وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : فساد الصوم .
و على هذا الأصل ينبني بيان ما يفسد غالصوم و ينقصه لأن انتقاض الشيء عند فوات ركنه أمر ضروري و ذلك بالأكل و الشرب و الجماع سواء كان صورة و معنى أو صورة لا معنى أو معنى لا صورة و سواء كان بغير عذر أو بعذر و سواء كان عمدا أو خطأ طوعا أو كرها بعد أن كان ذاكرا لصومه لا ناسيا و لا في معنى الناسي و القياس أن يفسد و إن كان ناسيا و هو قول مالك لوجود ضد الركن حتى قال أبو حنيفة : لولا قول الناس لقلت يقضي أي لولا قول الناس أن أبا حنيفة خالف الأمر لقلت يقضي لكنا تركنا القياس بالنص و هو ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من نسي و هو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإن الله عز و جل أطعمه و سقاه ] حكم ببقاء صومه و علل بانقطاع نسبة فعله عنه بإضافته إلى الله تعالى لوقوعه من غير قصده .
و روي عن أبي حنيفة أنه قال : لا قضاء على الناسي للأثر المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم .
و القياس : يقضي ذلك و لكن اتباع الأثر أولى كان صحيحا و حديث صححه أبو حنيفة لا يبقى لأحد فيه مطعن و كذا انتقده أبو يوسف حيث قال : و ليس حديثا شاذا نجتري على رده و كان من صيارفة الحديث و روي عن علي و ابن عمر و أبي هريرة Bهم مثل مذهبنا و لأن النسيان في باب الصوم مما يغلب وجوده و لا يمكن دفعه إلا بحرج فجعل عذرا دفعا للحرج .
و عن عطاء و الثوري : إنهما فرقا بين الأكل و الشرب و بين الجماع ناسيا فقالا : يفسد صومه في الجماع و لا يفسد في الأكل و الشرب لأن القياس يقتضي الفساد في الكل لفوات ركن الصوم في الكل إلا أنا تركنا القياس بالخبر و أنه ورد في الأكل و الشرب فبقي الجماع على أصل القياس .
و إنا نقول : نعم الحديث ورد في الأكل و الشرب لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل و هو أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيض بقوله : [ فإنما أطعمه الله و سقاه ] قطع إضافته عن العبد لوقوعه فيه من غير قصده و اختياره و هذا المعنى يوجد في الكل و العلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه و يتعمم الحكم بعموم العلة و كذا معنى الحرج يوجد في الكل .
و لو أكل فقيل له إنك صائم و هو لا يتذكر أنه صائم ثم علم بعد ذلك فعليه القضاء في قول أبي يوسف و عند زفر و الحسن بن زياد لا قضاء عليه .
وجه قولهما : أنه لما تذكر أنه كان صائما تبين أنه أكل ناسيا فلم يفسد صومه .
و لأبي يوسف : أنه أكل متعمدا لأن عنده أنه ليس بصائم فيبطل صومه و لو دخل الذباب حلقه لم يفطره لأنه لا يمكنه الاحتراز عنه فأشبه الناسي و لو أخذه فأكله فطره لأنه تعمد أكله و إن لم يكن مأكولا كما لو أكل التراب و لو دخل الغبار أو الدخان أو الرائحة في حلقه لم يفطره لما قلنا و كذا لو ابتلع البلل الذي بقي بعد المضمضة في فمه مع البزاق أو ابتلع البزاق الذي اجتمع في فمه لما ذكرنا و لو بقي بين أسنانه شيء فابتلعه ذكر في الجامع الصغير أنه لا يفسد صومه و إن أدخله حلقه متعمدا روي عن أبي يوسف أنه إن تعمد عليه القضاء و لا كفارة عليه و وفق ابن أبي مالك فقال : إن كان مقدار الحمصة أو أكثر يفسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة كما قال أبو يوسف C تعالى .
و قول أبي يوسف محمول عليه و إن كان دون الحمصة لا يفسد صومه كما ذكر في الجامع الصغير و المذكور فيه محمول عليه و هو الأصح .
و وجهه : أن ما دون الحمصة يسير يبقى بين الأسنان عادة فلا يمكن التحرز عنه بمنزلة الريق فيشبه الناسي و لا كذلك قدر الحمصة فإن بقاءه بين الأسنان غير معتاد فيمكن الاحتراز عنه فلا يلحق بالناسي و قال زفر : عليه القضاء و الكفارة .
وجه قوله : أنه أكل ما هو مأكول في نفسه إلا أنه متغير فأشبه اللحم المنتن .
و لنا : أنه أكل ما لا يؤكل عادة إذا لا يقصد به الغذاء و لا الدواء فإن تثاءب فرفع رأسه إلى السماء فوقع في حلقه قطرة مطر أو ماء صب في ميزاب فطره لأن الاحتراز عنه ممكن و قد وصل الماء إلى جوفه و لو أكره على الأكل أو الشرب فأكل أو شرب بنفسه مكرها و هو ذاكر لصومه فسد صومه بلا خلاف عندنا و عند زفر و الشافعي : لا يفسد .
وجه قولهما : أن هذا أعذر من الناسي لأن الناسي وجد منه الفعل حقيقة و إنما انقطعت نسبته عنه شرعا بالنص و هذا لم يوجد منه الفعل أصلا فكان أعذر من الناسي ثم لم يفسد صوم الناسي فهذا أولى .
و لنا : أن المعنى الركن قد فات لوصول المغذي إلى جوفه بسبب لا يغلب وجوده و يمكن التحرز عنه في الجملة فلا يبقى الصوم كما لو أكل أو شرب بنفسه مكرها و هذا لأن المقصود من الصوم معناه و هو كونه وسيلة إلى الشكر و التقوى و قهر الطبع الباعث على الفساد على ما بينا و لا يحصل شيء من ذلك إذا وصل الغذاء إلى جوفه .
و كذا النائمة جامعها زوجها و لم تنبه أو المجنونة جامعها زوجها و لم تنتبه فسد صومها عندنا خلافا لزفر و الكلام فيه على نحو ما ذكرنا و لو تمضمض أو استنشق فسبق الماء حلقه و دخل جوفه فإن لم يكن ذاكرا لصومه لا يفسد صومه لأنه لو شرب لم يفسد فهذا أولى و إن كان ذاكرا فسد صومه عندنا .
و قال ابن أبي ليلى : إن كان وضوؤه للصلاة المكتوبة لم يفسد و إن كان للتطوع فسد .
و قال الشافعي : لا يفسد أيهما كان .
و قال بعضهم : إن تمضمض ثلاث مرات فسبق الماء حلقه لم يفسد و إن زاد على الثلاث فسد .
وجه قول ابن أبي ليلى : أن الوضوء للصلاة المكتوبة فرض فكان المضمضة و الاستنشاق من ضروروات إكمال الفرض فكان الخطأ فيها عذرا بخلاف صلاة التطوع .
وجه قول من فرق بين الثلاث و ما زاد عليه أن السنة فيهما ثلاث فكان الخطأ فيهما من ضرورات إقامة السنة فكان عفوا و أما الزيادة على الثلاث فمن باب على ما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ فمن زاد أو نقص فقد تعدى و ظلم ] فلم يعذر فيه و الكلام مع الشافعي على نحو ما ذكرنا في الإكراه .
يؤما ما ذكرنا أن الماء لا يسبق الحلق في المضمضة و الاستنشاق عادة إلا عند المبالغة فيهما و المبالغة مكروهة في حق الصائم قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ للقيط بن صبرة : بالغ في المضمضة و الاستنشاق إلا أن تكون صائما ] فكان في المبالغة متعديا فلم يعذر بخلاف الناسي .
و لو احتلم في نهار رمضان فأنزل لم يفطره لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ ثلاث لا يفطرون الصائم : القيء و الحجامة و الاحتلام ] و لأنه لا صنع له فيه فيكون كالناسي و لو نظر إلى امرأة و تفكر فأنزل لم يفطره .
و قال مالك إن تتابع نظره فطره لأن التتابع في النظر كالمباشرة .
و لنا : أنه لم يوجد الجحامة لا صورة و لا معنى لعدم الاستمتاع بالنساء فأشبه الاحتلام بخلاف المباشرة و لو كان يأكل أو يشرب ناسيا ثم تذكر فألقى اللقمة أو قطع الماء أو كان يتسحر فطلع الفجر و هو يشرب الماء فقطعه أو يأكل فألقى اللقمة فصومه تام لعدم الأكل و الشرب بعد التذكر و الطلوع و لو كان يجامع امرأته في النهار ناسيا لصومه فتذكر فنزع من ساعته أو كان يجامع في الليل فطلع الفجر و هو مخالط فنزع من ساعته فصومه تام و قال زفر : فسد صومه و عليه القضاء .
وجه قوله : أن جزأ من الجماع حصل بعد طلوع الفجر و التذكر و أنه يكفي لفساد الصوم لوجود المضادة له و إن قل .
و لنا : أن الموجود منه بعد الطلوع و التذكر هو النزع و النزع ترك الجماع و ترك الشيء لا يكون محصلا له بل يكون اشتغالا لا يقصد بضده فلم يوجد منه الجماع بعد الطلوع و التذكر رأسا فلا يفسد صومه و لهذا لم يفسد في الأكل و الشرب كذا في الجماع .
و هذا إذا نزع بعد ما تذكر أو بعد ما طلع الفجر فأما إذا لم ينزع و بقي فعليه القضاء و لا كفارة عليه في ظاهر الرواية و روي عن أبي يوسف أنه فرق بين الطلوع و التذكر فقال في الطلوع عليه الكفارة و في التذكر : لا كفارة عليه .
و قال الشافعي : عليه القضاء و الكفارة فيهما جميعا .
وجه قوله : أنه وجد الجماع في نهار رمضان متعمدا لوجوده بعد طلوع الفجر و التذكر فيوجب القضاء و الكفارة .
وجه رواية أبي يوسف : و هو الفرق بين الطلوع و التذكر أن في الطلوع ابتداء الجماع كان عمدا و الجماع جماع واحد بابتدائه و انتهائه و الجماع العمد يوجب الكفارة و أما في التذكر فابتداء الجماع كان ناسيا و جماع الناسي لا يوجب فساد الصوم فضلا عن و جوب الكفارة .
و جه ظاهر الرواية : أن الكفارة إنما تجب بإفساد الصوم و إفساد الصوم يكون بعد و جوده و بقاؤه في الجماع يمنع و جود الصوم فإذا امتنع و جوده استحال الإفساد فلا تجب الكفارة و وجوب الكفارة و وجوب القضاء لا نعدام صومه اليوم لا لإفساده بعد و جوده و لأن هذا جماع لم يتعلق بابتدائة وجوب الكفارة فلا يتعلق بالبقاء عليه لأن الكل فعل واحد و له شبهة الاتحاد و هذه الكفارة لا تجب مع الشبهة لما نذكر .
و لو أصبح جنبا في رمضان فصومه تام عند عامة الصحابة مثل : علي و ابن مسعود و زيد بن ثابت و أبي الدرداء و أبي ذر و ابن عباس و ابن عمر و معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهم .
و عن أبي هريرة Bه : أنه لا صوم له و احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أصبح جنبا فلا صوم له و رب الكعبة ] قاله راوي الحديث و أكده بالقسم .
و لعامة الصحابة قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى قوله : { فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } أحل الله عز و جل الجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر و إذا كان الجماع في آخر الليل يبقى الرجل جنبا بعد طلوع الفجر لا محالة فدل أن الجنابة لا تضر الصوم .
و أما حديث أبي هريرة : فقد ردته عائشة و أم سلمة فقالت عائشة : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح جنبا من غير احتلام ثم يتم صومه ذلك من رمضان ] .
و قالت أم سلمة : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبح جنبا من قراف ] أي جماع مع أنه خبر واحد ورد مخالفا للكتاب .
و لو نوى الصائم الفطر و لم يحدث شيئا آخر سوى النية فصومه تام و قال الشافعي : بطل صومه .
وجه قوله : إن الصوم لا بد له من النية و قد نقض نية الصوم بنية ضده و هو الإفطار فبطل صومه لبطلان شرطه .
و لنا : أن مجرد النية لا عبرة به في أحكام الشرع ما لم يتصل به الفعل لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن الله تعالى عفا عن أمتي ما تحدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا أو يفعلوا ] و نية الإفطار لم يتصل به الفعل و به تبين أنه ما نقض نية الصوم بنية الفطر لأن نية الصوم نية اتصل بها الفعل فلا تبطل بنية لم يتصل بها الفعل على أن النية شرط انعقاد الصوم لا شرط بقائه منعقدا ألا ترى أنه يبقى مع النوم و النسيان و الغفلة .
و ولو ذرعه القيء لم يفطره سواء كان أقل من ملء الفم أو كان ملء الفم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ثلاث لا يفطرن الصائم القيء و الحجامة و الاحتلام ] .
و قوله : [ من قاء فلا قضاء عليه ] و لأن ذرع القيء مما لا يمكن التحرز عنه بل يأتيه على وجه لا يمكنه دفعه فأشبه الناسي و لأن الأصل أن لا يفسد الصوم بالقيء سواء ذرعه أو تقيأ لأن فساد الصوم متعلق بالدخول شرعا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ الفطر مما يدخل و الوضوء مما يخرج ] علق كل جنس الفطر بكل ما يدخل و لو حصل لا بالدخول لم يكن كل جنس الفطر معلقا بكل ما يدخل لأن الفطر الذي يحصل بما يخرج لا يكون ذلك الفطر حاصلا بما يدخل و هذا خلاف النص إلا أنا عرفنا الفساد بالاستيقاء بنص آخر و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ و من استقاء فعليه القضاء ] فبقي الحكم في الذرع على الأصل و لأنه لا صنع له في الذرع وهو سبق القيء بل يحصل بغير قصده و اختياره و الإنسان لا يؤاخذ بما لا صنع له فيه فلهذا لا يؤاخذ الناسي بفساد الصوم فكذا هذا لأن هذا في معناه بل أولى لأنه لا صنع له فيه أصلا بخلاف الناسي على ما مر .
فإن عاد إلى جوفه فإن كان أقل من ملء الفم لا يفسد بلا خلاف و إن كان ملء الفم فذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن في قول أبي يوسف يسفد و في قوله محمد : لا يفسد و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي الاختلاف على العكس فقال في قول أبي يوسف : لا يفسد و في قول محمد : يفسد .
وجه قول من قال يفسد : أنه وجد المفسد و هو الدخول في الجوف لأن القيء ملء الفم له حكم الخروج بدليل انتقاض الطهارة و الطهارة لا تنتقض إلا بخروج النجاسة فإذا عاد فقد وجد الدخول فيدخل تحت قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ و الفطر مما يدخل ] .
وجه قول من قال لا يفسد : أن العود ليس صنعه بل هو صنع الله تعالى على طريق التمحض يعني به مصنوعة للعبد فيه رأسا فأشبه ذرع القيء فإن أعاده فإن كان ملىء الفم فسد صومه بالاتفاق لوجود الإدخال متعمدا لما ذكرنا أن للقيء ملء الفم حكم الخروج حتى يوجب انتقاض الطهارة فإذا أعاده فقد أدخله في الجوف عن قصد فيوجب فساد الصوم و إن كان أقل من ملء الفم ففي قول أبي يوسف : لا يفسد و في قول محمد : يفسد .
وجه قول محمد : أنه وجد الدخول إلى الجوف بصنعه فيفسد و لأبي يوسف : أن الدخول إنما يكون بعد الخروج و قليل القيء ليس له حكم الخروج بدليل عدم انتقاض الطهارة به فلم يوجد الدخول فلا يفسد .
هذا الذي ذكرنا كله إذا ذرعه القيء فأما إذا استقاء فإن كان ملء الفم يفسد صومه بلا خلاف لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ و من استقاء فعليه القضاء ] و إن كان أقل من ملء الفم لا يفسد في قول أبي يوسف و عند محمد : يفسد و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم و من استقاء فعليه القضاء مطلقا من غير فصل بين القليل و الكثير .
وجه قول أبي يوسف : ما ذكرنا أن الأصل أن يفسد الصوم إلا بالدخول بالنص الذي روينا و لم يوجد ههنا فلا يفسد و الحديث محمول على الكثير توفيقا بين الدليلين بقدر الإمكان .
ثم كثير المستقاء لا يتفرع عليه العود و الإعادة لأن الصوم قد فسد بالاستقاء و كذا قليله في قول محمد لأن عنده فسد الصوم بنفس الاستقاء و إن كان قليلا و أما على قول أبي يوسف فإن عاد لا يفسد و إن أعاده ففيه عن أبي يوسف روايتان : يفسد و في رواية : لا يفسد .
و ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من المخارق الأصلية كالأنف و الأذن و الدبر بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه أما إذا وصل إلى الجوف فلا شك فيه لوجود الأكل من حيث الصورة و كذا إذا وصل إلى الدماغ لأن له منفذا إلى الجوف فكان بمنزلة زاوية من زوايا الجوف .
و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ للقيط بن صبرة : بالغ في المضمضة و الاستنشاق إلا أن تكون صائما ] و معلوم أن استثناءه حالة الصوم للاحتراز عن فساد الصوم و إلا لم يكن للاستثناء معنى .
و لو وصل إلى الرأس ثم خرج لا يفسد بأن استعط بالليل ثم خرج بالنهار لأنه لما خرج علم أنه لم يصل إلى الجوف أو لم يستقر فيه و أما ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن غير المخارق الأصلية بأن داوى الجائفة و الآمة فإن داواها بدواء يابس لا يفسد لأنه لم يصل إلى الجوف و لا إلى الدماغ و لو علم أنه وصل يفسد في قول أبي حنيفة و إن داواها بدواء رطب يفسد عند أبي حنيفة و عندهما لا يفسد هما اعتبرا المخارق الأصلية لأن الوصول إلى الجوف من المخارق الأصلية متيقن به و من غيرها مشكوك فيه فلا نحكم بالفساد مع الشك .
و لأبي حنيفة أن الدواء إذا كان رطبا فالظاهر هو الوصول لوجود المنفذ إلى الجوف فيبني الحكم على الظاهر و أما الإقطار في الإحليل فلا يفسد في قول أبي حنيفة و عندهما : يفسد قيل : إن الاختلاف بينهم بناء على أمر خفي و هو كيفية خروج البول من الإحليل فعندهما أن خروجه منه لأن له منفذا فإذا قطر فيه يصل إلى الجوف كالإقطار في الأذن و عند أبي حنيفة أن خروج البول منه من طريق الترشح كترشح الماء من الخزف الجديد فلا يصل بالإقطار فيه إلى الجوف و الظاهر أن البول يخرج منه خروج الشيء من منفذه كما قالا .
و روى الحسن عن أبي حنيفة مثل قولهما و على هذه الرواية اعتمد أستاذي C و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي و قول محمد مع أبي حنيفة .
و أما الإقطار في قبل المرأة فقد قال مشايخنا : أنه يفسد صومها بالإجماع لأن لمسانتها منفذا فيصل إلى الجوف كالإقطار في الأذن و لو طعن برمح فوصل إلى جوفه أو إلى دماغه فإن أخرجه مع النصل لم يفسد و إن بقي النصل فيه يفسد و كذا قالوا : فيمن ابتلع لحما مربوطا على خيط ثم انتزعه من ساعته أنه لا يفسد و إن تركه فسد و كذا روي عن محمد في الصائم إذا أدخل خشبه في المقعد أنه لا يفسد صومه إلا إذا غاب طرفا الخشبية و هذا يدل على أن استقرار الداخل في الجوف شرط فساد الصوم .
و لو أدخل أصبعه في دبره قال بعضهم : يفسد صومه و قال بعضهم : لا يفسد و هو قول الفقيه أبي الليث لأن الأصبع ليست بآلة الجماع فصارت كالخشب و لو اكتحل الصائم لم يفسد و إن وجد طعمه في حلقه عند عامة العلماء و قال ابن أبي ليلى : يفسد .
وجه قوله : أنه لما وجد طعمه في حلقه فقد وصل إلى جوفه .
و لنا : ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : [ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان و عيناه مملوأتان كحلا كحلتهما أم سلمة ] و لأنه لا منفذ من العين إلى الجوف و لا إلى الدماغ و ما وجد من طعمه فذاك أئره لا عينه و أنه لا يفسد كالغبار و الدخان و كذا لو دهن رأسه او أعضاءه فتشرب فيه أنه لا يضره لأنه وصل إليه الأثر لا العين و لو أكل حصاة أو نواة أو خشبا أو حشيشا أو نحو ذلك مما لا يؤكل عادة و لا يحصل به قوام البدن يفسد صومه لوجود الأكل صورة .
و لو جامع امرأته فيما دون الفرج فأنزل أو باشرها أو قبلها أو لمسها بشهوة فأنزل يفسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة عليه و كذا إذا فعل ذلك فأنزلت المرأة لوجود الجماع من حيث المعنى و هو قضاء الشهوة بفعله و هو المس بخلاف النظر فإنه ليس بجماع أصلا لأنه ليس بقضاء للشهوة بل هو سبب لحصول الشهوة على ما نطق به الحديث : [ إياكم و النظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة ] .
و لو عالج ذكره فأمنى اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : لا يفسد و قال بعضهم : يفسد و هو قول محمد بن سلمة و الفقيه أبي الليث لوجود قضاء الشهوة بفعله فكان جماعا من حيث المعنى و عن محمد : فيمن أولج ذكره في امرأته قبل الصبح ثم خشي الصبح فانتزع منها فأمنى بعد الصبح أنه لا يفسد صومه و هو بمنزلة الاحتلام .
و لو جامع بهيمة فأنزل فسد صومه و عليه القضاء و لا كفارة عليه لأنه و إن وجد الجماع صورة و معنى و هو قضاء الشهوة لكن على سبيل القدور لسعة المحل و لو جامعها و لم ينزل لا يفسد .
و لو حاضت المرأة أو نفست بعد طلوع الفجر فسد صومها لأن الحيض و النفاس منافيان للصوم لمنافاتهما أهلية الصوم شرعا بخلاف القياس بإجماع الصحابة Bهم على ما بينا فيما تقدم بخلاف ما إذا جن إنسان بعد طلوع الفجر أو أغمي عليه و قد كان نوى من الليل إن صومه ذلك اليوم جائز لما ذكرنا أن الجنون و الإغماء لا ينافيان أهلية الأداء و إنما ينافيان النية بخلاف الحيض و النفاس و الله تعالى أعلم