وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل مصارف الزكاة .
و أما الأية : ففيها بيان مواضع الصدقات و مصارفها و مستحقيها لأن اللام للاختصاص و هو أنهم المختصون بهذا الحق دون غيرهم لا للتسوية لغة و إنما الصيغة للشركة و التسوية لغة حرف بين ألا ترى أنه إذا قيل : الخلافة لبني العباس و السدانة لبني عبد الدار و السقاية لبني هاشم يراد به أنهم المختصون بذلك لا حق فيها لغيرهم لأنها بينهم بالحصص بالسوية و لو قيل الخلافة بين بني العباس و السدانة بين بني عبد الدار و السقاية بين بني هاشم كان خطأ و لهذا قال أصحابنا فيمن قال : ما لي لفلان و للموتى أنه كله لفلان و لو قال : ما لي بين فلان و بين الموتى كان لفلان نصفه و لو كان الأمر على ما قاله الشافعي : إن الصدقة تقسم بين الأصناف الثمانية على السوية لقال : إنما الصدقات بين الفقراء الآية .
فإن قيل : أليس أن من قال : ثلث مالي لفلان و فلان أنه يقسم بينهما بالسوية كما إذا قال ثلث مالي بين فلان و فلان .
و الجواب : أن الاشتراك هناك ليس موجب الصيغة إذ الصيغة لا توجب الاشتراك و التسوية بينهما بل موجب الصيغة ما قلنا إلا أن في باب الوصية لما جعل الثلث حقا لهما دون غيرهما و هو شيء معلوم لا يزيد بعد الموت و لا يتوهم له عدد و ليس أحدهما بأولى من الآخر فقسم بينهما على السواء نظرا لهما جميعا فأما الصدقات فليست بأموال متعينة لا تحتمل الزيادة و المدد حتى يحرم البعض بصرفها إلى البعض بل يردف بعضها بعضا و إذا فني مال يجيء مال آخر و إذا مضت سنة تجيء سنة أخرى بمال جديد و لا انقطاع للصدقات إلى يوم القيامة .
فإذا صرف الإمام صدقة يأخذها من قوم إلى صنف منهم لم يثبت الحرمان للباقين بل يحمل إليه صدقة أخرى فيصرف إلى فريق آخر فلا ضرورة إلى الشركة و التسوية في كل مال يحمل إلى الإمام من الصدقات و الله أعلم .
و كما لا يجوز صرف الزكاة إلى الغني لا يجوز صرف جميع الصدقات المفروضة و الواجبة إليه كالعشور و الكفارات و النذور و صدقة الفطر لعموم قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء } .
و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تحل الصدقة لغني ] و لأن الصدقة مال فيه الخبث لكونه غسالة الناس لحصول الطهارة لهم به من الذنوب و لا يجوز الانتفاع بالخبيث إلا عند الحاجة و الحاجة للفقير لا للغني .
و أما صدقة التطوع : فيجوز صرفها إلى الغني لأنها تجري مجرى الهبة و لا يجوز الصرف إلى عبد الغني و مدبره و أم ولده لأن الملك في المدفوع نفع لمولاه و هو غني فكان دفعا إلى الغني .
هذا إذا كان العبد محجورا أو كان مأذونا لكنه لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته لأن كسبه ملك المولى فالدفع يقع إلى المولى و هو غني فلا يجوز ذلك و إن كان عليه دينا مستغرق لكنه غير ظاهر في حق المولى لأنه يتأخر إلى ما بعد العتاق فكان كسبه ملك المولى و هو غني و أما إذا كان ظاهرا في حق المولى كدين الاستهلاك و دين التجارة فينبغي أن يجوز على قول أبي حنيفة لأن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون دينا مستغرقا ظاهرا في و عندهما : لا يجوز في حقه و عندهما : لا يجوز لأنه يملك كسبه عندهما .
ويجوز الدفع إلى مكاتب الغني لأن كسب المالك المالك المكاتب ملكه من حيث الظاهر و إنما يملكه المولى بالعجز و لم يوجد و أما ولد الغني فإن كان صغيرا لم يجز الدفع إليه و إن كان فقيرا لا مال له لأن الولد الصغير يعد غنيا بغنا أبيه و إن كان كبيرا فقيرا يجوز لأنه لا يعد غنيا بمال أبيه فكان كالأجنبي و لو دفع إلى امرأة فقيرة و زوجها غني جاز في قول أبي حنيفة و محمد و هو إحدى الروايتين عن أبي يوسف و روي عنه أنها لا تعطى إذا قضى لها بالنفقة .
وجه هذه الرواية : أن نفقة المرأة تجب على زوجها فتصير غنية بغنا الزوج كالولد الصغير و إنما شرط القضاء لها بالنفقة لأن النفقة لا تصير دينا بدون القضاء .
وجه ظاهر الرواية : أن المرأة الفقيرة لا تعد غنية بغنا زوجها لأنها لا تستحق على زوجها إلا مقدار النفقة فلا تعد بذلك القدر غنية و كذا يجوز الدفع إلى فقير له ابن غني و إن كان يجب عليه نفقته لما قلنا إن تقدر النفقة لا تصير غنيا فيجوز الدفع إليه .
و أما صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الأغنياء إن سماهم الواقف في الوقف ذكره الكرخي في مختصره و إن لم يسمهم لا يجوز لأنها صدقة واجبة .
ثم لا بد من معرفة الغنا فنقول : الغنا أنواع ثلاثة : غنى تجب به الزكاة و غنى يحرم به أخذ الصدقة و قبولها و لا تجب به الزكاة .
و غنى يحرم به السؤال و لا يحرم به الأخذ .
أما الغنا الذي تجب به الزكاة فهو بأن يملك نصابا من المال النامي الفاضل عن الحاجة الأصلية .
و أما الغنا الذي يحرم به أخذ الصدقة و قبولها : فهو الذي تجب به صدقة الفطر و الأضحية و هو أن يملك من الأموال التي لا تجب فيها الزكاة ما يفضل عن حاجته و تبلغ قيمة الفاضل مائتي درهم من الثياب و الفرش و الدور و الحوانيت و الدواب و الخدم زيادة على ما يحتاج إليه كل ذلك للابتذال و الاستعمال لا للتجارة و الإسامة فإذا فضل من ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم وجب عليه صدقة الفطر و الأضحية و حرم عليه أخذ الصدقة .
ثم قدر الحاجة ما ذكره الكرخي في مختصره فقال : لا بأس بأن يعطي من الزكاة من له مسكن و ما يتأثث به في منزله و خادم و فرس و سلاح و ثياب البدن و كتب العلم إن كان من أهله فإن كان له فضل عن ذلكما يبلغ قيمته مائتي درهم عليه أخذ الصدقة لما روي عن الحسن البصري أنه قال : كانوا يعطون الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من الفرس و السلاح و الخادم و الدار .
و قوله كانوا كناية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا لأن هذه الأشياء من الحوائج اللازمة التي لا بد للإنسان منها فكان وجودها و عدمها سواء .
و ذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت و دور الغلة لكن غلتها لا تكفيه و لعياله أنه فقير و يحل له أخذ الصدقة عند محمد و زفر و عند أبي يوسف لا يحل و على هذا إذا كان له أرض و كرم لكن غلته لا تكفيه و لعياله و لو كان عنده طعام للقوت يساوي مائتي درهم فإن كان كفاية شهر تحل له الصدقة و إن كان كفاية سنة قال بعضهم : لا تحل و قال بعضهم تحل لأن ذلك مستحق الصرف إلى الكفاية و المستحق ملحق بالعدم .
و قد روي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ادخر لنسائه قوت سنة ] و لو كان له كسوة شتاء و هو لا يحتاج إليها في الصيف يحل له أخذ الصدقة ذكر هذه الجملة في الفتاوى و هذا قول أصحابنا .
و قال مالك : من ملك خمسين درهما لا يحل له أخذ الصدقة و لا يباح أن يعطى .
و احتج بما روي عن علي و عبد الله بن مسعود و سعد بن أبي وقاص Bهم أنهم قالوا : لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب و هذا نص في الباب .
و لنا : حديث معاذ حيث قال له النبي صلى الله عليه و سلم : [ خذها من أغنيائهم و ردها في فقرائهم ] قسم الناس قسمين الأغنياء و الفقراء فجعل الأغنياء يؤخذ منهم و الفقراء يرد فيهم فكل من لم يؤخذ منه يكون مردودا فيه و ما رواه مالك محمول على حرمة السؤال معناه لا يحل سؤال الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب أو يحمل ذلك على كراهة الأخذ لأن من له سداد من العيش فالتعفف أولى لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ من استغنى أغناه الله و من استعف أعفه الله ] .
و قال الشافعي : يجوز دفع الزكاة إلى رجل له مال كثير و لا كسب له و هو يخاف الحاجة و يجوز له الأخذ و هذا فاسد لأن هذا دفع الزكاة إلى الغني و لا سبيل إليه لما بينا و خوف حدوث الحاجة في الثاني لا يجعله فقيرا في الحال ألا ترى أنه لا يعتبر ذلك في سقوط الوجوب حتى تجب عليه الزكاة فكذا في جواز الأخذ .
و لو كان الفقير قويا مكتسبا يحل له أخذ الصدقة عندنا .
و عند الشافعي : لا يحل و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي ] و في بعض الروايات : [ و لا القوي مكتسب ] .
و لنا : ما روى عن سلمان الفارسي أنه قال : حمل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقة فقال لصحابه كلوا و لم يأكل .
و معلوم أنه لا يتوهم أن أصحابه Bهم كانوا كلهم زمنى بل كان بعضهم قويا مكتسبا .
و مارواه الشافعي محمول على حرمة الطلب و السؤال فإن ذلك للزجر عن المسألة و الحمل على الكسب و الدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ للرجلين الذين سألاه إن شئتما أعطيتكما منه و لاحق فيها لغني و لا لقوي مكتسب ] لو كان حراما لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم ليعطيهما الحرام و لكن قال ذلك للزجر عن السؤال و الحمل على الكسب و كذا هذا .
و يكره لمن عليه الزكاة أن يعطي فقيرا مائتي درهم أو أكثر و لو أعطى جاز و سقط عنه الزكاة في قول أصحابنا الثلاثة و عند زفر : لا يجوز و لا يسقط .
وجه قوله : إن هذا نصاب كامل فيصير غنيا بهذا المال و لا يجوز الصرف إلى الغني .
و لنا : أنه إنما يصير غنيا بعد ثبوت الملك له فأما قبله فقد كان فقيرا فالصدقة لاقت كف الفقير فجازت و هذا لأن الغنا يثبت بالملك و القبض شرط ثبوت الملك المقبوض ثم يصير غنيا ألا ترى أنه يكره لأن المنتفع به يصير هو الغني .
و ذكر في الجامع الصغير : [ و إن بغني به إنسانا أحب إلي ] و لم يرد به الإغناء المطلق لأن ذلك مكروه لما بيننا و إنما أراد به المقيد و هو أنه يغنيه يوما أو أياما عن المسألة لأن الصدقة و ضعت لمثل هذه الإغناء قال النبي صلى الله عليه و سلم في صدقة الفطر : [ أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم ] .
هذا إذا أعطى مائتي درهم و ليس عليه دين و لا له عيال فإن كان عليه دين فلا بأس بأن يتصدق عليه قدر دينه زيادة ما دون المائتين و كذا إذا كان له عيال يحتاج إلى نفقتهم و كسوتهم .
و أما الغنا الذي يحرم به السؤال فهو أن يكون له سداد عيش بأن كان له قوت يومه لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم قيل : يا رسول الله و ما ظهر الغنا قال : أن يعلم أن عنده ما يغديهم أو يعيشهم ] فإن لم يكن له قوت يومه و لا ما يستر به عورته يحل له أن يسأل لأن الحال حال الضرورة و قد قال الله تعالى : { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } و ترك السؤال في هذا الحال إلقاء النفس في التهلكة و أنه حرام فكان يسأل بل يجب عليه ذلك .
و منها : أن يكون مسلما فلا يجوز صرف الزكاة إلى الكافر بلا خلاف لحديث معاذ Bه [ خذها من أغنيائهم و ردها في فقرائهم ] أمر بوضع الزكاة في فقراء من يؤخذ من أغنيائهم و هم المسلمون فلا يجوز وضعها في غيرهم و أما ما سوى الزكاة من صدقة الفطر و الكفارات و النذور فلا شك في أن صرفها إلى فقراء المسلمين أفضل لأن الصرف إليهم يقع إعانة لهم على الطاعة و هل يجوز صرفها إلى أهل الذمة قال أبو حنيفة و محمد : يجوز و قال أبو يوسف : لا يجوز و هو قول زفر و الشافعي .
وجه قولهم الاعتبار بالزكاة و بالصرف إلى الحربي .
و لهما : قوله تعالى : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي و إن تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم و يكفر عنكم من سيئاتكم } من غير فصل بين فقير و فقير و عموم هذا النص يقتضي جواز صرف الزكاة إليهم إلا أنه خص منه الزكاة لحديث معاذ Bه .
و قوله تعالى في الكفارات : { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم } من غير فصل بين مسكين ومسكين إلا أنه خص منه الحربي بدليل و لأن صرف الصدقة إلى أهل الذمة من باب إيصال البر إليهم و ما نهينا عن ذلك قال الله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } و ظاهر هذا النص يقتضي جواز صرف الزكاة إليهم لأن أداء الزكاة بر بهم إلا أن بطريق الزكاة غير مراد عرفنا ذلك بحديث معاذ Bه و إنما لا يجوز صرفها إلى الحربي لأن في ذلك إعانة لهم على قتالنا و هذا لا يجوز و هذا المعنى لم يوجد في الذمي .
و منها : أن لا يكون من بني هاشم لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ يا معشر بني هاشم إن الله كره لكم غسالة الناس و عوضكم منها بخمس الخمس من الغنيمة ] و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إن الصدقة محرمة على بني هاشم ] .
و روي أنه رأى في الطريق تمرة فقال : لولا أني أخاف أن يكون من الصدقة لأكلتها ثم قال : [ إن الله حرم عليكم يا بني هاشم غسالة أيدي الناس ] و المعنى ما أشار إليه أنها من غسالة الناس فيتمكن فيها الخبث فصان الله تعالى بني هاشم عن ذلك تشريفا لهم و إكراما و تعظيما لرسول الله صلى الله عليه و سلم .
و منها : أن لا يكون من مواليهم لما روي عن ابن عباس Bه أنه قال استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم أرقم بن أبي أرقم الزهري على الصدقات فاستتبع أبا رافع فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله فقال : [ يا أبا رافع إن الصدقة حرام على محمد و آل محمد ] و أن موالي القوم من أنفسهم أي في حرمة الصدقة لإجماعنا على أن مولى القوم منهم في جميع الأحكام ألا ترى أنه ليس بكفء لهم و كذا مولى المسلم إذا كان كافرا تؤخذ منه الجزية و مولى التغلبي تؤخذ منه الجزية و لا تؤخذ منه الصدقة المضاعفة فدل أن المراد منه في حرمة الصدقة خاصة و بنو هاشم الذين تحرم عليهم الصدقات آل العباس و آل علي و آل جعفر و آل عقيل و ولد الحارث بن عبد المطلب و كذا ذكره الكرخي .
و منها : أن لا تكون منافع الأملاك متصلة بين المؤدي إليه لأن ذلك يمنع وقوع الأداء تمليكا من الفقير من كل وجه بل يكون صرفا إلى نفسه من وجه و على هذا يخرج الدفع إلى الوالدين و إن علوا و المولودين و إن سلفوا لأن أحدهما ينتفع بمال الآخر و لا يجوز أن يدفع الرجل الزكاة إلى زوجته بالإجماع و في دفع المرأة إلى زوجها اختلاف بين أبي حنيفة و صاحبيه ذكرناه فيما تقدم .
و أما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء و الدفع إليهم أولى لأن فيه أجرين أجر الصدقة و أجر الصلة و كونه دفعا إلى نفسه من وجه لا يمنع صدقة التطوع قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ نفقة الرجل على نفسه صدقة و على عياله صدقة و كل معروف صدقة ] و يجوز دفع الزكاة إلى من سوى الوالدين و المولودين من الأقارب و من الإخوة و الأخوات و غيرهم لانقطاع منافع الأملاك بينهم و لهذا تقبل شهادة البعض على البعض و الله أعلم هذا الذي ذكرنا إذا دفع الصدقة إلى إنسان على علم منه بحاله أنه محل الصدقة فأما إذا لم يعلم بحاله و دفع إليه فهذا على ثلاثة أوجه هو على الجواز حتى يظهر خطأه و في وجه على الفساد حتى يظهر صوابه و في تفصيل على الوفاق و الخلاف .
أما الذي هو على الجواز حتى يظهر خطأه : فهو أن يدفع زكاة ماله إلى رجل و لم يخطر بباله وقت الدفع و لم يشك في أمره إليه فهذا على الجواز إلا إذا ظهر بعد الدفع أنه ليس محل الصدقة فحينئذ لا يجوز لأن الظاهر أنه صرف الصدقة إلى محلها حيث نوى الزكاة عند الدفع و الظاهر لا يبطل إلا باليقين فإذا ظهر بيقين أنه ليس بمحل الصدقة ظهر أنه لم يجز و تجب عليه الإعادة و ليس له أن يسترد ما دفع إليه و يقع تطوعا حتى أنه لو خطر بباله بعد ذلك و شك فيه و لم يظهر له شيء لا تلزمه الإعادة لأن الظاهر لا يبطل بالشك .
و أما الذي هو على الفساد حتى يظهر جوازه : فهو أنه خطر بباله و شك في أمره لكنه لم يتحر و لا طلب الدليل أو تحرى بقلبه لكنه لم يطلب الدليل فهو على الفساد إلا إذا ظهر أنه محل بيقين أو بغالب الرأي فحينئذ يجوز لأنه لما شك وجب عليه التحري و الصرف إلى من وقع عليه تحريه فإذا ترك لم يوجد الصرف إلى من أمر بالصرف إليه فيكون فاسدا إلا إذا ظهر أنه محل فيجوز .
و أما الوجه الذي فيه تفصيل على الوفاق و الخلاف : فهو إن خطر بباله و شك في أمره و تحرى و وقع تحريه على أنه محل الصدقة فدفع إليه جاز بإلإجماع و كذا إن لم يتحر و لكن سأل عن حالة فدفع أو رآه في صف الفقراء أو على زي الفقراء فدفع فإن ظهر أنه كان محلا جاز بالإجماع و كذا إذا لم يظهر حاله عنده و أما إذا ظهر أنه لم يكن محلا بأن ظهر أنه غني أو هاشمي أو مولي لهاشمي أو كافر أو والد أو مولود أو زوجة يجوز و تسقط عنه الزكاة في قول أبي حنيفة و محمد و لا يلزمه الإعادة و عند أبي يوسف : لا يجوز و تلزمه الإعادة و به أخذ الشافعي .
و روي محمد بن شجاع عن أبي حنيفة في الوالد و الولد و الزوجة : أنه لا يجوز كما قال أبو يوسف و لو ظهر أنه عبده أو مدبره أو أم ولده أو مكاتبه لم يجز و عليه الإعادة في قولهم جميعا و لو ظهر أنه مستسعاه لم يجز عند أبي حنيفة لأنه بمنزلة المكاتب عنده .
و عندهما : يجوز لأنه حر عليه دين .
وجه قول أبي يوسف : أن هذا مجتهد ظهر خطأه بيقين فبطل اجتهاده و كما لو تحرى في ثياب أو أواني و ظهر خطأه فيها و كما لو صرف ثم ظهر أنه عبده أو مدبره او أم ولده أو مكاتبه .
و لهما : أنه صرف الصدقة إلى من أمر بالصرف إليه فيخرج عن العهدة كما إذا صرف و لم يظهر حاله بخلافه و دلالة ذلك أنه مأمور بالصرف إلى من هو محل عنده و في ظنه و اجتهاده لا على الحقيقة إذ لا علم له بحقيقة الغنا و الفقر لعدم إمكان الوقوف على حقيقتهما و قد صرف إلى من أدى اجتهاده أنه محل فقد أتى بالمأمور به فيخرج عن العهدة بخلاف الثياب و الأواني لأن العلم بالثوب الطاهر و الماء الطاهر ممكن فلم يأت بالمأمور به فلم يجز و بخلاف ما إذا ظهر أنه عبده لأن الوقوف على ذلك بأمارات تدل عليه ممكن .
على أن معنى صرف الصدقة و هو التمليك هناك لايتصور لا ستحالة تمليك الشيء من نفسه و قوله ظهر خطأه بيقين ممنوع و إنما يكون كذلك إن لو قلنا أنه صار محل الصدقة باجتهاده فلا نقول كذلك بل المحل المأمور بالصرف إليه شرعا حالة الاشتباه و هو من وقع عليه التحري و على هذا لا يظهر خطأه .
و لهما : في الصرف إلى ابنه و هو لا يعلم به الحديث المشهور و هو ما روي أن يزيد بن معن دفع صدقته إلى رجل و أمره بأن يأتي المسجد ليلا فيتصدق بها فدفعها إلى ابنه معن فلما أصبح رآها في يده فقال له : لم أردك بها فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ يا معن لك ما أخذت و يا يزيد لك ما نويت ] و الله تعالى أعلم