وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : بيان شرائط الجمعة .
وأما بيان شرائط الجمعة فللجمعة شرائط بعضها يرجع إلى المصلي وبعضها يرجع إلى غير .
أما الذي يرجع إلى المصلي فستة : العقل والبلوغ والحرية والذكورة والإقامة وصحة البدن فلا تجب الجمعة على المجانين والصبيان والعبيد إلا بإذن مواليهم والمسافرين والزمنى والمرضى .
أما العقل والبلوغ : فلأن صلاة الجمعة اختصت بشرائط لم تشترط في سائر الصلوات ثم لما كانا شرطا لوجوب سائر الصلوات فلأن يكونا شرطا لوجوب هذه الصلاة أولى .
وأما الحرية : فلأن منافع العبد مملوكة لمولاه إلا فيما استثنى وهو أداء الصلوات الخمس على طريق الانفراد دون الجماعة لما في الحضور إلى الجماعة وانتظار الإمام والقوم من تعطيل كثير من المنافع على المولى وهذا لا يجب عليه الحج والجهاد وهذا المعنى موجود في السعي إلى الجمعة وانتظار الإمام والقوم فسقطت عنه الجمعة .
وأما الإقامة : فلأن المسافر يحتاج إلى دخول المصر وانتظار الإمام والقوم فيتخلف عن القافلة فيلحقه الحرج وأما المريض فلأنه عاجز عن الحضور أو يلحقه الحرج في الحضور وأما المرأة فلأنها مشغولة بخدمة الزوج ممنوعة عن الخروج إلى محافل الرجال لكون الخروج سببا للفتنة ولهذا لا جماعة عليهن ولا جمعة عليهن أيضا .
والدليل على أنه لا جمعة على هؤلاء ما روي [ عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا مسافرا أو مملوكا أو صبيا أو امرأة أو مريضا فمن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غني حميد ] .
وأما الأعمى فهل تجب عليه ؟ أجمعوا على أنه إذا لم يجد قائدا لا تجب عليه كما لا تجب على الزمن وإن وجد من يحمله وأما إذا وجد قائدا إما بطريق التبرع أو كان له مال يمكنه أن يستأجر قائدا فكذلك في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف و محمد يجب وهو على الاختلاف في الحج إذا كان له زاد وراحلة وأمكنه أن يستأجر قائدا أو وعد له إنسان أن يقوده إلى مكة ذاهبا وآتيا لا يجب عليه الحج عند أبي حنيفة وعندهما يجب والمسألة نذكرها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .
ثم هؤلاء الذين لا جمعة عليهم إذا حضروا الجامع وأذوا الجمعة فمن لم يكن من أهل الوجوب كالصبي والمجنون فصلاة الصبي تكون تطوعا ولا صلاة للمجنون رأسا ومن هو من أهل الوجوب كالمريض والمسافر والعبد والمرأة وغيرهم تجزيهم ويسقط عنهم الظهر لأن امتناع الوجوب عليهم لما ذكرنا من الأعذار وقد زالت وصار الإذن من المولى موجودا دلالة .
وقد روي [ عن الحسن البصري أنه قال : كن النساء يجمعن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقال لهن : لا تخرجن إلا تفلات غير متطيبات ] وفرق بين هذا وبين الحج في العبد فإنه لو أدى الحج مع مولاه لا يحكم بجوازه حتى يؤاخذ بحجة الإسلام بعد الحرية .
والفرق : أن المنع من الجمعة كان نظرا للمولى والنظر ههنا في الحكم بالجواز لأنا لو لم نجوز وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب النظر ضررا وذا ليس بحكمة فتبين في الآخرة أن النظر في الحكم بالجواز فصار مأذونا دلالة كالعبد المحجور عليه إذا أجر نفسه أنه لا يجوز ولو سلم نفسه للعمل يجوز ويجب كمال الأجرة لما ذكرنا كذا هذا بخلاف الحج فإن هناك لا يتبين أن النظر للمولى في الحكم بالجواز لأنه لا يؤاخذ للحال بشيء آخر إذا لم نحكم بجوازه بل يخاطب بحجة الإسلام بعد الحرية فلا يتعطل على المولى منافعه فهو الفرق .
وأما الشرائط التي ترجع إلى غير المصلي فخمسة في ظاهر الروايات المصر الجامع والسلطان والخطبة والجماعة والوقت .
أما المصر الجامع : فشرط وجوب الجمعة وشرط صحة أدائها عند أصحابنا حتى لا تجب الجمعة إلا على أهل المصر ومن كان ساكنا في توابعه وكذا لا يصح أداء الجمعة إلا في المصر وتوابعه فلا تجب على أهل القرى التي ليست من توابع المصر ولا يصح أداء الجمعة فيها .
وقال الشافعي : المصر ليس بشرط للوجوب ولا لصحة الأداء فكل قرية يسكنها أربعون رجلا من الأحرار المقيمين لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا تجب عليهم الجمعة ويقام بها الجمعة واحتج بما روي عن ابن عباس Bهما أنه قال : أول جمعة جمعت في الإسلام بعد الجمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجؤاثى وهي قرية من قرى عبد القيس بالبحرين .
وروي عن أبي هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بجؤاثى فكتب إليه أن اجمع بها وحيث ما كنت ولأن جواز الصلاة مما لا يختص بمكان دون مكان كسائر الصلوات .
ولنا : ما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ] وعن علي رضي الله .
عنه لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع وكذا النبي صلى الله عليه و سلم كان يقيم الجمعة بالمدينة وما روى الإقامة حولها وكذا الصحابة Bهم فتحوا البلاد وما نصبوا المنابر إلا في الأمصار فكان ذلك إجماعا منهم على أن المصر شرط ولأن الظهر فريضة فلا يترك إلا بنص قاطع والنص ورد بتركها إلى الجمعة في الأمصار ولهذا لا تؤدى الجمعة في البراري ولأن الجمعة من أعظم الشعائر فتختص بمكان إظهار الشعائر وهو المصر .
وأما الحديث فقد قيل : إن جؤاثى مصر بالبحرين واسم القرية ينطلق على البلدة العظيمة لأنها اسم لما اجتمع فيها من البيوت قال تعالى : { واسأل القرية التي كنا فيها } وهي مصر وقال : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم } وهي مكة وما ذكر من المعنى غير سديد لأنه يبطل بالبراري ثم لا بد من معرفة حد المصر الجامع ومعرفة ما هو من توابعه .
أما المصر الجامع فقد اختلفت الأقاويل في تحديده : .
ذكر الكرخي : أن المصر الجامع ما أقيمت فيه الحدود ونفذت فيه الأحكام .
وعن أبي يوسف روايات ذكر في الإملاء كل مصر فيه منبر وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود فهو .
مصر جامع تجب على أهله الجمعة .
وفي رواية قال : إذا اجتمع في قرية من لا يسعهم مسجد واحد بنى لهم الإمام جامعا ونصب لهم من يصلي بهم الجمعة .
وفي رواية لو كان في القرية عشرة آلاف أو أكثر أمرتهم بإقامة الجمعة فيها وقال بعض أصحابنا المصر الجامع ما يتعيش فيه كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يحتاج إلى الانتقال إلى حرفة أخرى .
وعن أبي عبد الله البلخي أنه قال : أحسن ما قيل فيه إذا كانوا بحال لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم ذلك حتى احتاجوا إلى بناء مسجد الجمعة فهذا مصر تقام فيه الجمعة وقال سفيان الثوري .
المصر الجامع ما يعده الناس مصرا عند ذكر الأمصار المطلقة .
وسئل أبو القاسم الصفار عن حد المصر الذي تجوز فيه الجمعة فقال : أن تكون لهم منعة لو جاءهم .
عدو قدروا على دفعه فحينئذ جاز أن يمصر وتمصره أن ينصب فيه حاكم عدل يجري فيه حكما من الأحكام وهو أن يتقدم إليه خصمان فيحكم بينهما .
وروي عن أبي حنيفة أنه بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق وفيها والي يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحكمه وعلمه أو علم غيره والناس يرجعون إليه في الحوادث وهو الأصح .
وأما تفسير توابع المصر فقد اختلفوا فيها روى عن أبي يوسف أن المعتبر فيه سماع النداء إن كان موضعا يسمع فيه النداء من المصر فهو من توابع المصر وإلا فلا .
وقال الشافعي : إن كان في القرية أقل من أربعين فعليهم دخول المصر إذا سمعوا النداء .
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف : كل قرية متصلة بربض المصر فهي من توابعه وإن لم تكن متصلة بالربض فليست من توابع المصر .
وقال بعضهم : ما كان خارجا عن عمران المصر فليس من توابعه وقال بعضهم المعتبر فيه قدر ميل وهو ثلث فرسخ .
وقال بعضهم : إن كان قدر ميل أو ميلين فهو من توابع المصر وإلا فلا وبعضهم قدره بستة أميال و مالك قدره بثلاثة أميال وعن أبي يوسف أنها تجب في ثلاث فراسخ .
وعن الحسن البصري : أنها تجب في أربع فراسخ .
وقال بعضهم : إن أمكنه أن يحضر الجمعة ويبيت بأهله من غير تكلف تجب عليه الجمعة وإلا فلا وهذا حسن ويتصل بهذا إقامة الجمعة في أيام الموسم بمنى .
قال أبو حنيفة و أبو يوسف : تجوز إقامة الجمعة بها إذا كان المصلي بهم الجمعة هو الخليفة أو أمير العراق أو أمير الحجاز أو أمير مكة سواء كانوا مقيمين أو مسافرين أو رجلا مأذونا من جهتهم .
ولو كان المصلي بهم الجمعة أمير الموسم وهو الذي أمر بتسوية أمور الحجاج لا غير لا يجوز سواء كان مقيما أو مسافرا لأنه غير مأمور بإقامة الجمعة إلا إذا كان مأذونا من جهة أمير العراق أو أمير مكة وقيل : إن كان مقيما يجوز وإن كان مسافرا لا يجوز والصحيح هو الأول .
وقال محمد : لا تجوز الجمعة بمنى وأجمعوا أنه لا تجوز الجمعة بعرفات وإن أقامها أمير العراق أو الخليفة نفسه وقال بعض مشايخنا : إن الخلاف بين أصحابنا في هذا بناء على أن منى من توابع مكة عندهما .
وعند محمد : ليس من توابعها وهذا غير سديد لأن بينهما أربعة فراسخ وهذا قول بعض الناس في .
تقدير التوابع فأما عندنا فبخلافه على ما مر .
والصحيح : أن الخلاف فيه بناء على أن المصر الجامع شرط عندنا إلا أن محمدا يقول : إن منى ليس بمصر جامع بل هو قرية فلا تجوز الجمعة بها كما لا تجوز بعرفات وهما يقولان : إنها تتمصر في أيام الموسم لأن لها بناء وينقل إليها الأسواق ويحضرها وال يقيم الحدود وينفذ الأحكام فالتحق بسائر الأمصار بخلاف عرفات فإنها مفازة فلا تتمصر باجتماع الناس وحضرة السلطان وهل تجوز صلاة الجمعة خارج المصر منقطعا عن العمران أم لا ؟ .
ذكر في الفتاوى رواية عن أبي يوسف أن الإمام إذا خرج يوم الجمعة مقدار ميل أو ميلين فحضرته .
الصلاة فصلى جاز .
وقال بعضهم : لا تجوز الجمعة خارج المصر منقطعا عن العمران .
وقال بعضهم : على قول أبي حنيفة و أبي يوسف يجوز وعلى قول محمد لا يجوز كما اختلفوا في الجمعة بمنى .
وأما إقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين فقد ذكر الكرخي إنه لا بأس بأن يجمع في موضعين أو .
ثلاثة عند محمد هكذا ذكر .
وعن أبي يوسف : روايتان في رواية قال لا يجوز إلا إذا كان بين موضعي الإقامة نهر عظيم كدجلة أو نحوها فيصير بمنزلة مصرين وقيل إنما تجوز على قوله إذا كان لا جسر على النهر فأما إذا كان عليه جسر فلا لأن له حكم مصر واحد وكان يأمر بقطع الجسر يوم الجمعة حتى ينقطع الفصل .
وفي رواية قال : يجوز في موضعين إذا كان المصر عظيما ولم يجز في الثلاث وإن كان بينهما نهر صغير لا يجوز فإن أدوها في موضعين فالجمعة لمن سبق منهما وعلى الآخرين أن يعيدوا الظهر وإن أدوها معا أو كان لا يدري كيف كان لا تجوز صلاتهم .
وروى محمد عن أبي حنيفة : أنه يجوز الجمع في موضعين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك وذكر محمد في .
نوادر الصلاة وقال : لو أن أميرا أمر إنسانا أن يصلي بالناس الجمعة في المسجد الجامع وانطلق هو إلى حاجة له ثم دخل المصر في بعض المساجد وصلى الجمعة .
قال : تجزىء أهل المصر الجامع ولا تجزئه إلا أن يكون أعلم الناس بذلك فيجوز وهذا كجمعة في موضعين .
وقال أيضا : لو خرج الإمام يوم الجمعة للاستسقاء يدعو وخرج معه ناس كثير وخلف إنسانا يصلي بهم في المسجد الجامع فلما حضرت الصلاة صلى بهم الجمعة في الجبانة وهي على قدر غلوة من مصره وصلى خليفته في المصر في المسجد الجامع قال : تجزئهما جميعا فهذا يدل على أن الجمعة تجوز في موضعين في ظاهر الرواية وعليه الاعتماد أنه تجوز في موضعين ولا تجوز في أكثر من ذلك فإنه روي عن .
علي Bه أنه كان يخرج إلى الجبانة في العيد ويستخلف في المصر من يصلي بضعفة الناس وذلك بمحضر من الصحابة Bهم ولما جاز هذا في صلاة العيد فكذا في صلاة الجمعة لأنهما في اختصاصهما بالمصر سيان ولأن الحرج يندفع عند كثرة الزحام بموضعين غالبا فلا يجوز أكثر من ذلك .
وما روي عن محمد من الإطلاق في ثلاث مواضع محمول على موضع الحاجة والضرورة .
فأما السلطان فشرط أداء الجمعة عندنا حتى لا يجوز إقامتها بدون حضرته أو حضرة نائبه .
وقال الشافعي : السلطان ليس بشرط لأن هذه صلاة مكتوبة فلا يشترط لإقامتها السلطان كسائر الصلوات .
ولنا : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم شرط الإمام لإلحاق الوعيد بتارك الجمعة بقوله في ذلك الحديث وله إمام عادل أو .
جائر ] .
روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أربع إلى الولاة ] وعد من جملتها الجمعة ولأنه لو لم يشترط .
السلطان لأدى إلى الفتنة لأن هذه صلاة تؤدى بجمع عظيم والتقدم على جميع أهل المصر يعد من باب الشرف وأسباب العلو والرفعة فيتسارع إلى ذلك كل من جبل على علو الهمة والميل إلى الرئاسة فيقع بينهم التجاذب والتنازع وذلك يؤدي إلى التقاتل والتقالي ففوض ذلك إلى الوالي ليقوم به أو ينصب من رآه أهلا له فيمتنع غيره من الناس عن المنازعة لما يرى من طاعة الوالي أو خوفا من عقوبته ولأنه لو لم يفوض إلى السلطان لا يخلو إما أن تؤدي كل طائفة حضرت الجامع فيؤدي إلى تفويت فائدة الجمعة وهي اجتماع الناس لإحراز الفضيلة على الكمال وإما أن لا تؤدى إلا مرة واحدة فكانت الجمعة للأولين وتفوت عن الباقين فاقتضت الحكمة أن تكون إقامتها متوجهة إلى السلطان ليقيمها بنفسه أو بنائبه عند حضور عامة أهل البلدة مع مراعاة الوقت المستحب والله تعالى أعلم .
هذا إذا كان السلطان أو نائبه حاضرا فأما إذا لم يكن إمام بسبب الفتنة أو بسبب الموت ولم يحضر وال آخر بعد حتى حضرت الجمعة ذكر الكرخي أنه لا بأس أن يجمع الناس على رجل حتى يصلي بهم الجمعة وهكذا روى عن محمد ذكره في العيون لما روى عن عثمان Bه أنه لما حوصر قدم الناس عليا Bه فصلى بهم الجمعة .
وروى في العيون عن أبي حنيفة في والي مصر مات ولم يبلغ الخليفة موته حتى حضرت الجمعة .
فإن صلى بهم خليفة الميت أو صاحب الشرط أو القاضي أجزأهم وإن قدم العامة رجلا لم يجز لأن هؤلاء قائمون مقام الأول في الصلاة حال حياته فكذا بعد وفاته ما لم يفوض الخليفة الولاية إلى غيره .
وذكر في نوادر الصلاة : أن السلطان إذا كان يخطب فجاء سلطان آخر إن أمره أن يتم الخطبة يجوز ويكون ذلك القدر خطبة ويجوز له أن يصلي بهم الجمعة لأنه خطب بأمره فصار نائبا عنه وإن لم يأمره بالإتمام ولكنه سكت حتى أتم الأول خطبته فأراد الثاني أن يصلي بتلك الخطبة لا تجوز الجمعة وله أن يصلي الظهر لأن سكوته محتمل يحتمل أن يكون أمرا ويحتمل أن لا يكون أمرا فلا يعتبر مع الاحتمال وكذلك إذا حضر الثاني وقد فرغ الأول من خطبته فصلى الثاني بتلك الخطبة لا يجوز لأنها خطبة إمام معزول ولم توجد الخطبة من الثاني والخطبة شرط .
هذا كله إذا علم الأول بحضور الثاني وإن لم يعلم فخطب وصلى والثاني ساكت يجوز لأنه لا يصير معزولا إلا بالعلم كالوكيل إلا إذا كتب إليه كتاب العزل أو أرسل إليه رسولا فصار معزولا .
وأما العبد : إذا كان سلطانا فجمع بالناس أو أمر غيره جاز وكذا إذا كان حرا مسافرا وهذا قول أصحابنا الثلاثة .
وقال زفر : شرط صحة الجمعة هو الإمام الذي هو حر مقيم حتى إذا كان عبدا أو مسافرا لا تصح منه إقامة الجمعة .
وجه قول زفر : أنه لا جمعة على العبد والمسافر .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أربعة لا جمعة عليهم : المسافر والمريض والعبد والمرأة ] فلو جمع بالناس كان .
متطوعا في أداء الجمعة واقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز .
ولنا : ما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى الجمعة بالناس عام فتح مكة وكان مسافرا حتى قال لهم في صلاة الظهر بعد ما صلى ركعتين وسلم : أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا قوم سفر ] .
و [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أطيعوا السلطان ولو أمر عليكم عبدا حبشي ] ولو لم يصلح إماما لم تفترض طاعته ولأنهما من أهل الوجوب إلا أنه رخص لهما التخلف عنها والاشتغال بتسوية أسباب السفر وخدمة المولى نظرا فإذا حضر الجامع لم يسلك طريقة الترخص واختار العزيمة فيعود حكم العزيمة ويلتحق بالأحرار المقيمين كالمسافر إذا صام رمضان فيصح الاقتداء به وبه تبين أن هذا اقتداء المفترض بالمفترض فيصح .
وأما المرأة والصبي العاقل فلا يصح منهما إقامة الجمعة لأنهما لا يصلحان للإمامة في سائر الصلوات ففي الجمعة أولى إلا أن المرأة إذا كانت سلطانا فأمرت رجلا صالحا للإمامة حتى صلى بهم الجمعة جاز لأن المرأة تصلح سلطانا أو قاضيا في الجملة فتصح إنابتها .
وأما الخطبة فالكلام في الخطبة في مواضع في بيان كونها شرطا لجواز الجمعة وفي بيان وقت الخطبة وفي بيان كيفية الخطبة ومقدارها وفي بيان ما هو المسنون في الخطبة وفي بيان محظورات الخطبة .
أما الأول : فالدليل على كونها شرطا قوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } والخطبة ذكر الله فتدخل في الأمر بالسعي لها من حيث هي ذكر الله أو المراد من الذكر الخطبة وقد أمر بالسعي إلى الخطبة فدل على وجوبها وكونها شرطا لانعقاد الجمعة وعن عمر وعائشة Bهما أنهما قالا : إنما قصرت الصلاة لأجل الخطبة أخبرا أن شطر الصلاة سقط لأجل الخطبة وشطر الصلاة كان فرضا فلا يسقط إلا لتحصيل ما هو فرض ولأن ترك الظهر بالجمعة عرف بالنص والنص ورد بهذه الهيئة وهي وجوب الخطبة ثم هي وإن كانت قائمة مقام ركعتين شرط وليست بركن لأن صلاة الجمعة لا تقام بالخطبة فلم تكن من أركانها وأما وقت الخطبة فوقت الجمعة وهو وقت الظهر لكن قبل صلاة الجمعة لما ذكرنا أنها شرط الجمعة وشرط الشيء يكون سابقا عليه وهكذا فعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم ووقت الخطبة بعرفة قبل الصلاة أيضا لكنها سنت لتعليم المناسك .
وأما الخطبة في العيدين فوقتها بعد الصلاة وهي سنة لما نذكر إن شاء الله تعالى وأما كيفية الخطبة ومقدارها فقد قال أبو حنيفة أن الشرط أن يذكر الله تعالى على قصد الخطبة كذا نقل عنه في الأمالي مفسرا قل الذكر أم كثر حتى لو سبح أو هلل أو حمد الله تعالى على قصد الخطبة أجزأه .
وقال أبو يوسف و محمد : الشرط أن يأتي بكلام يسمى خطبة في العرف وقال الشافعي : الشرط أن .
يأتي بخطبتين بينهما جلسة لأن الله تعالى قال : { فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } وهذا ذكر مجمل ففسره النبي صلى الله عليه و سلم بفعله وتبين أن الله تعالى أمر بخطبتين ولهما أن المشروط هو الخطبة و الخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه و سلم والدعاء للمسلمين والوعظ والتذكير لهم فينصرف المطلق إلى المتعارف و لأبي حنيفة C تعالى طريقان .
أحدهما : أن الواجب هو مطلق ذكر الله لقوله : D { فاسعوا إلى ذكر الله } وذكر الله تعالى معلوم لا جهالة فيه فلم يكن مجملا لأنه تطاوع العمل من غير بيان يقترن به فتقييده بذكر يسمى خطبة أو بذكر طويل لا يجوز إلا بدليل والثاني : أن يقيد ذكر الله تعالى بما يسمى خطبة لكن اسم الخطبة في حقيقة اللغة يقع على ما قلنا فإنه روى عن عثمان Bه أنه لما استخلف خطب في أول جمعة فلما قال الحمد لله أرتج عليه فقال : أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وأن أبا بكر وعمر Bهما كانا يعدان لهذا المكان مقالا وستأتيكم الخطب من بعد وأستغفر الله لي ولكم ونزل وصلى بهم الجمعة وكان ذلك بمحضر من المهاجرين والأنصار وصلوا خلفه وما أنكروا عليه صنيعه مع أنهم كانوا موصوفين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكان هذا إجماعا من الصحابة Bهم على أن الشرط هو مطلق ذكر الله تعالى ومطلق ذكر الله تعالى مما ينطلق عليه اسم الخطبة لغة وإن كان لا ينطلق عليه عرفا وتبين بهذا أن الواجب هو الذكر لغة وعرفا وقد وجد أو ذكر هو خطبة لغة وإن لم يسم خطبة في العرف وقد أتى به وهذا لأن العرف إنما يعتبر في معاملات الناس فيكون دلالة على غرضهم وأما في أمر بين العبد وبين ربه فيعتبر فيه حقيقة اللفظ لغة وقد وجد على أن هذا القدر من الكلام يسمى خطبة في المتعارف ألا ترى إلى ما روى [ عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه قال للذي قال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن عصاهما فقد غوى : بئس الخطيب أنت ] سماه خطيبا بهذا القدر من الكلام