وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

القسم الثالث من بيان حكم ما عدل المكر إلى غير ما وقع عليه الإكراه .
وأما المشتري فله حق الفسخ قبل القبض لأنه لا حكم لهذا البيع قبل القبض وليس له حق الفسخ بعد القبض لأنه طائع في الشراء فكان لازما في جانبه لكن إنما يملك البائع فسخ هذا القعد إذا كان بمحل الفسخ فأما إذا لم يكن بأن تصرف المشتري تصرفا لا يحتمل الفسخ كالإعتاق والتدبير والاستيلاد لا يملك الفسخ وتلزمه القيمة وإن تصرف تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والإجارة والكفالة ونحوها يملك الفسخ بخلاف سائر البياعات الفاسدة فإن تصرف المشتري بإزالة الملك يوجب بطلان حق الفسخ أي تصرف كان .
ووجه الفرق : أن حق الفسخ هناك ثبت لمعنى يرجع إلى المملوك من الزيادة والجهالة ونحو ذلك وقد زال ذلك المعنى بزوال المملوك عن ملك المشتري بطل حق الفسخ فلما ثبت حق الفسخ لمعنى يرجع إلى المالك وهو كراهته وفوات رضاه وأنه قائم فكان حق الفسخ ثابتا .
وكذلك لو باعه المشتري الثاني حتى تداولته الأيدي له أن يفسخ العقود كلها لما ذكرنا وكذا إنما يملك الإجازة إذا كان يمحل الإجازة فأما إذا لم يكن بأن تصرف المشتري تصرفا لا يحتمل الفسخ لا تجوز إجازته حتى لا يجب الثمن على المشتري بل تجب عليه قيمة العبد لأن قيام المحل وقت الإجازة شرط لجواز الإجازة لأن الحكم يثبت في المحل ثم يستند والهالك لا يحتمل الملك فلا يحتمل الإجازة والمحل بالإعتاق صار في حكم الهالك وتقرر هلاكه لأنه لا يحتمل الفسخ فيتقرر على المشتري قيمته وإن تصرف تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع ونحوه يملك الإجازة وإن تداولته الأيدي وإذا أجاز واحدا من العقود جازت العقود كلها ما بعد هذا العقد وما قبله أيضا بخلاف الغاصب إذا باع المغصوب ثم باعه المشتري هكذا حتى تداولته الأيدي وتوقفت العقود كلها فأجاز المالك واحدا منها أنما كان يجوز ذلك العقد خاصة دون غيره ولو لم يجز المالك شيئا من العقود ولكنه ضمن واحدا منهم يجوز ما بعد عقده دون ما قبله .
والفرق : أن في باب الغصب لم ينفذ شيء من العقود بل توقف نفاذ الكل على الإجازة فكانت الإجازة شرط النفاذ فينفذ ما لحقه الشرط دون غيره أما ههنا فالعقود ما توقف نفاذها على الإجازة لوقوعها نافذة قبل الإجازة إذ الفساد لا يمنع النفاذ فكانت الإجازة إزالة الإكراه من الأصل ومتى جاز الإكراه من الأصل جاز العقد الأول فيجوز العقود كلها فهو الفرق وبخلاف ما إذا ضمن المغصوب منه أحدهم لأنه ملك المغصوب عند اختيار أخذ الضمان منه من وقت جنايته وهو القبض إما بطريق الظهور وإما بطريق الاستناد على ما عرف في مسائل الخلاف فلا يظهر فيما قبله من العقود وههنا بخلافه على ما مر .
وإذا قال البائع : أجزت جاز البيع لأن المانع من الجواز هو الإكراه والإجازة إزالة الإكراه وكذا إذا قبض الثمن لأن قبض الثمن دليل الإجازة كالفضولي إذا باع مال غيره فقبض المالك الثمن .
ولو لم يعتقه المشتري الأول ولكن أعتقه المشتري قبل الإجازة نفذ إعتاقه لأن الملك ثابت له بالشراء وسواء كان قبض العبد أو لا لأن شراءه صحيح فيفيد الملك بنفسه بخلاف إعتاق المشتري الأول قبل القبض لأن البيع الفاسد لا يفيد الملك بنفسه بل بواسطة القبض .
ولو أعتقه المشتري الأخير ثم أجاز البائع العقد الورل لم تجز إجازته حتى لا يملك المطالبة بالثمن بل تجب القيمة وهو بالخيار إن شاء رجع بها على المكره والمكره يرجع على المشتري الأول وإن شاء رجع على أحد المشتريين أيهما كان إما الرجوع على المكره فلما ذكرنا في إعتاق المشتري الأول أنه أتلف عليه ملكه معنى فله أن يأخذ منه ضمان الإتلاف وللمكره أن يرجع بذلك على المشتري الأول لأنه ملك المضمون بأداء الضمان فنزل منزلة البائع وكان للبائع أن يرجع عليه بالضمان فكذا له ويصح كل عقد وجد بعد ذلك وإن شاء المكره رجع على أحد المشتريين أيهما شاء لأن كل واحد منهما في حق البائع بمنزلة غاصب الغاصب فإن اختار تضمين المشتري الأول برىء المكره وصحت البياعات كلها لأنه ملك المشتري الأول باختيار تضمينه فتبين أنه باع ملك نفسه فصح فيصح كل بيع وجد بعد ذلك .
وإن إخبار تضمين المشتري الآخر صح كل بيع وجد بعد ذلك وبطل كل بيع كان قبله لأنه لما اختار تضمينه فقد خصه بملك المضمون فتبين أن كل بيع كان قبله كان بيع ما لا يملكه البائع فبطل والله أعلم .
هذا إذا كان المكره هو البائع فأما إذا كان المكره هو المشتري دون البائع فلكل واحد منهما حق الفسخ قبل القبض وبعد القبض حق الفسخ للمشتري دون البائع لما ذكرنا في إكراه البائع وللمشتري أن يجيز هذا العقد كما للبائع إذا كان مكرها .
ولو أكره على الشراء والقبض ودفع الثمن والمشتري عبد فأعتقه المشتري فذلك إجازة للبيع لأن هذه التصرفات لا تحتمل الفسخ بعد وجودها فكان الإقدام عليها التزاما للمالك كالمشتري بشرط الخيار إذا فعل شيئا من ذلك وكذلك لو كان المشتري أمة فوطئها أو قبلها بشهوة فهو إجازة للبيع لأنه لو نقض البيع لتبين أن الوطء صادف ملك الغير وذلك حرام والظاهر من حال المسلم التحرز عن الحرام فكان إقدامه عليه التزاما للبيع دلالة .
ولو لم يقبضه المشتري حتى أعتقه البائع نفذ إعتاقه لأنه على ملكه قبل التسليم وإن أعتقه المشتري نفذ إعتاقه استحسانا والقياس أن لا ينفذ .
وجه القياس : ظاهر لأنه أعتق ما لا يملكه ولاعتق فيما لا يملكه ابن آدم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم .
وجه الاستحسان : أن المشتري يملك إجازة هذا البيع فإقدامه على الإعتاق إجازة له تصحيحا لتصرفه وهذا لأن تصرف العاقل تجب صيانته عن الإلغاء ما أمكن ولا صحة لتصرفه إلا بالملك ولا يثبت الملك قبل القبض إلا بالإجازة فيقتضي الإعتاق إجازة هذا العقد سابقا عليه أو مقارنا له تصحيحا له كما في قوله لغيره : أعتق عبدك عني على ألف درهم ولهذا نفذ إعتاق المشتري بشرط الخيار كذا هذا .
هذا إذا أعتقه المشتري وحده ولو أعتقاه جميعا معا قبل القبض فإعتاق البائع أولى لوجهين : .
أحدهما : أن ملك البائع ثابت مقصودا وملك المشتري يثبت ضمنا للإجازة الثابتة ضمنا للإعتاق فكان تنفيذ إعتاق البائع أولى .
والثاني : أن ملك البائع ثابت في الحال وملك المشتري يثبت في الثاني فاعتبار الموجود للحال أولى هذا إذا كان المكره وهو البائع أو المشتري فأما إذا كانا جميعا مكرهين على البيع والشراء فلكل واحد منهما خيار الفسخ والإجازة لأن البيع فاسد في حقهما والثابت بالبيع الفاسد ملك غير لازم فكان بمحل الفسخ والإجازة فإن أجازا جميعا جاز وإن أجاز أحدهما دون الآخر جاز في جانبه وبقي الخيار في حق صاحبه .
ولو أعتقه المشتري قبل وجود الإجازة من أحدهما أصلا نفذ إعتاقه ولزمه القيمة لأن الإعتاق تصرف لا يحتمل النقض فكان إقدامه عليه التزاما للبيع في جانبه ولا تجوز إجازة البائع بعد ذلك لأنه خرج من أن يكون محلا للإجازة بالإعتاق لما ذكرنا أن قيام المحل وقت الإجازة شرط صحة الإجازة وقد هلك بالإعتاق .
ولو لم يعتقه المشتري ولكن أجاز أحدهما البيع ثم أعتقاه معا نفذ إعتاق البائع وبطل إعتاق المشتري لأنه لا يخلو إما إن كانت الإجازة من المشتري أو من البائع فإن كانت من المشتري نفذ إعتاق البائع لأن إجازة المشتري لم تعمل في جانب البائع فبقي البائع على خياره فإذا أعتق نفذ إعتاقه وبطل إعتاق المشتري لأنه أبطل خياره بالإجازة وإن كانت الإجازة من البائع فتنفيذ إعتاقه أولى أيضا لما ذكرنا من الوجهين في إكراه المشتري .
ولو أجاز البائع البيع ثم أعتق المشتري ثم أعتق البائع بعده نفذ إعتاق المشتري ولزمه الثمن ولا ينفذ إعتاق البائع أما نفوذ إعتاق المشتري فلبقاء الخيار له وأما عدم نفوذ إعتاق البائع فلسقوط خياره بالإجازة .
وأما لزوم الثمن المشتري فللزوم البيع في الجانبين جميعا والله تعالى أعلم ويستوي أيضا في باب البيع والشراء الإكراه التام والناقص لأن كل ذلك يفوت الرضا ويستوي في الإكراه على البائع تسمية المشتري وترك التسمية حتى يفسد البيع في الحالين جميعا لأن غرض المكره في الحالين جميعا واحد وهو إزالة ملك البائع وذلك يحصل بالبيع من أي إنسان كان .
ولو أوعده بضرب سوط أو الحبس يوما أو القيد يوما فليس ذلك من الإكراه في شيء لأن ذلك لا يغير حال المكره عما كان عليه من قبل هذا إذا ورد الإكراه على البيع والتسليم فأما إذا ورد على التوكيل بالبيع والتسليم فباع الوكيل وسلم وهو طائع والمبيع عبده فمولى العبد بالخيار إن شاء ضمن المكره وإن شاء ضمن الوكيل أو المشتري فإن ضمن الوكيل رجع على المشتري وإن ضمن المشتري لا يرجع على أحد .
أما ولاية تضمين المكره فلأن الإكراه على التوكيل بالبيع إكراه على البيع لكن بواسطة التوكيل لأن التوكيل بالبيع تسبيب إلى إزالة اليد وأنه إتلاف معنى فكان التلف بهذه الواسطة مضافا إلى المكره فكان له ولاية تضمين المكره .
وأما تضمين الوكيل فلأنه قبض ماله بغير رضاه وكذلك المشتري وقبض مال الإنسان بغير رضاه سبب لوجوب الضمان فكان له ولاية تضمين أيهما شاء فإن ضمن الوكيل يرجع عن المشتري بقيمة العبد لأنه لما أدى الضمان فقد نزل منزلة البائع فيملك تضمينه كالبائع ولكن لا ينفذ ذلك البيع بأداء الضمان لأنه ما ملكه بأداء الضمان لأنه لم يبعه لنفسه بل لغيره وهو المالك فيقف نفاذه على إجازة من وقع له العقد وهو المالك لا على فعل يوجد منه وهو أداء الضمان وهذا بخلاف ما إذا باع الغاصب المغصوب ثم أدى الضمان أنه ينفذ بيعه لأن هناك باعه لنفسه لا لغيره وهو المالك لأنه ملكه بأداء الضمان فجاز وقوفه على فعله وهو أداء الضمان وجاز وقوفه على فعل مالكه أيضا قبل أداء الضمان لأن الغاصب إنما يملكه بأداء الضمان ومن الجائز أن لا يختار المالك الضمان فلا يملكه الغاصب لذلك وقف على إجازة المالك .
وإن اختار تضمين المشتري لا يرجع المشتري على أحد لأن القيمة بدل المبيع وقد سلم له المبدل ثم إن كان البائع قبض الثمن من المشتري يسترده منه و إن كان لم يقبضه فلا شيء والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا إذا كان كالإكراه تاما فإن كان ناقصا لا يرجع المكره بالضمان على المكره لأن الإكراه الناقص لا يوجب نسبة الإتلاف إليه على ما بينا ولكنه يرجع إلى الوكيل أو المشتري لما بينا والله أعلم .
وأما الإكراه على الهبة فيوجب فسادها كالإكراه على البيع حتى إنه لو وهب مكرها وسلم مكرها ثبت الملك كما في البيع إلا أنهما يفترقان من وجه وهو أن في باب البيع إذا باع مكرها وسلم طائعا يجوز البيع وفي باب الهبة مكرها لا يجوز سواء سلم مكرها أو طائعا وقد بينا الفرق بينهما فيما تقدم وكذلك تسليم الشفعة من هذا القبيل أنه لا يصح مع الإكراه لأن الشفعة في معنى البيع ألا ترى انه لا يتعلق صحته باللسان كالبيع حتى تبطل الشفعة بالسكوت فأشبه البيع ثم البيع يعمل عليه الإكراه فكذلك تسليم الشفعة .
ومن هذا القبيل الإكراه على الإبراء عن الحقوق لأن الإبراء فيه معنى التمليك ولهذا لا يحتمل التعليق بالشرط ولا يصح في المجهول كالبيع ثم البيع يعمل عليه الإكراه فكذلك الإبراء عن الكفالة بالنفس إبراء عن حق المطالبة بتسليم النفس الذي هو وسيلة المال فكان ملحقا بالبيع الذي هو تمليك المال فيعمل عليه الإكراه كما يعمل على البيع والله أعلم .
هذا إذا كان الإكراه على الإنشاء فأما إذا كان على الإقرار فيمنع صحة الإقرار سواء كان المقر به محتملا للفسخ أو لم يكن لأن الإقرار إخبار وصحة الإخبار عن الماضي بوجود المخبر به سابقا على الإخبار والمخبر به ههنا يحتمل الوجود والعدم وإنما يترجح جهة الوجود على جهة العدم بالصدقا وحال الإكراه لا يدل على الصدق لأن الإنسان لا يتحرج عن الكذب حالة الإكراه فلا يثبت الرجحان ولأن الإقرار من باب الشهادة قال الله تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } والشهادة على أنفسهم ليس إلا الإقرار على أنفسهم والشهادة ترد بالتهمة وهو متهم حالة الإكراه .
ولو أكره على الإقرار بالحدود والقصاص لما قلنا بل أولى لأن الحدود والقصاص تسقط بالشبهات فأما المال فلا يسقط بالشبهة فلما لم يصح هناك فلأن لا يصح ههنا أولى ولو أكره على الإقرار بذلك ثم خلى سبيله قبل أن يقر به ثم أخذه فأقر به من غير تجديد الإكراه فهذا على وجهين : إما أن توارى عن بصر المكره حين ما خلى سبيله وإما إن لم يتوار عن بصره حتى بعث من أخذه ورده إليه فإن كان قد توارى عن بصره ثم أخذه فأقر إقرارا مستقبلا جاز إقراره لأنه لما خلى سبيله حتى توارى عن بصره فقد زال الإكراه عنه فإذا أقر به من غير إكراه جديد فقد أقر طائعا فصح وإن لم يتوار عن بصره بعد حتى رده إليه فأقر به من غير تجديد الإكراه لم يصح إقراره لأنه إذا لم يتوار عن بصره فهو على الإكراه الأول .
ولو أكره على الإقرار بالقصاص فأقر به فقتله حين ما أقر به من غير بينة فإن كان المقر معروفا بالذعارة يدرأ عنه القصاص استحسانا وإن لم يكن معروفا بها يجب القصاص والقياس أن لا يجب القصاص كيفما كان .
وجه القياس : أن الإقرار زال عنه الإكراه لما لم يصح شرعا صار وجوده وعدمه بمنزلة واحدة فصار كما لو قتله ابتداء .
وجه الاستحسان : أن الإقرار إن كان لا يصح مع الإكراه لكن لهذا الإقرار شبهة الصحة إذا كان المقر معروفا بالذعارة لوجود دليل الصدق في الجملة وذا يورث شبهة في وجوب القصاص فبدأ للشبهة وإذا لم يكن معروفا بالذعارة فإقراره لا يورث شبهة في الوجوب فيجب .
ومثال هذا إذا دخل رجل على رجل في منزله فخاف صاحب المنزل أنه ذاعر دخل عليه ليقتله ويأخذ ماله فبادره وقتله فإن كان الداخل معروفا بالذعارة لا يجب القصاص على صاحب المنزل وإن لم يكن معروفا بالذعارة يجب القصاص عليه كذا هذا وإذا لم يجب القصاص يجب الأرش لأن سقوط القصاص .
للشبهة وإنها لا تمنع وجوب المال .
وروى الحسن عن أبي حنيفة Bهما : أنه لا يجب الأرش أيضا إذا كان معروفا بالذعارة .
فصل : وأما بيان حكم ما عدل المكره إلى غير ما وقع عليه الإكراه أو زاد على ما وقع عليه الإكراه أو نقص عنه فنقول وبالله التوفيق : .
العدول عما وقع عليه الإكراه إلى غيره لا يخلو من وجهين : إما أن يكون بالعقد في الاعتقادات أو بالفعل في المعاملات أما حكم العدول عما وقع عليه الإكراه بالعقد في الاعتقادات فقد ذكرناها فيما تقدم .
وأما العدول إلى غير ما وقع عليه الإكراه بالفعل في المعاملات فنقول : إذا عدل المكره إلى غير ما وقع عليه الإكراه بالفعل جاز ما فعل لأنه طائع فيما عدل إليه حتى لو أكره على بيع جاريته فوهبها جاز لأنه عدل عما أكره عليه لتغاير البيع والهبة .
وكذلك لو طولب بمال وذلك المال أصله باطل وأكره على أدائه ولم يذكر له بيع الجارية فباع جاريته جاز البيع لأنه في بيع الجارية طائع ولو أكره على الإقرار بألف درهم فأقر بمائة دينار أو صنف آخر غير ما أكره عليه جاز لأنه طائع فيما أقر به وهذا بخلاف ما إذا أكره على أن يبيع عبده من فلان بألف درهم فباعه .
منه بمائة دينار إن البيع فاسد استحسانا جائز قياسا فقد اعتبر الدراهم والدنانير جنسين مختلفين في الإقرار قياسا واستحسانا واعتبرها جنسا واحدا في الإنشاء استحسانا لأنهما جنسان مختلفان حقيقة إلا أنهما جعلا جنسا في موضع الإنشاء بل مخالفة الحقيقة لمعنى هو منعدم في الإقرار وهو أن الفائت بالإكراه هو الرضا .
طبعا والإكراه على البيع بألف درهم كما يعدم الرضا بالبيع بألف درهم يعدم الرضا بالبيع بمائة دينار قيمته ألف لاتحاد المقصود منها وهو الثمنية فكان انعدام الرضا بالبيع بأحدهما دليل على انعدام الرضا بالبيع بالآخر فكان الإكراه على البيع بإحدهما إكراها على البيع بالآخر بخلاف ما إذا أكره على البيع بألف فباعه بمكيل أو موزون آخر سوى الدراهم والدنانير لأن هناك المقصود مختلف فلم يكن كراهة البيع بأحدهما كراهة البيع بالآخر وهذا المعنى لا يوجد في الإقرار لأن بطلان إقرار المكره لانعدام رجحان جانب الصدق على جانب الكذب في اختياره بدلالة الإكراه فيختصر بمورد الإكراه وهو الدراهم فكان صادقا في الإقرار بالدنانير لانعدام المانع من الرجحان فيه فهو الفرق .
وأما إذا زاد على ما وقع عليه الإكراه بأن أكره على الإقرار بألف درهم فأقر بألفين جاز إقراره بألف وبطل بألف لأنه في الإقرار بالألف الزائد طائع فصح .
ولو أكره على الإقرار لفلان فأقر له ولغيره فإن صدقه الغير في الشركة لم يجز أصلا بالإجماع وإن كذبه فكذلك عند أبي حنيفة و أبي يوسف وعند محمد يجوز في نصيب الغير خاصة .
وجه قول محمد : أن المانع من الصحة عند التصديق هو الشركة في مال لم يصح الإقرار بنصفه شائعا فإذا كذبه لم يثبت الشركة فيصح إقراره للغير إذ هو فيما أقر له به طائع .
وجه قولهما : أن الإقرار إخبار وصحة الإخبار عن الماضي بوجود المخبر به سابقا على الإخبار والمخبر به ألف مشتركة فلو صح إقراره لغير المقر له بالإكراه لم يكن المخبر به على وصف الشركة فلم يصح إخباره عن المشترك فلم يصح إقراره وهذه فريعة اختلافهم في المريض مرض الموت إذا أقر لوارثه ولأجنبي بالدين أنه لا يصح إقراره أصلا بالإجماع إن صدقه الأجنبي بالشركة وإن كذبه فعلى الاختلاف الذي ذكرنا .
ولو أكره على هبة عبده لعبد الله فوهبه لعبد الله وزيد فسدت الهبة في حصة عبد الته وصحت في حصة زيد لأنه مكره في حصة عبد الله لورود الإكراه على كل العبد والإكراه على كل الشيء إكراه على بعضه فلم تصح الهبة في حصته طائع في حصة زيد وأنه هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة فصحت في حصته ولو كان مكان العبد ألف فالهبة في الكل فاسدة بالإجماع بين أصحابنا أما على أصل أبي حنيفة Bه فظاهر لأن هبة الطائع من اثنين لا تصح عنده فهبة المكره أولى .
وأما على أصلهما فلأنه لما وهب الألف منهما والهبة من أحدهما لا تصح بحكم الإكراه كان واهبا نصف الألف من الآخر وهذه هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وأنه لا يصح بلا خلاف بين أصحابنا بخلاف حالة الطواعية والله تعالى أعلم .
هذا إذا زاد على ما وقع عليه الإكراه فأما إذا نقص عنه بان أكره على الإقرار بألف درهم فأقر بخمسمائة فإقراره باطل لأن الإكراه على ألف إكراه على خمسمائة لأنها بعض الألف والإكراه على كل شيء إكراه على بعضه فكان مكرها بالإقرار بخمسمائة فلم يصح .
ولو أكره على بيع جاريته بألف درهم فباعها بألفين جاز البيع بالإجماع ولو باعها بأقل من ألف فالبيع فاسد استحسانا جائز قياسا .
وجه القياس : أن المكره عليه هو البيع بألف فإذا باع بأقل منه فقد عقد عقدا آخر إذ البيع بألف غير البيع بخمسمائة فكان طائعا فيه فجاز .
وجه الاستحسان : أن غرض المكره هو الإضرار بالبائع بإزالة ملكه وإن قل الثمن فكان الإكراه على البيع بألف إكراها على البيع بأقل منه فبطل بخلاف ما إذا باعه بألفين لأن حال المكره دليل على أنه لا يأمره بالبيع بأوفر الثمنين فكان طائعا في البيع بألفين فجاز والله سبحانه وتعالى أعلم .
تم بحمد الله وحسن توفيقه الجزء التاسع من مطبوعة القاهرة ويليه الجزء العاشر والأخير وأوله كتاب المأذون ولله الحمد والمنة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين