وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : بيان ما يدخل على وصف المقر به .
وأما الذي يدخل على وصف المقر به فهو أن يكون المقر به معلوم الأصل مجهول الوصف نحو أن يقول غصب من فلان عبدا أو جارية أو ثوبا من العروض فيصدق في البيان من جنس ذلك سليما كان أو معيبا لأن الغصب يرد على السليم والمعيب عادة وقد بين الأصل وأجمل الوصف فيرجع في بيان الوصف إليه فيصح متصلا ومنفصلا ومتى صح بيانه يلزمه الرد إن قدر عليه وإن عجز عنه تلزمه القيمة لأن المغصوب مضمون على هذا الوجه والقول قوله في مقدار قيمته مع يمينه لأنه منكر للزيادة والقول قول المنكر مع اليمين .
وكذلك لو أقر أنه غصب من فلان دارا وقال : هي بالبصرة يصدق لأنه أجمل المكان فكان القول في بيان المكان إليه فيلزمه تسليم الدار إليه إن قدر عليه وإن عجز عنه بأن خربت أو قال : هي هذه الدار التي في يدي زيد وزيد ينكر فالقول قول المقر عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى الآخر ولا يضمن وعند محمد يضمن قيمة الدار بناء على أن العقار غير مضمون القيمة بالغصب عندهما خلافا له فإذا أقر بألف درهم وقال : هي زيوف أو نبهرجة فهذا في الأصل لا يخلو من أحد وجهين : إما أن أقر بذلك مطلقا من غير بيان الجهة وإما أن بين الجهة فإن أطلق بأن قال : لفلان علي ألف درهم ولم يذكر له جهة أصلا وقال هي زيوف أو نبهرجة فإن وصل يصدق وإن فصل لا يصدق لأن اسم الدراهم اسم جنس يقع على الجياد والزيوف فكان قوله زيوف بيانا للنوع إلا أنه يصح موصولا لا مفصولا لأنها عند الإطلاق تصرف إلى الجياد فكان فصل البيان رجوعا عما أقر به فلا يصح .
ولو قال : لفلان عندي ألف درهم وقال : هي زيوف أو نبهرجة يصدق وصل أو فصل لأن هذا إقرار بالوديعة والوديعة مال محفوظ عند المودع وقد يكون ذلك جيدا وقد يكون زيوفا على حسب ما يودع فيقبل بيانه .
هذا إذا أطلق ولم يبين الجهة أما إذا بين الجهة بأن قال : لفلان علي ألف درهم ثمن مبيع وقال : هي زيوف أو نبهرجة فلا يصدق وإن وصل وعليه الجياد إذا ادعى المقر له الجياد عند أبي حنيفة .
وعند أبي يوسف و محمد : إن وصل يصدق وإن فصل لا يصدق .
وجه قولهما : ما ذكرنا آنفا أن اسم الدراهم يقع على الزيوف كما يقع على الجهاد إذ هو اسم جنس والزيافة عيب فيها واسم كل جنس يقع على السليم والمعيب من ذلك الجنس لأنه نوع من الجنس لكن عند الإطلاق ينصرف إلى الجياد فيصح بيانه موصولا لوقوعه تعيينا لبعض ما يحتمله اللفظ ولا يصح مفصولا لكونه رجوعا عن الإقرار .
وجه قول أبي حنيفة عليه الرحمة : أن قوله : هي زيوف بعد النسبة إلى ثمن المبيع رجوع عن الإقرار فلا يصح بيانه أن البيع عقد مبادلة فيقتضي سلامة البدلين لأن كل واحد من العاقدين لا يرضى إلا بالبدل السليم فكان إقراره بكون الدراهم ثمنا إقرارا بصفة السلامة فإخباره عن الزيافة يكون رجوعا فلا يصح كما إذا قال : بعتك هذا العبد على أنه معيب لا يصدق وإن وصل كذا هذا ولو قال : لفلان علي ألف درهم قرضا وقال هي زيوف فالجواب فيه كالجواب في البيع إن وصل يصدق وإن فصل لا يصدق بخلاف البيع .
وجه الرواية الأولى : أن القرض في الحقيقة مبادلة المال بالمال كالبيع فكان في استدعاء صفة السلامة كالبيع .
وجه الرواية الأخرى : أن القرض يشبه الغصب لأنه يتم بالقبض كالغصب ثم بيان الزيافة مقجول في النصب كذا في القرض ويشبه البيع لأنه تمليك مال بمال فلشبهه بالغصب احتمل البيان في الجملة ولشبهه بالبيع شرطنا الوصل عملا بالشبهين بقدر الإمكان .
ولو قال : غصب من فلان ألف درهم وقال : هي زيوف أو نبهرجة يصدق سواء وصل أو فصل وروي عن أبي يوسف أنه لا يصدق إذا فصل والصحيح جواب ظاهر الرواية لأن الغصب في الأجود لا يستدعي صفة السلامة لأنه كما يرد على السليم يرد على المعيب على حسب ما يتفق فكان محتملا للبيان متصلا أو منفصلا لانعدام معنى الرجوع فيه ولهذا لو كان المقر به غصب عبدا بأن قال : غصبت من فلان عبدا ثم قال غصبته وهو معيب يصدق وإن فصل كذا هذا ولو قال : أودعني فلان ألف درهم وقال هي زيوف يصدق بلا خلاف فصل أو وصل لأن الإيداع استحفاظ المال وكما يستحفظ السليم يستحفظ المعيب فكان الإخبار عن الزيافة بيانا محضا فلا يشترط لصحته الوصل لانعدام تضمن معنى الرجوع و أبو يوسف C على ما روي عنه فرق بين الوديعة وبين الغصب حيث صدقه في الوديعة موصولا كان الببان أو مفصولا ولم يصدقه في النصب إلا موصولا .
ووجه الفرق له أن ضمان الغصب ضمان مبادلة إذ المضمونات تملك عند أداء الضمان فأشبه ضمان المبيع وهو الثمن وفي باب البيع لا يصدق إذا فصل عنده كذا في الغصب .
فأما الواجب في باب الوديعة فهو الحفظ والمعيب في احتمال الحفظ كالسليم فهو الفرق له والله أعلم بالصواب .
هذا إذا أقر بالدراهم وقال : هي زيوف أو نبهرجة فأما إذا أقر بها وقال ك هي ستوقة أو رصاص ففي الوديعة والغصب يصدق إن وصل وإن فصل لا يصدق لأن الستوق والرصاص ليسا من جنس الدراهم إلا أنه يسمى بها مجازا فكان الإخبار عن ذلك بيانا مغيرا فيصح موصولا لا مفصولا كالاستثناء .
وأما في البيع إذا قال : ابتعت بألف ستوقة أو رصاص فلا يصدق عند أبي حنيفة فصل أو وصل وهذا لا يشكل عنده لأنه لو قال : ابتعت بألف زيوف لا يصدق عنده وصل أو فصل فههنا أولى وعند أبي يوسف يصدق ولكن يفسد البيع أما التصديق فلأن قوله ستوقة أو رصاص خرج بيانا لوصف الثمن فيصح كما إذا قال بألف بيض أو بألف سود .
وأما فساد البيع فلأن تسمية الستوقة في البيع يوجب فساده كتسمية العروض وروي عن أبي يوسف فيمن قال : لفلان علي ألف درهم بيض زيوف أو وضح زيوف أنه يصدق إذا وصل .
ولو قال : لفلان علي ألف درهم جياد زيوف أو فقد بيت المال زيوف لا يصدق والفرق ظاهر لأن البياض يحتمل الجودة والزيافة إذ البيض قد تكون جيادا وقد تكون زيوفا فاحتمل البيان بخلاف قوله جياد لأن الجودة لا تحتمل الزيافة لتضاد بين الصفتين فلا يصدق أصلا .
وعلى هذا إذا أقر بألف ثمن عبد اشتراه لم يقبضه فهذا لا يخلو من أحد وجهين : .
إما أن ذكر عبدا معينا مشارا إليه بأن قال : ثمن هذا العبد وإما أن ذكر عبدا من غير تعيين بأن قال : لفلان علي ألف درهم ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه فإن ذكر عبدا بعينه فإن صدقه في البيع يقال للمقر له إن شثت أن تأخذ الألف فسلم العبد وإلا فلا شيء لك لأن المقر به ثمن المبيع وقد ثبت البيع بتصادقهما والبيع يقتضي تسليما بإزاء تسليم وإن كذبه في البيع وقال ما بعت منك شيئا والعبد عبدي ولي عليك ألف درهم بسبب آخر فالعبد للمقر له لأنه يدعي عليه البيع وهو ينكر ولا شيء له على المقر من الثمن لأن المقر به ثمن المبيع لا غيره ولم يثبت البيع .
فإن ذكر عبدا بغير عينه فعليه الألف عند أبي حنيفة ولا يصدق في عدم القبض سواء وصل أم فصل صدقه المقر له في البيع أو كذبه وكان أبو يوسف أولا يقول إن وصل يصدق وان فصل لا يصدق ثم رجع وقال يسئل المقر له عن الجهة فإن صدقه فيها لكن كذبه في القبض كان القول قول المقر سواء وصل أو فصل .
وإن كذبه في البيع وادعى عليه ألفا أخرى إن وصل يصدق وإن فصل لا يصدق وهو قول محمد .
وجه قول الأول أن المقر به ثمن المبيع والمبيع قد يكون مقبوضا وقد لا يكون إلا أن الغالب هو القبض فكان قوله لم أقبضه بيانا فيه معنى التغيير من حيث الظاهر فيصدق بشرط الوصل كالاستثناء .
وجه قول الآخر : وهو قول محمد أن القبض بعد ثبوت الجهة بتصادقهما يحتمل الوجود والعدم لأن القبض لا يلزم في البيع فكان قوله لم أقبضه تعيينا لبعض ما يحتمله كلامه فكان بيانا محضا فلا يشترط له الوصل لبيان المجمل والمشترك وإذا كذبه يشترط الوصل لأنه لو اقتصر على قوله : لفلان علي ألف درهم لوجب عليه التسليم للحال فإذا قال : ثمن عبد لم أقبضه لا يجب عليه التسليم إلا بتسليم العبد فكان بيانا فيه معنى التغيير فلا يصح إلا بشرط الوصل كالاستثناء .
ووجه قول أبي حنيفة C : أن قوله لم أقبضه رجوع عن الإقرار فلا يصح بيانه أن قوله : لفلان علي ألف درهم إقرار بولاية المطالبة للمقر له بالألف ولا تثبت ولاية المطالبة إلا بقبض المبيع فكان الإقرار به إقرارا بقبض المبيع فقوله لم أقبضه يكون رجوعا عما أقر به فلا يصح .
ولو قال : لفلان علي درهم ثمن خمر أو خنزير فعليه ألف ولا يقبل تفسيره عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف و محمد لا يلزمه شيء .
وجه قولهما : أن المقر به مما لا يحتمل الوجوب في ذمة المسلم لأنه ثمن خمر أو خنزير وذمة المسلم لا تحتمله فلا يصح إقراره أصلا .
وجه قول : أبي حنيفة C أن قوله : لفلان علي ألف درهم إقرارا بألف واجب في ذمته وقوله ثمن خمر أو خنزير إبطال لما أقر به لأن ذمة المسلم لا تحتمل ثمن الخمر والخنزير فكان رجوعا فلا يصح ولو قال : اشتريت من فلان عبدا بألف درهم لكني لم أقبضه يصدق وصل أو فصل لأن الشراء قد .
يتصل به القبض وقد لا يتصل فكان قوله لم أقبض بيانا محضا فيصح متصلا أو منفصلا ولو قال : أقرضني فلان ألف درهم ولم أقبض إنما طلبت إليه القبض فأقرضني ولم أقبض إن وصل يصدق وإن فصل لا يصدق وهذا استحسان والقياس أن يصدق وصل أو فصل .
وجه القياس : أن المقر به هو القرض وهو اسم للعقد لا للقبض فلا يكون الإقرار به إقرارا بالقبض كما لا يكون الإقرار بالبيع إقرارا بالقبض .
وجه الاستحسان : أن تمام القرض بالقبض كما أن تمام الإيجاب بالقبول فكان الإقرار به إقرارا بالقبض ظاهرا لكن يحتمل الانفصال في الحكم فكان قوله لم أقبض بيانا معنى فلا يصح إلا بشرط الوصل كالاستثناء والاستدراك وكذلك لو قال : أعطيتني ألف درهم أو أودعتني أو أسلفتني أو أسلمت إلي وقال لم أقبض لا يصدق إن فصل وإن وصل يصدق لأن الإعطاء والإيداع والإسلاف يستدعي القبض حقيقة خصوصا عند الإضافة فلا يصح منفصلا لكن يحتمل العدم في الجملة فيصح متصلا .
ولو قال : بعتني دارك أو أجرتني أو أعرتني أو وهبتني أو تصدقت علي وقال : لم أقبض يصدق وصل أم فصل أما البيع والإجارة والإعارة لأن القبض ليس بشرط لصحة هذه التصرفات فلا يكون الإقرار بها إقرارا بالقبض وأما الهبة والصدقة فلأن الهبة اسم للركن وهو التمليك وكذلك الصدقة وإنما القبض فيهما شرط الحكم ولهذا لو حلف لا يهب ولا يتصدق ففعل ولم يقبض الموهوب له والمتصدق عليه يحنث .
ولو قال : نقدتني ألف درهم أو دفعت إلي ألف درهم وقال : لم أقبض إن فصل لا يصدق بالإجماع وإن وصل لا يصدق عند أبي يوسف وعند محمد يصدق وجه قوله أن النقد والدفع يقتضي القبض حقيقة بمنزلة الأداء والتسليم والإعطاء والإسلام ويحتمل الانفصال في الجملة فيصح بشريطة الوصل كما في هذه الأشياء .
وجه قول أبي يوسف : أن القبض من لوازم هذين الفعلين أعني النقد والدفع خصوصا عند صريح الإضافة والإقرار بأحد المتلازمين إقرار بالآخر فقوله لم أقبض يكون رجوعا عما أقر به فلا يصح وعلى هذا إذا قال لرجل أخذت منك ألف درهم وديعة فهلكت عندي فقال الرجل لا بل أخذتها غصبا لا يصدق فيه المقر والقول قول المفر له مع يمينه والمقر ضامن ولو قال المقر له : لا بل أقرضتك فالقول قول المقر مع يمينه .
ووجه الفرق : أن أخذ مال الغير سبب لوجوب الضمان في الأصل لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ على اليد ما أخذت حتى ترد ] فكان الإقرار بالأخذ إقرارا بسبب الوجوب فدعوى الإذن تكون دعوى البراءة عن الضمان .
وصاحبه ينكر فكان القول قوله مع يمينه بخلاف قوله أقرضتك لأن إقراره بالقبض إقرار بالأخذ بالإذن فتصادقا على أن الأخذ كان بإذن والأخذ بإذن لا يكون سببا لوجوب الضمان في الأصل فكان دعوى الإقراض دعوى الأخذ بجهة الضمان فلا يصدق إلا ببينة .
ولو قال : أودعتني ألف درهم أو دفعت إلي ألف درهم وديعة أو أعطيتني ألف درهم وديعة فهلكت عندي وقال المقر له : لا بل غصبتها مني كان القول قول المقر مع يمينه لأنه ما أقر بسبب وجوب الضمان إذ المقر به هو الإيداع والإعطاء وإنهما ليسا من أسباب الضمان .
ولو قال له : أعرتني ثوبك أو دابتك فهلكت عندي وقال المقر له : غصبت مني نظر في ذلك إن هلك قبل اللبس أو الركوب فلا ضمان عليه لأن المقر به الإعارة وإنها ليست بسبب لوجوب الضمان وإن هلك بعد اللبس والركوب فعليه الضمان لأن لبس ثوب الغير وركوب دابة الغير سبب لوجوب الضمان في الأصل فكان دعوى الإذن دعوى البراءة عن الضمان فلا يثبت إلا بحجة وكذلك إذا قال له : دفعت إلي ألف درهم مضاربة فهلكت عندي فقال المقر له بل غصبتها مني أنه إن هلك قبل التصرف فلا ضمان عليه وإن هلك بعده يضمن لما قلنا في الإعارة .
ولو أقر بألف درهم مؤجلة بأن قال : لفلان علي ألف درهم إلى شهر وقال المقر له : لا بل هي حالة فالقول قول المقر له لأن هذا إقرار على نفسه ودعوى الأجل على الغير فإقراره مقبول ولا تقبل دعواه إلا بحجة ويحلف المقر له على الأجل لأنه منكر للأجل والقول قول المنكر مع اليمين وهذا بخلاف ما إذا أقر وقال : كفلت لفلان بعشرة دراهم إلى شهر وقال المقر له : لا بل كفلت بها حالة أن القول قول المقر عند أبي حنيفة و محمد لأن الظاهر شاهد للمقر لأن الكفالة تكون مؤجلة عادة بخلاف الدين والله تعالى أعلم وعلى هذا إذا أقر أنه اقتضى من فلان ألف درهم كانت له عليه وأنكر المقر له أن يكون له عليه شيء وقال : هو مالي قبضته مني فالقول قوله مع يمينه ويؤمر بالرد إليه لأن الإقرار بالإقتضاء إقرار بالقبض والقبض سبب لوجوب الضمان في الأصل بالنص فكان الإقرار بالقبض إقرارا بوجود سبب وجوب الضمان منه فهو بدعوة القبض بجهة الاقتضاء يدعي براءته عن الضمان وصاحبه ينكر فيكون القول قوله مع يمينه وكذلك إذا أقر أنه قبض منه ألف درهم كانت عنده وديعة وأنكر المقر له فالقول قول المقر له لما قلنا .
ولو قال : أسكنت فلانا بيتي ثم أخرجته وادعى الساكن أنه له فالقول قول المقر عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف و محمد القول قول الساكن مع يمينه ولو قال : أعرته دابتي ثم أخذتها منه وقال صاحبه : هي لي فهو على هذا الاختلاف .
وجه قولهما : أن قوله أسكنته داري ثم أخرجته وأعرته دابتي ثم أخذتها منه إقرار منه باليد لهما ثم الأخذ منهما فيؤمر بالرد عليهما لقوله E : [ على اليد ما أخذت حتى ترد ] ولهذا لو غايباه سكن الدار فزعم المقر أنه أعارهما منه لم يقبل قوله فكذا إذا أقر .
وجه قول أبي حنيفة : أن المقر به ليس هو اليد المطلقة بل اليد بجهة الإعارة والسكنى وهذا لأن اليد لهما ما عرفت إلا بإقراره فبقيت على الوجه الذي أقر به فيرجع في بيان كيفية اليد إليه .
ولو أقر فقال : إن فلانا الخياط خاط قميصي بدرهم وقبضت منه القميص وادعى الخياط أنه له فهو على هذا الاختلفت الذي ذكرنا .
ولو قال : خاط لي هذا القميص ولم يقل قبضه منه لم يؤمر بالرد عليه بالإجماع لأنه إذا لم يقل قبضه منه لم يوجد منه الإقرار باليد للخياط لجواز أنه خاطه في بيته فلم تثبت يده عليه فلا يجبر على الرد .
هذا إذا لم يكن الدار والثوب معروفا له فإن كان معروفا للمقر فالقول قوله بالإجماع لأنه إذا لم يكن معروفا له كان قول صاحبه هو لي منه دعوى التملك فلا تسمع منه إلا ببينة .
ولو أقر أن فلانا ساكن في هذا البيت والبيت لي وادعى ذلك الرجل البيت فهو له وعلى المقر البينة لأن الإقرار بالسكنى إقرار باليد فصار هو صاحب يد فلا يثبت الملك للمدعي إلا ببينة ولو أقر أن فلانا زرع هذه الأرض أو بنى هذه الدار أو غرس هذا الكرم وذلك في يدي المقر وادعى المقر له أنه له فالقول قول المقر : لأن الإقرار بالزرع والغرس والبناء لا يكون إقرارا باليد لجواز وجودها في يد الغير فلا يؤمر بالرد إليه والله تعالى أعلم .
وعلى هذا أن من أعتق عبده ثم أقر المولى أنه أخذ منه هذا الشيء في حال الرق وهو قائم بعينه وقال العبد : لا بل أخذته بعد العتق فالقول قول العبد ويؤمر بالرد إليه بالإجماع لأن قول العبد يقتضي وجوب الرد وقول المولى لا ينفي الوجوب بل يقتضيه لأن الأخذ في الأصل سبب لوجوب ضمان الرد والإضافة إلى حال الرق لا تنفي الوجوب فإن المولى إذا أخذ كسب عبده المأذون المديون يلزمه الرد إليه .
ولو أقر بالإتلاف بأن قال أتلفت عليك مالا وأنت عبدي وقال العبد : لا بل أتلفته وأنا حر فالقول قول العبد عند أبي حنيفة و أبي يوسف وعند محمد القول قول المولى وعلى هذا الاختلاف إذا قال المولى : قطعت يدك قبل العتق وقال العبد : لا بل قطعتها بعد العتق .
ولو تنازعا في الضريبة فقال المولى : أخذت منك ضريبة كل شهر كذا وهي ضريبة مثله وقال العبد : لا بل كان بعد العتق فالقول قول المولى بالاتفاق وكذلك لو ادعى المولى وطء الأمة قبل العتق وادعت الأمة بعد العتق فالقول قول المولى بالإجماع .
وجه قولى محمد و زفر رحمهما الله : أن المولى ينكر وجوب الضمان فكان القول قوله وهذا لأنه أضاف الضمان إلى حال الرق حيث قال : أتلفت وهو رقبق والرق ينافي الضمان إذ المولى لا يجب عليه لعبده ضمان فكان منكرا وجوب الضمان والعبد بقوله أتلفت بعد العتق يدعي وجوب الضمان عليه وهو ينكر فكان القول قوله ولهذا كان القول قوله في الغلة والوطء وكذا هذا وجه قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى أن اعتبار قول العبد يوجب الضمان على المولى لأن إتلاف مال الحر يوجب الضمان واعتبار قول المولى لا ينفي الوجوب لأنه أقر بالأخذ والأخذ في الأصل سبب لوجوب الضمان والإضافة إلى حال الرق لا تنفي الوجوب فإن إتلاف كسب العبد المأذون المديون دينا مستغرقا للرقبة والكسب موجب للضمان فإذا وجد الموجب وانعدم المانع بقي خبره واجب القبول بخلاف الوطء والغلة لأن وطء الرقيق لا يوجب الضمان أصلا وكذلك أخذ ضريبة العبد وهي الغلة لا يوجب الضمان على المولى فإن المولى إذا أخذ ضريبة العبد وعليه دين مستغرق ليس للغرماء حق الاسترداد على ما مر في كتاب المأذون فكان المولى بقوله قبل العتق منكرا وجوب الضمان فكان القول قوله مع ما أن الظاهر شاهد للمولى لأن الأصل في الوطء أن لا يكون سببا لوجوب الضمان لأنه إتلاف منافع البضع والأصل في المنافع أن لا تكون مضمونة بالإتلاف فترجح خبر المولى بشهادة الأصل له فكان أولى بالقبول كما في الإخبار عن طهارة الماء ونجاسته .
فأما الأصل في أخذ المال أن يكون سببا لوجوب الضمان فكان الظاهر شاهدا للعبد وكذلك الغلة لأنها بدل المنفعة والمنافع في الأصل غير مضمونة والله سبحانه وتعالى أعلم .
وعلى هذا إذا استأمن الحربي أو صار ذمة فقال له رجل مسلم : أخذت منك ألف درهم وأنت حربي في دار الحرب فقال له المقر لا بل أخذته وأنا مستأمن أو ذمي في دار الإسلام والألف قائمة بعينها فالقول قول المقر له ويؤمر بالرد إليه بالإجماع .
ولو قال : أخذت منك ألفا فاستهلكتها وأنت حربي في دار الحرب أو قال : قطعت يدك وقال المقر له : لا بل فعلت وأنا مستأمن أو ذمي في دار الإسلام فالقول قول المقر له ويضمن له المقر ما قطع وأتلف عند أبي حنيفة و أبي يوسف وعند محمد و زفر رحمهم الله لا يضمن شيئا .
وجه قول محمد و زفر : أن المولى منكر وجوب الضمان لإضافة الفعل إلى حالة منافية للوجوب وهي حالة الحراب والقول قول المنكر .
وجه قول أبي حنيفة و أبي يوسف : أن الظاهر شاهد للعبد إذ العصمة أصل في النفوس والسقوط بعارض المسقط فالقول قول من يشهد له الأصل .
وعلى هذا إذا قال : لفلان علي ألف درهم ولم يذكر الوزن يلزمه الألف وزنا لا عددا لأن الدراهم في الأصل موزونة إلا إذا كان الإقرار في بلدة دراهمها عددية فينصرف إلى العدد المتعارف وكذلك إذا ذكر العدد بأن قال : لفلان علي ألف درهم عددا يلزمه ألف درهم وزنا ويلغو ذكر العدد ويقع على ما يتعارفه أهل البلد من الوزن وهو في ديارنا وخراسان والعراق وزن سبعة وهو الذي يكون كل عشرة منها سبعة مثاقيل فإن كان الإقرار في هذه البلاد يلزمه بهذا الوزن وإن كان الإقرار في بلد يتعاملون فيه بدراهم وزنها ينقص عن وزن سبعة مثاقيل يقع إقراره على ذلك الوزن لانصراف مطلق الكلام إلى المتعارف حتى لو ادعى وزنا أقل من وزن بلده يصدق لأنه يكون رجوعا ولو كان في البلد أوزان مختلفة يعتبر فيه الغالب كما في نقد البلد فإن استوت يحمل على الأقل منها لأن الأقل متيقن به والزيادة مشكوك فيها والوجوب في الذمة أو لم يكن والوجوب في أقله لم يكن فمتى وقع الشك في ثبوته فلا يثبت مع الشك ولو سمى زيادة على وزن البلد أو أنقص منه بأن قال : لفلان علي ألف درهم وزن خمسة إن كان موصولا يقبل وإلا فلا لأن اسم الدراهم يحتمله لكنه خلاف الظاهر فاحتمل البيان الموصول ولا يصدق إذا فصل لانصراف الأفهام عند الإطلاق إلى وزن البلد فكان الإخبار عن غيره رجوعا فلا يصح .
وكذلك إذا قال : لفلان علي ألف درهم مثاقيل يلزمه ذلك لأنه زاد على الوزن المعروف وهو غير متهم في الإقرار على نفسه بالزيادة فيقبل منه .
ولو أقر وهو ببغداد فقال : لفلان علي ألف درهم طبرية يلزمه ألف درهم طبرية لكن بوزن سبعة لأن قوله طبرية خرج وصفا للدراهم أي دراهم منسوبة إلى طبرستان فلا يوجب تغيير وزن للبلد .
وكذلك إذا قال : لفلان علي كر حنطة موصلية والمقر ببغداد يلزمه كر حنطة موصلية لكن بكيل بغداد لما قلنا .
ولو قال : لفلان علي دينار شامي أو كوفي فعليه أن يعطيه دينارا واحدا وزنه مثقال ولا يجوز أن يعطيه دينارين وزنهما جميعا مثقال بخلاف الدراهم أنه إذا أعطاه درهمين صغيرين مكان درهم واحد كبير أنه يجبر على القبول كذا ذكر في الكتاب وكان في عرفهم أن الدينار إذا كان ناقص الوزن يكون ناقص القيمة فكان نقصان الوزن فيه وضيعة كذلك اعتبر الوزن والعدد جميعا وفي الدراهم بخلاف فأما في عرف ديارنا فالعبرة للوزن فسواء أعطاه دينارا واحدا أو دينارين يجبر على القبول بعد أن يكون وزنهما مثقالا وكذلك لو قال : لفلان علي قفيز حنطة فهو بقفيز البلد وكذلك الأوقار والأمنان لما قلنا في الدراهم والله سبحانه وتعالى أعلم