن القتل اسم لفعل يفضي إلى زهوق الحياة عادة وقد وجد في كل واحد منهما إلا أنه حصل من المكره مباشرة ومن المكره تسبيبا فيجب القصاص عليهما جميعا .
وجه قول زفر C : أن القتل وجد من المكره حقيقة حسا ومشاهدة وإنكار المحسوس مكابرة فوجب اعتباره منه دون المكره إذ الأصل اعتبار الحقيقة لا يجوز العدول عنها إلا بدليل .
وجه قول أبي يوسف C : أن المكره ليس بقاتل حقيقة بل هو مسبب للقتل وإنما القاتل هو المكره حقيقة ثم لما لم يجب القصاص عليه فلأن لا يجب على المكره أولى .
وجه قول أبي حنيفة و محمد عليهما الرحمة ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ عفوت عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] وعفو الشيء عفو عن موجبه فكان موجب المستكره عليه معفوا بظاهر الحديث ولأن القاتل هو المكره من حيث المعنى وإنما الموجود من المكره صورة القتل فأشبه الآلة إذ القتل مما يمكن اكتسابه بآلة الغير كإتلاف المال ثم المتلف هو المكره حتى كان الضمان عليه فكذا القاتل .
ألا ترى أنه إذا أكره على قطع يد نفسه له أن يقتص من المكره ولو كان هو القاطع حقيقة لما اقتص ولأن معنى الحياة أمر لا بد منه في باب القصاص قال الله تعالى [ ولكم في القصاص حياة ] ومعنى الحياة شرعا واستيفاء لا يحصل بشرع القصاص في حق المكره واستيفائه منه على ما مر في مسائل الخلاف لذلك وجب على المكره دون المكره وإن كان الإكراه ناقصا وجب القصاص على المكره بلا خلاف لأن الإكراه الناقص يسلب الاختيار أصلا فلا يمنع وجوب القصاص وكذلك لو كان المكره صبيا أو معتوها يعقل ما أمره به فالقصاص على المكره عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله لما ذكرنا .
ولو كان الصبي المكره يعقل وهو مطاع أو بالغ مختلط العقل وهو مسلط لا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية لأن عمد الصبي خطأ .
ولو قال المكره على قتله للمكره اقتلني من غير إكراه فقتله لا قصاص عليه عند أصحابنا الثلاثة لأنه لو قتله من غير إذن لا يجب عليه فهذا أولى وعند زفر يجب عليه القصاص وكذا لا قصاص على المكره عندنا وفي وجوب الدية روايتان وموضع المسألة كتاب الديات .
ومن الأحكام التي تتعلق بالإكراه على القتل أن المكره على قتل مورثه لا يحرم الميراث عند أصحابنا الثلاثة لما ذكرنا أن الموجود من المكره صورة القتل لا حقيقته بل هو في معنى الآلة فكان القتل مضافا إلى المكره ولأنه قتل لا يتعلق به وجوب القصاص ولا يوجب الكفارة فلا يوجب حرمان الميراث وعلى قياس قول زفر و الشافعي رحمهما الله يحرم الميراث لأنه يتعلق به وجوب القصاص وأما المكره فيحرم الميراث عند أبي حنيفة و محمد و الشافعي Bهم لوجوب القصاص عليه وعند أبي يوسف و زفر رحمهما الله : لا يحرم لانعدام وجوب القصاص عليه والكفارة والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا إذا كان المكره بالغا فإن كان صبيا وهو وارث المقتول لا يحرم الميراث لأن من شرط كون القتل جارما أن يكون حراما وفعل الصبي لا يوصف بالحرمة ولهذا إذا قتله بيد نفسه لا يحرم فإذا قتله بيد غيره أولى .
وكذلك المكره على قطع يد إنسان إذا قطع فهو على الاختلاف الذي ذكرنا في القتل غير أن صاحب اليد إذا كان أذن للمكره بقطع يده من غير إكراه فقطع لا ضمان على أحد وفي باب القتل إذا أذن لمكره على قتله المكره بالقتل فقتل فهو اختلاف الرواية في وجوب الدية على المكره والله سبحانه وتعالى أعلم والفرق أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال في بعض الأحوال والإذن بإتلاف المال المحض مبيح فالأذن بإتلاف ماله حكم المال في الجملة يورث شبهة الإباحة فيمنع وجوب الضمان بخلاف النفس يدل على التفرقة بينهما أنه إذا قال له : لتقطعن يدك وإلا لأقتلنك كان في سعة من ذلك ولا يسعه ذلك في النفس والله D أعلم .
وأما المكره على الزنا فقد كان أبو حنيفة C يقول أولا : إذا أكره الرجل على الزنا يجب عليه الحد وهو القياس لأن الزنا من الرجل لا يتحقق إلا بانتشار الآلة والإكراه لا يؤثر فيه فكان طائعا في الزنا فكان عليه الحد ثم رجع وقال : إذا كان الإكراه من السلطان لا يجب بناء على أن الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان عنده وعندهما يتحقق من السلطان وغيره فإذا جاء من غير السلطان ما يجيء من السلطان لا يجب والفرق لأبي حنيفة ما ذكرنا من من قبل أن المكره يلحقه الغوث إذا كان الإكراه من غير السلطان ولا يجد غوثا إذا كان الإكراه منه .
وأما قوله إن الزنا لا يتحقق إلا بانتشار الآلة فنعم لكن ليس كل من تنتشر آلته يفعل فكان فعله بناء على إكراهه فيعمل فيه لضرورته مدفوعا إليه خوفا من القتل فيمنع وجوب الحد ولكن يجب العقر على المكره لأن الزنا في دار الإسلام لا يخلو عن إحدى الغرامتين وإنما وجب العقر على المكره دون المكره لأن الزنا .
مما لا يتصور تحصيله بآلة غيره والأصل أن كل ما لا يتصور تحصيله بآلة الغير فضمانه على المكره وما يتصور تحصيله بآلة الغير فضمانه على المكره كذلك المرأة إذا أكرهت على الزنا لا حد عليها لأنها بالإكراه صارت محمولة على التمكين خوفا من مضرة السيف فيمنع وجوب الحد عليها كما في جانب الرجل بل أولى لأن الموجود منها ليس إلا التمكين ثم الإكراه لما أثر في جانب الرجل فلأن يؤثر في جانبها أولى .
هذا إذا كان إكراه الرجل تاما فأما إذا كان ناقصا بحبس أو قيد أو ضرب لا يخاف منه التلف يجب عليه الحد لما مر أن الإكراه الناقص لا يجعل المكره مدفوعا إلى فعل ما أكره فبقي مدفوعا مطلقا فيؤاخذ بحكم فعله .
وأما في حق المرأة فلا فرق بين الإكراه التام والناقص ويدرأ الحد عنها في نوعي الإكراه لأنه لم يوجد منها فعل الزنا بل الموجود هو التمكين وقد خرج من أن يكون دليل الرضا بالإكراه فيدرأ عنها الحد .
هذا الذي ذكرنا إذا كان المكره عليه معينا فأما إذا كان مخيرا فيه بأن أكره على أحد فعلين من الأنواع الثلاثة غير معين فنقول وبالله التوفيق أما الحكم الذي يرجع إلى الآخرة وهو ما ذكرنا من الإباحة والرخصة والحرمة المطلقة فلا يختلف التخيير بين المباح والمرخص أنه يبطل حكم الرخصة أعني به أن كل ما يباح .
حالة التعيين يباح حالة التخيير وكل ما لا يباح ولا يرخص حالة التعيين لا يباح ولا يرخص حالة التخيير وكل ما يرخص حالة التعيين يرخص حالة التخيير إلا إذا كان التخيير بين المباح وبين المرخص .
وبيان هذه الجملة إذا أكره على أكل ميتة أو قتل مسلم يباح له الأكل ولا يرخص له القتل وكذا إذا أكره على أكل ميتة أو أكل ما لايباح ولا يرخص حالة التعيين من قطع اليد وشتم المسلم والزنا يباح له الأكل ولا يباح شيء من ذلك ولا يرخص كما في حالة التعيين ولو امتنع من الأكل حتى قتل يأثم كما في حالة التعيين ولو أكره على القتل والزنا لا يرخص له أن يفعل أحدهما ولو امتنع عنهما لا يأثم إذا قتل بل يثاب كما في حالة التعيين ولو أكره على القتل أو الإتلاف لمال إنسان رخص له الإتلاف ولو لم يفعل أحدهما حتى قتل لا يأثم بل يثاب كما في حالة التعيين وكذا إذا أكره على قتل إنسان وإتلاف مال نفسه يرخص له الإتلاف دون القتل كما في حالة التعيين ولو امتنع عنهما حتى قتل لا يأثم وكذا لو أكره على القتل أو الكفر يرخص له أن يجري كلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولا يرخص له القتل ولو امتنع حتى قتل فهو مأجوركما في حالة التعيين .
فأما إذا أكره على أكل ميتة أو الكفر لم يذكر هذا الفصل في الكتاب وينبغي أن لا يرخص له كلمة الكفر أصلا كما لا يرخص له القتل لأن الرخصة في إجراء الكلمة لمكان الضرورة ويمكنه دفع الضرورة بالمباح المطلق وهو الأكل فكان إجراء الكلمة حاصلا باختياره مطلقا فلا يرخص له والله أعلم .
وأما الحكم الذي يرجع إلى الدنيا فقد يختلف بالتخيير حتى إنه لو أكره على أكل الميتة أو قتل المسلم فلم يأكل وقتل يجب القصاص على المكره لأنه أمكنه دفع الضرورة بتناول المباح فكان القتل حاصلا باختياره من غير ضرورة فيؤاخذ بالقصاص .
ولو أكره على القتل أو الكفر فلم يأت بالكلمة وقتل فالقياس أن يجب القصاص على المكره لأنه مختار في القتل حيث آثر الحرام المطلق على المرخص فيه وفي الاستحسان أنه لا قصاص عليه ولكن تجب الدية في ماله إن لم يكن عالما أن لفظ الكفر مرخص له منهم من استدل بهذه اللفظة على أنه لو كان عالما ومع ذلك تركه وقتل يجب القصاص على المكره لأنه أخرجها مخرج الشرط ومنهم من قال : لا يجب علم أو لم يعلم .
وجه الاستحسان : ما ذكر في الكتاب أن أمر هذا الرجل محمول على أنه ظن أن إجراء كلمة الكفر على اللسان أعظم حرمة من القتل فأورث شبهة الرخصة في القتل والقصاص لا يجب مع الشبهات حتى لو كان عالما يجب القصاص عند بعضهم لانعدام الظن المورث للشبهة وعند بعضهم لا يجب لأنه وإن علم بالرخصة فقد استعظم حرف الكفر بالامتناع عنه فجعل استعظامه شبهة دارئة للقصاص والله سبحانه وتعالى أعلم وإنما وجبت الدية في ماله لا على العاقلة لأنه عمد وقال E : [ لا تعقل العاقلة عمدا ] ولا يرجع على المكره لأن القتل حصل باختياره فلا يملك الرجوع عليه .
ولو أكره على القتل أو الزنا فزنا القياس أن يجب عليه الحد وفي الاستحسان يدرأ عنه لما مر ولو قتل لا يجب القصاص على المكره ولكنه يؤدب بالحبس والتعزير ويقتص من المكره كما فى حالة التعيين على ما مر والله أعلم